محاولة إقالة المستشارة القضائية سوف تلحق أضرارا جسيمة بإسرائيل في لاهاي وتعرض نتنياهو للخطر
يتنافس وزراء الحكومة في مهاجمة غالي باهاراف ميارا، ويطالب عدد من أعضاء الائتلاف بإقالتها؛ لكن حتى نتنياهو يعلم أن هذا سيضر به وبإسرائيل في الإجراءات القانونية الجارية في محاكم لاهاي الدولية
سلسلة التصريحات التي أدلى بها الوزراء وأعضاء الكنيست من الائتلاف في الأيام الماضية، الذين أعربوا عن الرغبة في إقالة المستشارة القانونية للحكومة غالي باهاراف ميارا، ليست عشوائية، وتشير إلى تجدد سعي صانعي القرار للتمهيد لإقالتها من المنصب.
إليكم ما قاله الوزير عميحاي شيكلي في جلسة مجلس الوزراء يوم الأحد الماضي:
“إنجاز المستشارة القضائية الرئيسي هو مأسسة العنف والتحريض الأكثر تطرفا الذي يمكن تصوره كأداة سياسية مشروعة، وهذا هو الفساد بأعمق معانيه. لم يسبق في تاريخ دولة إسرائيل أن شغل مثل هذا المنصب الحكومي المهم شخص غير حكومي ومتطرف إلى هذا الحد”.
وقال الوزير دافيد أمسالم في نفس الاجتماع إن نائب المستشارة جيل ليمون هو “أخطر شخص في البلاد ويجب إقالته هو والمستشارة القضائية”.
ولا ينضم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى هذه الدعوات في الوقت الحالي، على الأقل ليس صراحة. يمكننا الافتراض أن نتنياهو يرى ما لا يأخذه أعضاء ائتلافه في الاعتبار: إذا قامت الحكومة بالفعل بإقالة المستشارة القضائية، فإن وضع إسرائيل سيكون أسوأ بكثير من وضعها الحالي على المستوى القانوني الدولي.
والحديث عن الإجراءات الجارية في محكمة العدل الدولية في لاهاي: سواء فيما يتعلق بادعاء جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، أو فيما يتعلق بطلب إصدار أوامر اعتقال ضد نتنياهو نفسه وضد وزير الدفاع يوآف غالانت، في دعوى يقودها كريم خان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية.
والنقطة الأساسية هنا، فيما يتعلق بكلا الإجراءين، هي مبدأ التكامل وادعاء إسرائيل بأن نظامها القضائي مستقل ومهني وغير خاضع للسيطرة السياسية.
وفي جلسة الاستماع التي عقدت في شهر يناير الماضي في محكمة العدل الدولية، في إطار دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل بانتهاك اتفاقية منع الإبادة الجماعية، قال نائب المستشارة القضائية للقانون الدولي الدكتور جيل-عاد نوعم أن “المستشارة القضائية للحكومة، التي ترأس النظام القانوني المدني، تتمتع باستقلال مؤسسي كامل”.
وكانت الرسالة إلى قضاة المحكمة آنذاك مفادها إن النظام القانوني الإسرائيلي يتعامل مع جميع الجوانب القانونية لسير الحرب وعواقبها، فلا حاجة لتدخلكم. تعتمد هذه الرسالة تماما على اعتبار النظام الاستشاري القضائي والمحاكم في إسرائيل مستقلة ومهنية، أي أنها لا تخضع لسيطرة المستوى السياسي.
استقلال المستشارة القضائية لم يدفعها حتى الآن إلى الأمر بإجراء تحقيق جنائي واحد فيما يتعلق بتصريحات السياسيين التي قد تحتوي على دعوة لارتكاب إبادة جماعية ضد المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة. وقد أدرجت بعض هذه التصريحات في دعوى جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، بهدف إثبات “النية لارتكاب إبادة جماعية”.
وقد أعلنت بهاراف ميارا بالفعل أيام قليلة قبل جلسة الاستماع الأولى في محكمة العدل في لاهاي أن مكتبها “يفحص” عدد من هذه التصريحات. ونشر هذا الأسبوع في قناة “كان 11” أن المدعي العام عميت إسمان طلب موافقة المستشارة على فتح تحقيق ضد الوزير إيتمار بن غفير في هذا الشأن، ولكن ردت المستشارة بالإعلان أن جميع هذه القضايا لا تزال “قيد النظر”.
وقد يكون تردد المستشارة قد ساهم في قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان في شهر مايو من هذا العام الطلب من المحكمة إصدار أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء نتنياهو ووزير الدفاع غالانت.
وتطرق خان إلى مبدأ التكامل في إعلانه:
“التكامل يتطلب تسليم السلطة إلى سلطات الدولة فقط عندما تتخذ إجراءات قانونية مستقلة ومحايدة لا تحمي المشتبه بهم وليست كاذبة. تكامل يتطلب إجراء تحقيقات شاملة على جميع المستويات، فيما يتعلق بالسياسات والإجراءات التي تقوم عليها هذه الطلبات”.
وأعرب بيانه عن عدم الثقة العامة في قدرة سلطات إنفاذ القانون الإسرائيلية – وعلى رأسها بهاراف ميارا – على اتخاذ خطوات ضد قادة الدولة، الذين يديرون العمليات الحربية الإسرائيلية.
الإجراء الذي تناقش فيه هيئة قضاة المحكمة الجنائية الدولية طلب المدعي العام لإصدار مذكرات الاعتقال هو إجراء سري ويتم من جانب واحد، ولا توجد معلومات رسمية عن جريانه ونتائجه. في ظل هذه الظروف، لا يستطيع نتنياهو الاستجابة للطلب غير المسؤول من بعض وزراء حكومته بإقالة المستشارة القضائية.
سيكون للإقالة السياسية للمستشارة تداعيات هائلة في كل جانب ممكن من جوانب أنظمة الحكم في إسرائيل، وقد تؤدي إلى تفكك سريع للمبادئ الأساسية لسيادة القانون والطاعة للقانون. وستكون العواقب بعيدة المدى على النظام السياسي، وعلى مكتب المستشارة القضائية وقسم التحقيق والاستخبارات في الشرطة، وعلى مكانة إسرائيل الدولية المتدهورة بسرعة.
فضلا عن ذلك، ستقوض الإقالة تماما الادعاء الإسرائيلية بشأن تطبيق مبدأ التكامل في المحكمتين الدوليتين في لاهاي، ومن شأنه أن يزيد بشكل كبير من خطر قيام المحكمة الجنائية الدولية بإصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت. وهذه الخطوة ستكون كارثية لدولة إسرائيل، وأيضا كارثة شخصية لرئيس الوزراء نتنياهو.