هرتسوغ يتوجه إلى واشنطن في مهمة محفوفة بالمخاطر لإبقاء الخلاف الأمريكي الإسرائيلي تحت السيطرة
الخلافات الداخلية الإسرائيلية تتصاعد بينما يواصل البيت الأبيض انتقاد حكومة نتنياهو؛ لكن هناك مؤشرات على أن الرئيس يأتي في الوقت المناسب
بعد أن عرض نفسه لأشهر كصانع سلام يتوسط بين المعسكرات السياسية المتحاربة في إسرائيل، انطلق الرئيس إسحاق هرتسوغ إلى واشنطن في وقت مبكر يوم الثلاثاء لمحاولة سد هوة أخرى يبدو أنها تتسع مع مرور كل أسبوع.
عند وصوله إلى واشنطن في حوالي الساعة 8:30 صباحا، سيبدأ هرتسوغ رحلته الثانية إلى البيت الأبيض في عهد الرئيس الأمريكي جو بايدن، في الوقت الذي ينتظر فيه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بفارغ الصبر للقاء الرئيس في واشنطن منذ أن عاد إلى منصبه في ديسمبر.
وجاءت هذه الدعوة أخيرًا قبل ساعات من رحلة هرتسوغ، عندما اتصل بايدن هاتفيًا بنتنياهو مساء الإثنين، على الرغم من أنه لم يكن من الواضح ما إذا كان هناك عرض للقاء في البيت الأبيض. وحتى في سنوات باراك أوباما المتوترة، قام نتنياهو بعدة زيارات إلى 1600 شارع بنسلفانيا.
إحصل على تايمز أوف إسرائيل ألنشرة أليومية على بريدك الخاص ولا تفوت المقالات الحصرية آلتسجيل مجانا!
كما يؤكد بيان البيت الأبيض بشان المكالمة، والذي لم يذكر الدعوة أبدا ولكنه سلط الضوء على العديد من المجالات المثيرة للقلق، فإن بايدن ودائرته الداخلية منزعجون بشدة مما يرونه في ظل تحالف نتنياهو المتشدد في القدس. السؤال هو ما مدى اتساع الفجوة بين نتنياهو وبايدن، وما إذا كان بإمكان هرتسوغ فعل أي شيء في الأيام المقبلة لتحقيق تقارب بين الزعيمان المخضرمان.
إذا لم يستطع تحقيق ذلك، فقد تؤدي الخلافات الداخلية الإسرائيلية، والتوترات مع البيت الأبيض، إلى جعل إسرائيل تبدو ضعيفة في أعين أعدائها في طهران وعلى طول حدودها.
وحذر مايكل أورين، السفير الأمريكي في عهد نتنياهو وأوباما، من أن “هذا أمر خطير، لأنه يرسل رسالة انقسام إلى أعدائنا”.
ويعتقد بعض المراقبين أن العلاقات الثنائية وصلت إلى حضيض غير مسبوق.
وقال تشاك فرايليش، نائب مستشار الأمن القومي السابق وزميل رفيع في كلية كينيدي بجامعة هارفارد: “هذه واحدة من أشد، أو حتى أشد أزمة، في تاريخ العلاقات الأمريكية الإسرائيلية”.
وتابع إن “بايدن صديق حقيقي لإسرائيل. أعتقد أنه ببساطة مذهول مما يراه”.
ولا يقتصر الأمر على السياسات المحددة التي ينتقدها البيت الأبيض علنًا، رغم أن واشنطن قد انتقدت بشكل صريح التحركات لتوسيع المستوطنات، والأعمال العسكرية الإسرائيلية التي تضع المدنيين في مرمى النيران، وعدم وجود إجماع على خطة الحكومة لإعادة تشكيل النظام القضائي.
بل يلقي الرئيس بظلال من الشك على الطابع الأساسي لإسرائيل كديمقراطية، قال فرايليش.
بايدن صديق حقيقي لإسرائيل. أعتقد أنه ببساطة مذهول مما يراه.
