مسؤولون: التطبيع مع السعودية لا يزال ممكنا بعد الحرب، لكن الثمن سيكون أعلى بالنسبة لإسرائيل
قال مسؤولون أمريكيون كبار ودبلوماسيون عرب إن على القدس الآن أن تقدم تنازلات أكبر للفلسطينيين مقارنة بقبل هجوم 7 أكتوبر، لكن حاجة الرياض إلى ضمانات دفاعية أمريكية لم تتغير
أصر مسؤولون إسرائيليون وسعوديون وأمريكيون في الأسابيع الأخيرة على أن اتفاق التطبيع الذي توسطت فيه الولايات المتحدة بين اسرائيل والسعودية لا يزال مطروحا على الطاولة وحتى في متناول اليد.
قد يفترض المرء أن السعودية تريد أن تنأى بنفسها عن إسرائيل، وعلى أقل تقدير ألا تناقش علناً خطط الاعتراف بالدولة اليهودية وسط الحرب في غزة.
لكن سفير السعودية لدى المملكة المتحدة قال لقناة BBC يوم الثلاثاء إن الرياض لا تزال مهتمة “بالتأكيد” بتطبيع العلاقات مع اسرائيل، مرددًا تصريحات أدلى بها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في وقت سابق من اليوم وتصريحات مماثلة أدلى بها مؤخرًا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وقد استمرت المحادثات التقنية بين الولايات المتحدة والسعودية حول اتفاق التطبيع المحتمل وسط الحرب بين إسرائيل وحماس، وفقا لمسؤولين أمريكيين كبيرين ودبلوماسي عربي كبير. وقال المسؤولون الثلاثة لتايمز أوف إسرائيل هذا الأسبوع إنه في حين أن المصالح الأوسع للدول المعنية لم تتغير منذ هجوم 7 أكتوبر، إلا أن ثمن “المكون الفلسطيني الكبير” في الصفقة ارتفع.
وفي حين طُلب من إسرائيل قبل الحرب أن تقدم التزامات محدودة نسبياً بإقامة دولة فلسطينية في نهاية المطاف، فإنها ستحتاج الآن إلى الذهاب إلى أبعد من ذلك في إظهار هذا الالتزام إلى جانب قبول عودة السلطة الفلسطينية إلى حكم قطاع غزة، وهو ما رفضه نتنياهو في الأشهر الأخيرة، حسبما قال المسؤولان الأمريكيان.
وقال أحد المسؤولين الأمريكيين إن بلينكن نقل هذه الرسالة إلى القادة الإسرائيليين خلال زيارته لتل أبيب يوم الأربعاء.
وقال المسؤول الأمريكي الآخر إن “الفكرة هي إنهاء القتال الكثيف في غزة ثم الانتقال إلى التطبيع مع مكون فلسطيني كبير، والذي يمكن استخدامه كوسيلة ضغط لبدء مفاوضات الوضع النهائي [بين إسرائيل والفلسطينيين] في المستقبل”.
وأضاف: “ليس لدينا أي نفوذ آخر لتحقيق أفق سياسي، لذلك [نريد] استخدام التطبيع لإعادة تشكيل الوضع بشكل أساسي”، في اعتراف واضح بحدود نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة.
وقال المسؤولان الأمريكيان إن واشنطن تعمل تحت الانطباع بأنه لا يزال من الممكن التوصل إلى اتفاق قبل نهاية الولاية الأولى للرئيس الأمريكي جو بايدن في منصبه.
وأكد الدبلوماسي العربي الكبير، المطلع على تفاصيل مفاوضات التطبيع، الجدول الزمني الأمريكي لكنه أعرب عن شكوك كبيرة في إمكانية التوصل إلى اتفاق في غضون أشهر.
وقال: “يعترف المسؤولون الأمريكيون سرا بأنه لا توجد فرصة لتحقيق صفقة من هذا القبيل في ظل حكومة نتنياهو الحالية، التي لن توافق حتى على تسليم السلطة الفلسطينية أموالها الخاصة، ناهيك عن الالتزام بقيام دولة فلسطينية في نهاية المطاف”، في إشارة إلى مئات الملايين من الدولارات من عائدات الضرائب الفلسطينية التي تحجبها إسرائيل عن رام الله.
