لماذا ترفض مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية الإنضمام إلى الإنتفاضة الثالثة؟
ينتظرون في جنين وبلاطة حل الدولة الواحدة... او الدولة الإسلامية
افي يسسخاروف، محلل شؤون الشرق الأوسطفي تايمز أوف إسرائيل ، كما وتستضيفه عدة برامج إذاعية وتلفزيونية كمعلق على شؤون الشرق الاوسط. حتى عام ٢٠١٢ شغل يساسخارف وظيفة مراسل الشؤون العربية في صحيفة هارتس بالاضافة الى كونه محاضر تاريخ فلسطيني معاصر في جامعة تل ابيب. تخرج بإمتياز من جامعة بن جوريون مع شهادة بكلوريوس في علوم الشرق الاوسط واستمر للحصول على ماجيستير امتياز من جامعة تل ابيب في هذا الموضوع. كما ويتكلم يساسخاروف العربية بطلاقة .

تحت لافتة عليها صورة صدام حسين بجانب صور عدة “شهداء” معروفين، يخوض سكان مخيم جنين نقاش محتدم. موضوع النقاش يدور حول رفع لافتة تخلد “الشهيد” نشأت ملحم، العربي الإسرائيلي الذي قتل ثلاثة أشخاص في هجوم إطلاق نار في مركز تل أبيب في 1 يناير.
تحول مخيم جنين إلى رمز عنيف خلال عملية الدرع الواقي عام 2002. هنا وقعت اشد المعارك ضد الجيش الإسرائيلي: قُتل 23 جنديا اسرائيليا، 13 منهم في اسوأ الحوادث التي وقعت خلال العملية، وقُتل عشرات الفلسطينيين. ويبحث سكان المخيم عن أبطال جدد منذ ذلك الحين، ولكن لا يسارع الجميع لتقبل النصب التذكاري لملحم.
ويقول عامل في متجر ملابس مجاور، إن رفع هذه اللافتة سوف يحضر جنود إسرائيليين وعناصر الشاباك الى المخيم. قائلا: “ما حاجة هذا الآن؟”
بالرغم من السنوات الصعبة التي مر بها المخيم، اليوم، حتى مع اندلاع “انتفاضة السكاكين” في مناطق أخرى، يتمتع سكان المخيم من أكثر الفترات هدوء منذ أكثر من عقد. والعديد لا يريدون ان تنتهي.
“لم يتواجد اليهود هنا منذ أشهر، ولم تدخل السلطة الفلسطينية ايضا”، يقول م.، رجل كان مطلوبا وقضى أربعة اعوام في سجون السلطة الفلسطينية وكان اسيرا في السجون الإسرائيلية قبل ذلك.
“هل ترى: الجميع هنا هادئين”.
ويعرف م.، والد لثلاثة اطفال، جميع الصحفيين الإسرائيليين للشؤون الفلسطينية بأسمائهم. وخلال الإنتفاضة الثانية، رافق زكريا الزبيدي، قائد كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح، في المخيم. ويسكن الزبيدي في بيتونيا منذ اجباره من قبل السلطة الفلسطينية على ذلك من أجل مراقبته.
وينتظر م. وبعض اصدقائه المسافرين في مركز المخيم، بالقرب من مسجد الشيخ خليفة. محلقة مخيم جنين قريبة منا، ومجموعة الرجال في العشرينات والثلاثينات من عمرهم يفرون خدمات سيارات أجرة غير رسمية في انحاء المخيم.

“كيف تفسر عدم مشاركة اتي من سكان المخيم في ’انتفاضة السكاكين’ خلال الاشهر الثلاثة الأخيرة؟” سألته.
“انها ليست انتفاضة. انها بدعة عابرة”، يقول. “جنين، نابلس، طول كرم، اريحا – لا يحدث أي شيء في هذه الأماكن. حتى هدأت الاوضاع في الخليل. صحيح، قُتل بعض الأشخاص هناك، ولكنها مرحلة عابرة. الإعلام والفيس بوك هم الذين خلقوا هذه الإنتفاضة.
“لنكون صريحين”، تابع. “ماذا حققنا في الانتفاضة الثانية؟ ماذا حصّلنا؟ من يعيش هنا في المخيم دفع أثقل ثمن. وماذا حصلنا مقابل ذلك؟ هل حصلنا على تمثيل في المجلس الثوري او في اللجنة المركزية [لحركة فتح]؟ إذا لماذا نشارك في هذا؟ ماذا سنحصل مقابل ارسال طفل ليطعن شخص بسكين؟ البارحة [الإثنين]، حاول مراهق طعن شخص بالقري من حرمس. هل أزعج هذا احد؟
“لكن مع هذا”، يقول، “يمكنني أن أقول لك أمرا واحد: ما دام هناك احتلال، سوف تستمر هذه ’البدع العابرة’ بالعودة، مرة تلو الاخرى. لن ينتهي الأمر ابدا”.
