نداء غريب من السادة جونسون، ترامب ونتنياهو
افتتاحية: كما يجبر بوريس كاميرون على بريكست، يستمر المرشح ترامب في بلبلة داعمه ويقاوم نتنياهو ضغوط أولئك الذين يفترض أن يخبروا إسرائيل أين تكمن مصالحها، انه عصر معاداة 'الساسة'
في أغسطس 2012، بعد أن حصلت بريطانيا على أول ميدالية ذهبية في ما أثبت أن تكون اولمبيادة لندن الناجحة للغاية، رئيس بلدية العاصمة الإنجليزية وقتها، بوريس جونسون، ركب حبلا منزلقا، مع اتحاد “جاك في كل يد” للإحتفال. لسوء حظ جونسون، صحفي من جامعة أوكسفورد وايتون، نائب محافظ ومؤرخ الذي يزرع مناخا دائما من الفوضى، مسيئا التصرف. وجد العمدة نفسه عالقا بلا حول على طول الطريق نحو 20 قدما في الهواء، يتدلى فوق حشد من المتفرجين المتسلين ويتوسل لسلم.
إن السخرية التي تلت ذلك، حكمت على العديد من السياسيين. زعيم المعارضة من حزب العمل إد ميليباند، دمر في الإنتخابات العامة البريطانية العام الماضي بسبب فشله في استهلاك شطيرة لحم الخنزير المقدد بشكل مناسب. ولكن بالنسبة لبوريس، الذي نجا، فضائح حياته الخاصة وسلامته الصحفية، والحادث بالقرب من الحديقة الأولمبية لم يعيق ذلك إطلاقا.
زميله المتعلم في ايتون- وأكسفورد ومنافسه، ديفيد كاميرون، اعترف بأسى معين أنه بالنسبة لأي شخص آخر، كان يمكن ان تكون نهايته في فشل مهني. “ان وجد أي سياسي آخر عالقا في أي مكان في العالم على حبل منزلق سيكون ذلك كارثة”، قال رئيس الوزراء. “بالنسبة لبوريس، انه انتصار مطلق”.
إحصل على تايمز أوف إسرائيل ألنشرة أليومية على بريدك الخاص ولا تفوت المقالات الحصرية آلتسجيل مجانا!
وبالفعل، قال المتحدث بإسم جونسون بخفة، أن رئيس البلدية لن يحصل على أي ميداليات ذهبية على تفسيره الفني. استمرت دورة الألعاب الأولمبية مع انتصارا لبريطانيا، وانهى جونسون فترتين كرئيس لبلدية لندن، وعاد بسلاسة إلى البرلمان العام الماضي، وانتصر الأسبوع الماضي في حملة بريكسيت الناجحة بشكل غير متوقع والتي شهدت بريطانيا تصويتا متقاربا منتهيا بنتيجة 52-48% لصالح الإنفصال عن الإتحاد الأوروبي.
لست متأكدا من أن دونالد ترامب كان سيتصرف بشكل مشابه في ظروف مهينة مماثلة. وأشك إن كان ترامب أقل رضاءا في حال جعل من نفسه غبي مما فعل جونسون المهرج المرح، الذي كان سيظهر انزعاجا شديدا، حيث لن تتبدد السخرية بسهولة. ولكن مرة أخرى، لا أتصور ترامب محاولا ركوب حبلا منزلقا في المقام الأول.
وما يشاركه ترامب مع جونسون، هو قدرة مؤكدة على تجاهل الكوارث التي من شأنها أن تدمر معظم الساسة الآخرين. فقد أهان ترامب الجميع تقريبا، من النساء لأبطال الحروب أثناء حملته الإنتخابية لرئاسة الولايات المتحدة. ولكن المرشح المحرج للبيت الأبيض الذي لم يكن ليبقى طويلا في السباق، بالتأكيد لم يكن ليصبح المرشح الجمهوري، ولا يمكنه الفوز بالرئاسة الآن، وقت كتابة هذا التقرير، وفقا لفشله في استطلاعات الرأي، الفوضى ونقص السيولة، حيث فقط فضيحة جديدة لكلينتون تبقيه بعيدا عن هدفه.
