وفاة الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر عن عمر ناهز 100 عام
توسط الرئيس الأمريكي الراحل في اتفاق السلام التاريخي بين إسرائيل ومصر لكنه أثار غضب بعض أجزاء المجتمع اليهودي بسبب انتقاداته لإسرائيل
(رويترز) – توفي الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر الحائز على جائزة نوبل للسلام عن عمر ناهز 100 عام، حسبما ذكر مركز كارتر أمس الأحد.
كان كارتر مزارعا في حقول الفول السوداني في ولاية جورجيا وواجه خلال توليه رئاسة الولايات المتحدة مشكلات منها سوء الأوضاع الاقتصادية وأزمة الرهائن في إيران لكنه توسط في السلام بين إسرائيل ومصر وحصل فيما بعد على جائزة نوبل للسلام عن عمله الإنساني.
وفي السنوات التي تلت ولايته في البيت الأبيض، زادن انتقادات كارتر لإسرائيل، وبلغت ذروتها مع نشر كتابه “فلسطين: السلام وليس الفصل العنصري” في عام 2006. وفي حين دفعت الخلافات حول الكتاب البعض في العالم اليهودي إلى اتهام الرئيس السابق بمعاداة السامية، رأى آخرون أن الخلاف يغطي على إرث يجب الإشادة به.
وقال ستيوارت إيزنستات، الذي كان مستشارًا للسياسة الداخلية لكارتر وهو الآن المستشار الخاص لوزارة الخارجية بشأن قضايا الهولوكوست إنه يجب “أن نرى كارتر في السياق الكامل لما حققه. كان ينبغي أن يكون شخصية بطولية”.
وكان كارتر صريحا في انتقاداته للقادة الإسرائيليين وسياسة الاستيطان والوجود اليهودي المستمر في الأراضي الفلسطينية. ولم يلتق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بكارتر خلال رحلة الرئيس السابق إلى إسرائيل في عام 2015. في المقابل، قال كارتر للصحافة إن حل الدولتين أصبح بعيد المنال طالما بقي نتنياهو في السلطة، بينما زعم أن حركة حماس تسعى للسلام.
لكن كتابه الصادر عام 2006 أكثر ما أثار غضب الجالية اليهودية. فقد تعرض لانتقادات واسعة النطاق ومزاعم بأنه غير متوازن في تقييمه لفشل مفاوضات السلام. وكان سبب الانتقادات إلى حد كبير هو استخدام مصطلح الفصل العنصري، والذي تراجع عنه لاحقا وأصبح مترددا في استخدامه علنا.
وقال أبراهام فوكسمان، المدير الوطني لرابطة مكافحة التشهير آنذاك: “العنوان هو نزع الشرعية عن إسرائيل، لأن إسرائيل إذا كانت مثل جنوب إفريقيا، فهي لا تستحق أن تكون دولة ديمقراطية. إنه مستفز، ومثير للغضب، ومتعصب”.
وقال البيت الأبيض في بيان إن الرئيس الأمريكي جو بايدن وجه بأن يكون التاسع من يناير يوما للحداد الوطني على وفاة كارتر في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
وقال بايدن “أدعو الشعب الأمريكي للتجمع في ذلك اليوم في أماكن العبادة الخاصة بهم لتكريم ذكرى الرئيس جيمي كارتر”.
وقال تشيب كارتر نجل الرئيس الراحل “كان والدي بطلا، ليس فقط بالنسبة لي، بل لكل من يؤمن بالسلام وحقوق الإنسان والحب المجرد من الأنانية. تشاركت أنا وإخوتي وأختي هذا الحب مع بقية العالم من خلال هذه المبادئ المشتركة. العالم هو عائلتنا بسبب الطريقة التي جمع بها الناس معا، نشكركم على تكريم ذكراه من خلال الاستمرار في العيش وفقا لهذه المبادئ المشتركة”.
وكان ينتمي للحزب الديمقراطي وشغل منصب الرئيس من عام 1977 إلى 1981 بعد هزيمة الرئيس الجمهوري آنذاك جيرالد فورد في انتخابات عام 1976. وتميزت فترة رئاسته الوحيدة بإبرام اتفاقية كامب ديفيد عام 1978 بين إسرائيل ومصر، والتي جلبت بعض الاستقرار إلى الشرق الأوسط.
لكن فترة رئاسته شهدت أيضا ركودا اقتصاديا وتراجعت شعبيته بشكل مستمر، فضلا عن الإحراج الذي أحدثته أزمة الرهائن في إيران والتي استنفدت آخر 444 يوما له في منصبه.
