إسرائيل في حالة حرب - اليوم 584

بحث
"لقد جربنا الحروب مرارا وتكرارا ولم ننجح“

يوم الذكرى المشترك يصادف عقده الثاني؛ المشاركون يقولون إنه المستقبل

المشاركة في الحدث الإسرائيلي-الفلسطيني المشترك المثير للجدل لتكريم القتلى من كلا الجانبين في ازدياد، حتى في ظل مذبحة 7 أكتوبر والحرب المستمرة في غزة

فلسطينيون وإسرائيليون وسياسيون يحضرون مراسم يوم الذكرى الإسرائيلي-الفلسطيني المشترك في تل أبيب في 3 مايو 2022، بينما تحيي إسرائيل يوم الذكرى السنوي. (Tomer Neuberg/Flash90)
فلسطينيون وإسرائيليون وسياسيون يحضرون مراسم يوم الذكرى الإسرائيلي-الفلسطيني المشترك في تل أبيب في 3 مايو 2022، بينما تحيي إسرائيل يوم الذكرى السنوي. (Tomer Neuberg/Flash90)

ليئورا إيلون، وهي من سكان كيبوتس كفار عزة، فقدت ابنها طال إيلون – قائد فرقة الطوارئ في الكيبوتس – خلال الهجوم الذي وقع في 7 أكتوبر 2023، والذي قُتل فيه نحو 1200 شخص على يد مسلحين تابعين لحركة حماس في جنوب إسرائيل، واختطف 251 آخرين إلى قطاع غزة.

قررت إيلون أن أكبر انتقام من حماس لمقتل طال هو نبذ أساليب العنف التي استخدمها المسلحون والانضمام إلى ”منتدى العائلات الثكلى“، وهي منظمة يسارية تعمل على التعايش وتشارك في حوار إسرائيلي-فلسطيني وتدعو إلى إنهاء الصراع المسلح بين الشعبين.

متحدثة لـ”تايمز أوف إسرائيل”، أوضحت إيلون اختيارها.

وقالت ”كنت ناشطة سلام لسنوات عديدة حتى 7 أكتوبر. بعد 7 أكتوبر، تغير العالم من حولي، لكن هذا لا يعني أنني يجب أن اسمح له بتغييري. أنا أعرف من أنا. لقد جربنا الحروب مرات عديدة ولم ينجح ذلك. أؤمن بشدة بشعار المنتدى: ’لن ينتهي الأمر حتى نتحدث’“.

قبل عشرين عاما، ساعدت روح الحوار والتجارب المشتركة على ظهور حدث بديل يقام سنويا إلى جانب المراسم الرسمية الإسرائيلية في يوم ذكرى الجنود قتلى حروب إسرائيل وضحايا الأعمال العدائية. ينظم منتدى العائلات الثكلى ومنظمة إسرائيلية-فلسطينية أخرى وهي ”مقاتلون من أجل السلام“، الآن سنويا مراسم لإحياء يوم ذكرى إسرائيلي-فلسطيني مشترك، والذي يجمع الإسرائيليين والفلسطينيين الذين فقدوا أحباءهم في الصراع.

مراسم هذا العام أقيمت مساء الثلاثاء في تل أبيب وتم بثها في 160 موقعا في إسرائيل والأراضي الفلسطينية وحول العالم.

لطالما كان هذا الحدث مثيرا للجدل بين اليهود والعرب، وكانت هناك محاولات للاحتجاج عليه أو تعطيله، وهو يقام باللغتين العبرية والعربية ويحيي ذكرى الضحايا الفلسطينيين والإسرائيليين جنبا إلى جنب.

فلسطينيون وإسرائيليون يحضرون مراسم المشتركة لعائلت الضحايا الإسرائيليين والفلسطينيين في يوم الذكرى الإسرائيلي، والذي نظمته منظمة مقاتلون من أجل السلام ومنتدى العائلات الثكلى في تل أبيب، 24 أبريل 2023. (Itai Ron/Flash90)

واصلت المنظمتان عملهما على مدار الـ 19 شهرا الماضية في ظل مذبحة 7 أكتوبر والحرب في غزة، واستمر إحياء يوم الذكرى البديل. لكن الموت والخسارة جعلت من الصعب على المشاركين الاستمرار في الحديث عن السلام والمستقبل المشترك مع ارتفاع عدد القتلى في غزة واستمرار إسرائيل في مواجهة تداعيات الهجوم الأكثر دموية في تاريخها.

