إسرائيل في حالة حرب - اليوم 588

بحث
من وراء الكواليس

مع دخول حظر إدخال المساعدات إلى قطاع غزة شهره الثالث، الجوع يطارد سكان غزة مجددا

بعد أن أدى وقف إطلاق النار إلى انخفاض أرقام سوء التغذية، بدأت مخزونات المساعدات في التناقص، وأصبحت أسعار المواد الغذائية المعروضة للبيع — والتي قد تكون من مخزونات حماس المسروقة — باهظة للغاية

فلسطينيون يصطفون للحصول على وجبة ساخنة في مطبخ خيري يديره برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في مخيم النصيرات في وسط قطاع غزة، 26 أبريل 2025. (Eyad BABA / AFP)
فلسطينيون يصطفون للحصول على وجبة ساخنة في مطبخ خيري يديره برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في مخيم النصيرات في وسط قطاع غزة، 26 أبريل 2025. (Eyad BABA / AFP)

مر أكثر من 60 يوما منذ أن فرضت إسرائيل حظرا تاما على دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، بما في ذلك الغذاء والماء والإمدادات الطبية والوقود ومواد الإيواء.

وتعد هذه الفترة الأطول التي لم تدخل فيها أي مساعدات إلى الأراضي الفلسطينية منذ اندلاع الحرب مع هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023.

ويقول مسؤولون إسرائيليون إن مساعدات كافية دخلت القطاع خلال هدنة استمرت شهرين في البداية، مما سمح لسكان غزة بالصمود خلال فترة التوقف التي استمرت شهورا، في الوقت الذي تسعى فيه إسرائيل إلى زيادة الضغط على حماس من أجل إعادة 59 رهينة لا يزالون محتجزين في القطاع.

لكن البيانات والشهادات الواردة من داخل القطاع تشير إلى تفاقم أزمة الجوع وارتفاع معدلات سوء التغذية، في الوقت الذي تبحث فيه إسرائيل عن سبل لاستئناف إيصال المساعدات دون السماح بوصولها إلى أيدي حماس أو الجماعات الأخرى المتحالفة معها، التي قد تستغل الأزمة لتمويل الحرب الجارية.

في أواخر أبريل، أعلن برنامج الأغذية العالمي أنه أكمل آخر شحنة من الإمدادات إلى المطابخ التي توزع وجبات ساخنة من مستودعات المنظمة.

قبل أسابيع، أعلن برنامج الأغذية العالمي إغلاق آخر المخابز العاملة في غزة ووقف توزيع المواد الغذائية على الأفراد لإعطاء الأولوية للإمدادات للمطابخ العامة.

وفي الأيام الأخيرة، أظهرت لقطات نشرت على الإنترنت ازدحاما شديدا وطوابير طويلة أمام المطابخ التي توزع وجبات ساخنة.

@alarabiya

مشاهد ترصد معاناة النازحين في غزة جراء نفاد الطعام من الأسواق وتكدس المئات على المطابخ بحثاً عما يسد جوع أسرهم غزة فلسطين #العربية

♬ الصوت الأصلي – العربية – العربية

وقال أحد سكان غزة لـ”تايمز أوف إسرائيل”، متحدثا شريطة عدم الكشف عن هويته خوفا على سلامته، إن “الجوع شديد للغاية، وقد وصل إلى مستويات غير طبيعية”.

حتى قبل أن توقف إسرائيل إيصال المساعدات في 2 مارس، كان الكثيرون في غزة لا يتلقون المساعدات الإنسانية.

وفقا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، كشفت دراسة استقصائية شملت 256 موقعا للنازحين في غزة، أجريت في الفترة من 2 إلى 20 مارس، أن ممثلين في 68٪ من المخيمات أفادوا بأن الأسر التي تعيش هناك لم تتلق أي مساعدات خلال الثلاثين يوما الماضية. ويُعتقد أن المخيمات الـ 256 تضم ما يزيد على 40 ألف أسرة فلسطينية.

وأشار الرجل من غزة إلى أنه اضطر إلى شراء الطعام بأسعار السوق المرتفعة بسبب نقص المساعدات التي تقدم مجانا.

وقال ”اضطررت إلى بيع متعلقاتي الشخصية لأتمكن من شراء الطعام“.

