مسؤول إسرائيلي كبير يحذر من تنامي ثقافة “إطلاق النار أولا وطرح الأسئلة لاحقا” في الجيش الإسرائيلي
رئيس منظمة World Central Kitchen يتهم إسرائيل باستهداف قافلة المساعدات "بشكل منهجي"، ويقول إن المنظمة كانت في منطقة يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي؛ الانتقادات الدولية ما زالت تتدفق
انتشرت ثقافة في بعض أركان الجيش الإسرائيلي حيث يقوم الجنود “بإطلاق النار أولا [في غزة] وطرح الأسئلة لاحقا”، كما قال مسؤول إسرائيلي كبير يوم الأربعاء، مع تصاعد الغضب من مقتل سبعة من عمال الإغاثة في غارة جوية في وقت سابق من هذا الأسبوع في العواصم حول العالم، مما يزيد من توتر علاقات القدس الدبلوماسية.
وجاء هذا الاعتراف في الوقت الذي أعلنت فيه إسرائيل عن استمرار تحقيق داخلي في الأسباب التي دفعت جنودها إلى تنفيذ عدة ضربات على قافلة تابعة لمنظمة “المطبخ المركزي العالمي” (World Central Kitchen) كانت تسير داخل ما كان من المفترض أن يكون ممرا إنسانيا لتفادي الاشتباك في وقت متأخر من يوم الاثنين، مما أسفر عن مقتل ستة موظفين أجانب، بالإضافة إلى موظف فلسطيني.
وأشار المسؤول الإسرائيلي الكبير، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إلى مقتل موظفي WCK، الذين كانوا ينقلون مساعدات مرسلة إلى غزة عبر سفينة، والحادث الذي وقع في ديسمبر عندما فتحت القوات النار على ثلاثة رهائن إسرائيليين وقتلتهم بعد أن تمكنوا من الهروب من الأسر وهم يلوحون بالعلم الأبيض.
وقال المسؤول الكبير لـ”تايمز أوف إسرائيل” إن كلا الحادثين يمثلان انتهاكا لقواعد الاشتباك في الجيش الإسرائيلي.
وقال المسؤول الإسرائيلي الكبير: “يعمل الجنود تحت ضغط هائل في ظروف صعبة للغاية حيث تقوم حماس بدمج نفسها بين السكان المدنيين، ولكن قواعد الاشتباك مصممة للمساعدة في التعامل مع مثل هذه الظروف، ويتم تجاهلها في كثير من الأحيان”.
وتشير هذه التصريحات إلى القلق المتزايد في إسرائيل والخارج إزاء حصيلة الحملة العسكرية الإسرائيلية ضد حماس، والتي بدأت ردا على هجوم 7 أكتوبر الذي قتل فيه مسلحون فلسطينيون حوالي 1200 شخص واحتجزوا 253 رهينة. وفقا لادعاءات لم يتم التحقق منها من وزارة الصحة التي تديرها حماس في غزة، قُتل أكثر من 32 ألف شخص من سكان غزة منذ 7 أكتوبر. ويُعتقد أن هذا الرقم يشمل كلا من مقاتلي حماس والمدنيين، الذين قُتل بعضهم نتيجة صواريخ طائشة أطلقتها الحركة. ويقول الجيش الإسرائيلي إنه قتل ما لا يقل عن 13 ألف مقاتل في غزة، بالإضافة إلى حوالي 1000 مسلح قُتلوا داخل إسرائيل في 7 أكتوبر. وقُتل أكثر من 250 جنديا إسرائيليا في غزة.
اعتذر الجيش عن الغارة على مركبات WCK، حيث قال رئيس أركانه هرتسي هاليفي إن الحادث وقع بسبب خطأ في التعرف على الهوية، بينما وصفه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأنه “حالة مأساوية” ووعد بالتحقيق فيه حتى النهاية.
ومن المقرر أن يتحدث نتنياهو مع الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم الخميس، حسبما قال مسؤولون إسرائيليون وأمريكيون، في أول مكالمة هاتفية بين الرجلين منذ الغارة على قافلة WCK، التي أثارت انتقادات لاذعة من واشنطن.
ولم يُسمح للمسؤول الأمريكي، الذي كان على دراية بالخطط لإجراء المكالمة، بالتعليق علنا وطلب عدم الكشف عن هويته لمناقشة المكالمة المتوقعة. وجاء البيان في الوقت الذي قال فيه مسؤول كبير بالبيت الأبيض إن الإدارة ليس لديها خطط لإجراء تحقيقاتها الخاصة في الأسباب التي أدت إلى الضربة التي أسفرت عن مقتل ثلاثة مواطنين بريطانيين، ومواطن بولندي، وأسترالية، ومواطن كندي أمريكي مزدوج الجنسية، بالإضافة إلى سائق فلسطيني تم تسليم رفاته إلى عائلته لدفنها في غزة.
