لم يعد بيتا: جولة في بلدة الأشباح المطلة
عشية عيد الفصح عام 2024، والمطلة في أقصى شمال البلاد هي بلدة أشباح مهجورة؛ بعد نصف عام من إخلائها للمرة الأولى منذ 128 عاما، والسكان القلائل المتبقين يفقدون الأمل؛ ونتنياهو، ما زال لم يزر أو يتصل
تندفع مركبة رئيس البلدية دافيد أزولاي في شارع ريشونيم الأسطوري في المطلة مثل اندفاع قائد في منطقة معادية: تقفز فوق العوائق، تهبط في الخنادق، وتتوقف فقط في مواقع القوات الصديقة. أحدها هو مركز كندا الثقافي، وهو مكان يستخدم عادة للتزلج والبولينج. ولكنه الآن القاعدة الدائمة للكتيبة 551، وإلى جانب شعار “كل المتعة في مكان واحد”، ألصق الجيش ورقة بحجم A4 عليها “منطقة مهددة!”
أتوسل إليه أن يبطئ قليلا حتى أتمكن من التقاط صورة، لكن التوقف ليس خيارا هنا. “نحن مكشوفون من هنا ومن هنا ومن هنا”، يشير بإصبعه نحو التلال الواقعة خلف وادي عيون والقرى اللبنانية. “إنهم لا يطلقون النار على من يتحرك، ولكن بمجرد التوقف – كصيد البط”.
إنها الساعة 09:00 أو 10:00 صباحا، ربما أكثر. في الواقع، الوقت لا يهم حقا لأن لا شيء يحدث هنا. لا شيء يكسر الصمت غير إطلاق النار أو دوريات فرقة الطوارئ. لا يوجد أطفال في المدارس ولا سياح في الفنادق والمطاعم مغلقة.
في المدرسة الإقليمية للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة “أغوريم”، يستقبلكم الشعار “تقدم صغير كل يوم يؤدي إلى نتائج كبيرة”. انتقل الأطفال ذوي الاحتياجات إلى روش بينا في هذه الأثناء، ومن الصعب توقع متى سيعودون.
أما الطقس فهو ممتاز، ربيع في الجنة. كل شيء في المنطقة أخضر، مغطى بأزهار وردية رائعة، وفي الخلفية رأس جبل الشيخ الذي يبدو كالقشطة. الشمس كبيرة ولطيفة، والمياه المتفقة في الجداول القريبة مثل عيون وديشان كانت أكثر جمالا وامتلاء من أي وقت مضى، وكأنها سويسرا. المزاج العام وحده كان غائما.
أزولاي، المطلق ولديه أربعة أبناء بالغين (اثنان منهم في الخدمة الآن)، يعيش هنا لوحده منذ ستة أشهر، دون توقف للحظة واحدة. 26 سبتا، أكثر من 180 ليلة – ولا واحد من أبناءه في منزله الواقع على حافة المحمية على الضفة الشرقية للمطلة، التي تطل على وادي عيون والقرى التي يعمل فيها حزب الله كما يشاء.
وقد تعرضت العديد من المنازل للقصف المباشر في الأشهر الأخيرة، وهناك حظر صارم على الدخول إليها خلال النهار. بين الحين والآخر يتسلل إلى المنزل ليخرج ملابسه، وفقط في الليل. بسبب موقع المطلة الفريد، على شكل شبه جزيرة عند طرف إصبع الجليل، فحوالي 70% من منازلها معرضة لنيران حزب الله، مما يجعلها منطقة مثالية لهجمات الصواريخ المضادة للدبابات.
خلال الأشهر الأربعة الأولى، نام أزولاي في قبو غرفة الحرب في بيت ريشونيم – مركز الثقافة والفن ومكتبة البلدة، والتي تبدو الآن مثل أي قاعدة عسكرية في إسرائيل: تم وضع صناديق طعام على بيانو مغطى في بطانيات، ومراتب على الأرض، ولفائف من ورق التواليت على طاولة نزهة كبيرة، وعلى كل جدار توجد سترة واقية أو كيس نوم.
وبالطبع، يمكن العثور هنا أيضًا على أكياس البسكوت بجانب القهوة السوداء. ويقول إيتان شكاليم، مدير مزرعة البلدة، مبتسماً “منذ الحرب، كسبنا 20-30 كيلوغراماً بسبب الأكل” العاطفي. ثم ينظر حوله، ويقول “هذا شكل الاستسلام”.
