مع اقتراب الفلسطينيين من الانتخابات، تحدي البرغوثي لعباس يهدد بقلب السباق
اعتبر المراقبون في البداية المرسوم الانتخابي الذي أصدره رئيس السلطة الفلسطينية عباس حيلة - لكنه، بغض النظر عن نواياه، مهد الطريق لأخطر تحدٍ لحكمه منذ سنوات

عندما أصدر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مرسوما رسميا يدعو إلى إجراء أول انتخابات فلسطينية منذ 15 عاما، اعتبر معظم المراقبين ذلك حيلة من قيادة غير شعبية تكافح من أجل البقاء شرعية.
وكانت القيادة الفلسطينية قد وعدت بإجراء انتخابات مرات عدة منذ إجراء التصويت الأخير في عام 2006. وكانت تلك الانتخابات، التي أدت إلى انتصار حركة حماس على حركة فتح التي يتزعمها عباس، بمثابة ناقوس الموت للديمقراطية الفلسطينية.
وأدى انعدام الثقة بين الجانبين إلى نسف كل دفعة انتخابية منذ عام 2006، مع انهيار الوعود التي لا نهاية لها بالعودة إلى صناديق الاقتراع. وتوقع الكثيرون ألا تكون هذه المرة مختلفة.
إحصل على تايمز أوف إسرائيل ألنشرة أليومية على بريدك الخاص ولا تفوت المقالات الحصرية آلتسجيل مجانا!
لكن بعد شهرين ونصف، لم يلغ عباس المرسوم بعد، وولدت الحملة الانتخابية حركة على الساحة السياسية الفلسطينية نادرا ما شوهدت منذ الانتخابات التشريعية الأخيرة.
وقال وزير الإعلام السابق في السلطة الفلسطينية غسان الخطيب في مكالمة هاتفية: “سعت هذه الانتخابات في البداية إلى مجرد إعادة إنتاج الوضع الراهن. لكن، كما تعلم، يمكن أن تخرج الأحداث عن السيطرة في بعض الأحيان”.
لكن الآن، أثار تحد بارز داخل حركة فتح من قبل شخصيتين فلسطينيتين شهيرتين – يمثلان أخطر تحد يواجه القيادة الفلسطينية الحالية منذ سنوات – مخاوف من أن عباس قد يلغي الانتخابات مرة أخرى لتجنب خسارة محرجة.

وبحلول يوم الأربعاء، وهو آخر يوم لتسجيل قوائم الأحزاب في الانتخابات، قدم 30 حزبا فلسطينيا، بما في ذلك بعض الأحزاب المستقلة الجديدة، قوائم المرشحين لمناصب في المجلس التشريعي الفلسطيني. والانتخابات التشريعية في 22 مايو هي الجزء الأول من عملية متعددة الخطوات من المقرر أن تشمل أيضا انتخابات رئاسية في يوليو.

لكن تواجه العملية العديد من العوائق. وفرضت القيادة الفلسطينية مطالب وقيود مشددة على المرشحين – بما في ذلك رسوم تسجيل بقيمة 10 آلاف دولار ووديعة إضافية قدرها 10 آلاف دولار – فيما اعتبره النقاد محاولة للحد من المشاركة السياسية.
“لماذا يأخذون مني 10,000 دولار؟ هذا حق ديمقراطي. انهارت العديد من القوائم، وانضم أعضاؤها إلى قوائم أخرى أو انسحبوا لأنهم لم يتمكنوا من الدفع”، قال عبد العزيز غزاونة، وهو محام من بلدة الرام شارك في تشكيل قائمة برلمانية مستقلة.
لكن قال الخطيب إنه بالنظر إلى عدد القوائم الجديدة التي تجاوزت هذه العقبات، فمن المتوقع أن تحدث الانتخابات – إذا أجريت – نوعا من التغيير، بدلا من مجرد إضفاء مظهر شرعي جديد على الوضع الراهن.
مضيفا: “أنا لا أعرف مدى أهمية، أو حجم هذا التغيير. من المرجح أن تشكل النتائج تغييرا في القيادة (البرلمانية)”.
فتح ضد فتح
اهتزت رام الله يوم الأربعاء بسبب تطور دراماتيكي في الحملة التشريعية: انضم مروان البرغوثي، الذي يتمتع بشعبية واسعة ويقضي محكوميته بالسجون الإسرائيلية بتهمة تخطيط هجمات، إلى صفوف ناصر القدوة، الذي يُعتبر من منتقدي عباس منذ فترة طويلة، وشكلا قائمة “الحرية” لتحدي قائمة فتح الرسمية.
وسيحتل القدوة قيادة القائمة، فيما ستحتل زوجة البرغوثي فدوى المركز الثاني. وورد أن البرغوثي ينتظر الانتخابات الرئاسية للسلطة الفلسطينية، المقرر إجراؤها في يوليو، للترشح رسميا.

