إسرائيل في حالة حرب - اليوم 349

بحث

مئات المباني في إسرائيل ’معرضة لخطر’ الحريق كبُرج غرينفيل في لندن

دائرة الإطفاء ليس لديها أي فكرة عن عدد المباني الشاهقة المعرضة للخطر؛ وتقر بأنه حتى لو عثرت على مواد خطيرة، فلا يوجد ما يمكنها القيام به

حريق في مدينة حيفا، 24 نوفمبر 2016 (AFP PHOTO / Jack GUEZ)
حريق في مدينة حيفا، 24 نوفمبر 2016 (AFP PHOTO / Jack GUEZ)

علم تايمز أوف إسرائيل أن العديد من المباني في إسرائيل من المحتمل أن تكون معرضة للخطر مثل برج غرينفيل في لندن – المبنى الشاهق الذي قُتل فيه 79 شخصا على الأقل جراء حريق اندلع فيه.

الشرطة البريطانية قالت إن الحريق في برج غرينفيل – الأسوأ الذي عرفته بريطانيا منذ أكثر من مئة عام – انتشر نتيجة لوجود مواد قابلة للإشتعال في واجهة المبنى، وأشارت إلى أن ملاحقات قضائية بشبهة القتل قد تترتب على ذلك. سلطة الإطفاء والإنقاذ في إسرائيل قالت إنه قد تكون هناك مئات المباني في البلاد التي قد يكون حالها مثل حال برج غرينفيل، ولكن لا فكرة لديها عن عدد هذه المباني. وحتى لو تمكنت سلطة الإطفاء من تحديد عدد المباني المعرضة للخطر، لكنها غير مخولة للقيام بأي شيء للتخفيف من الخطر.

وبالفعل، في العام الماضي، وعلى الرغم من المعارضة الشديدة لسلطة الإطفاء، قامت الحكومة بتعديل قانون البناء لتخفيف أنظمة البناء المتراخية أصلا والسماح لمشاريع بناء معينة إستخدام نفس المادة القابلة للإشتعال التي يُشتبه بأنها لعبت دورا أساسيا في حريق لندن.

وسط عملية وطنية أجرتها المملكة المتحدة لتحديد المباني مع ألواح العزل المشابهة لبرج غرينفيل ذات ال24 طابقا، والتي تم إطارها حتى الآن إخلاء نحو 650 شقة في لندن في مبان أخرى اعتُبرت غير آمنة، أقر مسؤولون إسرائيليون لتايمز أوف إسرائيل بوجود ثغرات خطيرة في قواعد السلامة من الحرائق في البلاد. تلك الثغرات تشبه إلى حد بعيد الممارسات المشكوك فيها التي تخضع حاليا للتدقيق في بريطانيا.

في شهر يونيو من العام الماضي، اندلع حريق صغير في شقة في مبنى متعدد الطوابق في رمات غان، وسرعان ما انتشر إلى الخارج صعودا إلى طوابق أخرى. 28 طاقم إطفاء صارع الحريق لأكثر من خمس ساعات في الوقت الذي أتى فيه الحريق على 10 طوابق على الجانب الجنوبي من المبنى وقذف حطاما مشتعلا إلى الشارع في أدنى المبنى، مدمرا عددا من المركبات. عشرات السكان والموظفين في المبنى الذي يضم شققا سكنية ومكاتب تلقوا العلاج جراء إستنشاق الدخان بعد إنقاذهم من المبنى بإستخدام السلالم والرافعات.

الحريق لم يكن لينتشر على الأرجح بهذه الصورة لولا وجود لوائح العزل القابلة للإشتعال التي غطت الجزء الخارجي من المبنى. بحسب دائرة الإطفاء، كانت لوائح العزل هذه هي نفسها التي ساهمت في جحيم غرنفيل. اعتُبر أن الألواح المركبة من البوليثين، الموجودة في كلا المبنيين، ساهمت بشكل كبير في انتشار حريق لندن.

مصدر في بلدية حيفا، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، قال لتايمز أوف إسرائيل إنه في المباني السكنية في المدينة التي اشتعلت فيها النيران خلال حرائق الأحراش التي اجتاحت إسرائيل في نوفمبر الماضي تم إستخدام مواد مماثلة في ألواح العزل فيها. لكن دائرة الإطفاء تقول إن التحقيقات في الحرائق لم تظهر استخدام أي مواد محظورة ولم يتم العثور على مادة البوليثين في مواقع الحرائق.