لا حاجة إلى المبالغة في أوجه الشبه بين جونسون وترامب. جونسون، يتطلع الآن بثبات الى استبدال كاميرون – الذي استقال في أعقاب كارثة بريكست – هو أذكى بكثير مما يعتقد الناخبين، في حين قد يكون ترامب أقل ذكاءا بكثير مما يعتقد. ولكن بالاضافة إلى تسريحات الشعر السخيفة، بعض مهارات الصوت المتزامن مع اللقطات، والقدرة على قول ما يفكران به لجمهور يريد سماعه حتى لو كان ذلك عكس ما قالاه في الماضي، كلاهما يملكان امرا مشتركا مهما: لقد عرفا عن أنفسهما – غريب نوعا ما في حالة الثري ترامب، وسخيف تماما في قضية جونسون صاحب الملعقة الفضية – كشخصيات مناهضة للمؤسسية، تجذب اصوات احتجاجية، أصوات أولئك الذين لا يريدون أن يقال لهم ما هو جيد لهم من قبل الدولة الأبوية. انهما معارضي المرشحين، والأكثر إلحاحا لذلك.
لا يريد الناخبين أن يربت على رؤوسهم ويقال لهم لأن الأكبر منكم أعلم منكم
الديمقراطية، كما لخص بطل جونسون ونستون تشرشل الشهير، “هي أسوأ أشكال الحكم”. معارضي جونسون وترامب المحبطين، محتارون ومهزومون بابتعاد الناخبين المنزعجين للقيام بالخيارات “الصحيحة”، من المرجح انهم يتساءلون الآن إن كانت تلك الأشكال الأخرى للحكومة ليست أفضل في النهاية.
ولكن على الرغم من حشد المخيم المكسور الآن نحو 3 ملايين ملتمس لإعادة التصويت، وحتى لو كانت هناك زيادة كبيرة في عمليات بحث جوجل عن الغاية من وراء الاتحاد الأوروبي وعواقب الإنفصال عنه بعد عقد الإستفتاء، من الغطرسة والحماقة محاولة تصوير أولئك الـ -52٪ كبلهاء سطحيين لا يعون ماذا فعلوا، وتمنوا الآن أنهم لم يفعلوا ذلك. قام أنصار بريكسيت بالتصويت بشكل قاطع من باب المصلحة الذاتية – سواءا كان بسبب تأثرهم مباشرة من الصعوبات الإقتصادية، أو قلقهم من الهجرة من أوروبا الشرقية والوافدين اللاجئين المحتملين من الشرق الأوسط، أو لكراهيتهم الملتزمة نحو جوني الغريب والقارة.
وبالمثل، ولد المثابر السياسي غير المتوقع ترامب من بين مجموعة كاملة من الناخبين الأميركيين المحبطين، لأسباب لا تقتصر على الإقتصاد، والهجرة، والغضب من طريقة تعامل إدارة أوباما مع المخاوف الأمنية والإرهاب.
مع جونسون وترامب، يملك هؤلاء الناخبين المحتجين مرشحين ملونين بشكل غير عادي، صريحين، ومهتمين على ما يبدو، ابطال يشعرون أنهم ودودون، وقادة محتملين يعتقد أنهم يتكلمون من باطنهم، وبالتالي أكثر مصداقية. في حالة الإنتخابات الرئاسية الأمريكية، علاوة على ذلك، منافسة ترامب، هيلاري كلينتون، تبدو أنها تجذب عداءا غير اعتيادي، كمثالا على الإنطواء المؤسسي والخداع. لقد عدت لتوي من الولايات ولم استطع عد الأشخاص الذين قالوا لي، لخوفهم الشخصي، أنهم يفكرون في عدم التصويت على الإطلاق في الإنتخابات الرئاسية، لأنه في حين أنهم يعتبرون ترامب متعنتا، مستفزا جنسيا وغير مسؤول، فإنهم يعتبرون كلينتون غير جديرة بالثقة وفاسدة.
