كيف يتغلب حزب الله على تكنولوجيا المراقبة الإسرائيلية المتقدمة بتقنيات قديمة؟
قالت مصادر مطلعة لرويترز أنه في أعقاب مقتل قادة كبار في غارات جوية إسرائيلية كانت تستهدفهم، لجأت جماعة حزب الله اللبنانية المدعومة من إيران لاستخدام بعض التقنيات القديمة مثل استخدام الرموز في الرسائل وخطوط الهواتف الأرضية وأجهزة البيجر لمحاولة التملص من تكنولوجيا المراقبة المتطورة لإسرائيل.
وبدأت الجماعة أيضا في استخدام التكنولوجيا الخاصة بها، منها الطائرات المسيرة، لدراسة ومهاجمة قدرات إسرائيل على جمع المعلومات الاستخبارية، فيما وصفه زعيم حزب الله حسن نصر الله بأنه استراتيجية “إعماء العدو وصم آذانه باستهداف التجهيزات الفنية والرادارات والمناطيد”.
يتبادل الجانبان إطلاق النار منذ أن شنت حركة حماس، حليفة حزب الله في قطاع غزة، هجوما كبيرا على إسرائيل في السابع من أكتوبر، أسفر عن مقتل حوالي 1200 شخص، واحتجاز 251 رهينة، وإشعال الحرب المستمرة في قطاع غزة. وفي الوقت الذي لا يزال فيه القتال على الحدود الجنوبية للبنان تحت السيطرة نسبيا، فإن تصاعد حدة الهجمات في الأسابيع القليلة الماضية يزيد من المخاوف من إمكانية تحوله إلى حرب شاملة.
ونزح عشرات الآلاف من منازلهم من على جانبي الحدود. وأسفر القتال عن مقتل عشرة مدنيين على الجانب الإسرائيلي، فضلاً عن 16 جندياً وجنوداً احتياطيين. وأعلن حزب الله أسماء 364 من أعضائه الذين قُتلوا في المناوشات المستمرة، معظمهم في لبنان وبعضهم في سوريا أيضا. كما قُتل 65 عنصرا إضافيا من الجماعات المسلحة الأخرى في لبنان، وجنديا لبنانيا، بالإضافة إلى عشرات المدنيين.
وقتل كثير من مسلحي حزب الله أثناء مشاركتهم في الأعمال القتالية شبه اليومية، ومنها إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة المفخخة على شمال إسرائيل. وأكد حزب الله أيضا مقتل أكثر من 20 عنصرا، من بينهم ثلاثة من كبار القادة وأعضاء من وحدة قوات الرضوان الخاصة وعناصر من المخابرات، في غارات محددة الأهداف بعيدا عن الخطوط الأمامية.
ويقول الجيش الإسرائيلي إنه يرد على هجوم غير مبرر من حزب الله، وأضاف في بيان لرويترز إنه قصف أهدافا عسكرية واتخذ “الاحتياطات الممكنة من أجل تخفيف الضرر الذي يلحق بالمدنيين”.
وجاء في البيان “نجاح هذه الجهود يعتمد على قدرة الجيش الإسرائيلي على جمع معلومات استخباراتية شاملة ودقيقة عن قوات حزب الله وقادته والبنية التحتية الإرهابية للمنظمة وأماكن وجودهم وعملياتهم”.
ولم يجب الجيش الإسرائيلي على أسئلة حول جمعه للمعلومات الاستخبارية والإجراءات المضادة التي يتخذها حزب الله، مرجعا ذلك “لأسباب تتعلق بأمن الاستخبارات”.
ومع تزايد الضغوط الداخلية في إسرائيل بسبب هجمات حزب الله، سلط الجيش الإسرائيلي الضوء على قدرته على ضرب عناصر الجماعة عبر الحدود.
وفي جولة في القيادة الشمالية لإسرائيل، أشار وزير الدفاع يوآف غالانت إلى صور من قال إنهم قادة حزب الله القتلى وقال إن 320 عنصرا قتلوا حتى 29 مايو، منهم عناصر بارزة.