تشبث أزولاي بالسرير الوحيد في غرفة الاجتماعات وبجهازي اتصال لاسلكي لمدة أربعة أشهر، حتى أصبح الأمر لا يطاق. “كنت أعمل هنا وأبكي طوال اليوم ثم أستلقي للنوم على السرير وأستيقظ كل نصف ساعة مع تقرير اتصال”.
“لا يوجد شيء هنا. لا نوافذ، بالكاد حمام. في مرحلة ما اتضح أنه يوجد غاز الرادون هنا مما جعلني أشعر بالمرض. بدأ أنفي ينزف وكنت أبصق دماً ثم قال لي الطبيب: عليك أن تبحث عن مكان آخر للنوم فيه، وأن تخرج من هنا أحيانًا، وتحصل على الفيتامينات، وتستنشق بعض الهواء من نافذة مفتوحة. لذا استأجرت ملجأ في أحد الفنادق”.
وفي الليل؟
“في الليل لا تنام. لدي جهازي اتصال لاسلكي، الهاتف يعمل طوال الوقت. أنت وحدك داخل الملجأ وتسمع كل الانفجارات والضجيج. لا يمكنك النوم بهذا الشكل. أعتقد أنني لم أنم ليلة واحدة خلال الأشهر الستة الماضية. خلال النهار أحاول تعويض نصف ساعة هنا و40 دقيقة هناك. ولكن كل شيء على مايرام. لا أعرف (كلمة) صعب، أعرف تحدي. التحدي الذي يواجهني الآن هو الحفاظ على المطلة. لتعود يوما ما”.
هل هناك لحظات تكسرك؟
“كل صباح في الجولة الصباحية، أنكسر قليلا. ثم أبكي. أجلس وحدي في السيارة وأجهش عندما لا ينظر أحد. يحدث ذلك عندما أمر بالأماكن التي أعرف كيف كانت من قبل. على سبيل المثال، عندما أقوم بجولة في روضة الأطفال واعتدت على رؤية 40 طفلا في الروضة. وفجأة أصبحت فارغة، فارغة ولا يوجد سوى فأر يجري في الفناء، فهذا يكسرك، هذا ليس حقيقيا.
“أو في الأماكن الخاصة في البلدة. عندما أمر بمنزل أعتدت رؤية أفضل حديقة في المطلة فيه وترى أن كل شيء محاط بالعشب. أو عندما أنظر إلى جميع مشاريع ترميم البنية التحتية التي كانت على وشك الانتهاء وعادت إلى الوراء خمس سنوات”.
عندما يتضرر منزل في البلدة، يهرع أزولاي إلى المنزل المقصوف، ويدخل إلى الداخل لمدة دقيقة، ويصور الأضرار، ثم يتصل بصاحب المنزل قبل أن وصول التفاصيل إلى وسائل الإعلام، ولا سمح الله أن يرى أحد ثقباً في سقف منزله على شاشة التلفزيون.
ولكن العواقب بائسة. “يمكن أن أتصل بأحد السكان لأسأله عن شيء ما، وبمجرد أن يرى رقم هاتفي على الشاشة، يجيب تلقائيًا: ماذا حدث لمنزلي؟ والمحادثات تكون صعبة أحيانا، لأن البيت المتضرر هو أيضا الحياة المتوقفة.
“الرد يعتمد على الناس. كانت هناك عائلة أصيب منزلها بصاروخين من طراز كورنيت ودمر بالكامل، لكنهم قالوا فقط إن المهم هو أن الجميع على قيد الحياة. وهناك عائلات تبكي معي لمدة نصف ساعة على الهاتف ثم تغلق الخط وتتصل مرة أخرى بعد ساعة لتبكي أكثر”.
بيبي نتنياهو لا يزور، بيبي أيضا لا يتصل
ندخل إلى أقدم مبنى مجلس في إسرائيل، الذي أنشئ عام 1897 وعمل فيه أول رئيس للمجلس يتسحاق ياهلوم شاوني (جد الصحفي إيهود يعاري). وفي الطابق السفلي، بين الصور بالأبيض والأسود للرواد من بداية القرن الماضي، تجد صناديق من الخبز والخضروات وفراش إسفنجي ممزق وأكياس قمامة معبأة ومماسح.
