إسرائيل في حالة حرب - اليوم 532

بحث
الحرم الشريف

مشروع حفريات الحرم الشريف يكشف عن كنز، لكّنه يخلق صراعا

من خلال التنقيب في أرض الموقع الكريم تمّ اكتشاف تحف نادرة، تعود إلى آلاف السنين ولكن أساليب البروفسور غابرييل باركاي تثير الجدل

يعمل إيلان بن تسيون كمحرر أخبار في تايمز أوف إسرائيل. حاصل على لقب ماجستير في علوم الدبلوماسية من جامعة تل ابيب وعلى باكالوريوس تكريم من جامعة طورونطو في موضوع حضارات شرق أوسطية وما حولها، علوم يهودية ولغة انجليزية.

الحديقة الوطنية عيميك تسوريم وموقع برنامج غربلة الحفريات, يمكن رؤية الحرم الشريف بوضوح في الافق (بعدسة ايلان بن تسيون/ طاقم تايمز أوف اسرائيل)
الحديقة الوطنية عيميك تسوريم وموقع برنامج غربلة الحفريات, يمكن رؤية الحرم الشريف بوضوح في الافق (بعدسة ايلان بن تسيون/ طاقم تايمز أوف اسرائيل)

لثلاث من ديانات العالم، لجبل الهيكل (الحرم القدسي) قدسية وأهمية خاصة. لعلماء الآثار، الموقع المقدس الذي يبلغ من العمر 3,000 عام, هو الدورادو والكأس المقدسة، يمنع الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي العلماء من تنقيبه لكي لا يضر بأرضه. لكن انقلابا غير محتمل للأحداث سمح للمؤرخين بإلقاء نظرة على أحشاء النصب التذكاري الهائلة.

على المنحدرات أسفل حرم الجامعة العبرية على جبل المشارف، بحث علماء الآثار والمتطوعون في أكوام من تربةٍ تمّت إزالتها من الحرم الشريف في سنوات التسعين من القرن المنصرم. في محاولة لاكتشاف أجزاء وحلقات من تاريخ القدس الطويل. ,`g;  من خلال غربلة تربة  أخذت من جبل الهيكل حتى سنوات التسعين، فقد تمت تعبئة التربة والمخلفات في مربع بحجم 35 فدان من محيط  قبة الصخرة وموقع المسجد الأقصى ومعبد هيرودس في الماضي السحيق.

في نهاية كوخ مسقوف بنسيج الكونست، بيت مشروع غربلة جبل الهيكل، فتش البروفسور غابرييل باركاي في كومة صغيرة من التراب على طاولة منخفضة. إزال نظارته، وحدّق في قطعة صغيرة من الطين البني — واحدة من آلاف الاجزاء من التربة – مسح بعض الاوساخ من سطحها. كنهج ألأجداد، بلحية بيضاء وسوداء وصوت أجش مشوب بلهجة إنجليزية قديمة. باركاي، حاليا مع جامعة بار-ايلان، بدأ بعمله في مجال علم الآثار في تنقيب على جبل صهيون عندما تم تمهيد طريق للبابا بولس السادس عام 1964.

“إن ما نقوم به هنا هو نتيجة لبعض التطورات السياسية”، أوضح باركاي عندما جلسنا في الظل.

الوقف الإسلامي في القدس، المؤسسة التي تشرف على المسجد الأقصى, نفّذت حفريات في منطقة الحرم القدسي بين عامي 1996 و 1999 كجزء من بناء مسجد تحت الأرض في منطقة معروفة باسم إسطبلات سليمان. عشرات آلاف الأطنان من التراب – حوالي 400 شاحنة مليئة – تم حفرها بالآلات الثقيلة، دون إشراف علماء الآثار، ثمّ تم القاؤها خارج المدينة القديمة.