يشير الخبراء إلى وجود ثغرات في إجراءات المراقبة في مجال البناء والتي تسمح لمن يقوم بترميم المباني إستخدام مواد أرخص وغير مقاومة للإشتعال، ما يعرض سكان الشقق لخطر إنتشار الحرائق من شقة إلى أخرى.

يوم الخميس، أعلن مكتب رئيسة الوزراء البريطانية تيزيزا ماي إن نحو 600 مبنى في بريطانيا قد يكون مزودا بألواح خارجية مثل تلك التي ادت إلى انتشار الحريق في برج غرينفيل. بحلول يوم الأحد، أعلن المسؤولون عن وجود 60 مبنى غير آمن في 25 منطقة، وبأن كل المباني التي تم فحصها حتى الآن فشلت في اختبارات السلامة.

الكسوة في برج غرينفيل كانت مكونة من الألومنيوم والبلاستيك – البوليثين. وتم إستخدامها في المئات من ألواح “رينوبوند” التي تم تركيبها خارج المبنى الشاهق في لندن في العام الماضي. هذه الألواح الي تصنعها شركة تحمل نفس الإسم، تأتي في ثلاثة أنواع – أحدها مع بوليثين قابل للإشتعال ونوعان آخران مع مراكز مقاومة للنار.

كما هو الحال في بريطانيا، فإن قوانين البناء في إسرائيل تمنع إستخدام ألواح رينوبوند المصنعة من البوليثين (Reynobond PE) في البناء الأولي، لكن الثغرات سمحت بإستخدامه من دون أي رقابة في بعض الحالات خلال عمليات ترميم، حيث كان المقاولون يبحثون في التحديد عن خفض التكاليف.

بحث بسيط في الإنترنت أظهر أنه تم إستخدام ألواح رينوبوند في مشاريع في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك في مشاريع بناء لشقق سكنية وشركات كبيرة في حيفا ورحوفوت وتل أبيب وهرتسليا وبيتح تيكفا. الشركة رفضت الرد على توجهات من قبل تايمز أوف إسرائيل للكشف عن نوع الألواح التي تم إستخدامها في هذه المواقع.

ممثلو رينوبوند في المكتب الدولي ولدى الموزع الإسرائيلي رفضوا هم أيضا التعليق على نوع المواد التي تزودها الشركة لإسرائيل وما إذا كانت الشركة قد قامت في الماضي بإستيراد لوحات Reynobond PE المثيرة للجدل.

ولم يكن بإمكان معهد المعايير الإسرائيلي، المسؤول عن إختبار وإصدار الشهادات لجميع المنتجات التي يتم إستخداهما في مشاريع البناء في إسرائيل، التأكيد على إجراء إختبارات ل Reynobond PE وقال إن النتائج المحددة ليست للنشر. وتقدم تايمز أوف إسرائيل بطلب رسمي بموجب قانون حرية المعلومات للحصول على تفاصيل الشركات التي طلبت الحصول على شهادات للألواح، وكذلك على النتائج الكاملة للإختبارات التي أجراها معهد المعايير الإسرائيلي عليها.

ممارسات سيئة وأنظمة متراخية

بحسب حاييم تمام، رئيس قسم السلامة والتحقيق في سلطة الإطفاء الإسرائيلية، فإنه من المستحيل تقدير عدد المباني التي تم ترميمها في إسرائيل بإستخدام مواد الألواح الخطرة والغير معتمدة. قد يكون العدد بالمئات، كما يقر بعدم ارتياح، ويقول إنه في ظل الظروف الحالية فإن هناك بعض المباني “المعرضة للخطر” تماما مثل برج غرينفيل.

وقال تمام “لدينا تشريع صارم عندما يقوم المقاولون بالتخطيط والبدء بالبناء. عليهم تقديم مخططاتهم لنا لمراجعتين كاملتين منفصلتين”، وأضاف “هناك قواعد صارمة حول المواد القابلة للإشتعال لداخل وخارج أي مبنى. وكلما ارتفع المبنى، كلما ازدادت القواعد صرامة”.

من دون الحصول على تصريح من دائرة الإطفاء، بما في ذلك المصادقة على جميع مواد البناء، لا يمكن للمقاولين الحصول على تصريح للبدء بعملهم.

ولكن بمجرد الإنتهاء من بناء المبنى، تصبح مسألة الإشراف على التغييرات خلال أعمال الترميم أكثر تعقيدا.

