إسرائيل في حالة حرب - اليوم 345

بحث
تحليل

لماذا خفّض نصر الله هجومه يوم الأحد، ولماذا حدّت إسرائيل من ضرباتها الاستباقية؟

سعى حزب الله للرد على اغتيال شكر مع تجنب الحرب الشاملة؛ إسرائيل، التي لا تزال تركز في المقام الأول على غزة، لديها نفس الهدف، على الأقل في الوقت الحالي

الأمين العام لمنظمة حزب الله حسن نصر الله يلقي خطابا متلفزا في أعقاب هجوم أحبطته إسرائيل إلى حد كبير ردا على مقتل القيادي في المنظمة فؤاد شكر، 25 أغسطس 2024.(Screenshot)
الأمين العام لمنظمة حزب الله حسن نصر الله يلقي خطابا متلفزا في أعقاب هجوم أحبطته إسرائيل إلى حد كبير ردا على مقتل القيادي في المنظمة فؤاد شكر، 25 أغسطس 2024.(Screenshot)

في أعقاب جولة الضربات التي دارت يوم الأحد بين إسرائيل وحزب الله، زعم الجانبان أنهما راضيان نسبيا. فقد أعلن زعيم حزب الله حسن نصر الله في خطاب ألقاه مساء الأحد أن العملية “انتهت”، وإن كان يحتفظ “بحقه” في شن هجوم جديد.

قد يصف البعض خطابه بأنه خطاب اعتذاري ـ يهدف للتأكيد لجمهوره المحلي في لبنان أن حزب الله لم يسمح لإسرائيل باغتيال زعيمها العسكري فؤاد شكر دون عقاب، وأن الحزب انتزع ثمن باهظ من إسرائيل. (لقد قتلت إسرائيل شكر في غارة على بيروت في الثلاثين من يوليو، بعد ثلاثة أيام من مقتل 12 طفلا في مجدل شمس بمرتفعات الجولان بصاروخ أطلقه حزب الله، في هجوم حملت إسرائيل شكر مسؤوليته عنه).

لقد صور نصر الله الهجوم المزعوم الذي شنه حزب الله على قاعدة غليلوت ـ والتي لم تصب في الواقع ـ باعتباره الإنجاز الرئيسي لهجومه الانتقامي، ولكن مع التأكيد بشكل خاص على أن تلك القاعدة تقع شمال تل أبيب. وكانت رسالته، الموجهة للجماهير في الخارج، هي أن حزب الله تجنب إطلاق النار مباشرة على تل أبيب، خشية أن يتم استخدام التماثل الذي رسمه نصر الله نفسه سابقاً، والذي بموجبه تعتبر الضربة على بيروت معادلة للضربة على تل أبيب، ضده.

ولكن هذا لم يكن الخيار الحذر الوحيد الذي اتخذه نصر الله. إذ يبدو أن المنظمة فكرت في إطلاق صواريخ دقيقة على منطقة غليلوت، حيث توجد وحدة الاستخبارات 8200 التابعة للجيش الإسرائيلي ومقر الموساد.

وفي نهاية المطاف، قرر زعيم حزب الله عدم استخدام هذا السلاح الاستراتيجي خوفا من أن يكون الرد الإسرائيلي قويا إلى درجة إثارة صراع أوسع وأكثر تدميرا مما شهدته الأشهر العشرة الماضية.

في محاولة لتجنب هذا السيناريو، أطلق حزب الله طائرات مسيّرة باتجاه غليلوت، معتقداً أن هذا لن يؤدي إلى المزيد من الهجمات. فحزب الله يطلق طائرات مسيّرة على إسرائيل طوال الأشهر العشرة الماضية، مما يدفع نصر الله إلى التقدير أن إسرائيل لن تعتبر هذا سبباً للتصعيد. وفي النهاية، تم تدمير ما يقارب من 20 طائرة مسيّرة، ولم تصل أي منها إلى أبعد من عكا.

منظومة الدفاع الجوي القبة الحديدية تعترض صواريخ أطلقها حزب الله من جنوب لبنان فوق منطقة الجليل الأعلى في شمال إسرائيل في 23 أغسطس 2024. (Jalaa Marey/AFP)

وقال مسؤول عسكري كبير لتايمز أوف إسرائيل “من الناحية العسكرية، فشل رد حزب الله بكل المعايير: لم يتم ضرب أي موقع عسكري مستهدف، وخسر حزب الله العديد من منشآته الصاروخية في الضربة الاستباقية الإسرائيلية، ولم يجري الحزب بعد تقييمًا كاملاً للأضرار التي تسببنا فيها”.