نساء يقفن في طابور حاملات أواني لتلقي وجبات خيرية من مطبخ في بيت لاهيا شمال قطاع غزة، 24 أبريل 2025 .(Bashar TALEB / AFP)

وفقا لمسح سوقي أجراه برنامج الأغذية العالمي، ارتفعت أسعار المواد الغذائية في أبريل بنسبة 50٪ في المتوسط مقارنة بشهر مارس، وارتفعت بنسبة تصل إلى 740٪ مقارنة بفترة وقف إطلاق النار في فبراير.

وتعذر الحصول على العديد من المواد الغذائية الأساسية، بما في ذلك منتجات الألبان والبيض والفواكه واللحوم.

وأدت ارتفاعات الأسعار إلى عدم قدرة غالبية سكان غزة على شراء معظم المواد الغذائية، حيث يعانون من انقطاع الدخل الثابت منذ بدء الحرب.

وقال أحد سكان مدينة غزة لـ”تايمز أوف إسرائيل” عبر تطبيق للمراسلة، متحدثا شريطة عدم الكشف عن هويته لأسباب تتعلق بسلامته، ”هناك خضروات ومعلبات في الأسواق، ولكن بأسعار مرتفعة للغاية. كيلوغرام السكر يكلف 70 شيكلا، وكيلوغرام الطماطم 25 شيكلا، وكيلوغرام الخيار 20 شيكلا”.

وأضاف ”أمس، طهوت وجبة من البامية فقط، بدون أي لحم“.

أظهرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك مقاطع من الأيام الأخيرة، سكان غزة وهم يعدون وجبات فاخرة أو يتناولون الطعام في المطاعم القليلة التي لا تزال مفتوحة في القطاع، ويمكن أن يُنظر إليها بأنها تدحض التقارير بشأن نقص الغذاء.

لكن تلك الفيديوهات قد تعكس أيضا خطورة الوضع في غزة: فالمساعدات التي تصل إلى القطاع لا توزع بشكل عادل، حيث يتمكن البعض من إشباع بطونهم — سواء من خلال علاقاتهم السياسية أو مواردهم المالية الوفيرة — بينما يعاني الآخرون من الجوع.

المساعدات المصادرة

لا يزال من غير الواضح من أين يتم جلب المواد الغذائية المعروضة في السوق، ولكن من المحتمل أن تكون هذه المواد من مخزونات المساعدات التي استولت عليها حماس بعد دخولها إلى غزة. في ظل الهجمات المتجددة، قد تقوم الحركة، التي اتُهمت في السابق بتحويل المساعدات الإنسانية لاستخدامها الخاص، برفع الأسعار على سكان غزة لدفع رواتب المقاتلين وتمويل عملياتها.

عناصر من حركة حماس يظهرون عند وصول شاحنات مساعدات إلى رفح، قطاع غزة، 21 يناير 2025. (Jehad Alshrafi/AP)

طوال الحرب، كانت هناك عشرات الحالات الموثقة التي تظهر أشخاصا مسلحين مرتبطين بتنظيمات مسلحة في غزة يسيطرون على شاحنات المساعدات. في سبتمبر 2024، نشرت القناة 12 الإسرائيلية تسجيلات لعناصر من حماس يتحدثون عن نقل مساعدات إنسانية من مستودعات مليئة بالإمدادات إلى قادة الجماعة في خان يونس.

في 30 مارس، حكمت المحكمة العليا الإسرائيلية بأن المنظمات الإنسانية التي تقدمت بطلبات لاستئناف إيصال المساعدات إلى غزة ”لم تثبت أن إسرائيل تقوم بتجويع سكان القطاع“، على الرغم من أن القضاة أشاروا إلى أن القرار لا يشمل الفترة التي أعقبت وقف إسرائيل الكامل للمساعدات إلى غزة.

وأشارت المحكمة في حكمها إلى أن إسرائيل، كقاعدة عامة، لا تزود غزة بالمساعدات الإنسانية بنفسها، لكنها سمحت بدخولها إلى القطاع خلال الفترة المعنية وفقا لتعليمات القيادة السياسية.

وكتب رئيس المحكمة العليا يتسحاق عميت في قراره أن المنظمات المسلحة متغلغلة في صفوف السكان المدنيين وتستولي على المساعدات الإنسانية، وإن التزامات إسرائيل بمساعدة سكان غزة المدنيين يجب أن تكون متوازنة مع الاحتياجات العملياتية، بما في ذلك منع وصول المساعدات إلى الجماعات المسلحة.

