مع صعود اليمين الإسرائيلي المتطرف، واشنطن تترك جميع الخيارات مطروحة على الطاولة
مع الإقرار بأن حل الدولتين أبعد من أي وقت مضى، بلينكن يشدد لأول مرة على المساواة في الحقوق والعدالة بموجب القانون لكلا الجانبين، ولكن خلافا لذلك يلتزم في الوقت الحالي بالنص المتبع
واشنطن – لم يلق خطاب وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن يوم الأحد في مؤتمر “جي ستريت” السنوي استحسانا كبيرا لدى مندوبي اللوبي الحمائمي، الذين يتوقون إلى معاملة أكثر صرامة تجاه إسرائيل حيث تنحرف السياسة هناك أكثر وأكثر نحو اليمين.
بدلا من ذلك، سعى بلينكن إلى تقديم توازن حساس تسعى واشنطن إلى اتباعه في سياستها إزاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. الولايات المتحدة، كما قال، ستتفاعل مع الحكومة الإسرائيلية بالاستناد على السياسات التي تطبقها، وليس بناء على الشخصيات التي تقوم بتنفيذ هذه السياسات – بغض النظر عن مدى تطرفهم.
وقال بلينكن لمنظمة “جي ستريت”، التي دعت إدارة بايدن إلى عدم التواصل على الإطلاق مع إيتمار بن غفير، زعيم حزب “عوتسما يهوديت” اليميني المتطرف، والذي من المتوقع أن يتم تعيينه من قبل رئيس الوزراء المفترض بنيامين نتنياهو وزيرا للأمن القومي: “سنقيّم الحكومة من خلال السياسات والإجراءات، وليس من خلال الأفراد”.
إحصل على تايمز أوف إسرائيل ألنشرة أليومية على بريدك الخاص ولا تفوت المقالات الحصرية آلتسجيل مجانا!
وأضاف: “سنطالب [إسرائيل] الالتزام بالمعايير المتبادلة التي أنشأناها في علاقتنا على مدى العقود السبعة الماضية، وسنتحدث بصدق واحترام مع أصدقائنا الإسرائيليين، كما ينبغي على الشركاء أن يفعلوا دائما”.
يبدو أن التصريحات مصممة لترك جميع الخيارات مطروحة على الطاولة لإدارة سعت إلى تجنب الخلافات العامة مع إسرائيل – على الرغم من الاختلافات السياسية – بسبب الاعتقاد بأن مثل هذه الخلافات هي إهدار للرصيد السياسي في وقت تبدو فيه الظروف على الأرض غير ناضجة لإحراز تقدم كبير نحو حل الدولتين على أي حال.
لكن هذا المنطق قوبل بالرفض من قبل العديد من الحاضرين في المؤتمر الذين سمعوا من عشرات المتحدثين الآخرين عن تداعيات استمرار الحكم العسكري الإسرائيلي على الفلسطينيين. حتى أنه كان هناك تهامسا بين مجموعة من الحاضرين الذين زاد عددهم عن 1000 شخص عندما هنأ بلينكين نتنياهو بفوزه في الانتخابات الأخيرة.
أظهرت نتائج الانتخابات التي أجريت في الأول من تشرين الثاني/ أن إسرائيل في صدد تشكيل الحكومة الأكثر يمينية في تاريخها على ما يبدو، حيث من المتوقع أن يقوم نتنياهو برفع مشرعين قوميين متطرفين ومعادين للمثليين إلى مناصب مهمة مسؤولة عن سياسة الأمن والتربية والتعليم.
وألمح وزير الخارجية الأمريكي في خطابه يوم الأحد إلى أن هذا قد يؤدي إلى تعديل في السياسة وألمح أيضا إلى تغييرات طفيفة تحدث بالفعل في خطاب الإدارة. على الرغم من ذلك، أشار بلينكن إلى أن الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بالنص الأصلي.
لعبة التوازن
بإعادة صياغة نقاط الحديث المألوفة، أظهر خطاب الوزير الذي استمر 25 دقيقة المجالات التي تواصل الإدارة محاولة تحقيق التوازن فيها في سياستها إزاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني:
-
- تعزيز العلاقات الأمريكية الإسرائيلية والمساعدة الأمنية الأمريكية لإسرائيل من جهة، وتجديد العلاقات الدبلوماسية مع السلطة الفلسطينية والمساعدات الإنسانية للفلسطينيين من جهة أخرى.