باركاي وصف العمل بأنه “أمر وحشي” و “جريمة ضد الحضارة الإنسانية”، وقارن إجراءات الوقف لأعمال حركة الطالبان بتدمير “تماثيل بوذا في باميان”.

جلست أكوام التراب في وادي قدرون لأكثر من أربع سنوات، حتى قرر باركاي إطلاق هذا المشروع في عام 2004. والهدف منه: استخراج القطع الأثرية من التربة التي إزيلت من جبل الهيكل. لقد أوضح أنه في حين أن فحص طبقات التربة – دراسة طبقات الأرض، عنصرا أساسيا لتأريخ القطع الأثرية – لم يعد مجد، أنهم يفترضون اجراء دراسة عكسية لطبقات الأرض: افرغت الشاحنات الطبقات العلوية من التربة اولاً, ومن ثم الطبقات الاعمق.

وقت قصير بعد بدء الاجراءات، “اعتمدت” (كما صاغها باركاي) مؤسسة “عير دافيد” (مدينة داوود) المشروع في عام 2005. وُجهت انتقادات لمؤسسة “عير ديفيد”، المعروفة أيضا بالاسم العبري المختصر “ايلاد”، تم انتقادها بسبب أجندتها في تهويد مناطق في القدس الشرقية مع روابط تاريخية يهودية (هدف اشارت إليه على موقعها على الإنترنت ك”أحياء الاسكان”)، ولتشديد على السرد التاريخي اليهودي على حساب أكثر من 1300 عام من التاريخ الإسلامي.

وافقت “ايلاد” على تغطية نفقات تشغيل الغربلة للمشروع، ولكن ظل مختبر باركاي للابحاث ممولا من تبرعات خاصة.

العاملين في مشروع الغربلة جلبوا التراب إلى الموقع في عيمك تسوريم واشغلوه من خلال غربلة جافة أولاً، من ثم قام المتطوعون بتنقية دلاء من التربة من خلال غربال في طريقة سماها باركاي, الغربلة الرطبة. أكثر من ربع مليون من المتطوعين من جميع أنحاء العالم شاركوا في اخراج دلاء تربة من جبل الهيكل وتنتقية اجسام صغيرة منذ بدء المشروع في 2004.

ما تبقى هو حصى وصخور وقطع من القمامة الحديثة، ولكن يشمل التراب أيضا قطعا من العصور القديمة. تم تنظيف القطع وتصويرها وفهرستها وإرسالها إلى مختبر في القدس، حيث كبار الطاقم الذي يرأسه باركاي وبروفسور تساحي دفيرا.

معظم القطع التي تم العثور عليها في الأحواض من قبلال متطوعين والتي يُقدر عددها بعشرات الآلاف صغير جدّأ- عدد كبير من القطع نقدية، وعدد لا يحصى من الشظايا الطينية، وتماثيل، وبلاط وخرز من الفسيفساء الملوّنة، ورؤوس سهام، وأحجار منقوشة وقطع عظام. في شرح عن كنز القطع القديمة الذي تم العثور عليه، أشار باركاي لشخصيات توراتية وشخصيات ما بعد التوراة في ربطه للقطع مع فترات زمنية: تحطمت التماثيل الطينية في عهد ملوك يهودا، مع ظهور أختام بأسماء كهنة تم ذكر أسمائهم في سفر أرميا وقطع نقدية مصكوكة خلال فترة الملك أنطويخوس الرابع إبيفانيس، الذي حارب المكابيين. تظهر الآثار تاريخ القدس من العصور القديمة وحتى العصر الحديث، كما يقول.

تشمل قطع أخرى تم اكتشافها عملات نادرة، عملة شبيه بالنصف شيكل تم صكّها في السنة الأولى من الثورة اليهوديّة الكبرى ضد روما سنة 66 ميلادي؛ ختم في الطين، من القرن السادس قبل الميلاد يحمل إسم مسؤول من يهودا؛ وبلاط فسيفساء ذهبي من أوائل الفترة الإسلامية التي زَيّنت مرة قبة الصخرة قبل ترميمها.

