25 دولارا مقابل كيلوغرام من الطحين: الفلسطينيون في غزة يواجهون صعوبة في العثور على الغذاء والدواء
ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة تصل إلى 1000% منذ 7 أكتوبر، وتقول الأمم المتحدة إن 500 ألف فلسطيني يتضورون جوعا، مع تفاقم الوضع الإنساني وسط الحرب
أفراد عائلة أبو جراد الذين تقطعت بهم السبل في أحد أركان جنوب غزة، يتشبثون بروتين صارم للبقاء على قيد الحياة.
لقد نزحوا من منزلهم المكون من ثلاث غرف نوم في شمال غزة بعد اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس قبل ما يقارب من ثلاثة أشهر. وتعيش الأسرة المكونة من 10 أفراد الآن في خيمة مساحتها 16 مترا مربعا على قطعة أرض رملية تتناثر فيها القمامة، وهي جزء من مخيم مترامي الأطراف للنازحين الفلسطينيين.
يتم تكليف كل فرد من أفراد الأسرة بمهام يومية، من جمع الأغصان إلى إشعال النار للطهي، إلى البحث في أسواق المدينة عن الخضار. لكن أفضل جهودهم لا يمكن أن تخفي يأسهم.
تقول عواطف أبو جراد، وهي من كبار السن في العائلة: “في الليل، تحوم الكلاب حول الخيام. نحن نعيش مثل الكلاب!”
يقول الفلسطينيون الذين لجأوا إلى جنوب غزة إن كل يوم أصبح بمثابة كفاح للعثور على الغذاء والماء والدواء والحمامات الصالحة للاستخدام، وطوال الوقت، يعيشون في خوف من الغارات الجوية الإسرائيلية والتهديد المتزايد للأمراض.
بدأت الحرب بالهجوم الذي شنته حركة حماس في 7 أكتوبر، والذي شهد تسلل حوالي 3000 مسلح عبر الحدود إلى إسرائيل من غزة عن طريق البر والجو والبحر، مما أسفر عن مقتل حوالي 1200 شخص واختطاف حوالي 240 آخرين، تحت غطاء سيل من آلاف الصواريخ التي تم إطلاقها على البلدات والمدن الإسرائيلية.
وتعهدت إسرائيل بالقضاء على حماس وإعادة الرهائن، فشنت حملة عسكرية واسعة في غزة، والتي دخلت الآن أسبوعها الثالث عشر، والتي دفعت كل الفلسطينيين تقريبا نحو مدينة رفح الجنوبية على طول الحدود المصرية.
كان عدد سكان المنطقة قبل الحرب يبلغ حوالي 280 ألف نسمة، وهو عدد ارتفع إلى أكثر من مليون في الأيام الأخيرة، وفقا لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
تكتظ المباني السكنية في رفح بالناس، وهم في الغالب عائلات موسعة فتحت أبوابها لأقاربها النازحين. وفي غرب المدينة، نصبت آلاف الخيام المصنوعة من النايلون. وينام آلاف الأشخاص في العراء، على الرغم من طقس الشتاء البارد والممطر في كثير من الأحيان.
معظم منطقة شمال غزة يقع الآن تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي، الذي حض في بداية الحرب الفلسطينيين على إخلاء المنطقة والتوجه جنوبا.
مع تقدم الحرب، تم إصدار المزيد من أوامر الإخلاء لمناطق في الجنوب، مما أجبر المدنيين الفلسطينيين على الاكتظاظ في مساحات أصغر، بما في ذلك في رفح وفي قطعة أرض مجاورة تسمى المواسي. وحتى هذه المساحات الآمنة المزعومة غالبا ما تهزها الغارات الجوية والقصف عندما تهاجم إسرائيل أهدافا تابعة لحماس في المنطقة.