وزاد التحدي من القدوة والبرغوثي من انقسام حركة عباس التي تحكم الضفة الغربية. وتواجه فتح الانقسامات بالفعل، مع تجنيد القائد السابق للأمن الوقائي في غزة وخصم عباس اللدود محمد دحلان مجموعة من المرشحين من المنفى في الإمارات العربية المتحدة.
تحالف القدوة والبرغوثي أمرا مثيرا للاهتمام. ويحظى الأول، وهو مسؤول كبير في فتح، بالاحترام باعتباره سياسيا جادا وفعالا. وقد شغل القدوة، وهو ابن شقيقة رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الراحل ياسر عرفات، منصب وزير خارجية السلطة الفلسطينية ومبعوث رام الله لدى الأمم المتحدة.
وفي حين أنه يتمتع ببعض الدعم في دوائر النخبة الفلسطينية، يبدو أن القدوة لديه قاعدة شعبية صغيرة للغاية. ووجد استطلاع اجري حديثا أن 7% فقط من الفلسطينيين سيصوتون لقائمة القدوة لوحدها، بينما قال 30% إنهم سيصوتون لقائمة فتح الرسمية.
من ناحية أخرى، ينظر الفلسطينيون إلى البرغوثي على أنه شخصية مقاومة نموذجية ورمز لقيادة غير ملوثة بالفساد. ووصفه مسؤول فلسطيني بأنه “رجل الخطب في دوار المنارة في رام الله، يتمتع بشعبية كبيرة”.
وهو أيضا مُدان “بتهم متعلقة بالإرهاب، ويقضي خمسة أحكام بالسجن مدى الحياة بتهمة توجيه هجمات ضد إسرائيليين خلال الانتفاضة الثانية”. وقد استمر في ممارسة نفوذه على فتح من السجن.

وأظهر استطلاع حديث للرأي أنه إذا شكل البرغوثي فصيلا سياسيا منشقا داخل فتح، فإن مرشحيه سيهزمون كتلة عباس: 28% من المستطلعين قالوا إنهم سيصوتون لقائمة البرغوثي بينما قال 22% إنهم سيصوتون لفصيل عباس.
وقد دعا البرغوثي، وهو زعيم سابق للجناح العسكري لحركة فتح، إلى الكفاح المسلح. ودعا فصيل القدوة إلى إنهاء السياسات غير الشعبية، مثل التنسيق الأمني مع إسرائيل.
وقال الخطيب إن “السياسة الحالية تجاه إسرائيل هادئة نسبيا. تفكير البرغوثي والقدوة السياسي يتبنى اتجاه أكثر تصادمي وأقل تصالحي”.
وسعى جبريل الرجوب، المسؤول الكبير في فتح، والذي يحتل المرتبة الثالثة على قائمة فتح الرئيسية، إلى تبديد المخاوف بشأن الانقسامات الداخلية أثناء حديثه إلى الصحفيين في رام الله.
وقال الرجوب يوم الأربعاء أنه حتى “في زمن سيدنا محمد كان هناك مرتدين. فتح قوية”.

واعترف عزام الأحمد المسؤول الكبير في فتح بأن قرار البرغوثي بدخول السباق “فاجأنا”. وبحسب الأحمد، كان البرغوثي قد أبلغ قيادة فتح أنه لن يتحدى قيادة السلطة الفلسطينية.
وقال الأحمد الذي يعمل في اللجنة المركزية لحركة فتح أنه “كان لدينا اتفاق مع مروان. لقد أبلغنا رسميا من خلال لقاءاته مع حسين الشيخ والتصريحات التي كتبها بنفسه”.
“لقد تواصلت شخصيا مع مروان من خلال زوجته فدوى. قال لي نفس الشيء: إنه لا يفكر في تشكيل قائمة”، قال الأحمد لتايمز أوف إسرائيل.