وتم نقل الجثث الأخرى إلى مصر عبر معبر رفح الأربعاء، بحسب هيئة المعابر الفلسطينية التي تشرف على المعابر الحدودية.
واتهم الشيف الشهير خوسيه أندريس، الذي أسس WCK، يوم الأربعاء إسرائيل بأنها استهدفت قافلة المنظمة “بشكل منهجي، سيارة تلو الأخرى”.
وقال أندريس لوكالة “رويترز” إن ما حدث لم يكن “بسبب حظ عاثر حيث، ’عذرا’ أسقطنا القنبلة في المكان الخطأ”، مضيفا “حتى لو لم نكن نعمل بالتنسيق مع (الجيش الإسرائيلي)، لا يمكن لأي دولة ديمقراطية أو جيش أن يستهدف المدنيين والعاملين في المجال الإنساني”.
وكتب خوسيه أيضا في مقال نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت” يوم الأربعاء أن “إسرائيل أفضل من الطريقة التي تُدار بها هذه الحرب, وهي أفضل من منع الغذاء والدواء عن المدنيين، وهي أفضل من قتل عمال الإغاثة الذين نسقوا تحركاتهم مع الجيش الإسرائيلي”.
وكرر في وقت لاحق هذه التصريحات خلال مقابلة أجرتها معه قناة تلفزيونية إسرائيلية مساء الأربعاء.
وقال “لا أعتقد أن الغارات الجوية على قافلتنا كانت خطأ مؤسفا. لقد كانت في الواقع هجوما مباشرا على مركبات حملت علامات واضحة وكانت تحركاتها معروفة للجميع في الجيش الإسرائيلي”.
وقال لأخبار القناة 12 “أنا أعرف إسرائيليين. لدي العديد من الأصدقاء الإسرائيليين واليهود. أعرف الإسرائيليين، إنهم أفضل من شن هذه الحرب. أعلم أنهم أفضل من منع الغذاء والأدوية عن المدنيين”.
وتابع أندريس قائلا “كنا نطعم الإسرائيليين. وقفنا إلى جانب مواطني إسرائيل بعد ساعات من تعرض مجتمعات كاملة للذبح [في 7 أكتوبر]. وقفنا هناك إلى جانب الشعب الإسرائيلي. لقد وزعنا أكثر من مليوني وجبة. كنا في العديد من الكيبوتسات، وكنا في الشمال”.
“إذا فكرنا في عيد الفصح اليهودي – ما هي الدروس التي نعرفها من عيد الفصح؟ الدروس التي يعرفها كل إسرائيلي؟ أنك في عيد الفصح سوف تطعم الغرباء. سوف تطعم الغرباء لأن الغرباء أطعموك. دعونا نتقبل معنى عيد الفصح من خلال التأكد من أننا سنطعم كل غريب اليوم”.
وردا على سؤال حول محادثته يوم الثلاثاء مع الرئيس الأمريكي بايدن، قال أندريس: “لا أحد يشكك في دعم الرئيس بايدن لإسرائيل، وأعتقد أنه من الواضح أن إسرائيل لديها كل الحق في الدفاع عن شعبها. لكن الدفاع عن شعبك لا يعني قتل كل من حولك”.
وأردف قائلا “لقد كنت في غزة بنفسي. لقد التقيت..” وقطع حديثه باكيا قبل أن يستأنف كلامه “… وبعض الأشخاص الذين قُتلوا كانوا أصدقائي… زومي [فرانكوم، إحدى القتلى السبعة] هي الملاك الأكثر لطفا الذي يمكن أن تقابله، إنها امراة تواجدت في أماكن كثيرة من حول العالم لإطعام الناس. لقد كانت روحا طيبة”.
“أعتقد أن على الحكومة الإسرائيلية أن تفتح المزيد من الطرق – هذا ما قلته للرئيس بايدن. نحتاج إلى فتح المزيد من الطرق البرية و[السماح بدخول المزيد من الغذاء والدواء] اليوم. يمكن لنتنياهو تحقيق ذلك بمجرد رفع سماعة الهاتف وطلب حدوث هذا الشيء البسيط”.
سُئل أندريس أيضا عما إذا كان هناك احتمال بأن مسلحين تواجدوا في السيارات، وما إذا كان من الممكن أن يكون شخص ما قد استغل موظفيه دون علمهم.
