منشور طبيب من غزة يكشف تسلل الجماعات المسلحة إلى مستشفيات القطاع
مسؤول طبي يثير جدلا على الإنترنت بعد حديثه ضد محاولات المسلحين استخدام مستشفى ناصر في خان يونس، ويكشف أنه تعرض "لتهديد سافر"

نشر محمد صقر، رئيس قسم التمريض في مستشفى ناصر في خان يونس، منشورا غير اعتيادي على حسابه على فيسبوك الأسبوع الماضي.
وفي منشوره، ألمح الطبيب، الذي يعمل أيضا كمتحدث باسم المستشفى، إلى أنه تعرض للتهديد من قبل حركة الجهاد الإسلامي بسبب رفضه دخول عناصر الحركة إلى المستشفى واستخدامه.
وكتب صقر، ”للعلم أنا أعمل كمدير عام للتمريض بمجمع ناصر الطبي، منذ تكليفي بعد إعادة تشغيل المشفى حرصت بكل قوة وثبات على إعادة تشغيل المشفى… ونجحت مع زملائي إعادة تشغيل المجمع… حرصت مع كل المعنيين أن تكون أقسام المجمع فقط للمرضى وليس للنازحين… وهكذا حافظنا على مجمع ناصر الطبي يعمل بسلاسة دون تهديد بإغلاقه“.
إحصل على تايمز أوف إسرائيل ألنشرة أليومية على بريدك الخاص ولا تفوت المقالات الحصرية آلتسجيل مجانا!
والآن، كما كشف، “يتم تهديدي بشكل سافر رغم أنهم أتوا إلى مكتبي ووضحت لهم أن كل الإجراءات التي اتخذها هي حفاظا على مجمع ناصر”، مضيفا “أي مكروه يحدث استحلفكم بالله ألا تسامحوا ولا تتسامحوا مع حقي الشخصي”
تضمّن المنشور صورة لرسالة يبدو أن صقر قد تلقاها ونصها ”عزيزي، لقد تجاوزت حدودك… انتظر!! – سرايا القدس”، في إشارة إلى الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي.
تم حذف المنشور بعد أيام قليلة من نشره، ومنذ ذلك الحين، لم ينشر صقر مرة أخرى على فيسبوك أو يظهر في وسائل الإعلام.

ما كشف عنه صقر كان حالة نادرة يتطرق فيها عامل في المجال الطبي لمحاولات الجماعات المسلحة التسلل إلى المستشفيات. وبحسب العديد من الروايات، فإن هذه الجهود شائعة في معظم مستشفيات القطاع.
وطوال فترة الحرب، أرسلت إسرائيل مرارا وتكرارا قواتها إلى المستشفيات لاجتثاث البنية التحتية للفصائل المسلحة والمسلحين. كما أنها قدمت أدلة على استخدام هذه المنشآت بشكل منتظم من قبل هذه الجماعات كقواعد للعمليات بسبب وضعها المحمي. ولكن قليلة هي الشهادات التي جاءت طوعا من سكان غزة أنفسهم.
تواصل “تايمز أوف إسرائيل” مع طبيب آخر في مستشفى ناصر فضل عدم نشر هويته بسب مخاوف تتعلق بالسلامة. وقد رفض الإفصاح عما إذا كان قد تعرض للتهديد أيضا بسبب حساسية الموضوع. واكتفى بالقول ”فيما يتعلق بالتهديدات، هذه أمور يجب أن تتعامل معها إدارة المستشفى. نحن، الفرق الطبية، لا نتدخل في السياسة“.
أثار منشور صقر ردود فعل على الإنترنت من سكان غزة. كتب مصطفى عصفور، أحد سكان مدينة غزة الذي اعتقلته حماس سابقا ويدعي أن شقيقه تعرض للضرب من قبل أعضاء حماس بعد انتقادهم على وسائل التواصل الاجتماعي خلال الحرب، على حسابه على منصة X: ”الدكتور محمد صقر تلقّى تهديدًا من عناصر مرتزقة تابعين لتنظيم الجهاد الإسلامي، بسبب موقفه الرافض لوجود المسلحين داخل المستشفى، حرصًا على سلامة المرضى والمدنيين. كل تنظيم مرتزق حواليه شوية لمم وهلافيت، بده ياخد البلد على حجره وبلعب بأرواح الناس على كيفه“.