ومن المتوقع أن تستأنف إسرائيل إيصال المساعدات في الأسابيع المقبلة، لكن كيفية القيام بذلك أصبحت نقطة خلاف داخل القيادة السياسية وبين الحكومة والجيش الإسرائيلي.

وسعيا لتقديم المساعدة إلى المدنيين في غزة ومنع وقوعها في أيدي حماس، تم وضع خطة تقضي بإلغاء التوزيع بالجملة وتخزين المساعدات.

بدلا من ذلك، ستقوم منظمات دولية وشركات أمن خاصة بتوزيع صناديق الطعام على الأسر في غزة من داخل منطقة آمنة يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي داخل غزة، وفقا لما صرح به مسؤولان إسرائيلي وعربي مطلعان على الأمر لـ ”تايمز أوف إسرائيل“ الأسبوع الماضي.

وفي اجتماع مجلس الوزراء الأخير، شدد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس على هذه المسألة، واقترح أن تتم إدارة توزيع المساعدات من قبل شركات أمريكية مدنية تحت إشراف عسكري، أو مباشرة من قبل الجيش الإسرائيلي.

ورفض رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زمير فكرة مشاركة الجيش الإسرائيلي بشكل مباشر في توزيع المساعدات، مكررا موقف سلفه هرتسي هليفي.

أطفال فلسطينيون يعانون من سوء التغذية ينتظرون في مستشفى ناصر في خان يونس بجنوب قطاع غزة في 24 يونيو 2024، بعد أن سمح لهم الجيش الإسرائيلي بحسب تقارير بمغادرة غزة. (Photo by Bashar TALEB / AFP)

وفقا للتقارير، انفجر وزير المالية بتسلئيل سموتريتش غاضبا في وجه زمير، قائلا له: ”لقد أصدرنا لك تعليمات للاستعداد لهذا الأمر. نحن نخبرك بما عليك فعله، وأنت ستجد طريقة لتنفيذه. إذا لم تستطع، فسنجد من يمكنه فعل ذلك“.

في غضون ذلك، تتضاءل مخزونات حماس من المواد الغذائية المكدسة، وتتراوح التقديرات حول المدة التي قد تستمر فيها هذه الإمدادات بين شهرين ونصف العام. مع تلاشي مخزوناتها، وفقا لصحيفة “وول ستريت جورنال“، من المتوقع أن تتفاقم الصعوبات التي تواجهها الجماعة المسلحة في جمع الأموال وتجنيد مقاتلين جدد ودعمهم.

ارتفاع سوء التغذية لدى الأطفال مرة أخرى

يخشى الخبراء من أن تكون الفئات الأكثر ضعفا في غزة هي الأكثر تضررا من الجوع. ففي الأسبوعين الأولين من أبريل، تم تشخيص 64 طفلا في القطاع بحالات سوء تغذية حاد وخيم . كما تم تشخيص 641 طفلا آخرين بحالات سوء تغذية حاد معتدل، وفقا لبيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية (OCHA)، الذي استند إلى بيانات منظمات إغاثة قامت بفحص 21 ألف طفل.

في أحد المستشفيات في حي الرمال، وهو حي ميسور الحال نسبيا في مدينة غزة، تم تشخيص 3-5 أطفال بحالات سوء تغذية حاد ومضاعفات طبية مرتبطة به أسبوعيا خلال الشهر الماضي، أي أكثر من ضعف المعدل المتوسط في فبراير.

تم تشخيص ما يزيد قليلا عن 2000 طفل بحالات سوء تغذية حادة في فبراير، وهو أقل رقم منذ بدء جمع البيانات الموثوقة قبل ثمانية أشهر، ويرجع ذلك على الأرجح إلى وقف إطلاق النار وتدفق المساعدات إلى القطاع.

وبحلول مارس، ارتفع العدد إلى أكثر من 3700 طفل، وفقا للأمم المتحدة، استنادا إلى بيانات جمعتها عدد من المنظمات الإنسانية في غزة، بما في ذلك وكالات أممية ومنظمات غير حكومية. (كما ارتفع عدد الفحوصات من 84 ألفا في فبراير إلى 92 ألفا في مارس).

فلسطينيون ينتظرون أمام مركز لتوزيع الطعام المجاني لتلقي وجبة ساخنة، في مخيم النصيرات في وسط قطاع غزة، 19 أبريل 2025. (Eyad BABA / AFP)

قال الدكتور إياس البرش، طبيب في مستشفى الشفاء في قطاع غزة، إنه شهد ارتفاعا في عدد الأطفال الذين يصلون إلى المستشفى ويعانون من مشاكل صحية مرتبطة بالتغذية خلال الشهرين الماضيين، بما في ذلك سوء التغذية والضعف الجسدي.