هل ’انتفاضة السكاكين’ على وشك الإختفاء؟
وتقدير م.، الذي قضى أفضل سنواته في السجون الإسرائيلية والفلسطينية، ليست فريدة بين السكان هنا أو في مخيمات اللاجئين الأخرى.
والعديد من الأشخاص في جنين أو مخيمات اللاجئين الكبيرة الأخرى في الضفة الغربية لا يعتقدون أن موجة العنف في الأشهر الأخيرة سوف تستمر، أو أنها سوف تؤدي الى تغيير. وهذا صحيح بالنسبة لكل من جنين وبلاطة، بالقرب من نابلس – وكلا المخيمين لعبا دورا مركزيا في الهجمات والمعارك خلال الإنتفاضة الأولى والثانية.
ولعل هذا يتعلق بتغييرات أعمق تجري في المجتمع الفلسطيني، ومن ضمنها “اغتراب” سكات مخيمات اللاجئين من السلطة الفلسطينية ومن سكان المدن.
عدم مشاركة سكان المخيمات الكبرى في الضفة الغربية هي أحد الاسباب المركزية لعد تحول هذه الهبة الى انتفاضة شعبية ضخمة حتى بعد ثلاثة أشهر ونصف من انطلاقها، وحتى تظهر إشارات أولى لإختفائها.
مع هذا الإدراك، تحاول حماس تصعيد النزاع عن طريق تنفيذ هجمات إطلاق نار وعمليات انتحارية. ولكن بدأ عدد هجمات الطعن والدهس بالتراجع، وكذلك عدد الأشخاص المشاركين في المظاهرات.
يحاول صابر، صديق م.، ورجل مطلوب سابقا آخر، التفسير.
“هنا في المخيم، نحن دولة مختلفة”، يقول صابر. “لا يوجد سلطة فلسطينية أو أبو مازن (محمود عباس) هنا. كل بيت فيه شهيد أو أسير. أنا أُصبت بالرصاص في رجلي. وتم التخلي عن الجميع – اللذين قُتلوا، الأسرى، والمصابين – لقد نسونا. لقد حاربنا ودفعنا الثمن، بقد نسوا منا.
“هل تهتم السلطة الفلسطينية بأمرنا؟” يسأل بمرارة. “اخوة اللذين قُتلوا وقتها، خلال الانتفاضة الثانية – هل تعتقد انهم سوف يخرجوا ليموتوا، ليقاتلوا؟ من اجل ماذا؟ ماذا سوف يحصلوا جراء هذا؟ انتفاضة الطعن كذبة. قُتل 150 شخصا، 154 منهم بدون هدف”. (قُتل حوالي 140 فلسطينيا بحسب وكالات الإعلام؛ تدعي إسرائيل ان أكثر من 90 منهم قُتلوا خلال محاولة قتل إسرائيليين. وقُتل أكثر من 20 اسرائيليا على يد معتدين فلسطينيين منذ الخريف).
ويتجمع المزيد من السكان حولنا، يهزون برؤوسهم لإبداء موافقتهم. ويقول حاتم (25 عاما)، “خلافا عن الأولاد مع السكاكين، لدينا بندقيات. ولا نستخدم أي شيء آخر”.
ويقتبس م. مقولة قديمة عن الحرب، ويقول النسخة الفلسطينية لها. “الإنتفاضة: المفككون يخططون لها، الفقراء يخوضونها، والجبناء يسرقوها. وهذا ما حدث لنا. تم سرقة الإنتفاضة الثانية منا”.
’إن يتم عرض امكانية العيش في دولة واحدة مع اليهود على الفلسطينيين، 95% سيوافقون ويوقعون على الاتفاق’
إذا ماذا يريدون؟
“دعونا نعيش بسلام وهدوء”، يقول م. “لا نريد أي شيء. نريد العيش سوية مع الإسرائيليين. لا يوجد لدينا مشكلة مع هذا. انهم أولاد عمنا. سنعيش معهم بسلام”.