وقال باركاي أن “طريقتنا الرئيسية في التأريخ هي بواسطة التصنيف”، وتابع، “نحاول أن نجد موازاة لذلك، قطع مماثلة وجدت في أماكن أخرى في السياق” واستعمالها لتأريخ القطع التي وجدت في الحرم القدسي.

as

وقال إن “هذا هو واحد من الإفتراضات البديهيّة في علم الآثار”، وتابع، “هناك نمط في الحياة البشرية، وإن قطع من نفس الفترة تتشابه هنا في جبل الهيكل (الحرم القدسي) وفي أماكن أخرى”. للأسف فإن المشروع يفتقد في الوقت الحاضر للتمويل المطلوب لأداء تأريخ بالكربون المشع على المواد العضوية مثل عظام الثعلب والبقرة والخروف والخنزير للتوصل إلى تأريخ أفضل لبعض الإكتشافات.

وقال باركاي، “صحيح أننا نتعامل مع مواد لا يوجد لديها سياق. نحن لا نعرف من أي عمق جاءت هذه المواد.وإلى جانب أي قطعة وُجدت كل قطعة. وبأي هياكل مرتبطة”. وأشار رغم ذلك إلى أنه لم يكن في السابق أي مسح أثري للحرم القدسي، واصفا ذلك بانه “ثقب أسود أثري” يضم سدس البلدة القديمة.

 

as2منذ أن بنى الملك هيرودوس منصة الإعتلاء على جبل الهيكل (الحرم القدسي) في القرن الأول قبل الميلاد، كان الموقع بمثابة “صندوق مغلق” حيث “لم تتم فيه أعمال حفريات على نطاق واسع، لذلك لم يتم جلب تراب إليه، ولم تُؤخذ منه كميات كبيرة. الأرض أصلية” كما يقول باركاي.

خلافا لتأكيد باركاي أن الحرم القدسي هو “صندوق مغلق”، يشير برورفسور يسرائيل فينكلشتاين من جامعة تل أبيب إلى أنه لا يوجد هناك أي ضمان على أن التراب، والقطع التي وجدت فيه، هي في نهاية المطاف من القدس.

ويقول فينكلشتاين في رسالة إلكترونيّة، “بالرغم من أنه من المعقول أن نفترض أن الركام جاء من جبل الهيكل، فمن الممكن أنّه تمّ جلب الحطام من مناطق أخرى”. مع ذلك فهو يقول أن “إكتشافا غير عادي، مثل النقش” قد يكون هاما، ولكن لا شيء من هذا القبيل ظهر إلى الآن.as3

وقال البورفسور مروان أبو خلف، عالم آثار فلسطيني من جامعة القدس، إن منطقة مجمع الأقصى حيث تم بناء المسجد المرواني كانت “مكانا مهملا” استخدمه السلطان العثماتي سليمان القانوني لدعم المنصّة وإغلاق البوابة الذهبية. وكان أبو خلف قد كتب بتوسع عن التاريخ الإسلامي للحرم الشريف، الاسم العربي لجبل الهيكل. وقال أنّه لم تكن هناك طبقات للركام الذي تمت إزالته من قبل الوقف، وأن التراب الذي استُخدم لإقفال البوابة الذهبية، وكل ما كان في تلك التربة، قد يكون قد أتى من وادي قدرون المحيط بالمكان.

لتفادي النقد، قال باركاي أنه حتى لو أن المعلومات المستفادة من غربلة الركام الذي تم الحفر فيه بصورة غير علميّة من الحرم القدسي غير كاملة، فهذا أفضل من لا شيء. “قد يكون لدينا شيء ما في نهاية الأمر”.

من دون تسمية أسماء، رد على منتقديه بشدة، رافضا قيامهم بأعمال تنقيب على الأرض وجمع قطع من دون القيام بحفريات أثرية- ما يعرف بطريقة السطح أو المسح الميداني.