وأضاف: “سيستغرق الأمر بعض الوقت حتى يكون هناك ائتلاف جديد في إسرائيل، والذي قد يعارض بدوره أي خطوات تجاه الفلسطينيين”.
لماذا ارتفع الثمن الإسرائيلي مع الاهتمام السعودي؟
قال حسين إبيش، الباحث البارز في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، إنه لن تكون هناك حاجة إلى وقف القتال في غزة تمامًا حتى تمضي المفاوضات نحو اتفاق التطبيع بين إسرائيل والسعودية قدما.
وأكد أن تخفيف كبير للهجوم الإسرائيلي وانتقال الجيش الإسرائيلي إلى العمليات الدقيقة التي تستهدف قادة حماس والبنية التحتية العسكرية يمكن أن يضع الأساس لاتفاق بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية.
ويوافق إبيش على أن ثمن ما يسميه المفاوضون “المكون الفلسطيني الكبير” في صفقة التطبيع قد ارتفع، وشبهه بسلعة تتقلب قيمتها بمرور الوقت، ورفض ادعاء بعض القادة الإسرائيليين بأن نطاقه تقلص تدريجياً.
وأشار إلى أن السعودية تعتبر نفسها زعيمة العالمين العربي والإسلامي، ولا يمكن أن ينظر إليها على أنها تتخلى عن القضية الفلسطينية عندما تصبح القضية مرة أخرى موضع اهتمام دولي كبير.
وقال إبيش إن إسرائيل لن تضطر الموافقة على الانسحاب من الضفة الغربية أو إقامة دولة فلسطينية على الفور، لكن سيكون عليها أن توافق بدلا من ذلك على أن الهدف النهائي هو قيام دولة فلسطينية، والتخلي عن رغبة حركة الاستيطان في ضم الضفة الغربية لصالح سلسلة من “الخطوات المتواضعة نسبيا” لتعزيز السلطة الفلسطينية هناك.
وقال إبيش: “من المحتمل أن يرضي ذلك الرياض، التي ستقوم بعد ذلك بضخ الأموال إلى السلطة الفلسطينية كجزء من اتفاق (التطبيع)”.
وأوضح باحث الشرق الأوسط المخضرم أن “المكون الفلسطيني” في الصفقة كان القضية الرئيسية العالقة في المحادثات بين الولايات المتحدة والسعودية قبل 7 أكتوبر، نظرا لحل واشنطن والرياض خلافاتهما بشأن الاتفاقيات النووية والدفاعية التي تطالب بها المملكة العربية السعودية من أجل التوقيع مع الولايات المتحدة.
وأشار إبيش إلى أن حصيلة القتلى في الحرب الذي بلغ أكثر من 23 ألف فلسطيني في غزة – وهو رقم لم يتم التحقق بشكل مستقل ويعتقد أنه يشمل المدنيين والمقاتلين على حد سواء – قد “اختبر صبر” القادة العرب، بما في ذلك السعودية، وتكهن بأن الدول قد “تصل إلى أقصى حدودها” إذا استمر هذا الرقم بالتصاعد.
لكنه أشار أيضا إلى أن الدول المشاركة في اتفاقيات أبراهام – الإمارات العربية المتحدة والبحرين – لم تشهد احتجاجات كبيرة تطالب حكوماتها بإلغاء اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل، لأن أصحاب النفوذ هناك “يواصلون دعم تلك الصفقات فكريا، حتى لو لا يدعموها عاطفيا”.
أما بالنسبة للسعودية، فقد أكدت الحرب بين إسرائيل وحماس على الحاجة إلى ضمانات ملزمة قانونا من الولايات المتحدة مع تزايد جرأة إيران، كما قال إبيش. “إنهم ينظرون إلى إيران وهي على شفا الحصول على الأسلحة النووية ويدركون أن [الرد] الأفضل هو التوصل إلى تفاهم مكتوب مع الولايات المتحدة يحل المشكلة الكبيرة المتمثلة في عدم القدرة على التنبؤ وعدم الثقة في علاقتها مع الولايات المتحدة وما إذا كانت ستهب [واشنطن] للدفاع عنها إذا تعرضت لهجوم”.