ولكن ماذا بالنسبة للدولة الفلسطينية؟ فالسلطة الفلسطينية تتعهد انها سوف تحصل على اعتراف بالدولة الفلسطينية.
“الدولة الفلسطينية هراء”، يقول صابر. “المفاوضات جارية هنا منذ 20 عاما بدون نتائج. لا زلنا تحت الاحتلال. إذا ليفتحوا المعابر الحدودية امامنا، دعونا نعيش حياة طبيعية. بالنسبة لي، يمكن لليهود ان يسكنوا بنفس المبنى معي. هكذا سنتمكن العيش في حيفا وتل ابيب. وحتى اقول لك اضافة الى ذلك. إن يتم عرض امكانية العيش في دولة واحدة مع اليهود على الفلسطينيين، 95% سيوافقون ويوقعون على الإتفاق. 95%. لينتهي هذا. كفى”.
ويريد منتصر، أحد الرجال المستمعين للمحادثة، اضافة رأيه. “كان يقع منزل عائلتي في حي الهادار في حيفا اليوم. لو لم تفر عائلتي في عام 1948، لكنت من سكان حيفا اليوم. لا يوجد عندي اي مشكلة للعيش مع يهود. لا يوجد لدي مشكلة معهم. ولو لا يأتون الى المخيم، لما كانت هناك مشاكل هنا ايضا. انظر – لم يدخلوا منذ شهرين، ولا يوجد اضطرابات. لا شك لدي ان هجمات الطعن هذه خاطئة. تستشهد بدون سبب. نحن نحارب دولة، فهل بعض الاطفال مع السكاكين سوف يزعجونهم؟”
وماذا بالنسبة للسلطة الفلسطينية؟
يبدأ صابر بالمهاجمة. “لا يوجد لدينة امل او ثقة في السلطة الفلسطينية. لقد سئمنا منهم. نواجه المشاكل معهم طوال الوقت، وليس فقط مع اليهود”.
ويقاطع صديق صابر، ياسين، مع ابتداء شماع الشتائم ضد السلطة الفلسطينية. “سوف أفسر لك الوضع”، يقول. “من تعتقلهم وتطلق سراحهم اسرائيل – السلطة الفلسطينية تعتقلهم. واللذين تطلق سراحهم السلطة الفلسطينية، تعتقلهم اسرائيل. هل تفهم كيف تجري الأمور بينهم؟”
في بلاطة، في انتظار الدولة الإسلامية
أمطار غزيرة كانت تهطل اثناء زيارتنا لمخيم بلاطة، قبل 10 ايام.
مخيم بلاطة، الواقع في ضواحي مدينة نابلس، هو أكثر مخيم اكتظاظا في الضفة الغربية. وكان موقع انطلاق الإنتفاضة الأولى، وتم تأسيس أول خلايا لكتائب شهداء الأقصى فيه خلال الإنتفاضة الثانية.
ويتجمع الشبان أمام مداخل المباني للتدفئة بالقرب من برامل يشتعل فيها الخشب. مع انعدام المدافئ أو التدفئة المركزية، هذا نوع من حل.
وتم وضع برميل مشتعل عند مدخل نادي بلياردو مرتجل، غرفة صغيرة مع طاولة بلياردو تجمع حولها بعض الشبان. الغرفة الصغيرة مليئة بالدخان. ويقول ناصر (16 عاما) أن الشباب في المخيم لا يشاركون في هجمات الطعن لأنه “لا يوجد يهود هنا. لا يوجد أيضا حواجز”. ولكن يبدو هذا كحجة بعض الشيء.
يتحدث محمد البالغ (15 عاما) بصراحة أكبر. “لا يوجد رجال بعد. لقد قُتل الرجال الحقيقيين. أو انهم في السجن. الوحيدون الذين بقوا هم جواسيس للسلطة الفلسطينية أو إسرائيل. لهذا السكان يخشون المشاركة في الهجمات”.

ويقول عز (21 عاما)، أن بلاطة لا تشارك لأن سكانها اكتفوا من الإنتفاضة الثانية. “الكل يهتم بوظيفته، بالأموال. الأوضاع ليست كما كانت وقتها. السكان هنا استسلموا، ويفكرون في مستقبل أفضل في مكان آخر”.
ويقع المركز الجماهيري في الحي، “مركز يافا” بالقرب منا. هناك نلتقي بتيسير نصرالله، مسؤول معروف من حركة فتح في منطقة نابلس. قد عاد قبل وقت قصير من تشييع جثمان اشرقت قطناني، التي دهسها المستوطن القيادي غيرشون مسيكا عندما حاولت تنفيذ هجوم دهس بالقرب من حاجز حوارة في شهر نوفمبر الماضي.