وقال باركاي، “إنهم هؤلاء الذين يقومون بمسح أثري للسطح. فهم يقومون بجمع المواد على السطح من دون أي سياق ويقومون بنشرها، وبنشر مقالات عنها”.

وقالت بروفسور إيلات مزار أنه حتى المسح الميداني لمواقع أثريّة يساهم في فهم المواقع القديمة. لا سيّما التحقيق في ركام من الحرم القدسي، وحتى وإن لم يتم العثور على القطع في الموقع.

وقالت خلال محادثة في مكتبها في جبل المشارف، “إنها هناك. إنها من هناك. إنها تابعة لجبل الهيكل، بطريقة أو بأخرى. لذلك فهناك أهمية لكل شيء يخرج من هناك”. ووصفت مزار مشروع الغربلة بأنه “إستثنائي” لأنه يهدف إلى إنقاذ ما تبقّى مما يمكن إنقاذه، سواء كان ذلك ذا طابع إسلامي أو يهودي. وقالت إن قيمة الإحصاءات في ما وُجد- وما لم يتم إيجاده، وجمع القطع الأثرية التي كانت ستتحول إلى قمامة لو لم يتم ذلك- هي أمر لا خلاف عليه، كما قالت.as4

على الرغم من أن مؤسسة “مدينة داوود” هي المنظمة التي تمول المشروع، يقول باركاي أنه لا يوجد للمنظمة اليمينيّة أي تأثير على الأعمال الأثرية في الموقع.

وقال إن “شرطي هو أن لا يقول لي أحد ما الذي علي أن أجده، وأن لا يقول لي أحد كيفيّة تفسير الإكتشافات، وأن لا يقول لي أحد أنه ينبغي علي تجاهل هذا الإكتشاف أو ذاك”.

مع ذلك، تبين في زيارة خفية إلى محاضرة أمام طلاب مدارس إسرائيليين أعطيت لهم كجزء من زيارتهم إلى مشروع الغربلة في الحرم القدسي أن طالب علم آثار يعمل في الموقع لم يقم بذكر الإسلام أو العرب، وأكد فقط على صلة اليهود بجبل الهيكل.

ويؤكد دكتور يوناتان مزراحي، رئيس “عيمك شافيه”، وهي مجموعة تعمل على تشجيع التعايش الإسرائيلي-الفلسطيني من خلال علم الآثار، أن مشروع الغربلة “لا يحمل أية قيمة أثرية” ولكن لديه “تأثير كبير” فيما يتعق بإسرائيل الحديثة، والرواية الإسرائيلية المحيطة بالحرم القدسي.

وأكد مزراحي، “بعد تدمير واحد لا يمكنك القيام بحفر سليم. هذه هي الحال”.

واعتبر مزراحي أنّه حتّى لو تم العثور على شيء ثوري مثل نقش يحمل اسم سليمان وإشارة إلى الهيكل خلال عملية الغربلة، لن يكون لذلك قيمة كبيرة؛ لا يمكن تأكيد علاقة ذلك بالموقع بشكل نهائي. “حتى هذا النقش سيثير أسئلة أكثر من الأجوبة، وعلميا لا توجد لذلك أية قيمة”.

خلاصة القول عند مزراحي هي أنه ” للفخار من دون هياكل هناك قيمة صغيرة” خارج السياق، وبالنسبة له، فإن القطع التي تم العثور عليها في الركام في الحرم القدسي تضفي القليل من الفهم العلمي للموقع.

على الرغم من الجدل القائم، لا يزال باركاي متفائلا وملتزما بعمله. “كل ما تفعله، وكل ما لا تفعله كذلك، في القدس هو سياسي”، كما يقول. “وكل ما يتم فعله على جبل الهيكل هو سياسي أكثر”.

اقرأ المزيد عن