ولم يتمكن من الفوز بولاية ثانية في عام 1980 إذ تلقى هزيمة ساحقة أمام منافسه الجمهوري رونالد ريجان، الممثل السابق وحاكم كاليفورنيا.
وامتد عمر كارتر بعد انتهاء ولايته لفترة أطول من أي رئيس أمريكي آخر. واكتسب سمعة طيبة طوال مسيرته كرئيس سابق مقارنة بما كان عليه الوضع عندما كان رئيسا، وهي المكانة التي كان يدركها.
وأثنى زعماء العالم ورؤساء سابقون للولايات المتحدة على رجل امتدحوه لجهوده على المستوى الإنساني والتزامه بتحقيق السلام في الشرق الأوسط.
وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في منشور على منصة إكس “سيظل دوره البارز في التوصل إلى اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل محفورا في سجلات التاريخ”.
وذكر مركز كارتر أن مراسم عامة ستقام في أتلانتا وواشنطن يليها مراسم دفن خاصة في بلينز.
وأضاف أن الترتيبات النهائية للجنازة الرسمية لم تحدد بعد.
في سنواته الأخيرة، عانى كارتر من مشكلات صحية عديدة مثل الورم الميلانيني الذي انتشر إلى الكبد والدماغ. وقرر كارتر تلقي رعاية خاصة لمن يدنو أجلهم في فبراير 2023 بدلا من الخضوع لتدخل جراحي آخر. وتوفيت زوجته روزالين كارتر في 19 نوفمبر 2023 عن 96 عاما. وبدا هزيلا عندما حضر مراسم تأبينها وجنازتها جالسا على كرسي متحرك.
انتهت ولاية كارتر الرئاسية بعدما خسر شعبيته تماما لكنه عمل بجد على مدى عقود على القضايا الإنسانية. وحصل على جائزة نوبل للسلام في عام 2002 تقديرا “لجهوده الدؤوبة في إيجاد حلول سلمية للصراعات الدولية، وتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية”.
كان كارتر من الوسطيين عندما كان حاكما لولاية جورجيا وذا ميول شعبوية عندما أصبح الرئيس التاسع والثلاثين للولايات المتحدة. وكان دخيلا على واشنطن في وقت كانت فيه البلاد لا تزال تعاني من تداعيات فضيحة ووترجيت التي دفعت الرئيس الجمهوري ريتشارد نيكسون إلى الاستقالة من منصبه في عام 1974 وتولى نائبه جيرالد فورد رئاسة البلاد بعد ذلك.
وقال كارتر بابتسامة عريضة لدى ترشحه “أنا جيمي كارتر وأترشح للرئاسة. لن أكذب عليكم أبدا”.
عندما طُلب من كارتر تقييم فترة رئاسته، قال في فيلم وثائقي عام 1991 “كان أكبر فشل عانينا منه هو الفشل السياسي. لم أتمكن قط من إقناع الشعب الأمريكي بأنني زعيم قوي وحاسم”.
وعلى الرغم من الصعوبات التي واجهها في منصبه، لم ينافس كارتر من الرؤساء السابقين سوى القليل على تحقيق الإنجازات. فقد اكتسب شهرة عالمية باعتباره مدافعا لا يعرف الكلل عن حقوق الإنسان، وصوتا للمحرومين، وزعيما في مكافحة الجوع والفقر، ففاز بالاحترام الذي فقده عندما كان في البيت الأبيض.
ونال كارتر جائزة نوبل للسلام عام 2002 لجهوده في تعزيز حقوق الإنسان وحل النزاعات في مختلف أنحاء العالم، من إثيوبيا وإريتريا إلى البوسنة وهايتي. وأرسل مركز كارتر في أتلانتا وفودا دولية لمراقبة الانتخابات إلى مختلف دول العالم.
كان كارتر مدرسا في مدرسة الأحد التابعة للكنيسة المعمدانية الجنوبية منذ أن كان مجرد فتى، وحمل معه إحساسا قويا بالأخلاق إلى البيت الأبيض حيث تحدث بصراحة عن إيمانه الديني. كما سعى إلى إضفاء بعض التواضع على مظاهر الرئاسة الفاخرة إذ سار بدلا من ركوب سيارة ليموزين في موكب تنصيبه عام 1977.
كان الشرق الأوسط محور السياسة الخارجية لكارتر. وأنهت معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979، التي استندت إلى اتفاقيات كامب ديفيد المبرمة عام 1978، حالة الحرب بين الطرفين.
