إسرائيل في حالة حرب - اليوم 371

بحث

نتنياهو يحاول إخفاء إهماله السياسي بإلغاء الورقة النقدية فئة 200 شيكل

من السذاجة الاعتقاد أن إلغاء عملة 200 شيكل سيحل مشكلة رأس المال الأسود؛ قرار نتنياهو هو مجرد محاولة شعبوية للتستر على فشله ورفضه التعامل مع التحديات الاقتصادية الحقيقية التي تواجه البلاد؛ الثمن، كالعادة، سيدفعه المستضعفون

توضيحية: أوراق نقدية من فئة 200 شيكل (Nati Shohat/Flash90)
توضيحية: أوراق نقدية من فئة 200 شيكل (Nati Shohat/Flash90)

إسرائيل في ورطة. الحرب الطويلة والمكلفة تجبرها على إيجاد مصادر جديدة وفورية لرأس المال لتجنب زيادة كبيرة في العجز.

لكن بدلا من القيام بما هو مطلوب – من إغلاق المكاتب الحكومية غير الضرورية، مرورا بوقف تحويل أموال الائتلاف وإلى زيادة الضرائب – يفكر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في إلغاء الورقة النقدية من فئة 200 شيكل. وهذه خطوة أخرى – ليست الأولى وعلى الأرجح ليست الأخيرة – للحد من استخدام النقد وربما حتى إلغائه تماما في غضون بضع سنوات.

إلغاء الورقة النقدية الكبيرة، الذي يهدف ظاهريا إلى تقليص حوافز التهرب الضريبي، هو خطوة ضرورية وتحظى بشعبية كبيرة، ومن السهل اقناع الجمهور بها. لا يوجد مواطن عادي في البلاد لا يعتبر الحرب على رأس المال غير الشرعي خطوة مشروعة بل وضرورية.

وبحسب الخطة، فإن إلغاء ورقة الـ 200 شيكل سيؤدي إلى جعل أموال التنظيمات الإجرامية والمتهربين من الضرائب غير صالحة. وبهذا، تشجع الدولة هؤلاء المجرمين على “الإفصاح الطوعي” للسلطات الضريبية. أي أن المتهربين من الضرائب سيتمكنون من تبييض أموالهم أمام الدولة قبل أن تفقد صلاحيتها، شريطة أن يدفعوا الديون الضريبية التي تهربوا منها للدولة، دون أن يضطروا إلى مواجهة تهم جنائية على أفعالهم.

يحاولون تسويق الخطة على أنها الحل المعجزة لمشكلة العجز. في الواقع، يثبت التاريخ أن المنظمات الإجرامية الكبرى وجدت دائما طريقا للتعامل مع قرارات من هذا النوع أو التحايل عليها.

في عام 2015، على سبيل المثال، تقرر استبدال جميع الأوراق النقدية من فئة 200 شيكل في البلاد، لإجبار المتخلفين عن سداد الضرائب على الذهاب إلى البنك لاستبدال الأموال التي كانت لديهم. هل انتصرت السلطات؟ ليس تماما.

توضيحية: أوراق نقدية من فئة 200 شيكل (Chaim Goldberg/Flash90)

في الواقع، نجحت معظم المنظمات الإجرامية بطرق مختلفة، ومع استغلال الوقت الطويل المتاح لها، لاستبدال معظم الأوراق النقدية التي كانت بحوزتها في غضون بضع سنوات، وذلك دون أن يتم القبض عليهم أو استجوابهم عن مصدر الأموال. في المجمل، بحلول عام 2020، تم استبدال 97% من الأوراق النقدية المتداولة من فئة 200 شيكل. وهذه نسبة عالية بشكل خاص.

وفي أعقاب هذه التجربة الأخيرة، تقرر الإعلان عن إلغاء الورقة في وقت قصير ومنح الجمهور أيام قليلة لإعادتها إلى البنك. ويزعم مقترحي البرنامج أن هذا سيفاجئ المنظمات الإجرامية ويعرقل تنظيم صفوفها. ولكن هنا أيضا، يعلمنا التاريخ أن التوقعات لا تطابق الواقع.

وفي نوفمبر 2016، صدم رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي مواطني بلاده – الذين يستخدم معظمهم النقد – وأعلن بشكل مفاجئ سحب الأوراق النقدية من فئة 500 و1000 روبية من التداول. وأعطى مودي الجمهور فترة أقل من شهرين لإيداع جميع الأوراق في البنك قبل أن تفقد صلاحيتها. وكل ذلك بالطبع بهدف محاربة الفساد والتهرب الضريبي في البلاد.

