“هذه حقيقة دامغة”: المبعوث الأمريكي يحذر أن معظم سكان غزة معرضون لخطر المجاعة الوشيكة
بعد تدفق المساعدات الأخيرة، ساترفيلد يشير إلى نقص الشاحنات في غزة لتوزيعها، ويقر بأن حماس سرقت بعض المساعدات لكنه قال إن معظمها وصل إلى المدنيين الفلسطينيين
حذر منسق إدارة بايدن للشؤون الإنسانية إلى غزة يوم الأربعاء من أن “هناك خطر وشيك من المجاعة بالنسبة لغالبية إن لم يكن جميع سكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة”.
وقال ديفيد ساترفيلد خلال حدث افتراضي استضافته اللجنة اليهودية الأمريكية: “هذه ليست نقطة للنقاش. هذه حقيقة دامغة، تقوم الولايات المتحدة وخبراؤها والمجتمع الدولي وخبراؤه بتقييمها ويعتقدون أنها حقيقية”.
وكانت إسرائيل قد رفضت التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي في الشهر الماضي الذي حذر من مجاعة وشيكة في شمال القطاع، مدعية أن هناك طعام ومياه في المنطقة أكثر مما ادعى العاملون في المجال الإنساني. وتقول اسرائيل إن القرار لم يأخذ في الاعتبار التحسينات الأخيرة التي نفذتها، وقالت إن المشكلة تكمن في الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة التي فشلت في توزيع المساعدات بعد أن ساعدت إسرائيل في تسهيل دخولها إلى القطاع. وردت منظمات الإغاثة بأن عمليات الجيش الإسرائيلي والقيود المفروضة على الحركة هي التي أعاقت جهود التوزيع.
وبما أن الولايات المتحدة تعتبر إسرائيل القوة المسيطرة الفعلية في غزة، قال المبعوث الأمريكي إن عليها التزام بموجب القانون الإنساني الدولي بضمان رعاية المدنيين في القطاع.
وأضاف ساترفيلد: “إن التجريد المروع للإسرائيليين من إنسانيتهم والذي حدث في 7 أكتوبر، والتجريد المستمر من إنسانيتهم للرهائن الإسرائيليين في كل يوم يتم احتجازهم فيه، لا يمكن أن يقابله تجريد المدنيين الفلسطينيين الأبرياء من إنسانيتهم”.
وذكر أن ما يقارب من 300 ألف فلسطيني بقوا في شمال غزة يواجهون أعلى خطر للمجاعة نتيجة لانقطاعهم عن معظم عمليات تسليم المساعدات. هذه المجموعة من المدنيين لم تستجب أو لم تستطع الاستجابة لنداءات الإخلاء الإسرائيلية في بداية الحرب.
وقال ساترفيلد: “لكن باستثناء شمال غزة، تمثل رفح الصورة الإنسانية الأكثر صعوبة في الوقت الحالي من أي مكان في غزة”، في إشارة إلى المدينة الواقعة في أقصى جنوب القطاع الساحلي.
ووصف رفح، حيث يعيش حوالي 1.4 مليون فلسطيني حاليا، بأنها “مكان بائس للعيش فيه من أي وجهة نظر تتعلق بالصحة أو بالمأوى”.
وقال ساترفيلد: “إن القدرة على توفير الصرف الصحي الأساسي غير موجودة. لم يشهد العاملون الدوليون أبدا أوضاعا للصرف الصحي كما هو الحال في رفح”.
“إن القدرة على القيام بأكثر من مجرد التغذية على مستوى البقاء على قيد الحياة – ببساطة تجنب المجاعة … محدودة للغاية. لمجرد أننا نتجنب المجاعة من خلال جهود المساعدات الجماعية التي تتحرك، لا يعني أننا نمنع مشاكل أخرى مثل سوء التغذية … والوفيات بين الرضع والأطفال الصغار”.
وتسعى إسرائيل إلى إخلاء هؤلاء المدنيين من أجل إطلاق عملية برية واسعة النطاق في رفح، وهي آخر منطقة حضرية رئيسية في غزة لم يدخلها الجيش الإسرائيلي بعد منذ بداية الحرب التي أشعلتها الفظائع التي ارتكبتها حماس في 7 أكتوبر، وحيث تقول إن الكتائب الأربع المتبقية للحركة تتمركز هناك.
لكن ساترفيلد حذر من أن “ترحيل هؤلاء النازحين بالفعل في حالة الجوع الحالية ومع افتقارهم إلى الخدمات الطبية الأساسية دون اتخاذ جميع التدابير المناسبة لتوفير المأوى الملائم مقدما، وتوفير الرعاية الطبية، والمياه، والطعام الذي يحتاجون إليه الآن في رفح ولا يمكنهم الحصول عليه – إذا قمت بنقلهم مرة أخرى، نعتقد أن الظروف ستكون كارثية”.