واستقبل كارتر الرئيس المصري أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيجين في منتجع كامب ديفيد الرئاسي في ماريلاند لإجراء محادثات. ولاحقا عندما بدا أن المفاوضات تنهار، أنقذ كارتر الموقف بالسفر إلى القاهرة والقدس للقيام بجولات دبلوماسية مكوكية بنفسه.
نصت المعاهدة على انسحاب إسرائيل من شبه جزيرة سيناء المصرية وإقامة علاقات دبلوماسية. وفاز كل من بيجين والسادات بجائزة نوبل للسلام عام 1978.
بحلول انتخابات عام 1980، كانت القضايا الرئيسية هي التضخم المرتفع وأسعار الفائدة التي تجاوزت 20 بالمئة وارتفاع أسعار الغاز، فضلا عن أزمة الرهائن في إيران التي جلبت الإذلال للولايات المتحدة. ولطخت هذه القضايا رئاسة كارتر وقوضت فرصه في الفوز بولاية ثانية.
أزمة الرهائن
في الرابع من نوفمبر 1979، اقتحم ثوار موالون لآية الله روح الله الخميني السفارة الأمريكية في طهران، واحتجزوا الأمريكيين الموجودين هناك وطالبوا بإعادة الشاه المخلوع محمد رضا بهلوي، الذي كان مدعوما من الولايات المتحدة وكان يتلقى العلاج في مستشفى أمريكي.
وفي بادئ الأمر، احتشد الشعب الأمريكي خلف كارتر. ولكن دعمه تلاشى في أبريل 1980 عندما فشلت غارة نفذتها قوات خاصة في إنقاذ الرهائن، إذ قُتل ثمانية جنود أمريكيين في حادث طائرة في الصحراء الإيرانية.
وفيما مثل وصمة عار لكارتر في نهاية فترته، أطلقت إيران سراح الرهائن الاثنين والخمسين بعد دقائق من أداء ريجان اليمين الدستورية في 20 يناير 1981، ليحل محل كارتر.
وفي أزمة أخرى، احتج كارتر على غزو الاتحاد السوفيتي السابق لأفغانستان عام 1979 بمقاطعة دورة الألعاب الأوليمبية عام 1980 في موسكو. كما طلب من مجلس الشيوخ الأمريكي تأجيل النظر في اتفاقية الأسلحة النووية الكبرى مع موسكو.
وعلى الرغم من ذلك، ظل السوفيت في أفغانستان لعقد.
وفاز كارتر بموافقة مجلس الشيوخ بأغلبية ضئيلة في عام 1978 على معاهدة لنقل قناة بنما إلى سيطرة الدولة الواقعة في أمريكا الوسطى على الرغم من المنتقدين الذين ذهبوا إلى أن الممر المائي حيوي للأمن الأمريكي. كما أتم المفاوضات بشأن العلاقات الأمريكية الكاملة مع الصين.
أنشأ كارتر وزارتين جديدتين في الإدارة الأمريكية، هما التعليم والطاقة. وفي خضم أسعار الغاز المرتفعة، قال إن “أزمة الطاقة” في الولايات المتحدة كانت “المعادل الأخلاقي للحرب” وحث البلاد على تبني الحفاظ على البيئة. وقال للأمريكيين في عام 1977 “دولتنا هي أكثر الأمم إسرافا على وجه الأرض”.
وفي عام 1979، ألقى كارتر ما أصبح يُعرف بخطاب “الضيق” للأمة، على الرغم من أنه لم يستخدم هذه الكلمة أبدا.
وقال في الخطاب الذي بثه التلفزيون “بعد الاستماع إلى الشعب الأمريكي، تذكرت مرة أخرى أن جميع التشريعات في العالم لا تستطيع إصلاح ما هو خطأ في أمريكا”.
وأضاف “التهديد يكاد يكون غير مرئي بالسبل العادية. إنها أزمة ثقة. إنها أزمة تضرب قلب وروح إرادتنا الوطنية. إن تآكل ثقتنا في المستقبل يهدد بتدمير النسيج الاجتماعي والسياسي لأمريكا”.
وبصفته رئيسا، كان كارتر المتزمت يشعر بالحرج من سلوك شقيقه الأصغر بيلي كارتر الذي كان يشرب الخمر بشراهة، والذي كان يتفاخر بذلك.
“ها أنت ذا مرة أخرى”
صمد جيمي كارتر أمام التحدي الذي فرضه عليه السناتور إدوارد كنيدي من ولاية ماساتشوستس للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة عام 1980، لكن شعبيته السياسية تراجعت قبل معركته الانتخابية أمام خصمه الجمهوري القوي.