بين الحين والآخر يأتي أحد جنود الاحتياط مرتديا سترة واقية ويطلع أزولاي على الأحداث. لقد ناموا بشكل أفضل هذه الليلة، وذلك بالذات لأن مستوى التأهب ارتفع من اثنين إلى ثلاثة بعد إطلاق طائرات الجيش الإسرائيلي النار في الليلة الماضية، والذي هز البلدة وحطم أيضا العديد من النوافذ التي كانت المغطاة بالخشب الرقائقي.
“عندما يكون مستوى التأهب اثنين، نقوم بدوريات في كل مكان، ولكن عندما يكون ثلاثة لا يُسمح لنا بالخروج”، يوضح جندي الاحتياط المبتسم، الذي تم تسريحه منذ عامين فقط من الخدمة كضابط، وينتقل الآن من مهمة إلى مهمة في الجيش. “لذا، نعم، تمكنا من الحصول على قسط من النوم. بالزي العسكري والأحذية”.
ويقول أزولاي بمرارة: “لم يتم إخلاء المطلة منذ عام 1920. وحتى عندها لم نخليها. عندما جاء العرب في وادي الحولة لمهاجمة الفرنسيين، قام الفرنسيون بترحيل السكان إلى صيدا وبعد نصف عام عادوا إلى المطلة. ومنذ ذلك الحين، مر أكثر من قرن ولم نخلي. لقد مر ستة أشهر بالضبط هذا الأسبوع، ولا نرى متى سنعود، لذا فقد حطمنا الرقم القياسي الذي تم تسجيله منذ مائة عام”.
“لقد فقدنا الشمال، حرفيا. انظر حولك، لا يوجد شيء هنا. ستة أشهر من لا شيء هنا. إنه أمر محبط. هناك أيام أستيقظ فيها من اليأس وأقول: لا شيء يحدث هنا، لذا لا تفعل أي شيء. عد إلى السرير. أنا أقدم محاضرات عنوانها: رئيس مجلس بدون سكان”.
ثم، وكما يليق بالسياسي، يدرك أنه ربما قد بالغ ويعدل حديثه “لكنني متفائل بطبيعتي. سوف نعود. سوف نعود”.
لا ينظر إليك أزولاي بعينيه المتدليتين بينما يحاول تعديل كلماته. إنه يعلم أن الأمر في الوقت الحالي مجرد خدعة. “قلت ذات مرة عندما التقيت برئيس الأركان إنني آسف لأنني لم أتمكن من تشكيل قوة فاغنر لحراسة المطلة. لأنني إذا تمكنت من إنشاء مثل هذه القوة بعد السابع من أكتوبر، فلتمكنت من حمايتنا”.
ميليشيات
“نوعا ما. مثل تلك التي أنشأتها روسيا. ميليشيا السكان. قلت هذا لتوضيح عمق خيبة أملنا. نحن في الشمال نقول كل صباح بركة الجزاء لأن ما حدث في الجنوب لم يبدأ هنا”.
“لو قررت قوة الرضوان أن تفعل الشيء نفسه، لكانوا قد حاصروا المطلة بحركة كماشة وأنهوا الأمر بسرعة. لم تكن هناك قوة عسكرية هنا يمكنها الدفاع ضد 300 جندي من قوة الرضوان يدخلون من الشرق والشمال والغرب. كان سينتهي الأمر بعشرة أضعاف عدد القتلى. حذرنا طوال الوقت، مع مراقبة وكاميرات وكل الوسائل التي تعرفونها. لقد استخفوا بنا مثلما استخفوا بالجنوب”.
هل أنت راض عن قرار إخلاء السكان؟
“بعد صدمة 7 أكتوبر، ومع الهستيريا الشاملة التي كانت موجودة هنا، سواء في الجيش أو بين السكان – كانت التوصية بالمغادرة في ذلك الوقت صحيحة. اليوم، بإثر رجعي، لم تكن صحيحة.
“لو تركنا سكان المطلة هنا، وليس وحدهم، فمن المحتمل أننا لم نكن هنا الآن ولكن في عمق الأراضي اللبنانية. لأنه لم يكن أمام الجيش والحكومة خيار آخر: كان سيُقتل المدنيون وكانوا سيضطرون التعامل مع ذلك”.
إذا إشتروا الهدوء هنا على حسابكم؟
“كما كان الحال في كل السنوات الماضية. هدوء في الجنوب وهدوء في الشمال. وحتى الآن لم تستوعب الحكومة الإسرائيلية الحادث”.