في تل أبيب على سبيل المثال، وهي مدينة تنتشر فيها المباني الشاهقة، يتطلب إحداث تغييرات على الجزء الخارجي من المبنى مثل إضافة لوائح عزل تصريحا من دائرة الإطفاء. متحدثة باسم بلدية تل أبيب قالت إن “طلبا من هذا النوع يجب أن يخضع لمراجعة دائرة الإطفاء كشرط للحصول على تصريح، تماشيا مع الأنظمة”، وأضافت “في إطار الطلب للمراجعة، تلزم دائرة الإطفاء بأن تكون جميع المواد مقاومة للإشتعال وفقا للأنظمة”.

وأضافت المتحدثة أنه من أجل حصول المبنى على شهادة إستكمال المبنى، تقوم دائرة الإطفاء بفحص إضافي للتأكد من تطبيق جميع متطلبات التصريح.

ولكن وفي شكوى مماثلة تحدثت عنها خدمات الإطفاء في بريطانيا، قال تمام إنه لا توجد تقريبا لدائرة الإطفاء وكالة تقوم بفحص ما إذا كانت التغييرات والتجديدات في المبنى تتم وفقا للمعايير. يمكنها القيام بذلك فقط بطلب من البلدية.

وقال تماما إنه بموجب التشريع الحالي، في حين أن البلديات مطالبة رسميا بتقديم خطط الترميم إلى دائرة الإطفاء، فإن بإمكان البلديات تقنيا منح تصاريح البناء خلافا لتوصيات دائرة الإطفاء، والكثير منها تفعل ذلك. “لقد كانت هناك حالات لم تقبل فيها البلديات بتوصياتنا، وتمت الترميمات من دون رقيب”، كما قال.

بمجرد حدوث ذلك، كما يقول، من المستحيل تقريبا على دائرة الإطفاء معرفة ما إذا تم إستخدام مواد مشكوك بأمرها في بعض الحالات إلّا بعد حدوث حريق. أحد الأمثلة على ذلك كان في حريق رمان غان. وقال تمام “لم نكن على علم مسبق لكن اتضح بسرعة أننا نتعامل مع هذا النوع من الألواح”.

حتى لو نجحت دائرة الإطفاء في اكتشاف إستخدام ألواح خطرة في أحد المباني، فليس هناك ما يمكنها القيام به لإزالة هذه الألواح، كما يقول تماما. “من سيجبر المقاولين على إزالتها؟ من سيدفع مقابل ذلك؟ من سيقوم بالعمل؟”، على هذه الأسئلة، من بين أسئلة أخرى، لا توجد إجوبة واضحة في القانون الحالي، كما يقول محذرا.

علاوة على ذلك، في عام 2016، أدخلت وزارة المالية تعديلات على قوانين السلامة من الحرائق، وألغت أي شرط يلزم مراجعة الترميمات على أي مبنى تحت ارتفاع 50 مترا أو المباني ذات “الأشكال المكعبة” التي يصل ارتفاعها إلى 100 مترا.

وقال تمام إن “هذه التغييراj تقنن الممارسات السيئة”، مضيفا أن دائرة الإطفاء أكدت لوزارة المالية على المخاطر النابعة من هذا التشريع وأعربت عن معارضتها الشديدة للتغيير، ولكن من دون جدوى.

مسؤول رفيع في سلطة البناء والتخطيط التابعة لوزارة المالية، التي أشرفت على هذه التغييرات، قال إن هذه التعديلات وُضعت ل”تسهيل العملية وإزالة الروتين البيروقراطي”. المصدر، الذي قال إن التغييران حصلت على توقيع وزير المالية موشيه كحلون، طلب عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول من قبل الوزارة بالتعليق على الأنظمة.

زئيف ليفي، كبير مديري المبيعات في شركة “مايكو إنجينيرينغ”، وهي موزع إسرائيلي للمواد المركبة الذي أصر على أن شركته تبيع فقط منتجات مقاومة للاشتعال، قال إن الثغرات سمحت لبعض المنافسين  باستيراد مواد خطيرة.

وقال “بعض الأشخاص لا يهمهم الأمر. لقد تحسنت الأنظمة، لكن من يريد الإلتفاف عليها بإمكانه القيام بذلك وسيفعل ذلك”.