وبحسب الأحمد، حاول مسؤولو فتح في اللحظة الأخيرة إقناع البرغوثي بالتراجع عن قراره قبل 15 ساعة فقط من الموعد النهائي. وزعم الأحمد أن إسرائيل لم تصدر الموافقة الصحيحة على زيارة الشيخ للسياسي الفلسطيني المسجون – أو حتى التحدث إليه عبر الهاتف.
ورفض مكتب وزارة الدفاع الإسرائيلي المكلف بالتعامل مع شؤون المدنيين الفلسطينيين التعليق على المسألة رسميا.
لكن نفى مسؤولون إسرائيليون هذا الادعاء بشرط عدم الكشف عن هويتهم، دون الخوض في التفاصيل.
بعد إعلان البرغوثي والقدوة، بدأت تكهنات منتشرة بأن عباس – خوفا من احتمال فوزهما أو فوز حركة حماس، الذي قد تعززه انقسامات فتح الداخلية – سيسعى لتأجيل الانتخابات أو حتى إلغائها.

أسهل طريقة لعباس لتأجيل الانتخابات هي إلقاء اللوم على إسرائيل لرفضها السماح للفلسطينيين في القدس الشرقية بالتصويت. وقد أصر المسؤولون الفلسطينيون بانتظام على أنه لن تكون هناك انتخابات فلسطينية بدون مشاركة سكان القدس الشرقية الفلسطينيين.
لكن الخطيب قال أنه مع تزايد الترقب الشعبي للانتخابات، عباس قد يدفع ثمنا باهظا لتأجيل الانتخابات.
وكتب المسؤول البارز في حماس موسى أبو مرزوق مساء الثلاثاء، بعد صدور التقارير الأولى عن مشاركة البرغوثي في الانتخابات، مما اثار شبح فوز حماس عام 2006 على فتح المنقسمة في الانتخابات التشريعية السابقة: “نحن نرفض تأجيل الانتخابات بأي ذريعة”.
لكن يمكن لتغيير أجري بهدوء في قانون الانتخابات الفلسطيني، والذي لم تتطرق الصحافة الإسرائيلية اليه كثيرا، أن يضعف فرص حماس في تكرار نجاحها.
تم خوض الانتخابات السابقة بحسب الاحياء. وتنافس المرشحون من حركة فتح الشعبية لكن المنقسمة بشدة فيما بينهم، بينما مارست حماس انضباطا داخليا صارما.
وبينما تغلبت حماس على فتح بنسبة 3% فقط في مجمل الأصوات، حصلت الحركة الإسلامية على 74 مقعدا من أصل 132 في البرلمان التشريعي الفلسطيني مقابل 45 لحركة فتح.
لكن في رسالة إلى عباس في شهر ديسمبر، وافق رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية على خوض الانتخابات وفقا لتصويت نسبي تماما. وسيصوت الفلسطينيون لقائمة وطنية واحدة، على غرار نظام التصويت الإسرائيلي، وليس لقائمة على أساس التمثيل الجغرافي.

وقال مسؤولون في رام الله أنهم لا يخشون من فوز حماس، لأنهم يرون أنه من غير المرجح أن تحصل حماس على أغلبية مطلقة في المجلس التشريعي الفلسطيني بموجب القانون الجديد.
وقال أحمد مجدلاني، المسؤول البارز في منظمة التحرير الفلسطينية، لتايمز أوف إسرائيل في فبراير الماضي إن “قانون الانتخابات الجديد يمنع أي طرف من تحقيق الأغلبية في الانتخابات التشريعية. كل فصيل سيحتاج إلى إقامة تحالفات – إما في إطار الانتخابات أو بعدها”.
وكان غزاونة أكثر تشاؤما. ويعتقد انه لا زال هناك احتمال لإلغاء الانتخابات. وقال أنه حتى في حال اجرائها، فمن المرجح أن تؤدي فقط إلى انقسامات اضافية بين الفلسطينيين.
“ما يحدث في الشؤون الفلسطينية مقلق للغاية. الأمور لا تسير على ما يرام. الله يسترنا من الآتي”، قال.
تعليقات على هذا المقال