لقد كثفوا في الواقع الهجمات في العمق اللبناني مؤخرا.
“ماذا في ذلك؟ ماذا في ذلك؟ لم يستوعبوا أي شيء. هاجموا بعمق 120 كيلومترا. ، هذه مسافة لا تذكر في نظري. وإذا هاجموا 600 كيلومتر داخل البلاد، فماذا سيحدث؟ كيف يمكن أن يعيد سكان بلدي الذين يتم إطلاق النار عليهم من مسافة كيلومتر ونصف داخل نافذة المنزل؟ هذه هندسة وعي مواطني البلاد ليسمعوا الأخبار ويرضوا”.
هل يعلم السكان هنا أنه يتم خداعهم؟
“حتى العسكريين هنا يرون ذلك”.
أنت تنتمي لليكود. هذه حكومتك.
“قائدي لا يزال مناحيم بيغن”.
مناحيم بيغن لم يعد معنا.
“إنه ليس هنا. أنا أفتقد ليكود الماضي. أنا شخص يميني يؤمن بدولة إسرائيل اليهودية والديمقراطية، مع تعددية الآراء ومحكمة وكل ما لا يقوم الليكود اليوم للأسف بالحفاظ عليه، وخاصة الفصل بين السلطات، ومنع الانقسام في الشعب”.
هل جاء أي من الوزراء إلى هنا ليقدم الدعم أو المساعدة؟
“جاء البعض. إسحاق فاسرلوف، وزير النقب والجليل جاء كثيرا وكان يتصل أيضًا طوال الوقت. بيني غانتس في البداية. وجاء أيضًا جدعون ساعر، يفعات شاشا بيطون، موشيه أربيل، حيلي تروبر. ويوآف جالانت الذي قام بدورية عسكرية. الباقي لم يأتون”.
باستثناء وزير الدفاع الذي عليه أن يقوم بجولة في الجبهة، لا بد أنك لاحظت أن جميع الأشخاص الذين ذكرتهم يشتركون في أن لا أحد منهم ينتمي إلى حزبك.
“ما يمكن أن أفعل، هذا هو الواقع. هناك عدد محدود للغاية من الوزراء الذين حضروا، وأعترف أنني لم أصوت لهم. ومن الليكود، حاول وزير الزراعة آفي ديختر الدخول عدة مرات ولم ينجح. يدعي أن الأمن لا يسمح له بالمجيء إلى هنا”.
رئيس سابق للشاباك، يمنعه أمنه من الوصول إلى المطلة؟ هل يبدو ذلك جديا بالنسبة لك؟
“هذا ما قاله. أستطيع أن أخبرك أنه قيل لحيلي تروبر أيضا إنه لا يستطيع الدخول، فقال لهم: أنا ذاهب إلى المطلة. هل تريدون مرافقتي، لا تريدون؟ سأدخل وحدي”.
وبيبي؟
“لم يأتي نتنياهو ولم يتحدث معي”، يقول أزولاي بجفاف. “قبل أربعة أشهر ونصف زار مجلس ماتيه آشر الإقليمي (في الجليل الغربي)، وقال بضع جمل في منتدى ضخم – وكان هذا كل شيء. قبل شهرين ونصف وعدنا بقرار حكومي بخصوص الشمال خلال أسبوع أو أسبوعين. ربما من الصعب عليه الوصول إلى هنا، لأنه حتى عندما يصل إلى الشمال فإنه يذهب إلى المكان المناسب له، وخاصة للجنود والجيش”.
ما الذي يخيفه؟ أنك لن تملقه؟
“من المريح له ألا يأتي إلى هنا ويتعرض لانتقادات. الجنود لا يقولون له شيئا. يلتقطون الصور ويبتسمون بهدوء في جبل الشيخ مع متسلقي الجبال، الأمر سهل. تعال وتحدث إلى السلطات، إلى الأشخاص الذين تم إجلاؤهم. ليسمع ما يمرون به، لا يوجد أحد للتحدث معه. خيبة أملنا في سياسته هي أنه لا توجد سياسة. لا شيئ”.
