نيويورك تايمز: منظمة المساعدات التي ستعمل في غزة والممولة من مصادر غير واضحة هي نتيجة لتنسيقات ضباط ورجال أعمال إسرائيليين
مؤسسة غزة الإنسانية قام بتأسيسها رجال أعمال وجنود احتياط على صلة بالحكومة؛ هآرتس: تم تجاوز هيئات دفاع إسرائيلية رئيسية في اختيار شركة أمنية كمقاول

أفادت صحيفة “نيويورك تايمز” يوم السبت أن مشروعا لتقديم المساعدات إلى غزة وُصف بأنه محايد ويديره مقاولون أمريكيون، هو من بنات أفكار عدة إسرائيليين، من بينهم رجال أعمال على صلة وثيقة بالحكومة، مما أثار مخاوف بشأن الشفافية والحياد.
“مؤسسة غزة الإنسانية” (GHF) هي منظمة إغاثة مدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل، تم إنشاؤها لإدارة نموذج جديد لتوزيع المساعدات الإنسانية في القطاع بطريقة لا تسمح لحركة حماس بالاستيلاء عليها.
وقد تم إنشاؤها بالتنسيق الوثيق مع إسرائيل وسط تزايد عدم الثقة بين اسرائيل ومنظمات الإغاثة المدعومة من الأمم المتحدة التي تعمل في القطاع حتى الآن، لكن المنظمة والمسؤولون الأمريكيون أكدوا أنها هيئة مستقلة ومحايدة.
إلا أن تقريرا لنيويورك تايمز كشف أن المشروع لم يتم بناؤه بالتنسيق مع إسرائيل فحسب، بل أنه “من بنات أفكار إسرائيليين”.
وقد طُرحت الفكرة لأول مرة في أواخر عام 2023 في ”اجتماعات خاصة لمسؤولين ذوي تفكير مماثل، وضباط عسكريين، ورجال أعمال على صلة وثيقة بالحكومة الإسرائيلية“ الذين اعتقدوا أن الحكومة تفتقر إلى استراتيجية طويلة الأمد تجاه غزة، حسبما ذكر التقرير.
وقال التقرير إن ”نشأة المشروع“ حدثت عندما ”عاد مئات الآلاف من المدنيين الإسرائيليين إلى الجيش كجنود احتياط، وتولى العديد منهم مناصب مؤثرة“، في أعقاب الهجمات التي قادتها حماس في 7 أكتوبر 2023.

أدى ذلك إلى ظهور ”مجموعة كبيرة من الإسرائيليين الذين يعيشون حياة عسكرية وحياة مدنية في آن واحد، مما أدى إلى طمس الحدود بين العالمين“.
كانت الفكرة المركزية للمجموعة هي تجاوز قنوات المساعدات التقليدية مثل الأمم المتحدة من خلال التعاقد مع مقاولين خاصين لتوزيع المساعدات في مناطق غزة الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، وبالتالي إضعاف قبضة حماس دون تحمل المسؤولية رسميا عن السكان المدنيين في غزة.
ومن بين الأطراف الفاعلة الرئيسية في الخطة الجديدة، مايكل آيزنبرغ، وهو مستثمر في رأس المال المخاطر ولم يكن في الجيش، ويوتام هاكوهين، وهو مستشار استراتيجي انضم إلى منسق أعمال الحكومة في الأراضي التابع لوزارة الدفاع، وأصبح لاحقا مساعدا للبريغادير جنرال رومان غوفمان، السكرتير العسكري لرئيس الوزراء، وليران تانكمان، وهو مستثمر في مجال التكنولوجيا ومرتبط أيضا بوحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق.
بحلول أوائل عام 2024، بدأ المسؤولون الإسرائيليون في الترويج لفيليب ف. رايلي، وهو ضابط سابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) درب مقاتلي ميليشيات الكونترا في نيكاراغوا وشغل منصب رئيس محطة CIA في كابول، باعتباره المقاول المفضل لديهم.
وأكد رايلي للصحيفة أنه التقى بآيزنبرغ وتانكمان وبدأ في مناقشة مسألة المساعدات لغزة مع مدنيين إسرائيليين في ذلك العام.

بدأت شركة الأمن S.R.S. التابعة لرايلي العمل في غزة في يناير 2025، حيث قامت بتفتيش السيارات الفلسطينية بحثا عن أسلحة خلال وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس.
وفقا لتقرير منفصل نشرته صحيفة “هآرتس” يوم الأحد، دخلت S.R.S غزة دون أي تصريح أمني مسبق من جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) كما هو متبع. وبحسب ما ورد، اختار غوفمان شركة S.R.S. في عملية سرية تجاوزت الإجراءات المعتادة واستبعدت هيئات دفاعية رئيسية، بما في ذلك جهاز الشاباك والجيش الإسرائيلي ووزارة الدفاع.
وقالت مصادر للصحيفة إن العملية بدت محددة سلفا لصالح شركة رايلي وأن مكتب رئيس الوزراء، ولا سيما وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، أحد المقربين من نتنياهو، لعب دورا محوريا في الدفع بها إلى الأمام.