ومع ذلك، شهدت الحرب المستمرة في غزة انضمام بعض الأعضاء الجدد. قالت نادين خميسية، المديرة التنفيذية المشاركة لمنتدى العائلات الثكلى لـ ”تايمز أوف إسرائيل“ إنه إلى جانب إسرائيليين يهود مثل إيلون، انضم إلى المنتدى أعضاء فلسطينيون جدد فقدوا العديد من أقاربهم خلال الحملة العسكرية التي يشنها الجيش الإسرائيلي ضد حماس.

وقالت خميسية: ”فقد أحد الأعضاء حوالي 67 من أقاربه في مجزرة واحدة في غزة. كان من السهل عليهم الانسحاب من هذه المنظمة ومن هذا النوع من العمل. لكن عندما تسمع أشخاصا دفعوا الثمن الأغلى يدعون إلى مستقبل مشترك ويريدون أن يُسمع صوتهم أكثر، فهذا ما يدفعني إلى الاستمرار كل يوم“.

الوقوف عند مفترق طرق

بالنسبة لليهودية الإسرائيلية إستر كورانيي، المديرة التنفيذية المشاركة لمنظمة “مقاتلون من أجل السلام”، أجبرتها المجزرة التي قادتها حماس في 7 أكتوبر على التوقف لحظة للتفكير بعمق.

وقالت كورانيي: ”قررنا الاستمرار في مسيرتنا في 8 أكتوبر. كانت هناك لحظة من عدم اليقين، لكنها لم تدم سوى نصف يوم. أدركنا أنه على الرغم من الصدمة والمفاجأة المروعة التي حدثت في 7 أكتوبر، فإن مهمتنا لم تتغير، بل إنها أصبحت أكثر ضرورة من أي وقت مضى“.

إستر كورانيي، المديرة التنفيذية المشاركة لمنظمة ”مقاتلون من أجل السلام“ (Ghassan Banoura)

طارق الحلو (24 عاما) من أريحا، الذي انضم إلى “مقاتلون من أجل السلام” في عام 2021، تحدث هو أيضا إلى “تايمز أوف إسرائيل” عن الشكوك التي راودته بعد 7 أكتوبر وأثناء حرب غزة.

وقال: ”من جانب أمي وحدها، قُتل حوالي 100 شخص في غزة، ناهيك عن الأصدقاء في الضفة الغربية الذين قُتلوا أو اعتُقلوا أو ضُربوا“، وأضاف ”تساءلت عما إذا كان من المنطقي أن أظل ناشطا في مقاتلون من أجل السلام. فكرت: ’هل ما أفعله مهم أصلا؟‘ لكن كان هناك اجتماع وحوار مع إسرائيليين، تعلمت خلاله أشياء جديدة. قررت العودة إلى العمل. عندما سمعت الإسرائيليين يعبرون عن أسفهم للمذابح التي تحدث في غزة، ورغبتهم في وقف هذه الحلقة المفرغة، وقولهم لي إن كلماتي أعطتهم الأمل، أعطاني ذلك الأمل أيضا“.

تُقام مراسم إحياء يوم الذكرى المشترك في تل أبيب، ويشكل البث العام لها في قرية بيت جالا، بالقرب من بيت لحم، الحدث المركزي للفلسطينيين الذين لا يستطيعون دخول إسرائيل. ورغم التحديات التي واجهتها الأشهر التسعة عشر الماضية، أفاد المنظمون بارتفاع في المشاركة والمشاهدة. وقد استقطبت المراسم العام الماضي، وهي الأولى التي تقام بعد السابع من أكتوبر واندلاع الحرب، أكبر حشد على الإطلاق، إذ بلغ 15 ألف مشارك. وفي السنوات الأخيرة، تابع حوالي 200 ألف شخص المراسم عبر الإنترنت.

وقالت خميسية، وهي من سكان بيت لحم: ”في عام 2024 وحده، استقبلنا 80 عضوا جديدا، وانضم بالفعل 30 عضوا جديدا إلى المنتدى هذا العام من كلا الجانبين. كما زاد عدد فعاليات العرض المباشر – حيث يتجمع الناس لمشاهدة الحدث معا بدلا من مشاهدته بمفردهم عبر الإنترنت. ونشهد توسع هذه الظاهرة على الصعيد الدولي أيضا“.

