مع انحسار العنف الفلسطيني، يتساءل البعض عما إذا كان هذا الهدوء سيصمد
مواقع التواصل الإجتماعي تخلق شعورا وكأن الإنتفاضة في ذروتها، ولكن ليس من الواضح ما إذا كان هؤلاء الذين يشجعون الهجمات على استعداد أيضا لتنفيذها
افي يسسخاروف، محلل شؤون الشرق الأوسطفي تايمز أوف إسرائيل ، كما وتستضيفه عدة برامج إذاعية وتلفزيونية كمعلق على شؤون الشرق الاوسط. حتى عام ٢٠١٢ شغل يساسخارف وظيفة مراسل الشؤون العربية في صحيفة هارتس بالاضافة الى كونه محاضر تاريخ فلسطيني معاصر في جامعة تل ابيب. تخرج بإمتياز من جامعة بن جوريون مع شهادة بكلوريوس في علوم الشرق الاوسط واستمر للحصول على ماجيستير امتياز من جامعة تل ابيب في هذا الموضوع. كما ويتكلم يساسخاروف العربية بطلاقة .
بعد ثمانية أشهر ونصف من اندلاع “انتفاضة الذئب الواحد” – أو “إنتفاضة القدس”، كما تسميها حركة حماس – وسط مصادمات في الحرم القدسي وزيارات لأعضاء كنيست هناك، حظي الموقع بزيارة غير متوقعة بالنظر للظروف السياسية: رئيس الوزراء في السلطة الفلسطينية رامي الحمد الله شارك في الصلاة في المسجد الأقصى مساء السبت، برفقة رئيس جهاز الإستخبارات العامة الفلسطينية ماجد فرج ورئيس جهاز الأمن الوقائي زياد هب الريح.
تم تنسيق الزيارة مع المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، ومرت من دون حوادث تُذكر. وكذلك الأمر بالنسبة لصلاة الجمعة الثانية من رمضان قبل 23 ساعة من ذلك، والتي شارك بها 80,000 مصلي. صلاة الجمعة في الأسبوع الذي سبق ذلك، الجمعة الأولى من رمضان، انتهت هي أيضا بهدوء، ومن دون وقوع أحداث.
قد يبدو ذلك مفاجئا بالنظر إلى الهجوم الذي وقع قبل أسبوع ونصف الأسبوع من ذلك في مجمع “سارونا” التجاري في تل أبيب والذي قُتل فيه 4 أشخاص، أو لخطاب التحريض والكراهية على مواقع التواصل الإجتماعي.
ولكن الأمور هادئة نسبيا في الضفة الغربية. في حين أنه يتم إلقاء حجارة وزجاجات حارقة، لا توجد هناك تقريبا أية احتجاجات منظمة أو أعمال عنف بإستثناء أيام محددة (يوم النكبة ويوم النكسة وما إلى ذلك). عدد الهجمات مستمر في التراجع وبشكل ملحوظ مقارنة بالأشهر الأخيرة الرهيبة لعام 2015.
وهكذا على سبيل المثال، بحسب معطيات على الموقع الإلكتروني لجهاز الأمن العام (الشاباك)، كان هناك 67 هجوما وهجوما كبيرا في شهر مايو (بما في ذلك زجاجات حارقة)، في حين أن شهر أكتوبر 2015 شهد 483 هجوما. هذه الأرقام مشابهة لتلك التي شهدتها الأشهر الهادئة على مدى العامين الماضيين، مثل شهر مارس 2105 (61) أو يوليو 2015 (66). شيء غريب يحدث في الشارع الفلسطيني: من جهة، كراهية الرأي العام لإسرائيل وللسلطة الفلسطينية كذلك تبدو أكبر من أي وقت مضى. ولكن من جهة أخرى، هدأت الأمور على الأرض وعدد الهجمات مستمر في الإنخفاض. كيف يمكن تفسير ذلك؟
أحد المعلقين الفلسطينيين قال لتايمز أوف إسرائيل: “إذا نظرت على صحفات الفيسبوك للشبية وللجمهور بشكل عام، وكذلك بحسب إستطلاعات للرأي العام، قد تظن بسهولة بأن عشرات الأشخاص في الانتظار مع عبوات ناسفة وسكاكين وبنادق، على استعداد للمشاركة في عمليات”، وأضاف: “ولكن في أحيان كثيرة، يخلق الفيسبوك وهما، وأنا وأنت لا نفهم ذلك. هناك فجوة واسعة بين التصريحات التي يتم إطلاقها على شبكات التواصل الإجتماعي أو في إستطلاعات الرأي العام وبين استعداد الناس للقيام بعمل. ومنذ بداية هذا العام، على الأقل، في يناير وفبراير، بالإمكان ملاحظة عدد آخذ بالتضاؤل من الأشخاص الذين يبدون استعدادا للموت خلال تنفيذهم لهجمات”.