وأوضح أن “هذه هي القاعدة الأساسية للعلاقة الثنائية… الأهمية الاستراتيجية لإسرائيل ستكون أصغر بكثير لولا حقيقة أنها ديمقراطية ليبرالية”.
لكن لا يخشى البعض الآخر من التوترات، مدعين أن البيت الأبيض يرفض الحكومة الحالية فقط.
“من الواضح أنه يتم تجاهل رئيس الوزراء، لكن الإدارة لا تزال تشير إلى دعمها العميق لإسرائيل على المدى الطويل من خلال دعوة الرئيس [الآن] بدلا من رئيس الوزراء”، قال جوناثان شانزر، النائب الأول لرئيس مركز أبحاث “المؤسسة للدفاع عن الديمقراطيات”.
علاوة على ذلك، قال إن العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل مبنية للصمود أمام هذه العواصف.
“لقد رأينا ذلك خلال الفترة من 2013 إلى 2015 عندما كان يتم التفاوض على الاتفاق النووي وتنفيذه – كان التعاون والمشاركة بين الجانبين واسعًا وعميقًا. على الرغم من وجود توترات على المستوى التنفيذي، عبر البيروقراطيات، استمرت الأمور في التطور وحتى النضج”، قال.
وأكد أن بايدن ونتنياهو، وكلاهما منخرطان بعمق في العلاقة منذ عقود، قد واجها العديد من العوائق، ويعرفان كيفية إبقاء الضرر تحت السيطرة.
لكن خبرة بايدن الطويلة قد تدفعه في الواقع نحو موقف أكثر تشددا اليوم.
خلال زيارة رسمية قام بها نائب الرئيس آنذاك في عام 2010 لتخفيف التوترات، أعلنت وزارة الداخلية أنه سيتم بناء 1600 وحدة سكنية في “رمات شلومو”، وهو حي يهودي في القدس الشرقية. وقد أحرج توقيت الإعلان بايدن، الذي قال إن هذه الخطوة “تقوض الثقة التي نحتاجها الآن وتتعارض مع المناقشات البناءة التي أجريتها هنا في إسرائيل”.
“بايدن يحمل علامات حادثة رمات شلومو. كانت صفعة في وجه نائب الرئيس، صفعة في وجه الرئيس”، قال أورين.
ويرى الكثيرون في ذلك الوقت قرار الإعلان عن البناء – وهي خطوة تقنية في عملية مطولة لا تثير عادة الكثير من الاهتمام – كمحاولة من زعيم حزب “شاس” آنذاك إيلي يشاي الضغط على نتنياهو بشأن مطالب ائتلافية. لكن الآن، قال لأورن، يمكن لشركائه أن يفعلوا ما هو أسوأ بكثير.
وقال: “كان بيبي في سيطرة أكبر على حكومته في ذلك الوقت. تخيله الآن جالسًا في المكتب البيضاوي وأن يقوم [وزير الأمن القومي إيتمار] بن غفير وناخبيه بحرق قرية فلسطينية”.
المشكلة هي سموتريش وبن غفير
قبل الإقلاع، دعا هرتسوغ أعضاء الكنيست والناشطين إلى الوصول إلى تسوية بشأن الإصلاح القضائي. وقال من على المدرج: “من الممكن التوصل إلى صيغ معقولة – سواء فيما يتعلق بموضوع المعقولية أو في مسائل أخرى. هذا يتطلب مجهودًا، ويتطلب التنازل قليلاً، ويتطلب الدخول إلى الغرفة. ليس من الضروري أن يكون في منزل الرئيس، يمكن أن يكون أيضًا خلف الكواليس في الكنيست. ابذلوا جهدًا، فالثمن عالي جدا”.
وعلى الرغم من أن الإصلاح القضائي كان أحد الاهداف الرئيسية لانتقادات واشنطن، إلا أن العديد من الخبراء لا يعتقدون أنه الهدف الرئيسي.
والتقى بايدن مؤخرًا مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والهندي ناريندرا مودي، وكلاهما سنا بالفعل سياسات تأخذ بلديهما في اتجاه غير ليبرالي. لكن الرئيس اختار تجنب توجيه أي انتقاد مباشر، والتركيز بدلا من ذلك على المصالح الحيوية التي تشترك فيها البلدان.