وأجاب قائلا “بالطبع، لا يمكنني الحديث عما لا نعرفه بعد. ولكن ما يمكنني أن أقوله لك هو أن المطبخ المركزي العالمي كان في منطقة مخصصة لتجنب الاشتباك؛ كنا في منطقة تخضع لسيطرة الجيش الإسرائيلي بشكل كبير، ولا يمكن لأي شخص أن يدخل ويخرج دون أن يقوم الجيش الإسرائيلي بعمليات تفتيش طويلة. لذلك لدي شكوك كبيرة في أن هذا ما حدث”.
“أعتقد أن إسرائيل والشعب الإسرائيلي أفضل من ذلك. دعونا نخرج أفضل ملائكتنا اليوم. دعونا نتأكد من وقف القتل المستمر لكل ما يتحرك في غزة”.
“الالتزامات تجاه أهالي غزة الأبرياء”
وتواصلت الانتقادات الدولية للغارة يوم الأربعاء. وقال نائب وزير الخارجية البولندي أندريه سيجنا لوكالة الأنباء البولندية الرسمية إنه استدعى السفير الإسرائيلي يعكوف ليفني لإجراء محادثات “حول الوضع الجديد في العلاقات البولندية الإسرائيلية وحول المسؤولية الأخلاقية والسياسية والمالية”.
وقال سيجنا إن إجراء مثل هذه المحادثة مهم “لعلاقاتنا، ولكن أيضا لعائلة ضحية هذا الحدث المأساوي”.
وقال ليفني يوم الأربعاء إنه طلب من السلطات المحلية الاتصال بأسرة عامل الإغاثة القتيل.
ودعت وزيرة الخارجية الكندية ميلاني جولي إلى إجراء تحقيق كامل في الهجوم يوم الأربعاء قائلة إنه ينبغي على إسرائيل احترام القانون الدولي وأضافت أن كندا ستتأكد من أن تفعل القدس ذلك.
وقال رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز يوم الأربعاء إن رد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على الغارة الجوية كان “غير كاف” و”غير مقبول”.
وقال سانشيز في مؤتمر صحفي بالدوحة في ختام جولة شملت ثلاث دول في الشرق الأوسط: “نحن ننتظر توضيحا أكثر تفصيلا للأسباب، مع الأخذ في الاعتبار أن الحكومة الإسرائيلية كانت على علم بتصرفات ومسار هذه المنظمة غير الحكومية على الأرض في غزة”.
وفي الوقت نفسه، تواجه إحدى أقوى حلفاء إسرائيل – المملكة المتحدة – ضغوطا في أعقاب الغارة، حيث يطالب حزب العمال المعارض حكومة المحافظين بنشر المشورة القانونية التي تلقتها بشأن ما إذا كانت إسرائيل قد انتهكت القانون الإنساني الدولي خلال الحرب في غزة وحظر مبيعات الأسلحة لإسرائيل إذا كان الأمر كذلك.
كما دعا حزبان معارضان صغيران، حزب الديمقراطيين الليبراليين الوسطي والحزب الوطني الاسكتلندي الانفصالي، الحكومة إلى وقف مبيعات الأسلحة لإسرائيل.
ولم يلتزم رئيس الوزراء ريشي سوناك بنشر المشورة القانونية، لكنه قال إن المملكة المتحدة اتبعت “مجموعة من القواعد واللوائح والإجراءات” الصارمة بشأن ترخيص صادرات الأسلحة.
يوم الأربعاء أيضا، بعد أن قال بايدن إنه غاضب من الحادث الذي وقع في اليوم السابق، قال البيت الأبيض إنه لا يعتقد أن مقتل عمال الإغاثة سيؤثر على المفاوضات الجارية بشأن صفقة الرهائن.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي للصحفيين في إفادة صحفية إن “وقف إطلاق النار ومفاوضات الرهائن مستمرة. لا أتوقع أي تأثير خاص على تلك المناقشات نتيجة للضربة”.
لكنه أضاف “إنها ليست المرة الأولى التي يحدث فيها هذا، لذا نعم، نحن محبطون بسبب ما حدث”.
وقال كيربي أيضا للصحفيين إن إدارة بايدن تواصل دعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد حماس. لكنه قال إنه يتعين على إسرائيل أن تفعل المزيد لمنع مقتل وجرح المدنيين الأبرياء وعمال الإغاثة أثناء قيامها بعملياتهم في غزة.
وأضاف كيربي “باعتبارهم جيشا حديثا ودولة ديمقراطية، فإن لديهم التزامات تجاه سكان غزة الأبرياء، وهم لم يفوا دائما بهذه الالتزامات. نحن قلقون بشأن الأساليب أيضا”.