“في النهاية، نحن بحاجة لفهم أن هناك فرق بين الإشادة بإنتفاضة الأقصى أو الهجمات في تل أبيب والإستعداد للمشاركة في هجمات. معظم الرأي العام، وحتى معظم أبناء الشبيبة، يفضلون مواصلة العمل أو الدراسة وليس الموت. من أجل ماذا؟ هم يدركون أيضا بأن احتمال أن يؤدي هجوم طعن إلى تغيير هو قريب من الصفر. كذلك، اليوم كل من يكتب على الفيسبوك أو في أي مكان آخر بأنه يريد تنفيذ هجوم يتم إعتقاله على الفور”.
زميله يرى الأمور بشكل مختلف قليلا.
“الكثير من الأشخاص على استعداد للقيام بعمل اليوم. حتى عمل عنيف. لقد سئموا من أوضاعهم الشخصية والوضع الوطني؛ هذا صحيح بالأخص عندما يتعلق الأمر بالشباب. لذلك صحيح أن الجيل الأكبر والجيل المتوسط يرغب أساسا بالهدوء. ولكن الأمر مختلف بالنسبة للشبيبة، ويمكن لذلك أن يشتعل في أي لحظة”.
لماذا لا يحدث ذلك؟ لماذا الوضع في الضفة الغربية هادئ إلى هذا الحد؟
“هناك بضعة أسباب لذلك. أولا، إدراك أن هجمات الطعن والدهس لا تأتي بأية فائدة. لا شيء. لذلك هناك دعم أكبر الآن لهجمات إطلاق النار وحتى هجمات إنتحارية. ثانيا، إنها السلطة الفلسطينية. يرى فيها الشبيبة بأنها جزء من المشكلة، وليست جزءا من الحل. بكلمات أخرى، رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس خرج بنفسه ضد الهجمات عندما قال بأن أجهزة الأمن تجري عمليات تفتيش في المدارس وتقوم بمصادرة السكاكين. وكذلك [رئيس المخابرات العامة الفلسطينية ماجد] فرج أدلى بتصريحات مماثلة. لذلك يفكر الناس مرتين. ما الفائدة التي ستأتي من شيء كهذا إذا كانت القيادة الفلسطينية بنفسها تعمل ضد كل من يخطط أو يريد تنفيذ هجمات؟”
“أنظر: في الإنتفاضة الأولى وحتى في الثانية، كانت هناك محاولة على الأقل في البداية لتوجيه الجمهور من خلال وسائل كملصقات وتصريحات: ما الذي سيتم فعله وفي أي يوم. في الاندلاع الأخير [للعنف]، لم يكن هناك أي شيء. لم تكن هناك قيادة، ولم يكن هناك صوت موجه ولا خطة. وهناك أسباب أخرى: هذه الحادثة برمتها بدأت حول المسجد الأقصى، مع زيارة وزير الزراعة أوري أريئيل والتصريحات بأن إسرائيل تعتزم تقسيم الأقصى. ولكن راى الناس بأن ليس هذا ما يحدث حقا. توقفت زيارات أعضاء الكنيست، ولم يحدث تغيير في الوضع الراهن والتقييدات على أعمار المصلين لم تعد قائمة. لسياسة إسرائيل جزء في ذلك أيضا. لنأخذ القدس على سبيل المثال: الأماكن التي خرج منها أشخاص لتنفيذ هجمات، كجبل المكبر والعيساوية، تم فرض طوق أمني عليها، في حين أن أماكن أخرى، أحياء أكثر هدوءا، استمرت بالتمتع بحرية الحركة. وكان هذا أمر فهمه الناس، حتى أبناء الشبيبة”.