رئيس الوزراء بينيامين نتنياهو ونظيره الهندي ناريندرا مودي في زيارة إلى محطة تحلية مياه في شاطئ ’أولغا’، 6 يوليو، 2017. (Kobi Gideon/GPO/Flash90)

وكانت النتيجة فوضى عارمة في الاقتصاد الهندي وفي الشوارع. وشمل ذلك مداهمات وأعمال شغب حول المتاجر وفروع البنوك وحتى عمليات اقتحام البنوك. وقُتل 82 شخصا كنتيجة مباشرة أو غير مباشرة للقرار، بعضهم من كبار السن الذين وقفوا في طوابير لا تنتهي أمام فروع البنوك حتى أن نفذت قواهم.

صحيح أن إقتصاد إسرائيل لا يشبه الاقتصاد الهندي، لكن نتائج تجربة مودي لا تزال توفر درسا كبيرا في التواضع لصناع القرار هنا أيضا.

في النهاية، 0.7% فقط من الأوراق النقدية التي تم سحبها من التداول بأمر من الحكومة لم يتم إيداعها في البنوك الهندية. توقعت الحكومة الهندية أن تصل النسبة إلى حوالي 20%. وهذا يعني أنه على الرغم من هذه الخطوة المتطرفة، فقد فشل مودي فشلا ذريعا في تحقيق هدفه المتمثل في إزالة الأموال السوداء من الاقتصاد.

واتضح لاحقا أن المتهربين من الضرائب وجدوا طرقًا مبتكرة للتحايل على هذا القرار على الرغم من أن الوقت المتاح لهم كان محدودا للغاية. فاستخدموا أطرافًا ثالثة لإعادة الأموال، وأجروا تحويلات متعددة في فروع بنوك مختلفة وممارسات محاسبية ومالية إضافية.

لافتة تشير إلى سلطة الضرائب في القدس (Flash90)

الاعتقاد أن إلغاء الورقة النقدية سيحل مشكلة رأس المال الأسود هو ساذج. هذا نهج سطحي يتجاهل تعقيد الاقتصاد غير القانوني والأساليب المتطورة المستخدمة لتحويل الأموال. وهذا صحيح خاصة في عصر تتوفر فيه العملات المشفرة المجهولة لأي شخص.

أكبر المتأثرين بهذه الخطوة هم المواطنون المعياريون، أولئك الذين يفضلون استخدام النقود لأسباب مشروعة تتعلق بالخصوصية أو الراحة، أو ببساطة بسبب الافتقار إلى البدائل. على سبيل المثال، كبار السن الذين يخشون استخدام الأدوات التكنولوجية؛ أصحاب الأعمال الصغيرة والمتوسطة الذين يستخدمون النقد لتقليل النفقات التشغيلية؛ أو المواطنين الذين تم حظر حسابهم البنكي لسبب أو لآخر.

بكلمات أخرى، إلغاء الورقة النقدية سيضر بحرية المواطن في الاختيار وسهولة استخدام النقد. وكل هذا قبل أن نناقش محاولة تقليل وربما إلغاء استخدام النقد في إسرائيل في المستقبل غير البعيد. هذه مسألة تتضمن قضايا معقدة مثل الخصوصية والحرية وحتى الهجمات السيبرانية.

بدلا من معالجة مصدر المشكلة ـ إدارة الميزانية الفاضحة المصممة لضمان بقاء الائتلاف فقط ـ تفكر الحكومة في معالجة الأعراض وتحويل العبء إلى عامة الناس.

رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في الكنيست، 11 يونيو 2024 (Yonatan Sindel/Flash90)

وفي نفس الشهر الذي أمر فيه نتنياهو بفحص إلغاء الورقة النقدية، فإنه لا يعارض قرارا آخر: دفع أموال الضرائب المستحقة على شبكة أغودات التعليمية في إسرائيل، وهذا مبلغ 50 مليون شيكل، من خزينة الدولة. وتم اتخاذ القرار على الرغم من اكتشاف مخالفات في سلوك الشبكة، فضلاً عن أن لها دوراً في التقصير الذي تسبب في نشوء دين ضريبة الدخل.

ربما حان الوقت لكي يبدأ نتنياهو في تقديم حلول حقيقية لمشاكل حقيقية. إلغاء ورقة الـ 200 شيكل ليس أكثر من محاولة لصرف النظر عن عجزه وعجز حكومته عن التعامل مع التحديات الاقتصادية الحقيقية التي تواجهها إسرائيل. إذا كان نتنياهو يريد حقاً محاربة الرأسمال الأسود، من الأفضل أن يخفض النفقات غير الضرورية في ميزانية حكومته وتحويلها إلى حرب حقيقية على المال غير القانوني.

اقرأ المزيد عن