تقول وزارة الصحة في غزة إن القتال أسفر عن مقتل 22,400 فلسطيني، إلا أنه لا يمكن التحقق من هذه الأرقام، ويُعتقد أنها تشمل مدنيين ومقاتلي حماس الذين قُتلوا في غزة، من بينهم أولئك الذين قُتلوا نتيجة فشل في إطلاق الصواريخ الفلسطينية.
وفقا لنعمان، شقيق عواطف، فإن الصراع أجبر العائلة على التنقل في كل أنحاء غزة. فرت العائلة من منزلها في بلدة بيت حانون على الحدود الشمالية في اليوم الأول من الحرب ومكثت مع أحد الأقارب في بلدة بيت لاهيا القريبة.
بعد ستة أيام، ازدادت حدة الغارات الإسرائيلية في المنطقة الحدودية مما دفع العائلة إلى الانتقال جنوبا إلى مستشفى القدس في مدينة غزة. عندما بدأ الناس بإخلاء المستشفى بعد يومين، سافرت العائلة إلى مخيم النصيرات في وسط غزة، في رحلة قطعوا فيها مسافة 10 كيلومترات سيرا على الأقدام.
مكثت العائلة في مبنى مدرسة مكتظ تابع للأمم المتحدة في النصيرات لأكثر من شهرين، لكن أفرادها غادروا المكان في 23 ديسمبر عندما حول الجيش الإسرائيلي تركيزه نحو أهداف حماس في مخيمات اللاجئين بوسط غزة.
وفرت العائلة إلى المواسي في 23 ديسمبر ظنا منهم بأنها الخيار الأكثر أمانا. في الليلة الأولى، نام أفرداها في العراء، ثم اشتروا النايلون والخشب في سوق رفح لبناء خيمة.
ينام نعمان، الذي يعمل محاسبا، على الأرض المغطاة بالنايلون مع زوجته وشقيقته وبناته الست وحفيده. وينام جميعهم على جوانبهم لتوفير المساحة.
وقال إن سعر الخيمة بلغ 1000 شيكل، حوالي 276 دولار، مضيفا إنه “أمر جنوني تماما”. وفي ظل اقتصاد الحرب القائم على الطلب في رفح، تتراوح أسعار الخيام العائلية الأكبر حجما المبنية مسبقا بين 800 دولار و1400 دولار.
تبدأ معاناة الأسرة في الساعة الخامسة صباحا. يقول نعمان إن وظيفته الأولى هي إشعال النار لطهي وجبة الإفطار، بينما تعجن زوجته وبناته العجين للحصول على خبز ثم يغسلون أوانيهم وصينية الطبخ المعدنية.
بعد تناول الطعام، يتحول اهتمامهم إلى جلب الماء والطعام، وهما مهمتان تستغرقان معظم ساعات النهار.
يقول نعمان إن عددا من أقاربه الأصغر سنا يجمعون أباريق الماء من أحد الأنابيب العامة القريبة، وهي مياه تستخدم للغسيل فقط وغير صالحة للشرب. بعد ذلك، يتوجهون إلى واحدة من عشرات صهاريج مياه الشرب المنتشرة في جميع أنحاء المدينة، حيث ينتظرون في الطابور لساعات.
ويبلغ سعر غالون مياه الشرب شيكلا واحدا، أو 28 سنتا. وينتظر البعض، الذين هم في أمس الحاجة إلى المال، في الطابور فقط لبيع مساحتهم.
بعد جلب المياه، تنتقل العائلة بين عدة أسواق مفتوحة للبحث عن الخضار والدقيق والأغذية المعلبة لتناولها في وجبة المساء. في غضون ذلك، ينشغل نعمان بالبحث عن الأغصان وقطع الخشب لإشعال النار.
ارتفعت أسعار المواد الغذائية ارتفاعا حادا وتواجه غزة نقصا حادا في الغذاء والدواء وتعتمد إلى حد كبير على المساعدات والإمدادات التي تأتي عبر معبرين، أحدهما مصري والآخر إسرائيلي، وما تمت زراعته في الموسم الأخير. وقالت الأمم المتحدة في أواخر ديسمبر الماضي إن أكثر من نصف مليون شخص في غزة – أي ما يقرب من ربع السكان – يعانون من الجوع.