خيانة القضية الفلسطينية

يقر الجانبان بأن مناقشة السلام أصبحت أكثر صعوبة في العامين الأخيرين.

أحمد، وهو فلسطيني يعيش في منطقة القدس وطلب عدم الكشف عن هويته حفاظا على سلامته، انضم إلى منظمة ”مقاتلون من أجل السلام“ قبل خمسة أشهر.

وقال ”أسرتي المباشرة تدعم العيش المشترك، لذا لا توجد مشكلة معهم. لكن في المجتمع الأوسع، يجب أن أكون أكثر حذرا. ليس من أجل نفسي بقدر ما هو من أجل سلامة أسرتي. إن رؤيتي أشارك في الحوار وبناء السلام قد يعرضهم للخطر، خاصة سمعتهم“.

فلسطينيون وإسرائيليون يحضرون مراسم المشتركة لعائلت الضحايا الإسرائيليين والفلسطينيين في يوم الذكرى الإسرائيلي، والذي نظمته منظمة مقاتلون من أجل السلام ومنتدى العائلات الثكلى في تل أبيب، 24 أبريل 2023. (Itai Ron/Flash90)

اشتدت الانتقادات من كلا الجانبين: الإسرائيليون يواجهون التداعيات ما بعد مذبحة 7 أكتوبر التي ارتكبتها حماس؛ والفلسطينيون يترنحون تحت وطأة الدمار المستمر في غزة.

وقالت خميسية ”من الصعب أكثر من أي وقت مضى التحدث عن السلام والإنسانية المشتركة عندما يكون الناس تحت الحصار والاحتلال. بعض الناس غاضبون مني. حتى أن البعض يصفني بالخائنة للقضية الفلسطينية. لكنني أجد أيضا الكثير من المؤيدين، حتى من بين الصامتين، الذين يقدمون لي التشجيع. فهم يدركون أن الحديث عن السلام ليس استسلاما بل هو طريقة مختلفة للمطالبة بالعدالة والتحرير للفلسطينيين”.

ووصفت كورانيي أيضا تعاملها مع الانتقادات بعد 7 أكتوبر.

وقالت: ”مثلما لا يفكر جميع الإسرائيليين بنفس الطريقة، لا يفكر جميع الفلسطينيين بنفس الطريقة. في كلا المجتمعين، هناك أصوات متطرفة. مثلما أنني لا أتفق مع ما يقوله الوزير بن غفير، هناك فلسطينيون لا يتفقون مع ما تفعله حماس. نحن نعمل مع هؤلاء الفلسطينيين“.

كما قالت هي أيضا إنها تختار بعناية الأشخاص الذين تخبرهم عن نشاطها.

نادين خميسية، المديرة التنفيذية المشاركة لمنتدى العائلات الثكلى. (Courtesy)

وقالت ”أحيانا، تتلقى ردود فعل مفاجئة. ذات مرة، تحدثت مع زوجين صهيونيين متدينين كان حفيدهما قد أصيب بجروح بالغة في غزة. أخبرتهما بما أفعله، فأبديا إنسانية واهتماما تجاه الفلسطينيين، مما فتح باب حوار حقيقي“.

وقال أحمد إنه على الرغم من سهولة تواصله مع النضال الفلسطيني لأنه جزء من حياته اليومية، إلا أن فظائع 7 أكتوبر عقدت الأمور عليه عاطفيا.

”عندما أدركت حجم ما حدث، قلت في نفسي: ’أريد لشعبي أن يكون حرا، ولكن ليس بهذه الطريقة‘. كان من الصعب عليّ أن أرى الألم الذي يعانيه أصدقائي الإسرائيليون أيضا. كنت قلقا أيضا من المزيد من الألم الذي سيجلبه رد الفعل“، كما قال.

وأضاف ”في الوقت نفسه، كان من المؤلم أن أرى أن الألم لا يهم إلا عندما يكون ألم الإسرائيليين. بالنسبة للفلسطينيين، المعاناة هي أمر يومي، وليست شيئا يحدث من حين لآخر. نحن نعيش في واقع من الظلم المنهجي المتجذر بعمق في كل جانب من جوانب الحياة. أتفهم لماذا قد يتصرف بعض الناس، الذين يشعرون باليأس ويسعون إلى الحرية، بهذه الطريقة، على الرغم من أنني لا أستطيع أن أؤيد أو أدعم كل تصرف. الأحداث التي سبقت 7 أكتوبر وأثناءها وبعدها لم تؤد إلا إلى تعزيز قناعتي بأن السلام لا يمكن أن يُبنى على التعاطف الانتقائي“.