وأضاف: “لهذا السبب أوضح الرئيس أنه يجب أن تكون هناك خطة إنسانية ذات مصداقية وقابلة للتنفيذ لسكان رفح قبل أن تتم أي عملية إسرائيلية بدعم أمريكي”، لكنه لم يستبعد دعم واشنطن تماما.
وكان مسؤولون أمريكيون آخرون أكثر حزما في معارضتهم، قائلين إن إدارة بايدن تفضل بدلا من ذلك المزيد من العمليات المستهدفة ضد قادة حماس أثناء العمل مع مصر لتأمين الحدود الجنوبية لغزة ومنع استمرار تهريب الأسلحة إلى حماس.
وأقر ساترفيلد بتحسن كبير في قدرات التفتيش الإسرائيلية على حدود غزة خلال الأيام القليلة الماضية، مما أدى إلى دخول ما معدله 400 شاحنة إلى القطاع كل يوم.
ووافقت إسرائيل أيضا على فتح معبر شمالي آخر إلى غزة لتقديم المساعدات، والسماح بتسليم المساعدات البحرية عبر ميناء أشدود، وتوسيع القوافل التي تسمح لها بالمرور عبر الأردن، وتطوير آليات أكثر فعالية لفض الاشتباك لضمان حماية العاملين في المجال الإنساني. الخطوة الأخيرة من بين الخطوات الأربع هي الوحيدة التي تم تطبيقها بالكامل.
وكشف ساترفيلد أن أكبر عقبة أمام إيصال المساعدات الإنسانية في جميع أنحاء غزة بعد هذا التدفق الكبير هي عدم توفر الشاحنات في القطاع لتوصيل المساعدات.
وقال ساترفيلد إن الأمم المتحدة والوكالات الدولية كان لديها ما يكفي من الشاحنات في غزة عندما كانت المساعدات عند مستويات أقل بكثير طوال الأشهر الستة الأولى من الحرب، ولكن هناك حاجة الآن إلى المزيد من الشاحنات بالنظر إلى الارتفاع الأخير في عدد المساعدات.
وأضاف أن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي مسؤولون – بالتنسيق مع إسرائيل – عن تأمين المزيد من الشاحنات. وقال ساترفيلد إنه تم مؤخرا شراء عدد كبير من الشاحنات وهي جاهزة للدخول إلى غزة إلى جانب شاحنات أخرى في المراحل النهائية من الشراء، مضيفا أن الولايات المتحدة تحث الدول أيضا على التبرع بشاحنات إضافية من أجل تلبية الطلب.
وأوضح ساترفيلد أن الولايات المتحدة تشعر بأن زيادة تسليم المساعدات خلال الأيام القليلة الماضية “لا تعوض خمسة أشهر عن شيء مختلف للغاية”.
وأكد أن “الأشهر الخمسة التي سبقت ذلك لم تظهر قدرة كافية من جانب إسرائيل على تسهيل وتنفيذ الخطوات التشغيلية اللازمة لإدخال المساعدات”.
وقال المبعوث الأمريكي إن عدد الشاحنات التي تدخل يوميا تجاوز بالكاد 100 شاحنة حتى يناير، وبعد ذلك توقفت الشحنات تماما بسبب احتجاجات نشطاء اليمين المتطرف عند نقاط التفتيش الإسرائيلية بالقرب من حدود غزة. في فبراير، بدأ الجيش الإسرائيلي في شن غارات جوية ضد الشرطة المرتبطة بحماس والتي تتولى تأمين قوافل المساعدات، مما دفع القوة إلى التوقف عن حماية قوافل المساعدات، وهو ما قال عنه ساترفيلد إنه “أوقف تحركات المساعدات وحفز السلوك الإجرامي العنيف للغاية”.
وقال: “لقد اجتزنا ذلك، ولكن … يجب أن يستمر”.
وأشار المبعوث الأمريكي للشؤون الإنسانية في غزة إلى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تعهد للرئيس الأمريكي جو بايدن الأسبوع الماضي بضمان وصول 100 شاحنة مساعدات إلى شمال القطاع يوميا. وقال ساترفيلد إن إسرائيل في منتصف الطريق تقريبا لتحقيق هذا المعيار، لكنها لم تصل إلى هذا الحد بعد.