الشباب غير متأكدين من عودتهم، وكبار السن يقبعون في الفنادق
يصعد أزولاي الدرج إلى الطابق الثاني من مبنى المجلس، ويلقي نظرة على صور “أعزاء البلدة” ثم يعود إلى الأسفل. يتوقف خارج مكتبه. لم تطأ قدمه هناك لمدة نصف عام. “لا أعلم، هناك شيء يمنعني، لدي حاجز نفسي”.
نواصل جولتنا المحدودة في الشوارع الداخلية، تلك التي لا يزال مسموحًا المرور بها، بسرعة. نمر بمواقع أتذكرها من العطل في هذا المكان الجميل. ذكرى زواجي التي احتفلنا بها في “بيت شالوم” – فندق أسطوري بمثابة متحف حي ومرمم يعود إلى أكثر من قرن. المعرض مغلق، واللافتة التاريخية ملقاة كحجر.
أو “بيت ألاسكا” – فندق عائلي أصيب بصاروخ كورنيت أدى إلى انهيار جناحه الخلفي بالكامل. أسرتي بأكملها مكثت هنا في لحظة راحة من جائحة كورونا قبل ثلاث سنوات، عندما تنفست للشركات لبضعة أشهر بين موجات العدوى التي بدت بلا نهاية.
كان صاحب الفندق في ذلك الوقت قلقًا للغاية، لدرجة الهستيريا، من أن يضع أحد مشروبًا في مسبح الفندق، وأن يفقد الترخيص من وزارة الصحة. الآن لديه مخاوف أكبر عندما يعود. إذا عاد.
أمامنا، أغلق الجيش الطريق المؤدي إلى الحقول الشمالية والشارع المتجه شرقا باتجاه وادي عيون. وكما تقلصت دولة إسرائيل دفعة واحدة، كذلك أصبحت المطلة شريطا ضيقا ويائسا ينهار على نفسه. عدنا إلى الغرب والآن أزولاي يسرع أكثر وهو يشير من خلال النافذة في اتجاه قرية العديسة التي يطلقون منها النار باستمرار.
وقد غادر حوالي نصف سكان المطلة البالغ عددهم 2100 نسمة بالفعل في السابع من أكتوبر، حتى قبل الإخلاء الرسمي. وفي 16 أكتوبر، صدرت التعليمات الرسمية. ومنذ ذلك الحين، لمدة نصف عام، أصبح هذا المكان مسكنًا للحيوانات وأشباح الماضي.
بقي بضع العشرات هنا: رئيس المجلس، وعدد قليل من المسؤولين، وأعضاء فرقة الطوارئ، وحفنة من السكان العنيدين الذين يرفضون ببساطة الإخلاء. ربما لأنهم ليس لديهم مكان يذهبون إليه، ربما لأنهم تربوا على أننا لا نترك الأرض ولو تركتنا.
إحداهن هي زهافا نيشتين البالغة من العمر 77 عاما، والتي تزوجت من إحدى أقدم عائلات المطلة. “لم يتم إخلائنا قط في الماضي. كانت هناك أوقات صعبة، حرب لبنان الأولى، وحرب لبنان الثانية، حتى عندما تم اختطاف مزارع من الحقول في أوائل السبعينيات، لأنه لم يكن هناك سياج على الإطلاق في ذلك الوقت، كان كل شيء مفتوحًا، ومع ذلك لم يتم إخلائنا، حتى لم يفكروا في ذلك”.
لماذا لم تخلي البلدة؟
“اسمع، هذا بيتنا، نحن هنا منذ أجيال. وصلت عائلتنا إلى هنا عام 1896 من بيتاح تكفا، وهي من أوائل العائلات التي سكنت المكان. ماذا، كانت الحياة بسيطة في ذلك الوقت؟ كنا معزولين وبعيدين عن كل مكان، لكننا بقينا هنا، وأنشأنا موطئ قدم ونمت البلدة، لذلك سنبقى هذه المرة أيضا، مع أشجار الفاكهة. نحن نزرع التفاح والكرز والخوخ”.
وهل سيعود جيل الشباب؟
“انظر، الأطفال يحبون المطلة. لكن تطور وضع مستحيل في البلاد. الأطفال يذهبون إلى مدرسة خارج البلدة لأكثر من ستة أشهر، مع أصدقاء التقوا بهم في مكان آخر. استغرقوا بعض الوقت ليتأقلموا، وفي هذه الأثناء وجد أهاليهم وظائف في أماكن أخرى. أعتقد أن معظم الناس سيعودون إلى المطلة، ولكن ليس إلى كريات شمونة. هذه مشكلة خطيرة حقا. أولئك الذين لديهم القدرة لن يعودوا إلى هذا المكان”.