وتلعب تكنولوجيا المراقبة الإلكترونية دورا حيويا في هذه الهجمات. وقال الجيش الإسرائيلي إن لديه كاميرات مراقبة أمنية وأنظمة استشعار عن بعد على المناطق التي ينشط فيها حزب الله، وإنه يرسل بانتظام طائرات استطلاع مسيرة عبر الحدود للتجسس على خصمه.
ويعتبر التنصت الإلكتروني الذي تقوم به إسرائيل، منه اختراق الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر، على نطاق واسع من بين أكثر العمليات تطورا في العالم.
وقالت ستة مصادر مطلعة على عمليات حزب الله لرويترز، طلبت عدم الكشف عن هوياتها لحساسية المسألة، إن حزب الله تعلم من خسائره وقام بتعديل تكتيكاته ردا على ذلك.
وقال اثنان من المصادر إن الهواتف المحمولة، التي يمكن استخدامها لتتبع موقع المستخدم، تم حظرها من ساحة المعركة واستبدالها بوسائل الاتصال القديمة، مثل أجهزة البيجر والسعاة الذين يبلغون الرسائل شفهيا.
وقالت ثلاثة مصادر إن حزب الله يستخدم أيضا شبكة اتصالات أرضية خاصة يعود تاريخها إلى أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
وأفاد مصدر آخر مطلع على المسائل اللوجستية للجماعة بأنه في حالة سماع المحادثات، يتم استخدام كلمات مشفرة للأسلحة ومواقع الاجتماعات. وقال المصدر إن الكلمات المشفرة يتم تحديثها يوميا تقريبا وتسليمها إلى الوحدات عن طريق سعاة ينقلون الرسائل.
وقال قاسم قصير المحلل اللبناني المقرب من حزب الله “نواجه معركة تشكل المعلومات والتكنولوجيا جزءا أساسيا فيها… لكن عندما تواجه بعض التقدم التكنولوجي، فإنك تحتاج إلى العودة إلى الأساليب القديمة.. الهواتف.. الاتصالات الشخصية… أيا كانت الطريقة التي تسمح لك بالتحايل على التكنولوجيا”.
وقال المكتب الإعلامي لحزب الله إنه ليس لديه تعليق على تصريحات المصادر.
إجراءات مضادة بتقنيات قديمة
يقول خبراء أمنين إن بعض الإجراءات المضادة التي تستخدم فيه تقنيات قديمة يمكن أن تكون فعالة للغاية ضد قدرات التجسس عالي التقنية. فإحدى الطرق التي أفلت بها زعيم تنظيم القاعدة الراحل، أسامة بن لادن، من الاعتقال لما يقرب من عقد من الزمن، كانت من خلال قطع الاتصال بخدمات الإنترنت والهاتف، واستخدام السعاة بدلا من ذلك.
وقالت إيميلي هاردينج المحللة السابقة بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي.آي.إيه) والتي تعمل الآن في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن “مجرد استخدام شبكة شبكة خاصة افتراضية(في.بي.إن)، أو أفضل من ذلك، عدم استخدام الهاتف المحمول على الإطلاق، يمكن أن يزيد من صعوبة العثور على الهدف”.
وأوضحت: “لكن هذه الإجراءات المضادة تجعل قيادة حزب الله أقل فاعلية بكثير في التواصل بسرعة مع قواتها”.
ويعتقد حزب الله ومسؤولون أمنيون لبنانيون أن إسرائيل تقوم أيضا بتجنيد مخبرين داخل لبنان أثناء قيامها بمراقبة الأهداف. وقالت ثلاثة مصادر إن الأزمة الاقتصادية في لبنان والمنافسة بين الفصائل السياسية خلقت فرصا لعملاء إسرائيل بتجنيد أفراد في لبنان، لكن ليس كل المخبرين يدركون مع من يتحدثون.
وفي 22 نوفمبر، تلقت امرأة من جنوب لبنان مكالمة على هاتفها المحمول من شخص يدعي أنه مسؤول محلي، وفقا لمصدرين على علم مباشر بالواقعة. وقالت المصادر إن المتصل كان يتحدث بلغة عربية قوية، وسأل عما إذا كانت الأسرة في المنزل. أجابت المرأة: لا، موضحة أنهم سافروا إلى شرق لبنان.