أكثر ما عبر عنه في اجتماعه مع مودي، وفقًا للإدارة، هو أمله في “مستقبل مزدهر قائم على احترام حقوق الإنسان والمبادئ المشتركة للديمقراطية والحرية وسيادة القانون”.
وقال مارك ريغيف، مستشار كبير سابق لنتنياهو الذي يرأس الآن معهد “أبا إيبان” للدبلوماسية الدولية في جامعة رايخمان: “الإصلاح القضائي هو مجرد مسألة سهلة لانتقادها. إحساسي هو أنهم قلقون أكثر بشأن [وزير المالية بتسلئيل] سموتريش وبن غفير”.
وأشار مسؤول إسرائيلي إلى ذلك في حديثه مع تايمز أوف إسرائيل يوم الأحد، قائلا: “لا يمكنهم قبول وجود سموتريش وبن غفير في هذه الحكومة، وبالتأكيد ليس تصريحات مثل يجب محو قرية حوارة [الفلسطينية]”، مشيرًا إلى تعليقات سموتريتش في مارس، والتي اعتذر عنها لاحقًا.
وقال فرايليش: “إنها حكومة لا يمكنها أن تغلق فمها بشأن أي شيء، بما في ذلك العديد من الوزراء الصغار الذين يقولون أشياء تستحق الشجب حقًا عن الولايات المتحدة ورئيس الولايات المتحدة بشكل متكرر. لما كان سيتم التسامح مع هذا من أي بلد آخر”.
وأشار أورين إلى أن موقف بايدن المتشدد تجاه إسرائيل قد يكون نابع إلى حد كبير من الحاجة إلى حشد الدعم من الجناح التقدمي للحزب الديمقراطي. مع احتدام الدورة الانتخابية لعام 2024، تستمر استطلاعات الرأي في الإشارة إلى أن بايدن في موقف محفوف بالمخاطر في منافسته مع دونالد ترامب، وأنه يواجه تحديات هائلة من المرشحين على هامش حزبه.
وقال أورين أنه “ليس في وضع جيد. أعتقد أن أحد أكبر مخاوفه هو أن يطلق الجناح التقدمي للحزب الديمقراطي حملته الخاصة”.
وقد وعد بايدن بإعادة فتح القنصلية الأمريكية أمام الفلسطينيين، الحد من نمو المستوطنات، وإعادة إحياء عملية السلام، لكنه لم يف بأي من تلك الوعود.
“هذا يعني أنه لا يوجد طريق يمكن تصوره للعودة إلى العلاقات الطبيعية بين البيت الأبيض ورئيس الوزراء، طالما أن هذين الرجلين في السلطة”، قال أورين.
لكن بالرغم من كل هذه التحديات، قد تكون هناك مؤشرات على أن الجانبين يتجهان نحو علاقات أكثر هدوءًا.
في الأسبوع الماضي، أجرى بايدن مقابلة مع فريد زكريا من قناة “سي إن إن”، قال فيها إن حكومة نتنياهو الائتلافية تضم بعض “الأعضاء الأكثر تطرفا” الذين رآهم في إسرائيل، وأن وزراء الحكومة الذين يدعمون الاستيطان “أينما يريدون” في الضفة الغربية هم “جزء من المشكلة” في الصراع.
لكن كانت هناك تلميحات على أن بايدن معنيا بتحديد مسار جديد في علاقته مع نتنياهو.
في مارس، عندما سُئل بايدن عما إذا كانت ستتم دعوة نتنياهو إلى البيت الأبيض، قال إن رئيس الوزراء لن يأتي في “المدى القريب”، وسط الإحباط من خطة الإصلاح القضائي. لكن هذه المرة، تهرب بادين من السؤال، مشيرًا بدلاً من ذلك إلى أن هرتسوغ سيأتي إلى واشنطن.