بالإضافة إلى النقص في عدد الشاحنات،هناك أيضا انخفاض في عدد منظمات الإغاثة الراغبة في توزيع المساعدات في جميع أنحاء غزة بعد الغارة القاتلة التي شنها الجيش الإسرائيلي الأسبوع الماضي على قافلة منظمة المطبخ المركزي العالمي (WCK). وقال ساترفيلد إن WCK والإمارات العربية المتحدة اشترطتا عودتهما إلى غزة بأن تظهر إسرائيل “بطريقة ملموسة وواضحة أنه تم الاستفادة من الدروس، ليس فقط من مأساة WCK، ولكن من الفترة الزمنية التي سبقت ذلك” حيث تقول الولايات المتحدة إن ما يقارب من 200 من عمال الإغاثة قُتلوا وسط دعواتها المتكررة لإسرائيل لتحسين آليات فض الاشتباك.
أنشأت إسرائيل مركزا جديدا لفض الاشتباك بين الجيش الإسرائيلي ومنظمات الإغاثة بعد أيام من الغارة على WCK، لكن المنظمات الدولية تسعى ظاهريا إلى رؤية هذه التحسينات على مدى فترة طويلة من الزمن، بالإضافة إلى ضمانات أفضل من إسرائيل بأن يحظى عمال الإغاثة بالحماية.
وقال ساترفيلد إن الولايات المتحدة تعمل أيضا على إنشاء ممر بحري وتشغيله في الأسابيع المقبلة، والذي سيكون قادرا على جلب ما لا يقل عن 100 شاحنة يوميا. “سيكون لدينا ما يزيد عن 500 شاحنة يوميا من المساعدات التجارية والإنسانية. ولكن لا يزال يتعين علينا أن نكون قادرين على توزيعها بكفاءة”.
وردا على سؤال عما إذا كانت حماس تستنزف المساعدات القادمة إلى غزة، قال ساترفيلد إن الغالبية العظمى من المساعدات التي توزعها الأمم المتحدة وصلت إلى المدنيين، وأقر بأن بعض المساعدات ربما وصلت إلى حماس. ومع ذلك، فإن “سكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة لا يعانون من الجوع اليوم لأن الجزء الأكبر من المساعدات المقدمة ذهب إليهم، وليس إلى حماس؛ وهذه هي الحقيقة الأساسية”.
وأشاد ساترفيلد بوحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق للعمل الذي قامت به الهيئة شبه العسكرية الإسرائيلية في تسهيل المساعدات إلى غزة، وقال “لم يكن بوسعنا أن نفعل ما تمكنا من القيام به، ولم يكن بإمكاننا أن نحقق التقدم الذي شهدناه دون مشاركة منسق أعمال الحكومة في المناطق… لقد أخذوا على عاتقهم هذا الأمر لأنهم اضطروا إلى ذلك، وقد قاموا بعمل استثنائي في ظل ظروف صعبة للغاية ومليئة بالتحديات”.
وأشار الثناء إلى أن إحباط واشنطن تجاه إسرائيل فيما يتعلق بالمساعدات موجه إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والقيادة السياسية في البلاد.
كما وُجهت للمبعوث الأمريكي أسئلة بشأن تحويل حماس في السابق لأموال المساعدات للاستخدام العسكري، وسئل أيضا عما إذا كانت غزة ستعتمد دائما على المساعدات الخارجية.
وأشار ساترفيلد إلى أن السياسات التي اتبعتها إسرائيل في غزة أدت إلى الواقع الحالي.
وقال المبعوث: “عندما اتخذ [رئيس الوزراء آنذاك] أريك شارون قراره بشأن الانسحاب الأحادي الجانب، راى مجلسنا في ذلك الوقت أنكن لن تحصلوا على نتيجة سعيدة إلا إذا فعلتم عكس ما تقترحونه”. ساترفيلد كان آنذاك مسؤولا في وزارة الخارجية الأمريكية، التي أشادت علنا بهذه الخطوة وقت الانسحاب في عام 2005.
وقال: “ما اقترحه كان حصار وعزل غزة. قلنا إن ما عليك القيام به هو فتح غزة إلى أقصى حد ممكن لربطها بالمجتمع الاقتصادي الدولي والإقليمي والإسرائيلي – تقديم رؤية بديلة، تقديم شيء آخر غير ما يأتي مع اليأس”، في إشارة كما يبدو إلى حجج مرجعية تم طرحها في ذلك الوقت بشأن التعامل مع غزة في إطار اتفاق ثنائي مع السلطة الفلسطينية، خصم حماس الأكثر اعتدالا، بدلا من الانسحاب الأحادي الجانب الذي نفذته إسرائيل.
يرى أنصار هذه الاستراتيجية أنها كانت ستؤدي إلى تمكين السلطة الفلسطينية، وليس حماس، التي طردتن السلطة الفلسطينية من غزة في انقلاب دموي بعد الانسحاب الإسرائيلي بعامين.