وكتب أبو مالك الغزي، وهو أيضا من سكان غزة، على منصة X: “الدكتور محمد صقر مدير التمريض في مستشفى ناصر يصله تهديد من جواسيس ونطف الخميني النجسة في سرايا القدس…. يجب على الناس وعائلة صقر الضرب بالنار على اي كلب يتعدى على ابنهم”.

في الأيام التي أعقبت نشر منشور صقر، أشارت حادثة أخرى إلى وجود توترات في مستشفيات غزة مرتبطة بمحاولات حماس لاستخدامها. في بداية الأسبوع، انتشرت شائعات على الإنترنت تفيد بأن مستشفى الأمل في خان يونس، الذي تديره جمعية الهلال الأحمر، قد أغلق أبوابه وأن الأطباء مضربون عن العمل احتجاجا على محاولات عناصر حماس دخول المستشفى. وتم نشر صور تظهر المستشفى مغلقا وخاليا من المرضى. لكن في اليوم التالي، نفى الهلال الأحمر في غزة إغلاق المستشفى.
وتأتي مثل هذه الحوادث وسط تزايد الانتقادات الداخلية لحماس في غزة خلال الحرب المتجددة وقيام إسرائيل بمنع دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، الأمر الذي أثر بشكل كبير على سكان غزة.
أدلة على الاستخدام المزدوج
خلال السنة ونصف السنة الماضية، شن الجيش الإسرائيلي عمليات برية ضد الغالبية العظمى من المستشفيات في قطاع غزة، وفي بعض الحالات أكثر من مرة. ووفقا للجيش الإسرائيلي، فقد دارت معارك في العديد من المستشفيات، وفي أعقاب هذه العمليات تم اعتقال المئات من الأفراد داخل المستشفيات. كما تم العثور على ذخائر وأسلحة داخل المستشفيات، وأفادت التقارير أن المعتقلين شهدوا خلال التحقيقات بأن المستشفيات كانت تُستخدم كمراكز إيواء من قبل الفصائل المسلحة.
وفي أبريل 2024، قال الجيش الإسرائيلي إنه نفذ عملية في مستشفى الشفاء، وقال إنه قتل خلالها 200 من العناصر المسلحة واعتقل 500 آخرين. وكان من بين القتلى والمعتقلين قادة كبار في حركتي حماس والجهاد الإسلامي. كما تم استخراج معلومات استخباراتية قيّمة، حسبما قال الجيش الإسرائيلي في ذلك الوقت.
وفي ديسمبر 2024، نفذ الجيش الإسرائيلي عملية في مستشفى كمال عدوان في شمال غزة بعد أن اكتشف أن عناصر حماس عادوا إلى المنطقة. وفي وقت لاحق، نشر الجيش الإسرائيلي لقطات استجواب لأحد عناصر حماس الذي اعتقلته القوات في كمال عدوان قال فيها إن الحركة استخدمت المركز الطبي كمأوى لها.
في الشهر الماضي، قصفت إسرائيل قسم العمليات الجراحية في مستشفى ناصر وقتلت شخصين، أحدهما القيادي البارز في حماس إسماعيل برهوم. ووفقا للجيش، فقد تم تعيين برهوم رئيسا لوزراء حماس في القطاع بعد مقتل سلفه عصام الدعاليس في 18 مارس خلال الهجوم الإسرائيلي المفاجئ الذي أنهى وقف إطلاق النار.
وفي 7 أبريل 2025، قصفت إسرائيل مجمع اتصالات قريب، ما أدى إلى إصابة حسن اصليح، وهو صحفي مقرب من حماس كان قد وثق هجوم 7 أكتوبر. وأفادت وسائل الإعلام الفلسطينية بمقتل صحفيين آخرين. وكان المجمع، المجاور للمستشفى، موجودا منذ بداية الحرب ويستخدمه الصحفيون في غزة بانتظام.