“نحن لسنا في مرحلة الإنتفاضة”، يقول نصرالله. “لم نصل هذه المرحلة بعد، ولكننا وصلنا مرحلة الهبة الشعبية. لا يشارك الشعب الفلسطيني هنا. هناك احداث محدودة مع حضور محدود. ولكن بالتأكيد يمكن ان يتحول هذا الى انتفاضة. الافعال الإسرائيلية تؤدي الى التصعيد – ان كانت افعال المستوطنين، مثل قتل عائلة دوابشة (في دوما في شهر يوليو الماضي)، او الهجمات اليومية على المدنيين. ولكنها أيضا افعال الجيش – الاعتقالات، إطلاق النار، القتل. كل شيء”.
لماذا المخيم ليس جزء من “انتفاضة الفرد”؟
“المجتمع الفلسطيني منقسم الى جزأين، شق يدعم هذه الظاهرة (هجمات الطعن)، بينما الآخر يعارضه. الشق الداعم يبني موقفه بالأساس على عدم وجود شريك في الطرف الإسرائيلي. لم يعد هناك مخيم سلام. شلوميت الوني، يوسي ساريد، رابين – جميعهم ماتوا. لم يبق هناك مخيم سلام في اسرائيل. لهذا يعتقدون انه عليهم التصرف.
“من جهة أخرى”، يتابع نصرالله، “اعتقدت ولا زلت اعتقد انه لا يوجد حاجة لإطلاق انتفاضة جديدة ما زلنا لا نفهم الى اين نذهب وما هو هدفنا. بكلمات أخرى، نريد حياة أفضل لأولادنا بدلا من أن يُقتلوا. أنا لا أقول أن هذا خطأ، ولكن اعتقد انه علينا التركيز على المقاومة الشعبية”.
إذا أين تتجه مخيمات اللاجئين؟

“اسمع – هناك اشتباكات وهجمات في أماكن مثل قلنديا وشعفاط، الواقع بالقرب من الحواجز. في البداية، تظاهرنا هنا في حوارة (المجاورة). ولكننا أدركنا انه لا يجب علينا استثمار الكثير في هذا.
“بصراحة، هناك شعور يعم في المخيم اننا في حالة اهمال دائم من قبل السلطة الفلسطينية وأننا لم نحصل على أي شيء من السلطة الفلسطينية يستحق تضحيات هذا المخيم. ولهذا تقول المخيمات الكبرى، التي عانت كثيرا خلال الإنتفاضة الثانية، الآن ’لننتظر ونرى’. لنرى ماذا تريد السلطة الفلسطينية. وهذا ليس فقط سكان المخيمات. سكان المناطق الأخرى أيضا ينتظرون ليرون ما يحدث. حتى الان، لم تحقق هذا الهبة تغييرا كبيرا في الرأي العام العالمي أو الإسرائيلي”.
وما هو الحل؟
“لا أعلم”، يقول نصرالله. “المفاوضات مع اسرائيل لم تأتي بنتيجة، وإن يعود الفلسطينيين لمفاوضات السلام مع اسرائيل، هذا سيكون خطأ. نحن لا نقترب من الدولة الفلسطينية، لقد انهار حل الدولتين تماما”.
ويجلس صديق تيسير نصرالله، ابو خلف، بالقرب منا وينصت. رجل مطلوب في الماضي، لقد اصيب 11 مرة برصاص جنود اسرائيليين. وبعد اصابته واعتقاله، قضى عشرة اعوام في السجون الإسرائيلية. “حل الدولتين مات منذ فترة”، يقول لنا. “عندما يحين الوقت، ستكون دولة واحدة هنا”.
“اسرائيل لا تفهم”، يقول نصرالله. “هناك تطرف في الطرف الفلسطيني، ولأنه فقد الآمن تماما، الدولة الإسلامية ستصلنا ايضا، في النهاية. ابو مازن آمن في حل الدولتين أكثر من غيره، وتصريحاته أثارت غضب حتى الشعب الفلسطيني. السلطة الفلسطينية هي وضع مؤقت الان. تستمر في العمل من أجل التعامل مع المسائل اليومية، ولكنها لا تملك القوة للتأثير على الأحداث. انها تضعف مع مرور كل يوم. اعتقد أن إسرائيل لا تريد بقاء السلطة الفلسطينية؛ انها تريد أن تختفي السلطة الفلسطينية”.