وقال لـ”تايمز أوف إسرائيل“ عبر الهاتف: ”لا يوجد حاليا أي طعام في المستشفى، مثل منتجات الألبان أو الفواكه، التي يحتاجها المرضى الجرحى لاستعادة قوتهم وتجديد إمدادات الدم. وهذا يؤخر الشفاء ويضعف قدرة المرضى على مقاومة الالتهابات“.

المجاعة التي لم تكن

عندما أوقفت إسرائيل المساعدات إلى غزة في 2 مارس، كان ذلك بمثابة نهاية ما يقرب من 15 شهرا متتاليا من السماح بدخول المساعدات إلى القطاع. في 21 أكتوبر 2023، بدأت شحنات المواد الغذائية وأنواع أخرى من المساعدات في دخول القطاع عبر معبر رفح مع مصر، بعد حصار شامل استمر أسبوعين على القطاع عقب هجوم حماس في 7 أكتوبر، الذي أسفر عن مقتل نحو 1200 شخص في جنوب إسرائيل واختطاف 251 آخرين إلى غزة.

على الرغم من وصول المساعدات، واجهت إسرائيل اتهامات طوال الحرب بأنها لم تسمح بدخول ما يكفي من المساعدات إلى القطاع، مما أدى بسرعة إلى سيل من التقارير عن تزايد الجوع وارتفاع أسعار المواد الغذائية في القطاع، والتي رددتها لاحقا المنظمات الإنسانية والأمم المتحدة.

وبلغت هذه الادعاءات ذروتها في مارس 2024، عندما حذرت لجنة مراجعة المجاعة التابعة لنظام التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي، وهي لجنة مؤلفة من خبراء دوليين في المجاعة تعمل تحت رعاية الأمم المتحدة، من أن المجاعة ”متوقعة ووشيكة“، لا سيما في شمال غزة. وزعمت أن حوالي 677 ألف شخص يعانون بالفعل من ”كارثة“ انعدام الأمن الغذائي.

لكن المجاعة المتوقعة — وفقا لتعريف لجنة الخبراء — لم تحدث على ما يبدو؛ ففي يونيو، نشرت اللجنة نفسها تقريرا محدثا أفاد بأن “الأدلة المتاحة لا تشير إلى حدوث مجاعة في الوقت الحالي”.

ومع ذلك، استمرت آثار الإنذار من حدوث مجاعة في الانتشار.

استخدمت محكمة العدل الدولية والمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية البيانات التي استخدمتها لجان مراجعة المجاعة كدليل في الإجراءات القانونية التي رفعت ضد إسرائيل. واليوم، توجه تهم بارتكاب جرائم حرب إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، المتهمين باستخدام التجويع كوسيلة للحرب.

من ناحية أخرى، ربما أدت الشكوك التي أثيرت حول صحة الادعاءات بحدوث مجاعة إلى تراجع استعداد البعض لأخذ هذه الادعاءات على محمل الجد، حتى مع تفاقم أزمة نقص الغذاء في القطاع مرة أخرى.

أطفال فلسطينيون يتناولون طعامهم جالسين بالقرب من مدخل منزل مدمر في مدينة غزة، 1 مايو 2025. (Photo by Omar AL-QATTAA / AFP)

في منتصف فبراير، نشرت منظمة “محامون بريطانيون من أجل إسرائيل” تقريرا استنتجت فيه أنه لم تحدث مجاعة، بل إنها لم تكن وشيكة في ذلك الوقت، حيث كانت مستويات سوء التغذية الحاد أعلى بقليل فقط من أرقام ما قبل الحرب.

وزعمت المجموعة أن هناك مشاكل خطيرة في التحذيرات المتعلقة بتوافر الغذاء الصادرة عن المنظمات التي دعمت التحذيرات من حدوث مجاعة، بسبب ما قالت إنه استخدام ”بيانات غير كاملة أو غير دقيقة“، وتطبيق غير متسق للمعايير المنهجية، وعدم مراعاة البيانات الجديدة، و”التحيز المحتمل“.

بعد أسبوعين من صدور التقرير، توقفت الشاحنات التي تنقل المساعدات إلى غزة عن دخول القطاع لمدة 63 يوما وما زالت متوقفة حتى الآن.

اقرأ المزيد عن