كما تم ذكر اسم رجل الأعمال شلومي فوغل، وهو أحد المقربين من نتنياهو، في العملية، لكنه نفى أن يكون له دور فيها.
ووفقا لصحيفة هآرتس، يشتبه الكثيرون في المؤسسة الأمنية بأن دوافع شخصية ومالية قد تكون وراء هذه العملية، نظرا لعدم الشفافية واستبعاد هيئات الرقابة الرسمية.
أصول غير واضحة وتمويل غامض
وكشف تقرير صحيفة نيويورك تايمز عن معلومة أخرى مهمة وهي أن مؤسسة غزة الإنسانية (GHF) مسجلة في الولايات المتحدة وليس في سويسرا كما كان يُعتقد سابقا.
تم تسجيل كيانين – مؤسسة غزة الإنسانية وشركة الأمن الخاصة S.R.S. – في نوفمبر 2024 من قبل شركاء رايلي.
ومن المفترض أن تقوم GHF، بقيادة جيك وود، بجمع الأموال واستئجار خدمات S.R.S. لتأمين توزيع المواد الغذائية. وعلى الرغم من أن وود قال إن المجموعتين تعملان الآن بشكل مستقل، إلا أنهما تم تسجيلهما من قبل نفس المحامي الأمريكي وكانت لديهما متحدثة مشتركة باسمهما حتى وقت قريب.

ومما يزيد من الارتباك، وجود منظمتين أخريين على الأقل تحملان اسم ”مؤسسة غزة الإنسانية“ – إحداهما مسجلة في الولايات المتحدة والأخرى في سويسرا. وقد أوضح متحدث باسم مؤسسة وود أن مؤسسة GHF التي تتخذ من ولاية ديلاوير مقرا لها، والتي تأسست في فبراير 2025، لها صلة بعملياتهما.
وفي الوقت نفسه، طلبت منظمة TRIAL International، وهي منظمة غير حكومية سويسرية، من السلطات السويسرية التحقيق في مؤسسة GHF التي تتخذ من جنيف مقرا لها لتحديد ما إذا كانت تمتثل للقانون السويسري والمعايير الإنسانية الدولية. وقدمت المنظمة طلبين في 20 و21 مايو، دعت فيهما إلى إجراء تدقيق تنظيمي لأنشطة المؤسسة.
كما أنه من غير الواضح من الذي يمول مؤسسة GHF، التي تزعم أن لديها أكثر من 100 مليون دولار من التزامات من جهة مانحة حكومية أجنبية، لكنها لم تذكر اسم هذه الجهة.
وقال وود إن المؤسسة تلقت مبلغا صغيرا من رجال أعمال غير إسرائيليين لم يكشف عن أسمائهم. وأفادت المؤسسة في بيان لها أن دولة أوروبية غربية تبرعت بأكثر من 100 مليون دولار، لكنه رفض الكشف عن اسمها، وفقا لنيويورك تايمز.

ونشرت المؤسسة وثيقة من 14 صفحة توضح بالتفصيل خطة التوزيع، بما في ذلك أسماء قادة المشروع. تم اختيار شركتين أمريكيتين، Safe Reach Solutions (S.R.S.) و UG Solutions، لتكونا المقاولين الميدانيين.
تقول إسرائيل إنها يجب أن تتولى السيطرة على توزيع المساعدات، بدعوى أن حماس وجماعات مسلحة أخرى تسرق الإمدادات وأن بعض منظمات الإغاثة قد اخترقتها جماعات مسلحة.
وينفي عمال الإغاثة وجود تحويل كبير للمساعدات إلى الجماعات المسلحة، قائلين إن الأمم المتحدة تراقب التوزيع بدقة.
وتعارض منظمات الإغاثة خطط GHF وإسرائيل لتولي إدارة المساعدات الغذائية، قائلة إن ذلك قد يؤدي إلى تهجير أعداد كبيرة من الفلسطينيين قسرا بدفعهم نحو مراكز التوزيع، وإن المؤسسة غير قادرة على تلبية احتياجات الفلسطينيين في غزة.

منذ أوائل مارس، منعت إسرائيل دخول الغذاء والوقود والأدوية وجميع الإمدادات الأخرى إلى غزة، ولم ترفع الحصار إلا الأسبوع الماضي للسماح بدخول عدد محدود من شاحنات المساعدات، وسط أزمة إنسانية متفاقمة لـ 2.3 مليون فلسطيني هناك.
وحذر الخبراء من خطر كبير لحدوث مجاعة، وحتى الولايات المتحدة، الحليف القوي لإسرائيل، أعربت عن قلقها إزاء أزمة الجوع.
اندلعت الحرب في 7 أكتوبر 2023، عندما اقتحم مسلحون تابعون لحركة حماس إسرائيل، مما أسفر عن مقتل نحو 1200 شخص، واختطاف 251 آخرين. ولا تزال الجماعات المسلحة في قطاع غزة تحتجز 58 رهينة.
وتقول وزارة الصحة في غزة إن أكثر من 53 ألف فلسطيني في القطاع قُتلوا خلال الحرب حتى الآن، إلا أنه لا يمكن التحقق من عدد القتلى وهو لا يميز بين المدنيين والمقاتلين. وتقول إسرائيل إنها قتلت حوالي 20 ألف مقاتل في القتال حتى يناير، و1600 مسلح آخر داخل إسرائيل في 7 أكتوبر.
وقالت إسرائيل إنها تسعى إلى تقليل عدد القتلى في صفوف المدنيين إلى الحد الأدنى، وشددت على أن حماس تستخدم المدنيين في غزة كدروع بشرية، وتقاتل من مناطق مدنية، بما في ذلك من المنازل والمستشفيات والمدارس والمساجد.
ساهمت تال شنايدر في هذا التقرير