هكذا يجب أن يكون يوم الذكرى

إحدى النقاط الرئيسية في الانتقادات الموجهة إلى المراسم المشتركة هي أنه يقام في يوم الذكرى الرسمي لإسرائيل، الذي يكرس تقليديا لذكرى الجنود قتلى معارك إسرائيل وضحايا الأعمال العدائية. ويرى البعض أن إحياء ذكرى الفلسطينيين والإسرائيليين معا يعد إهانة.

لكورانيي وجهة نظر مختلفة: ”في النهاية، الإسرائيليون لن يذهبوا إلى أي مكان، والفلسطينيون لن يذهبوا إلى أي مكان. إذا تخيلنا مستقبلا مشتركا، فلا بد أن يكون هكذا. يجب أن يصبح يوم الذكرى يوم حداد للشعبين، لأن هذه الأرض ملك للشعبين“.

مراسم يوم ذكرى إسرائيلي-فلسطيني مشترك في تل أبيب، 13 مايو 2024 (Gili Getz)

من الجانب الفلسطيني، قرار المشاركة في يوم الذكرى الإسرائيلي ليس سهلا أيضا، لأنه يكرّم جنودا قد يكونون قُتلوا أثناء قتالهم الفلسطينيين.

وأوضحت خميسية كيف يتغلب المشاركون على هذا الأمر: ”ما يميز أعضائنا هو حوارهم مع بعضهم البعض. فهم يستمعون إلى روايات بعضهم البعض ويحترمونها. نحن لا نطلب من أحد أن ينسى ألمه، بل نطلب منه أن يحوله إلى شيء أكبر من الانتقام. أعضاؤنا يحزنون معا، ويذكرون العالم بأنهم ليسوا أرقاما، بل بشر. كلنا بشر“.

ليئورا إيلون، من سكان كيبوتس كفار عزة، التي فقدت ابنها في 7 أكتوبر 2023، وهي عضو في منتدى العائلات الثكلى. (Courtesy)

شاركت الأم الثكلى إيلون مثالا على الانتقادات التي تلقتها من مجتمعها في كيبوتس كفار عزة.

وقالت ”في 7 أكتوبر 2024، بعد عام من المجزرة، أجريت مقابلات تحدثت فيها عن السلام. أرسلت لي امرأة من الكيبوتس رسالة غاضبة على واتساب، تسألني كيف أجرؤ على قول هذه الكلمات في حين لا يزال هناك رهائن في غزة. غضبها أثر فيّ. رددت عليها بأنني آمل أن يكون لمجتمعنا متسع لجميع الأصوات، صوتها وصوتي على حد سواء. لا مشكلة لدي مع الأشخاص الذين يتصرفون بدافع الألم. إذا استطعنا أن نرى ألم بعضنا البعض، فلن يكون هناك صراع“.

حتى قبل انضمامها إلى منتدى العائلات الثكلى، قالت إيلون إنها وجدت صعوبة في التعاطف مع رموز يوم الذكرى الإسرائيلي.

وقالت إيلون، موضحة لماذا ترى أن مراسم المشتركة في يوم الذكرى البديل أكثر أهمية بالنسبة لها من المراسم التقليدية: ”لطالما كنت أرفض الرموز العسكرية”.

وروت “بعد 7 أكتوبر، عشت مؤقتا لمدة سبعة أشهر في سكن جامعة رايخمان. عندما غادرت، أعطيتهم ’صندوق الشرف’ الذي أرسله جيش الدفاع بعد وفاة طال. تركته وأنا أشعر بالسخرية، ’ما علاقتي بذلك؟’ ولكن بعد ذلك، خلال حفل الوداع، عندما كتبت رسالة سلام وأمل باللغتين العبرية والعربية لأرفقها بالصندوق، أصبح الصندوق شيئا يخصني. وينطبق الأمر نفسه على هذه المراسم المشتركة – فهي تعكس تطلعي الحقيقي للسلام“.

اقرأ المزيد عن