- البناء على “اتفاقات إبراهيم” للتطبيع بين إسرائيل وجيرانها العرب من جهة، مع توضيح أن هذه الاتفاقات “ليست بديلا عن بناء السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين”.
- قبول اعتراف الرئيس السابق دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، مع الإصرار على أن المدينة “يجب أن تكون مدينة لجميع سكانها”.
- تحذير إسرائيل من تنفيذ إجراءات أحادية الجانب في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وانتقاد السلطة الفلسطينية بسبب قيامها بدفع الرواتب للأسرى الأمنيين وعائلات منفذي الهجمات والتشديد على ضرورة الإصلاح المؤسسي في رام الله.
- رفض “المعاملة غير العادلة” لإسرائيل في الأمم المتحدة، مع التعهد بدعم حقوق المثليين في إسرائيل على خلفية قرار نتنياهو تسليم دور تربوي رئيسي وصلاحيات أخرى إلى رئيس حزب “نوعم” المعادي للمثليين، آفي معوز.
- دعم حل الدولتين على أساس خطوط ما قبل عام 1967، ولكن الخروج ضد الجهود الفلسطينية للاعتراف بهم كدولة على تلك الحدود في الأمم المتحدة.
عندما تتحول نقاط الحديث إلى سياسة
كما أشار بلينكن إلى تصاعد أعمال العنف في الضفة الغربية، مضيفا أن “الجناة يجب أن يواجهوا عدالة متساوية بموجب القانون”.
الفقرة الأخيرة كانت في الواقع مسألة لم يصرح بها بلينكن من قبل، مما يشير إلى الإحباط المتزايد في إدارة بايدن من فشل إسرائيل في محاكمة أو حتى اعتقال المشتبه بهم في الهجمات على الفلسطينيين في الضفة الغربية.
وأضاف: “نعتقد أنه يحق للفلسطينيين وللاسرائيليين، مثل الناس في كل مكان، أن يكون لديهم نفس الحقوق ونفس الفرص”.
كان هذا أيضا موقفا جديدا لإدارة كانت حريصة للغاية في انتقائها لكل كلمة تنشرها بشأن الصراع.
وسيعني ذلك أيضا أن نقطة الحديث التي تعتمد عليها الإدارة بشأن رغبتها في أن يتمتع الفلسطينيون والإسرائيليون “بمقاييس متساوية من الحرية والأمن والفرص” من المرجح أن تتسع لتشمل “الحقوق” و “العدالة” – وهما كلمتان أصبحتا شائعتين بشكل متزايد في الخطاب الفلسطيني مع ابتعاد رام الله عن الإيمان بأن فكرة الدولة الكاملة ممكنة.
بلينكن أيضا يدرك هذا الواقع، حيث قال مازحا أن وصف آفاق حال الدولتين بأنها ضئيلة سيكون “تلطيفا للواقع بالنسبة للبعض”.
وأضاف في وقت لاحق: “إن مجرد ثني الطرفين عن اتخاذ خطوات تقوض احتمالات قيام دولتين غير كاف”، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة تمكنت أيضا من إقناع إسرائيل بإضفاء الشرعية على وضع الإقامة لآلاف الفلسطينيين في الضفة الغربية وإصدار عشرات الآلاف من تصاريح العمل للفلسطينيين في غزة.
لكن في الحكومة القادمة، ستكون وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق (كوغات) بوزارة الدفاع، والتي سهلت الحصول على هذه الموافقات، تحت سيطرة حزب بتسلئيل سموتريتش، “الصهيونية المتدينة” المتطرف، والذي يدفع بوجهات نظر معادية بشدة للقضية الفلسطينية.
ولم يقل بلينكين كيف سيكون رد فعل الولايات المتحدة إذا رفضت الحكومة المقبلة المضي قدما في مثل هذه الخطوات أو حتى قررت التراجع عنها. واستنادا إلى خطابه المصوغ بعناية أمام جي ستريت، يبدو أن الإدارة تعتزم عبور هذا الجسر أو حرقه عند الوصول إليه فقط.