وأظهرت إسرائيل أدلة على قيام حماس بسرقة بعض المساعدات الإنسانية المخصصة للمدنيين في غزة.
وتقول داليا أبو سمهدانة، وهي أم شابة تعيش مع عائلة عمها في منزل مكتظ يأوي 20 شخصا في رفح، إن المواد الغذائية الأساسية الوحيدة في سوقها المحلية هي الطماطم والبصل والباذنجان والبرتقال والدقيق، ولا يمكن تحمل تكلفة أي منها.
بلغ ثمن كيس الدقيق الذي يبلغ وزنه 25 كيلوغراما قبل 7 أكتوبر حوالي 10 دولارات. ومنذ ذلك الحين يتراوح بين 40-100 دولار.
وقالت أبو سمهدانة: “لقد نفدت أموالي تقريبا”، وهي غير متأكدة من كيف ستتمكن من إطعام طفلتها.
يحق للفلسطينيين النازحين في رفح الحصول على مساعدات مجانية إذا قاموا بالتسجيل لدى الأونروا، التي توزع الدقيق والبطانيات والإمدادات الطبية في 14 موقعا في جنوب غزة. وغالبا ما يقضون ساعات في الطابور في انتظار توزيع المساعدات.
تقول أبو سمهدانة، وهي في الأصل من بلدة خانيونس في جنوب القطاع، إنها حاولت التسجيل للحصول على مساعدات مجانية عدة مرات ولكن تم رفضها بسبب نقص الإمدادات المتاحة.
تعاني الوكالة الأممية من ضغوط هائلة وهي توفر الدعم بالفعل لـ 1.8 مليون شخص في غزة، بحسب جولييت توما، مديرة الاتصالات في الوكالة. وقالت توما إنها لا تعرف ما إذا كانت الوكالة قد توقفت عن تسجيل طالبي المساعدة الجدد.
ومع قلة الخيارات المتبقية، لجأ بعض الفلسطينيين الجياع في رفح إلى الاستيلاء على الرزم من شاحنات المساعدات أثناء مرورها. وأكدت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن بعض إمدادات المساعدات قد سُرقت من الشاحنات خلال تحركها لكنها لم تقدم أي تفاصيل.
وشوهدت شرطة حكومة حماس التي ترافق شاحنات المساعدات من المعابر الحدودية إلى مستودعات الأمم المتحدة وهي تعتدي على الناس، ومعظمهم من المراهقين، بالضرب أثناء محاولتهم انتزاع ما في وسعهم. وفي بعض الحالات، أطلق عناصرها أعيرة نارية في الهواء.
في غضون ذلك، يحذر مسؤولو الصحة من تزايد انتشار الأمراض، خاصة بين الأطفال.
وقد أبلغت منظمة الصحة العالمية عن عشرات الآلاف من حالات التهابات الجهاز التنفسي العلوي، والإسهال، والقمل، والجرب، وجدري الماء، والطفح الجلدي، والتهاب السحايا في ملاجئ الأمم المتحدة.
ويعود الانتشار السريع للأمراض أساسا إلى الاكتظاظ وسوء النظافة بسبب نقص المراحيض والمياه اللازمة للاغتسال.
وقامت عائلة أبو جراد بحفر مرحاض مؤقت ملحق بالخيمة لتجنب الحمامات المشتركة. ومع ذلك، فإن الأسرة معرضة للإصابة بالأمراض.
تقول ماجدة، زوجة نعمان، إن “حفيدتي تبلغ من العمر 10 أشهر، ومنذ اليوم الذي أتينا فيه إلى هذا المكان، تعاني من فقدان الوزن ومن الإسهال”
التوجه إلى الصيدلية لا يساعد كثيرا، حيث تقول ماجدة “لا يمكننا العثور على أي أدوية (مناسبة) متاحة”.