وبينما انتقد ائتلاف نتنياهو، بدا أن بايدن يتعاطف مع المأزق السياسي لرئيس الوزراء. وقال إن نتنياهو “يحاول معرفة كيف يمكنه حل مشاكله الحالية مع تحالفه”.
وأضاف: “آمل أن يستمر بيبي في التحرك نحو الاعتدال”.
وقال ريغيف: “من وجهة نظر إسرائيل، يمكن أن يُنظر إلى ذلك على أنه تحسن”.
ثم جاءت الدعوة الهاتفية ليلة الاثنين، وإن كانت غامضة.
خطاب محفوف بالمخاطر
إذن سيتعين على هرتسوغ محاولة دفع بايدن ونتنياهو إلى التقارب، دون أن يبدو أنه ينتقد الرئيس علنًا.
خلف الأبواب المغلقة، لن يكون من الصعب على هرتسوغ عرض معايير التسوية بشأن الإصلاح القضائي، والتركيز على مجالات الاتفاق بين الدول، مثل تكنولوجيا المناخ والابتكار.
لكن سيتعين على هرتسوغ توخي الحذر في الخطاب العام أمام الكونجرس.
لا يمكن لرئيس إسرائيلي تجنب بعض نقاط الخلاف. سيتعين عليه التطرق إلى الانقسام حول جهود أمريكا للتعامل مع إيران، وسيتعين عليه الإصرار على حرية إسرائيل في التصرف.
وقال شانزر: “هذه مبادئ أساسية أعتقد أنه لن يكون أمام الرئيس خيار سوى التعبير عنها”.
لكن فيما يتعلق بالقضية الإيرانية على الأقل، هناك بالفعل سنوات من الحوار بين واشنطن والقدس، واتفاق على الاختلاف.
وقال شانزر إن “قضية الإصلاح القضائي جديدة. لا يوجد سوى القليل من الأرضية المشتركة. ولم يكن هناك قرار بالموافقة على عدم الموافقة”.
علاوة على ذلك، ومع نمو الفجوات بين المعسكرات في إسرائيل، سيكون من الصعب الوصول إلى لغة مقبولة على الطرفين.
لكن انتقاد الوزراء الحاليين في عاصمة أجنبية لن يكون مناسبا لرئيس إسرائيلي.
وقال شانزر إنه “فيما يتعلق بالإصلاح القضائي والتشكيل الحالي لحكومة نتنياهو، فهذه أمور يجب أن يكون حذرا للغاية فيما يتعلق بما إذا كان سيتطرق إليها أم لا”.
ويريد ريغيف أن يرد هرتسوغ على بعض انتقادات بايدن.
وقال: “أود أن أرى رسالة حيث يكمن جزء من القيم المشتركة في احترام العملية الديمقراطية في إسرائيل. من المحتمل أن بعض الناس في الإدارة كانوا يفضلون نتيجة مختلفة. لكن جزءًا من كونك ديمقراطيًا هو أنك تحترم الانتخابات الديمقراطية في بلد آخر”.
ويمكن أن يقترح هرتسوغ أيضًا صفقة في اجتماعاته المغلقة. في مقابل تنازلات أمريكية بشأن إيران، أو إيماءات من شأنها أن تؤدي إلى اعتراف سعودي بإسرائيل، يمكن لنتنياهو تعليق الإصلاح القضائي وتأكيد سيطرته على جناحه الأيمن.
لكن بالطبع، أولئك الذين يدفعون بالإصلاح القضائي – خاصة وزير العدل ياريف ليفين ورئيس لجنة الدستور والقانون والعدالة في الكنيست سيمحا روتمان – ليسوا على استعداد للتراجع. مثل يشاي في عام 2010، أوضح مؤيدو الإصلاح أنهم لن يسمحوا لنتنياهو تجاهل الاعتبارات السياسية المحلية لصالح الدبلوماسية الدولية.
“نحن لا نختار الرئيس الأمريكي. “وهم لا يختارون رئيس الوزراء الإسرائيلي. ولكن لأننا حلفاء، وأصدقاء، وشركاء، علينا أن نعمل معًا”، قال ريغيف.