وفي هذا السياق، من الأفضل لإسرائيل أن تتجنب التباهي. فنصر الله يدرك تماما أين فشل، كما أوضح خطابه عن الإنجازات المزعومة. والتصريحات الإسرائيلية غير المسؤولة تحمل خطر حشر نصر الله في الزاوية ودفعه إلى شن ضربة أخرى. يتعين على إسرائيل أن تمنحه بعض المساحة لاستيعاب التطورات؛ فقد استخدمنا الغموض بحكمة في الماضي كوسيلة لإنهاء جولات القتال.

وتشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن أحد الأسباب التي أدت إلى تخفيف حدة رد حزب الله الانتقامي نسبياً هو التوتر الداخلي في الحزب في أعقاب اغتيال شكر. فقد حل محله رئيس القيادة الجنوبية السابق لحزب الله علي كركي. وقد أدى هذا التعيين إلى خلق توترات مع اثنين من كبار المسؤولين الآخرين: رئيس العمليات إبراهيم عقيل ورئيس الأمن في حزب الله، المعروف باسم مرتضى.

فؤاد شكر، كبير القادة العسكريين في حزب الله والذي قُتل في غارة إسرائيلية على بيروت في 30 يوليو 2024، يظهر مع حسن نصر الله (على يمين الصورة) في صورة غير مؤرخة. (Hezbollah media office)

لقد تمكن شكر من الموازنة بين هذين المركزين من القوة وتوجيه المنظمة وفقا لإرادة نصر الله. وفي غياب شكر، اضطر نصر الله، الذي كان يركز حتى الآن على وضع السياسات، إلى التدخل. يتنافس القادة على القرب من نصر الله، وهذا التنافس يمتد إلى الأسفل، مما يؤثر على إدارة الحرب في الجنوب. ليس من المستبعد أن يكون أحد الاعتبارات التي دفعت نصر الله إلى تجنب إطلاق الصواريخ الدقيقة على غليلوت هو عدم ثقته في كبار مسؤوليه.

لقد استهدف الهجوم الاستباقي الذي شنته القوات الإسرائيلية في جنوب لبنان يوم الأحد آلاف منصات إطلاق الصواريخ، ومنع بلا شك جزءاً كبيراً من خطة حزب الله الانتقامية، على الرغم من تقليصها بشكل كبير بالفعل بناء على أوامر نصر الله.

منزل تضرر بعد هجوم صاروخي من لبنان، في عكا، شمال إسرائيل، 25 أغسطس 2024. (Flash90)

ويبدو أن نصر الله كان قلقاً من سقوط صواريخ في تجمعات مدنية – في عكا وبلدة مانوت – كما أشار في خطابه عندما أكد أن حزب الله لم يكن ينوي إطلاق النار على المدنيين.

هنا أيضا، كان قلقه يدور حول التماثل العكسي ــ أي أن إسرائيل قد ترد بهجمات ضخمة على أهداف حساسة لحزب الله في قلب التجمعات السكانية المدنية. ومن الجدير بالذكر أن إسرائيل قللت حتى الآن من مثل هذه الهجمات.

والسؤال الآن هو إلى أين نتجه من هنا ــ وهل ستشكل معارك الأحد لحظة فاصلة في هذه الحرب مع حزب الله؟

رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو (الثاني من اليسار)، ووزير الدفاع يوآف غالانت (الثاني من اليمين) وآخرون في ’الحفرة’ في مقر وزارة الدفاع في تل أبيب، في وقت مبكر من يوم 25 أغسطس، 2024. (Ariel Hermoni/Defense Ministry)

في الحقيقة، اقترحت القيادة الشمالية للجيش الإسرائيلي في مرحلة الموافقة على خطط الهجوم الاستباقي يوم الأحد هجوماً أوسع نطاقاً، لكن الحكومة قررت حصره في جنوب لبنان فقط. ورغم شن ضربات شمال نهر الليطاني، إلا أنها كانت مصممة لتجنب دفع حزب الله إلى الزاوية.

وما دامت غزة لا تزال تعتبر الجبهة الرئيسية لإسرائيل، والجبهة التي يخصص الجيش أغلب موارده لها، فإن الصراع الحاسم في الشمال يبقى مستقبليا. وحتى بعد يوم القتال الأعنف عبر الحدود الشمالية، فمن الواضح أن إسرائيل لا تزال تفضل محاولة التوصل إلى اتفاق دبلوماسي مع حزب الله دون الحاجة إلى عملية برية في لبنان.

اقرأ المزيد عن