مع احتدام الحرب، قرية بدوية غير معترف بها في النقب تحصل على أول ملجأ عام
تفتقر أم الحيران، مثلها مثل الكثير من القرى الضعيفة في النقب، للبنى التحتية - بما في ذلك الحماية الضرورية من الصواريخ - وهي معرضة لخطر النزوح
تم وضع صندوق خرساني ضخم يبلغ سمك جدرانه 30 سم عند مدخل أم الحيران الأسبوع الماضي، وهو أول ملجأ عام يتم توفيره للقرية الصحراوية التي يبلغ عدد سكانها 200 شخص.
حتى الآن، لم تكن لدى السكان في القرية العربية البدوية غير المعترف بها، الواقعة بالقرب من حورة، شرقي عاصمة النقب بئر السبع، الحماية اللازمة من الصواريخ التي يتم إطلاقها من غزة.
تقع القرية على بعد حوالي 50 كيلومترا من القطاع الساحلي الذي تسيطر عليه حركة حماس. تأسست في عام 1956، عندما قامت دولة إسرائيل المنشأة حديثا بإعادة توطين عائلتين عربيتين بدويتين لإفساح المجال لبناء بلدة يهودية وهي كيبوتس شوفال.
إحصل على تايمز أوف إسرائيل ألنشرة أليومية على بريدك الخاص ولا تفوت المقالات الحصرية آلتسجيل مجانا!
في أوائل الستينات، انتقل هؤلاء السكان من خيامهم التقليدية إلى أكواخ، ثم قاموا على مر السنين ببناء مساكن شبه دائمة.
منذ قيام دولة إسرائيل في عام 1948، سعت السلطات إلى نقل السكان، الذين يعتمد معظمهم على رعي الماشية، إلى سبع بلدات معترف بها في محاولة لنقلهم إلى مناطق حضرية. لكن العديد من البدو يصرون على حقهم في البقاء حيث هم، ويعيش حوالي 120 ألفا – من إجمالي عدد السكان العرب البدو في النقب البالغ عددهم 300 ألفا – في عشرات القرى غير المعترف بها والمنتشرة في جميع أنحاء المنطقة الصحراوية.
معظم عمليات البناء في هذه القرى غير قانونية، حيث أن القرى غير موجودة في نظر القانون. وبينما نادرا ما تقوم السلطات بعمليات ترحيل جماعية، فإنها تقوم بانتظام بهدم المنازل غير القانونية وغيرها من المباني في القرى.
معظم أعمال البناء في هذه القرى غير قانونية، حيث يعيش السكان أيضا دون إمكانية الوصول إلى إمدادات المياه والكهرباء الوطنية، ولا تقوم سلطات الدولة بتعبيد طرق الوصول، ولا توفر خدمات تصريف القمامة، ولا تبني مدارس وعيادات داخل هذه القرى.
منذ عام 2003، حصلت 11 قرية لم يكن معترفا به في السابق على ترخيص بأثر رجعي من قبل الدولة، بينما لا تزال 35 قرية في انتظار الاعتراف بها، وفقا لجمعية حقوق المواطن في إسرائيل.
وكانت قرية أم الحيران قد أدرجت في البداية ضمن القرى المقرر الاعتراف بها، ولكن تم التراجع عن القرار في عام 2004 من قبل سلطة أراضي إسرائيل، التي أصدرت أوامر هدم للمنازل هناك.
وقد خاضت القرية معركة قانونية في المحكمة المركزية في بئر السبع والمحكمة العليا، حيث كافحت من أجل اجبار السلطات على الالتزام بقرار الحكومة لعام 1956. وفي هذه الأثناء، فإن أعمال البناء لبلدة درور، وهي بلدة جديدة للمجتمع اليهودي المتدين، مستمرة على أطراف القرية منذ عام 2016، ما يهدد بتسريع عملية إخلاء أم الحيران وهدمها.
وقضت المحكمة العليا عام 2016 بضرورة قيام الدولة بتقديم خطة لإعادة إسكان سكان أم الحيران، لكن السلطات فشلت في ذلك حتى الآن. ويقول السكان إنهم قدموا حتى الآن ستة مقترحات مشاريع مختلفة، ولم تتم مناقشة أي منها. وأكد ناشط محلي أن المحاورين الوحيدين للسكان في السنوات الأخيرة لم يكونوا مسؤولين حكوميين، بل الشرطة.