يسرائيل دافيد، الرئيس بالوكالة لإتحاد المهندسين في إسرائيل وممثله في الهيئة الحكومية التي تشرف على سلامة البنى التحتية، أشار إلى عدد من الثغرات الأخرى السائدة في ممارسات البناء الإسرائيلية، والتي إذا تم التغلب عليها بالإمكان منع حدوث حرائق على نطاق واسع.

يقول دافيد إنه ينبغي فرض رقابة أكبر على مشاريع البناء الصغيرة، التي لا تواجه عادة نفس الرقابة التي تخضع لها مشاريع بناء المباني الشاهقة. “لا تحدث عملية الحصول على تصاريح وفحوص رسمية في أعمال البناء الصغيرة”، كما يقول. بالإضافة إلى ذلك، في حين أن دافيد يؤكد على أن أنظمة المواد المستخدمة في الجزء الخارجي من المباني قوية نسبيا، لكنه أشار إلى “عدم وجود أنظمة تقريبا لما يمكن إستخدامه في الجزء الداخلي من المبنى”.

وأعرب دافيد عن إعتقاده بأن إسرائيل قطعت شوطا كبيرا في هذا المجال، وبصفة عامة هي في وضع جيد لمنع كوارث جماعية كتلك التي حلت بغرينفيل. لكنه أقر بأنه يمكن القيام بالمزيد.

وقال “لا أستطيع أن أتصور أن مأساة مماثلة يمكن أن تحدث في إسرائيل”، وأضاف “ولكن مرة أخرى، لم أتصور حدوث هذا الشيء في لندن أيضا”.

’أكثر إنتشارا كلما قدم المبنى’

ترميم الكسوة الخارجية هو أحد التغييرات التي يمكن للمهندسين المعماريين والمقاولين إستخدامها لتحسين المظهر الخارجي للمباني القديمة وجعلها أكثر كفاءة في إستخدام الطاقة. تغييرات أخرى تشمل تحسين العزل الحراري في سقف المبنى أو إضافة ظل أو مظلات للنوافذ.

يقدر بروفسور إفياتار ايريل، من قسم هندسة العمارة والتخطيط العمراني في جامعة بن غوريون في النقب، أن “الأقلمة” – التدفئة أو التبريد – تمثل ما بين 25 و 33 في المئة من الطاقة المستهلكة في المباني السكنية. إيجاد طرق لتحقيق أقصى قدر من الفعالية في الحفاظ على المبنى دافئا أو باردا يمكن أن يساهم في توفير الطاقة بشكل كبير، كما يشير.

وقال ايريل “عندما يكون لدينا عزل حراري أفضل بين داخل المبنى وخارجه، فنحن نستخدم طاقة اقل لأن المبنى يبقي آكثر دفئا في الشتاء وأكثر برودة في الصيف”، وأضاف “تصور دلو فيه ثقوب، عندما تكون هناك ثقوب أكثر،أنت بجاحة إلى وضع المزيد من الماء في الدلو. عندما تقوم بتدفئة مبنى وتكون هناك ’ثقوب’ في العزل، فأنت بحاجة باستمرار إلى ملء المبنى بالحرارة”.

“في المباني الحديثة، يتم بناء الجدران وفقا لمعايير أفضل من البداية، ما يقلل من فقدان الحرارة، ولكن في المباني الأكثر قدما، وخاصة تلك التي تم بناؤها في سنوات السبعينات، لم يكن العزل الحراري جيدا”.

على الرغم من أن الكسوة الجدارية احتلت العناوين الرئيسية في وسائل الإعلام مؤخرا، في إسرائيل يمكن الحصول على كفاءة إستخدام طاقة من خلال تحسين العزل الحراري في السقف، وهي عملية أقل تكلفة من إضافة كسوة لجوانب المبنى. والسبب في ذلك يعود إلى أنه في معظم أنحاء إسرائيل تعاني المباني من درجات حرارة أكثر تطرفا في الصيف، لذلك يجب تكييف العزل الحراري لعزل المباني عن الحرارة.

في شمال إسرائيل والقدس الأمور أشبه بإنجلترا، حيث يتم تركيز العزل الحراري على عزال المبنى من برد الشتاء.

ايريل أضاف أن التحديث الخارجي للكسوة، كالذي تم إجراءه لمبنى غرينفيل في لندن، أقل شيوعا في إسرائيل. “أعتقد أنه سيصبح أكثر انتشار في المستقبل مع قدم المباني”، كما قال وأضاف “معظم المباني في إسرائيل لا تزال حديثة إلى حد ما”.

اقرأ المزيد عن