كما شهد الرهائن المفرج عنهم بأنهم كانوا محتجزين في المستشفيات في مراحل معينة.

أكثر من 30 مستشفى لـ 2 مليون شخص
وفقا لتقارير الأمم المتحدة، قبل بدء الحرب، بعد الهجوم المفاجئ الذي شنته حماس في 7 أكتوبر، كان هناك حوالي 35 مستشفى في غزة. إلا أن هذا العدد غير ثابت ويميل إلى التذبذب، بسبب وجود عيادات طبية صغيرة، بعضها يُحسب كمستشفيات.
في الوقت الراهن، ووفقا لمصادر مطلعة على الوضع الإنساني في غزة تحدثت إلى “تايمز أوف إسرائيل” فإن 14 مستشفى حكومي يعمل تحت سيطرة حماس في القطاع، بالإضافة إلى 14 مستشفى ميداني تم إنشاؤها خلال الحرب بتمويل دولي من المنظمات الإنسانية والدول العربية. وقد تضررت العديد من المستشفيات وأغلقت خلال الحرب.
وهذا يمثل عددا كبيرا نسبيا من المستشفيات بالنسبة لعدد السكان البالغ 2 مليون نسمة. وبالمقارنة، يوجد في إسرائيل، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 9.9 مليون نسمة، حوالي 20 مستشفى عام وعدد قليل من المستشفيات الإضافية بدون أقسام طوارئ.
ويرجع العدد الكبير من المستشفيات في غزة إلى تبرعات الدول والمنظمات غير الربحية التي أنشأت العديد منها، وعدم وجود هيئة إدارية حديثة تدفع باتجاه توحيد المستشفيات في مراكز طبية أكبر. ومع ذلك، فإن الوضع الحالي سمح للمنظمات المسلحة بالعمل داخل العديد من هذه المواقع.
ضغط متزايد
على الرغم من كل هذا، لا تزال المستشفيات في غزة تعمل كمراكز طبية يعمل بها أطباء وممرضون وطواقم طبية طوال فترة الحرب، وذلك وفقا لتقارير وشهادات عديدة، بعضها من طواقم طبية أجنبية.
ووفقا لمنظمة “أطباء من أجل حقوق الإنسان” الإسرائيلية، فقد تم اعتقال المئات من العاملين في المجال الطبي في غزة من أطباء وممرضين وعاملين آخرين في المستشفيات على مدار العام ونصف العام الماضيين، ولا يزال نحو 150 منهم محتجزين في إسرائيل. وكان الدكتور إياد البرش الذي تحدث مع “تايمز أوف إسرائيل” قد اعتقل خلال عمليات الجيش الإسرائيلي في مستشفى الشفاء العام الماضي واحتجز في إسرائيل لمدة 10 أشهر قبل أن يتم إطلاق سراحه دون توجيه تهم إليه. ويقول البرش إنه لا يعرف سبب اعتقاله.
وقال البرش لـ”تايمز أوف إسرائيل“ إن هناك نقصا حادا في الأدوية بسبب قرار إسرائيل بعدم السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع ابتداء من مطلع شهر مارس، وأن الوضع في شمال غزة أسوأ من ذلك. وبالإضافة إلى ذلك، تسببت عمليات القصف والمداهمات في إغلاق المستشفيات في غزة أو عملها بشكل جزئي فقط. وقد دُمر مستشفى الشفاء نفسه إلى حد كبير في غارة عسكرية ضد عناصر مسلحة خلال الحرب، ووفقا للبرش، فإن المستشفى نفسه يعمل حاليا على نطاق محدود جدا.
وأكد البرش لـ”تايمز أوف إسرائيل” أنه لم يتلق أي تهديدات من أي جهة خلال عمله في الشفاء، وقال: ”المؤسسة الطبية في غزة تهتم بالأطباء والطواقم الطبية وتتغلب على العقبات“، في إشارة إلى البنية التحتية المدنية في غزة التي تسيطر عليها حماس.