وقال رئيس اللجنة المحلية في أم الحيران رائد أبو القيعان: “نحن مجتمع مكتفي ذاتيا، وقد بنى نفسه على مر السنين. نحن أشخاص مرنون ونعتمد على أنفسنا، ويعمل معظم السكان هنا أو يدرسون، من النساء والرجال على حد سواء. لا أحد عاطل عن العمل. لا ننتظر أن تأتي سلطات الدولة وتحل مشاكلنا. نريد فقط أن تُحترم حقوقنا”.
وبينما يتم النظر في القضية في المحاكم، استمرت عمليات هدم المنازل. في يناير 2017، أطلقت الشرطة النار على أحد السكان المحليين، ويدعى يعقوب أبو القيعان، عندما وصل الشرطيون للإشراف على هدم منزله. كان الرجل البالغ من العمر 47 عاما، وهو أب لـ 12 ابنا، قد جمع بعض متعلقاته في سيارته ذات الدفع الرباعي وانطلق بها بعيدا، قائلا إنه لا يستطيع تحمل رؤية منزله وهو يُهدم. وبعد وقت قصير أطلقت الشرطة النار عليه.
بعد إطلاق النار عليه، فقد السيطرة كما يبدو على مركبته، التي زادت من سرعتها ودهست مجموعة من الشرطيين، مما أسفر عن مقتل أحدهم وهو إيرز ليفي. بداية زعم الشرطة وسياسيون أن أبو القيعان حاول عمدا دهس الشرطيين في ما وصفوه بـ”هجوم إرهابي”، لكنهم تراجعوا لاحقا عن هذه المزاعم، واعتذر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للعائلة.
في مواجهة تقاعس الحكومة، يتدخل المجتمع المدني
إحدى القضايا الرئيسية التي تؤثر على القرى غير المعترف بها في زمن الحرب هي أنها غير مشمولة بنظام “القبة الحديدية”، الذي يعترض فقط الصواريخ الموجهة نحو المناطق الحضرية المسجلة على الخرائط، ولكن لا يتم تفعيله عندما تستهدف الصواريخ “مناطق مفتوحة”.
وبالتالي فإن أم الحيران، وكذلك القرى الأخرى غير المعترف بها، معرضة تماما للصواريخ القادمة. وقال أحد المتطوعين المحليين: “أحيانا تعمل القبة الحديدية هنا، وأحيانا لا تعمل”. لا يتم بناء المنازل وفقا لأنظمة البناء الإسرائيلية الحالية، مما يعني أنها لا تحتوي على غرف آمنة.
الملجأ الذي تم تسليمه يوم الأربعاء، وهو الأول من بين ثلاثة من المقرر تركيبها في القرية، تم توفيره من قبل منظمة المساعدات الدولية IsraAID بالتعاون مع “أجيك”، وهي منظمة عربية-يهودية في النقب.
ومنذ بداية الحرب، قامت المنظمتان بتوفير 31 ملجأ إلى 20 قرية غير معترف بها، وتخططان لتوفير الملاجئ لـ 11 قرية أخرى، بالإضافة إلى 10 ملاجئ مخصصة لرياض الأطفال التي ظلت مغلقة حتى الآن بسبب نقص الحماية من الصواريخ.
ويقول الناشطون إن منظمات المجتمع المدني ستوفر إجمالا 200 ملجأ من هذا النوع، لكن هذا مجرد قطرة في محيط، علما أن النقص الإجمالي يقدر بنحو 11 ألفا.
خير الباز هو حاليا الرئيس الوحيد لمنظمة “أجيك”. حتى سنوات قليلة مضت، كانت فيفيان سيلفر ترأس المنظمة، وهي مواطنة كندية المولد وأقامت في كيبوتس بئيري بالقرب من غزة وناشطة سلام منذ فترة طويلة والتي قُتلت في 7 أكتوبر في منزلها على يد مسلحي حماس، الذين تسلل الآلاف منهم إلى جنوب إسرائيل من غزة في ذلك اليوم، وهاجموا البلدات الجنوبية ومهرجان طبيعة راقص. في المجمل، قُتل 1200 شخص وتم اختطاف 240 آخرين ونقلهم إلى غزة.