والخوف السائد هو أن من بمقدرتهم العيش في مكان آخر أكثر سلاما، سيفعلون ذلك ويتركون جزرا من الصعوبات الاقتصادية في الشمال. في نهاية المطاف، المطلة هي بلدة برجوازية تمكنت من الحفاظ على جو ونمط حياة ريفي بفضل سياحة البوتيك دون الحاجة إلى دخول وحوش تجارة مثلما حدث في روش بينا على سبيل المثال، والتي حققت إيرادات جديدة، لكنها فقدت الكثير من طابعها الفريد.
إذا لم تعد العائلات القديمة، التي حاربت بكل قوتها من أجل هذا المكان، وخاصة أطفالهم وأحفادهم، إلى هنا، فمن الصعب تخيل هذه البلدة تعود إلى أيام الماضي السحرية.
“ستعود الطبقات الضعيفة. من أقام في الفنادق حتى الآن سيعود بمجرد أن يستطيع”، يتوقع مئير كوهين، المتطوع في غرفة الحرب مع أزولاي، “المشكلة هي ما يجب فعله مع الطبقات القوية، أولئك الذين وجدوا منازل أخرى في هذه الأثناء، بعضها بعيد عن هنا. العائلات التي لديها أطفال صغار ولديها إمكانيات مالية لن تثق بالوعود بالأمن”.
في غضون ذلك، أبلغ أزولاي الحكومة مع رؤساء المجالس الأخرى بهدف طموح: في الأول من سبتمبر، سيتم فتح الفصول الدراسية هنا في المدارس المحلية، مهما كانت الظروف. “لا”، يقول كوهين بابتسامة حزينة، “لا أعتقد أن ذلك سيحدث. لا أعتقد أنهم سيأتون للدراسة في شهر سبتمبر المقبل. أولئك الذين وجدوا مكانًا في أشدوت يعقوب أو مجدال أو أور عكيفا سيبقون هناك في الوقت الحالي. لن يعود الطلاب الجامعيين إلى هنا قريبا أيضا”.
من سيعودون هم الذين ليس لهم أرض أخرى. من لا يستطيع أن يحلم بالعيش في مكان آخر. الذين حتى الآن، عندما يكون لديهم أصدقاء في تل أبيب أقرضوهم شقة، فإنهم يفتقدون رائحة المندلينا في القرية.
إرزا أنتلر، إحدى قدامى سكان البلدة، تنتمي إلى هذه الفئة. نمشي إلى منزلها، الذي يبلغ عمره 120 عاما، كعناصر الكوماندوز عبر الساحات في الشارع الرئيسي، للحد من تعرضنا لنيران العدو قدر الإمكان.
المشهد يذكر بعض الشيئ بمطاردة في فيلم أكشن. هناك كاميرات ممدودة على كابلات بين الأشجار وضعها الجيش لتحسين السيطرة الأمنية على الأحداث. الكاميرات هي أداة استخباراتية استثنائية، ولكنها أيضًا تسبب مشاكل: حزب الله يحدد موقعها ويطلق النار عليها.
وقد أصبحت مسألة الكاميرات من أشد نقاط الاحتكاك بين الجيش والمدنيين. وهي تثير السؤال، من صاحب المنزل هنا: المواطنون أم العسكريون؟ هناك أيام لا يعرف فيها أحد جواب هذا السؤال. وهناك أيام لا يريد أحد معرفة الجواب.
أنتلر ترحب بنا، أو بالأحرى بصديقها رئيس المجلس، بروح قتالية. “دافيد، استمع إليّ جيدًا، أمامك ثلاث ثوانٍ لإزالة الكاميرا من منزلي. لماذا وضعتم كاميرا عند مدخل منزلي؟”
يبدو أزولاي محرجا، ويحاول استرضائها، موضحًا أن ذلك لم يكن قراره، وأن الكاميرا ليست داخل الفناء. لكنه يعلم أيضاً أنها على حق، فوضع الكاميرات بالقرب من المنازل ليس مقبولا.