كان ريجان، المحافظ الذي أظهر قوة شخصيته، قادرا على إرباك كارتر أثناء مناظراتهما الرئاسية قبل الانتخابات التي جرت في نوفمبر عام 1980.
وقال ريجان لكارتر بازدراء “ها أنت ذا مرة أخرى”، عندما شعر المنافس الجمهوري بأن الرئيس قد أخرج آراء ريجان عن سياقها خلال إحدى المناظرات.
خسر كارتر انتخابات عام 1980 أمام ريجان الذي اكتسح الأصوات في 44 ولاية من أصل 50 وحصد أغلبية ساحقة من أصوات المجمع الانتخابي.
وُلِد جيمس إيرل كارتر الابن في الأول من أكتوبر عام 1924 في بلينز بولاية جورجيا. وكان أحد أربعة أبناء لمزارع وصاحب متجر. تخرج في الأكاديمية البحرية الأمريكية عام 1946 وخدم في برنامج الغواصات النووية قبل أن يرحل لإدارة أعمال زراعة الفول السوداني التي تديرها أسرته.
تزوج من روزالين في عام 1946 وهو الرباط الذي وصفه بأنه “أهم شيء في حياتي”. ورزقا بثلاثة أبناء وبنت.
أصبح كارتر مليونيرا وعضوا في الهيئة التشريعية لولاية جورجيا، وحاكما للولاية من عام 1971 إلى عام 1975. وخاض التنافس للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة عام 1976، وتفوق على منافسيه ليواجه فورد في الانتخابات.
مع ترشح والتر مانديل معه لمنصب نائب الرئيس، حصل كارتر على دفعة بعد زلة لسان لفورد خلال إحدى المناظرات. وقال فورد “لا وجود لهيمنة سوفيتية على أوروبا الشرقية ولن تكون هناك هيمنة سوفيتية على الإطلاق تحت إدارة فورد”، على الرغم من أن تلك الهيمنة كانت موجودة لعقود.
تفوق كارتر على فورد في الانتخابات على الرغم من فوز الجمهوري بعدد أكبر من الولايات بواقع 27 مقابل 23 لكارتر.
لم تحظ كل جهود كارتر بعد تركه الرئاسة بالتقدير. فقد تردد أن الرئيس السابق جورج دبليو بوش ووالده الرئيس السابق جورج بوش الأب، وكلاهما من الحزب الجمهوري، أبديا استياءهما من الدبلوماسية التي انتهجها كارتر في العراق وغيره.
ففي عام 2004، وصف كارتر حرب العراق التي شنها بوش الابن في عام 2003 بأنها “واحدة من أكثر الأخطاء فظاعة وتدميرا التي ارتكبتها أمتنا على الإطلاق”. كما وصف إدارة جورج دبليو بوش بأنها “الأسوأ في التاريخ”، وقال إن نائب الرئيس ديك تشيني “كارثة لبلادنا”.
وفي عام 2019، شكك كارتر في شرعية الجمهوري دونالد ترامب كرئيس، قائلا “وُضع في هذا المنصب لأن الروس تدخلوا لصالحه”. ورد ترامب على ذلك بوصف كارتر بأنه “رئيس فظيع”.
كما زار كارتر كوريا الشمالية الشيوعية. وفي عام 1994 نجحت زيارته في نزع فتيل أزمة نووية حين وافق الرئيس كيم إيل سونج على تجميد برنامجه النووي في مقابل استئناف الحوار مع الولايات المتحدة. وأفضى ذلك إلى اتفاق تعهدت بموجبه كوريا الشمالية بعدم إعادة تشغيل مفاعلها النووي أو إعادة معالجة الوقود في مقابل الحصول على المساعدات.
لكن كارتر أثار حفيظة إدارة الرئيس السابق الديمقراطي بيل كلينتون عندما أعلن عن الاتفاق مع زعيم كوريا الشمالية دون الرجوع إلى واشنطن أولا.
وفي عام 2010، نجح كارتر في إعادة مواطن أمريكي حُكم عليه بالسجن لمدة ثماني سنوات مع الأشغال الشاقة بسبب دخوله كوريا الشمالية بطريقة غير شرعية.
وألف كارتر أكثر من 20 كتابا تتنوع بين مذكراته عندما كان رئيسا إلى كتاب للأطفال والشعر، بالإضافة إلى أعمال حول الإيمان الديني والدبلوماسية. ونُشر كتابه “الإيمان: رحلة للجميع” في عام 2018.