ردا على الهجوم، شنت إسرائيل عملية عسكرية واسعة النطاق، متعهدة بالقضاء على نظام حماس وتأمين عودة الرهائن.
وقال الباز: “بالإضافة إلى ذلك، تم إغلاق معظم المدارس. قبل الحرب، كان أكثر من 40 ألف طفل بدوي من خلفية اجتماعية واقتصادية متدنية يتناولون وجبة ساخنة في المدارس – وهي الوجبة الوحيدة للكثير منهم. الآن لا يحصلون عليها. وفجأة زاد عدد العائلات المحتاجة بشكل كبير، والأمر يزداد سوءا”.
“نحن بحاجة إلى إيجاد طريقة لدعم هذه الأسر. إن منحهم سلة من الطعام بين الحين والآخر لا يكفي”. وأشار إلى أن السلطات تدخلت مؤخرا وبدأت في توزيع قسائم طعام.
كما تدخلت IsraAID أيضا، حيث قامت بتوصيل وجبات للعائلات بالشراكة مع منظمة “المطبخ المركزي العالمي” (World Central Kitchen) ومقرها واشنطن.
وقالت مولي بيرنشتاين، مديرة البرنامج الإقليمي لـ IsraAID، إن المنظمة تعمل بشكل مكثف خلال الشهرين الماضيين لدعم المواطنين العرب البدو وسط الحرب المستمرة، حيث يعتبرون من المجتمعات الأكثر ضعفا في إسرائيل، مع وجود عدد كبير بشكل غير متناسب من البدو من ضحايا النزاع الحالي.
وقال إيلان عميت، الرئيس التنفيذي المشارك لمنظمة “أجيك”، إن الحرب هي وقت بالغ الأهمية لتمهيد الطريق لشراكة أفضل بين المجتمعين اليهودي والعربي في إسرائيل، والتعاون معا في “اليوم التالي”.
وسلط الناشط الضوء على أن الاعتراف أو عدم الاعتراف بالقرية لا يحدث أي تغيير في بعض النواحي، حيث أن الاعتراف القانوني سينطبق فقط على الأرض، وليس على المباني، وسيعطي “وضعا شبه تلقائي لبناء غير قانوني لجميع المنازل في القرية” لأن البناء لا يتوافق مع أنظمة البناء الإسرائيلية – مثل تلك المتعلقة بالوقاية من الحرائق، والغرف الآمنة والصرف الصحي.
وأضاف: “ما يحدث عادة بعد الحصول على صفة رسمية للأرض هو أن السكان يحاولون الحصول على اعتراف بمنازلهم بأثر رجعي من قبل إدارة التخطيط، من خلال تقديم أدلة على وجودهم على الأرض لمدة عقد من الزمن، معظمها من خلال الصور الجوية”.
وقال عميت أنه في حالات نادرة، تمنح الحكومة موافقتها، لكن ما يحدث عادة هو إصدار أوامر هدم.
وأضاف: “بالإضافة إلى ذلك، لا يتم ربط القرى المعترف بها تلقائيا بشبكة الكهرباء ونظام إمدادات المياه – فكل منزل لديه خزانات مياه خاصة به، وبالوعة، وألواح شمسية ومولدات. جمع القمامة ليس مضمونا أيضا، وكذلك الخدمات الصحية”.
وقال ناصر هدوبة، وهو أب لـ 11 ولدا في أبو تلول، وهي بلدة بدوية يبلغ عدد سكانها الفي نسمة وتم الاعتراف بها في عام 2014، إن التطور الايجابي الوحيد بعد الاعتراف بالقرية كان تعبيد طريق وافتتاح مدرستين.
وأضاف هدوبة إن الحكومة لا تزال لا تمنح تراخيص البناء، ولم تتوقف عمليات الهدم. ولم يوفر المجلس الإقليمي المحلي ملاجئ متنقلة، ويتعرض الأطفال لضغوط شديدة بسبب انطلاق صفارات الانذار للتحذير من صواريخ قادمة.
وأن ابنته البالغة من العمر 10 سنوات تعاني من مشاكل في النوم منذ بداية الحرب. وقد لجأ إلى خدمات الصحة العامة طلبا للمساعدة ولكن دون جدوى، حيث لا يوجد أخصائيون اجتماعيون متاحون لرعايتها.
وأضاف: “للأسف، لم يعالج أحد مخاوفنا بعد”.