وقالت المصادر أنه بعد دقائق، ضرب صاروخ منزل المرأة في قرية بيت ياحون، ما أسفر عن مقتل خمسة من مقاتلي حزب الله، من بينهم عباس رعد، نجل أحد كبار نواب حزب الله وعضو في وحدة الرضوان.
وذكرت المصادر لرويترز أن حزب الله يعتقد أن إسرائيل تعقبت المقاتلين إلى الموقع وأجرت اتصالا للتأكد مما إذا كان هناك مدنيون قبل الهجمة دون الكشف عن مزيد من التفاصيل.
وقال الجيش الإسرائيلي في ذلك الوقت إنه قصف عددا من أهداف حزب الله، منها “خلية إرهابية”.
وفي غضون أسابيع، كانت جماعة حزب الله تحذر أنصارها علنا عبر أثير محطة إذاعة النور التابعة لها من عدم الثقة في المتصلين الذين يزعمون أنهم مسؤولون محليون أو عمال إغاثة، قائلين إن الإسرائيليين ينتحلون شخصياتهم للتعرف على المنازل التي يستخدمها حزب الله.
وكانت تلك بداية سلسلة من الهجمات استهدفت أعضاء بارزين بحزب الله في لبنان. ومن بين القتلى وسام الطويل وطالب عبد الله ومحمد ناصر، القادة الذين لعبوا أدوارا أساسية في توجيه عمليات الجماعة في الجنوب.
وقُتل أيضا صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس أثناء حضوره اجتماعا في العاصمة بيروت.
وقال مصدران مطلعان على نهج التفكير داخل الجماعة ومسؤول استخباراتي لبناني لرويترز إن جماعة حزب الله بدأت تشتبه في أن إسرائيل تستهدف مقاتليها عبر تتبع هواتفهم المحمولة وكاميرات المراقبة المثبتة على المباني في البلدات الحدودية.
وفي 28 ديسمبر حث حزب الله سكان الجنوب في بيان نُشر على تيليجرام على فصل أي كاميرات مراقبة يمتلكونها عن الاتصال بالإنترنت.
وبحلول أوائل فبراير صدرت توجيهات أخرى لمقاتلي حزب الله بعدم استخدام هواتف محمولة في أي مكان قريب من ساحة المعركة.
وقال مصدر لبناني كبير مطلع على عمليات الجماعة “اليوم، إذا وُجد أي هاتف مع أي شخص على الجبهة، فسيتم طرده من حزب الله”.
وأكدت ثلاثة مصادر أخرى التوجيه الذي عممته الجماعة. وقال أحد المصادر لرويترز إن المقاتلين بدأوا يتركون هواتفهم عند تنفيذ عمليات. وذكر المسؤول الاستخباراتي اللبناني أن حزب الله كان يجري أحيانا عمليات تفتيش مفاجئة على الوحدات الميدانية بحثا عن هواتف.
وأوضح مصدران آخران أن كبار القادة السياسيين في حزب الله يتجنبون إحضار هواتف معهم إلى الاجتماعات، حتى في بيروت.
وفي خطاب بثه التلفزيون في 13 فبراير، حذر حسن نصر الله أنصاره من أن هواتفهم أكثر خطورة من جواسيس إسرائيل وقال إنهم يجب أن يكسروها أو يدفنوها أو يضعوها في صندوق حديدي.
وأفاد مسؤول أمني لبناني سابق ومصدران آخران مطلعان على عمليات جماعة حزب الله بأن الجماعة اتخذت إجراءات لتأمين خطوط التواصل الهاتفي الخاصة بها بعد الاشتباه بخرق إسرائيلي.
ووفقا لمسؤولين حكوميين آنذاك، فإن الشبكة الواسعة التي يزعم أنها ممولة من إيران أُنشئت قبل نحو عقدين باستخدام كابلات ألياف ضوئية ممتدة من معاقل حزب الله في الضواحي الجنوبية لبيروت إلى بلدات في جنوب لبنان وشرقها إلى وادي البقاع.