لكن الأصوات بعيدة عن أن تكون متفائلة. “الوضع لا يزال متفجرا. الحافز عند هؤلاء الشبان لمحاربة إسرائيل والإسرائيليين لا يزال قائما. ولكن كما أرى أنا ذلك، في المرحلة القادمة سنرى انفجارا ضد السلطة الفلسطينية بنفسها، وضد إسرائيل في الوقت نفسه. العدائية التي يشعر بها الشبان ضد ’الإحتلال’ تغير من شكلها، والآن هي ضد السلطة الفلسطيينية. هم يرون بالسلطة الفلسطينية كعبء ثقيل يضر بالجهود للتغيير ولا يفيدها. هم يتابعون التحريض على مواقع التواصل الإجتماعي، بما في ذلك ضد عباس، وهذا يؤثر عليهم”.
أحد أكبر نجوم مواقع التواصل الإجتماعي بين الفلسطينيين هو فادي السلامين (33 عاما)، الذي لديه 530,000 متابع. يعيش في الولايات المتحدة وأنهى دراسته في الخارج؛ والدته من بئر السبع ووالده من الخليل، ولديه تصريح إقامة في إسرائيل. من المكان الذي يعيش فيه في الخارج، ينتقد السلامين عباس وأبنائه، وعدد من المسؤولين الرفيعين في السلطة الفلسطينية وحماس أيضا. الشخص الوحيد الذي يمتنع عن انتقاده هو محمد دحلان، خصم عباس المرير.
يقتبس السلامين على نطاق واسع من مقالات كتبها مقربون من دحلان (مثل حسن عصفور). مسؤولون أمنيون فلسطينيون يقولون بأن لديهم دليل على الصلة بين السلامين ودحلان. وهذا فقط جزء من المشكلة التي تواجهها السلطة الفلسطينية على فيسبوك وتويتر: الإنتقادات على شبكات التواصل الإجتماعي هذه غير موجهة فقط لإسرائيل ولكن أيضا ضد حماس أو ضد عباس والسلطة الفلسطينية كذلك.
لذلك تقود حركة فتح وأجهزة الأمن حملات مضادة على مواقع التواصل الإجتماعي، ولكن هذه المعركة من دون شلك هي معركة خاسرة منذ البداية في ظل الإحباط الرهيب والعداء الذي يشعر به الجيل الشاب تجاه عباس. وذلك أيضا هو جزء من المشكلة لكل من يسعى إلى فهم الوضع على الساحة الفلسطينية (أو في أي ساحة أخرى) في الوقت الحاضر. منذ مدة لم يعد فيسبوك وتويتر مرآة حقيقية للرأي العام في وسائل الإعلام. عادة ما تكون هذه المواقع تحت تأثير حملات منظمة ومنسقة.
في غضون ذلك، تسير الأمور كالمعتاد تقريبا في الضفة الغربية. كما تعلمنا من زيارة المسؤولين الفلسطينيين الكبار إلى الحرم القدسي، التنسيق الأمني مستمر، وربما حتى بشكل أقوى. على الرغم من كل التصريحات التي خرجت بها القيادة العليا لمنظمة التحرير الفلسطينية، تحافظ أجهزة الأمن الفلسطينية على تعاون وثيق مع إسرائيل على الأرض.
النقاش الذي لا ينتهي حول خليفة عباس يرفض هو أيضا أن يهدأ. نجح مروان البرغوثي في جعل نفسه المرشح الأبرز للإنتخابات الرئاسية، على الرغم من أن هناك شكوك بأن يتم إجراء إنتخابات حتى لو لم يعد عباس قادرا على أداء مهامه أو أعلن إستقالته. البرغوثي نجح أيضا في خلق شعور بأن لديه خطة محددة ستأتي بتغيير في الوضع الراهن، خطة قمنا بنشرها في هذه الصفحات قبل حوالي شهر. التحريض ضد إسرائيل مستمر، كما ذكرنا، ولكن يرافقه أيضا تحريض ضد السلطة الفلسطينية. العنف آخذ في التراجع، والسؤال الأصعب والأكثر إشكالية هو ما إذا كان الهجوم في تل أبيب قد يكون مؤشرا على تغيير في الهجمات الفلسطينية: ما وراء الطعن والدهس، وبالعودة إلى إطلاق النار والأحزمة الناسفة.