مثل العديد من سكان المطلة، تظهر أنتلر مزيجا نادرا من الرقة والصلابة. الحياة هنا قد تكون صعبة بدونه. بعد أن وبخت رئيس المجلس المحرج قليلًا، عرضت عليه عجة وأفوكادو أحلى من العسل وتذكره أن المندالينا ستصل لاحقا من الحقول المجاورة وسيكون من الممكن توزيعها على فرقة الطوارئ. ثم تعود إلى الصلابة، “أزل الكاميرا وإلا سأتصل بالمتحدث باسم الجيش”.
غادرت أنتلر منزلها مثل باقي السكان قبل ستة أشهر، لكنها تأتي كل بضعة أيام لبضع ساعات من الفندق في طبريا أو تل أبيب. “أنا خائفة، ولكني هنا. أحتاج إليه كالهواء الذي أتنفسه. هذه هي المرة الأولى التي أُطرد فيها من منزلي ولا أستطيع العيش فيه. لم يحدث هذا من قبل”.
“جاء جدي إلى هنا في بداية القرن ولم يطردوهم. انظروا كيف يبدو المكان، حزينًا للغاية. أختي رونيت، على سبيل المثال، تعيش في حي ممنوع دخوله. لقد هربوهم لخمسة دقائق في الليل لإخراج الملابس. يا للجنون. الآن في الفنادق يسأل الناس متى يمكنهم الذهاب للتبديل بين ملابس الشتاء والصيف. لاجئين”.
في كل مرة تأتي لأخذ ملابس، تبقى هنا لمدة ساعة أو ساعتين. لديها طقوس منتظمة. “أدخل المنزل وأغسله على الفور بجنون، لا أستطيع حتى أن أشرح ذلك، لكن يجب أن أفعل ذلك. بمجرد أن تغادر سأقوم بتنظيف جدي”.
لكن المنزل نظيف. يمكن أن تأكل من الأرض.
“لا، إنه ليس نظيفًا! ليس بالنسبة لي”.
احتفال المؤجرين على حساب منحة النازحين
أوري، ابن أنتلر الجندي، خرج للتو لإجازة لبضعة أيام بعد شهر قضاه في القاعدة. اجازة بدون منزل. “الفندق غريب. في البداية كان الأمر على ما يرام لأن جميع الأصدقاء يتركزون في مكان واحد. ولكن بعد ستة أشهر، من المزعج أن تخرج لقضاء عطلة نهاية الأسبوع وليس لديك لحظة للاستلقاء على سريرك دون أن يزعجك أحد. إنه مثل الانتقال من كومونة الجيش إلى كومونة المواطنة”.
وتقول أنتلر: “هذا ليس بيتا. كما أن هذا ليس منصفا بحق الشباب. لنفترض أنه خرج مع صديقته، فلا يمكنها أن تكون معه لأن الفندق يطلب المال. إنه وضع فظيع لأن هناك كبارا في السن لم يعودوا يعيشون في نفس الغرفة في منزلهم، الذين اعتادوا على المساحة، وفجأة أصبحوا عالقين في مساحة 20 مترا مربعا، وهم ينهارون ببطء”.
وفي هذه الأثناء، كان للحاجة إلى مساكن بديلة تأثير سلبي على سوق الإيجار المحلي وخلقت ظاهرة جديدة تقلق سكان الجليل الأعلى الذين تم إجلاؤهم، والتي يمكن ببساطة تسميتها بـ”الخنزرة”. في بعض مناطق الشمال، تبين أن أصحاب العقارات يقومون بـ”عمل استثنائي” ويستغلون ارتفاع الطلب لفرض زيادة هائلة في أسعار الإيجارات، تصل أحياناً إلى الضعف أو الثلاثة أضعاف أو حتى الأربعة أضعاف.
ويتحدث السكان عن حالات مدهشة، حيث أعلن أصحاب منازل في أعقاب أوامر الإخلاء عن رفع الإيجار وفقا لحجم المساعدة المقدمة للنازحين من الحكومة ضعف عدد أفراد الأسرة، ليصل حتى إلى 30 ألف شيكل للشقة الواحدة. ويقول الأشخاص الذين تم إجلاؤهم إن عدم فرض أي رقابة على الأسعار يشجع على الفوضى الكاملة.
ويقول أزولاي إن زيارة كبار السن هي الأصعب. “أقابلهم في الفنادق ويذبلون أمام عيني. أنظر إليهم فيقولون لي شيئاً واحداً فقط: أعدوني إلى منزلي. أسمي ذلك الموت من الحنين إلى البيت”.