وأحجمت المصادر عن تحديد زمن وكيفية الاختراق، لكنهم قالوا إن خبراء الاتصالات في حزب الله يعملون على تقسيمها إلى شبكات أصغر للحد من الأضرار في حالة اختراقها مجددا.
وقال المصدر اللبناني الكبير لرويترز “كثيرا ما نغير شبكات الخطوط الأرضية لدينا ونقوم بتبديلها حتى نتمكن من تجاوز القرصنة والتسلل”.
المراقبة باستخدام طائرات مسيرة
تتباهي الجماعة بقدرتها على جمع معلومات استخباراتية خاصة بها عن أهداف العدو ومهاجمة منشآت المراقبة الإسرائيلية باستخدام ترسانتها من الطائرات المسيرة الصغيرة محلية الصنع.
وفي 18 يونيو نشرت جماعة حزب الله مقطع فيديو مدته تسع دقائق قالت إنه التُقط فوق مدينة حيفا الإسرائيلية بواسطة طائرات مراقبة تابعة لها، وتضمن منشآت عسكرية وموانئ.
وذكر سلاح الجو الإسرائيلي أن أنظمة الدفاع الجوي رصدت الطائرة المسيرة، لكن القرار اتُخذ بعدم استهدافها لأنها لا تمتلك قدرات هجومية، ولأن استهدافها قد يعرض السكان للخطر.
وتضمن مقطع فيديو آخر نشرته جماعة حزب الله صورا جوية قالت إنها جمعتها لمنطاد مراقبة إسرائيلي ضخم يُعرف باسم سكاي ديو في اليوم السابق لاستهدافه في هجوم بطائرة مسيرة في 15 مايو.
ولم تتمكن رويترز من التحقق من صحة الصور. لكن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري قال في ذلك الوقت إن المنطاد المستخدم لرصد التهديدات الصاروخية أصيب أثناء وجوده على الأرض في قاعدة عسكرية في شمال إسرائيل. وأشار إلى عدم وقوع إصابات جراء الهجوم وأنه لم يؤثر على “القدرة على رصد الوضع الجوي” في المنطقة.
وتقول الجماعة إنها أسقطت أو سيطرت على ست من طائرات الاستطلاع الإسرائيلية من طرازات هيرميس 450 وهيرميس 900 وسكاي لارك. ووفقا لمصدرين يقوم عناصر حزب الله بتفكيك الطائرات المسيرة لدراسة مكوناتها.
وأكدت إسرائيل أن خمس طائرات مسيرة تابعة للقوات الجوية أُسقطت بصواريخ سطح-جو بينما كانت تنشط فوق لبنان. ومع ذلك، قال الجيش الإسرائيلي إن التصريحات الصادرة عن جماعة حزب الله “يتعين التعامل معها بحرص”، قائلاً إن المجموعة تهدف إلى بث الخوف في نفوس الإسرائيليين.
وقال نيكولاس بلانفورد، وهو مستشار أمني مقيم في بيروت ومؤلف كتاب يتناول تاريخ جماعة حزب الله، إن “يقظة وحذر” الجماعة من الخروقات الأمنية عند أعلى المستويات على الإطلاق.
وقال لرويترز “تعين على حزب الله أن يشدد إجراءاته الأمنية أكثر مما فرضت عليه الصراعات السابقة”.
لكن أشار بلانفورد إلى احتفاظ إسرائيل بميزة تكنولوجية.
وقال شهود إن سيارة كانت تمر بعد ظهر الثالث من يوليو عبر قرية ساحلية لبنانية تبعد بأكثر من 20 كيلومترا عن شمال الحدود الإسرائيلية اشتعلت فيها النيران.
وذكر الجيش الإسرائيلي أنه قتل محمد ناصر، الذي قال إنه كان يقود وحدة تهاجم إسرائيل من جنوب غرب لبنان. ولقى ناصر حتفه بعد أقل من شهر من هجوم قُتل فيه طالب عبد الله، الذي قاد عمليات الجماعة في المنطقة الوسطى من الشريط الحدودي الجنوبي.
وأعلن حزب الله مقتل الرجلين ورد بمجموعة صواريخ تعد من أكبر هجماته على شمال إسرائيل منذ اندلاع الحرب.