نظرا لكونه رئيس الوزراء الثاني أطول خدمة في إسرائيل، نجاح بنيامين نتنياهو في تعريف نفسه كشخصية مناهضة للمؤسسية، يعتبر ساخرا إلى حد ما. في حالته، في حالة إسرائيل، لقد مكنته الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وبقية المؤسسة العالمية من القيام بذلك.
قام ناخبو بريكسيت- جونسون بإهانة كاميرون والمسؤولين مجهولي الهوية من الإتحاد الأوروبي الذي (مع الرئيس باراك أوباما) أراد التمسك به. اعجب العديد من مؤيدي نتنياهو بإهانته المشابهة لإدارة أوباما، اللجنة الرباعية لإحلال السلام وجميع تلك الخيرات الأخرى التي تفترض أن تعلم أفضل أين تكمن مصالح إسرائيل. حث جونسون البريطانيين على مقاومة البيروقراطيين مجهولي الهوية من بروكسل. بقول ترامب للأميركيين انه سوف ينقذ بلادهم من عدم كفاءة القيادة والمنافقة التي يفتقر إلى النباهة لمعالجة عللها. يقول نتنياهو للإسرائيليين انه سوف يقاوم بعناد الضغوط الدولية التي من شأنها أن تعرضهم لخطر أكبر.
شخصيا، أسفت لرؤية ترك بريطانيا لأوروبا، فقط بسبب رؤية الترتيب الذي يشهد على عمل المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا معا في استقرار, والذي اثبت أن يكون مفيدا للعالم الحر وآفاقه ان يبقى حرا. لكنني لن أتسرع في رفض حكمة هذا الحشد الضخم المؤيد لخروج بريطانيا. فنحن المحللون والخبراء المستقبليون، غير قادرون بشكل واضح على توقع معظم التطورات السياسية الزلزالية وعاجزين إلى حد كبير عن فهمها حتى عندما تتكشف، فتعلمنا منذ فترة طويلة إظهار تواضع أكبر.
أجد من الصعب أن نصدق أبن ترامب من شأنه أن يثبت أكثر مهارة من كلينتون في إدارة الولايات المتحدة، وبالتأكيد ليس ما لم يجمع فريقا يملك الخبرة اللازمة. ولكن فقط قبل 35 عاما، اعتبرت الولايات المتحدة أضحوكة لإنتخابها الممثل رونالد ريغان من بين مساوين له، ولكن الق نطرة على سمعة ريغان اليوم.
أما بالنسبة لنجاح نتنياهو المستمر، فهو سياسي مع مهارات عالية الذي ركض جولات حول يتسحاق هرتسوغ ونفتالي بينيت في الأيام الأخيرة من حملة العام الماضي وسبقهما. من غير المرجح أن يسمح الاسرائيليين لأنفسهم التصويت احتجاجيا في الإنتخابات العامة. ليس عندما تكون المخاطر وجودية. ولكن قد يظهر اختيار نتنياهو كتصويت احتجاجي نوعا ما، ضد الكثير من وسائل الإعلام المحلية والدولية، والأوساط الأكاديمية، والدبلوماسية – الذين يظهرون كمهتجمين لإسرائيل.
ولكن ماذا إن أظهر فوز بوريس جونسون والمسيرة الطويلة المستغربة لدونالد ترامب جحافل من شأنها أن تستبدل نتنياهو، حيث لا يريد الناخبين أن يربت على رؤوسهم ويقال لهم لأن الأكبر منكم أعلم منكم. فهم يريدون أن يتم تحريكهم. يريدون بعض الألوان. يريدون الشعور أن قادتهم المستقبليون مستعدون لمقاومة الحكمة التقليدية.
هم لا يفرضون الغباء على غرار بوريس أو الإهانة المستمرة على غرار ترامب. ولكنها تتطلب تزوير بعض الإختلافات حول العلاقة مع الجمهور التي مكنها هاذان الإثنان. لم يركب نتنياهو الحبل المنزلق، لكنه يتقن الفيسبوك ويلعب دور البطولة في حاضنة بيبي وغيرها من الإعلانات التجارية المسلية من العام الماضي. ولقد ابقى هرتسوغ مع شطيرة لحم الخنزير المقدد المجازية.