كيف تحولت الولايات المتحدة من انتقاد إسرائيل بشأن غزة إلى الدفاع عنها ضد إيران؟
مسؤول أمريكي يكشف أن إسرائيل أبلغت البيت الأبيض بالضربة في دمشق خلال اجتماع لمناقشة العملية في رفح، ومكالمة الرئيس مع رئيس الوزراء لمناقشة ضرب قافلة المساعدات بدأت بالتنسيق بشأن إيران
كانت غرفة العمليات في البيت الأبيض متوترة لدقائق طويلة مساء السبت بعد إخطار الرئيس الأمريكي جو بايدن وكبار مساعديه بأن إيران أطلقت في وقت واحد أكثر من 100 صاروخ بالستي على إسرائيل.
كانت واشنطن تعلم أن هذه الضربة قادمة وكان أمامها 10 أيام للتنسيق مع إسرائيل وحلفاء آخرين، لكن عدد الصواريخ البالستية كان أكثر من المتوقع، ولم يكن هناك ضمان بأن مجموعة أنظمة الدفاع الجوي – على الرغم من تعقيدها – ستكون قادرة على اعتراض مثل هذا الوابل الكبير بنجاح، حسب ما أوضح مسؤول كبير في الإدارة خلال مؤتمر صحفي يوم الأحد. “لقد كانت فترة من الانفعال المتزايد”.
في المجمل، شمل الهجوم الإيراني 170 طائرة مسيّرة و30 صاروخ كروز و120 صاروخا بالستيا.
إحصل على تايمز أوف إسرائيل ألنشرة أليومية على بريدك الخاص ولا تفوت المقالات الحصرية آلتسجيل مجانا!
وبينما اعترض الجيش الإسرائيلي غالبية عمليات الإطلاق، كانت الولايات المتحدة هي التي أبلغت إسرائيل بالهجوم بمجرد أن بدأ. وكانت القوات الأمريكية مسؤولة أيضا عن إسقاط 80 مسيّرة وستة صواريخ بالستية على الأقل، وفقا للقيادة المركزية الأمريكية. كما اعترضت بريطانيا وفرنسا والأردن العشرات من عمليات الإطلاق الأخرى، تحت مظلة دفاعية إقليمية أنشأتها واشنطن مؤخرا.
تم إحباط 99٪ من عمليات الإطلاق في نهاية المطاف، وأصيبت مواطنة إسرائيلية واحد فقط نتيجة شظايا صاروخ تم اعتراضه، في حين تعرضت قاعدة جوية تابعة للجيش الإسرائيلي لأضرار طفيفة فقط.
وقال المسؤول الكبير في إدارة بايدن الذي تواجد في غرفة العمليات مع الرئيس “لقد أظهرت أحداث الأيام العشرة الماضية أنه على الرغم من أنه قد تكون لدينا بعض الخلافات – خاصة بشأن غزة – فإن الولايات المتحدة الأمريكية تقف إلى جانب إسرائيل، وليس هناك شك في أننا سنهب للدفاع عنهم عندما يتعرضون لهجوم”.
من رفح إلى إيران
في الواقع، جاءت الضربة الإيرانية وسط أكبر تدهور في العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل منذ أن تولى بايدن منصبه بسبب الإحباط المتزايد من مواصلة إسرائيل الحرب في غزة.
دفع الاستياء العميق من تعامل إسرائيل مع الوضع الإنساني في القطاع الولايات المتحدة إلى معارضة العملية الكبيرة الأخيرة التي خططت لها إسرائيل في الحرب – هجوم على مدينة رفح في أقصى جنوب غزة بهدف تفكيك كتائب حماس المتبقية هناك.
اقتناعا منها بأن الجيش الإسرائيلي لن يكون قادرا على تنفيذ مثل هذه العملية البرية دون تعريض عدد كبير من الفلسطينيين الذين يزيد عددهم عن مليون والذين يحتمون في رفح للخطر، عقدت الولايات المتحدة اجتماعا افتراضيا مع كبار المسؤولين الإسرائيليين لمناقشة بدائل للتوغل المخطط له.
حضر السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة مايكل هرتسوغ الاجتماع واستغل الفرصة لأخذ مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان ومنسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكغورك جانبا لإبلاغهما بأن إسرائيل نفذت ضربة على الملحق القنصلي للسفارة الإيرانية في دمشق، مما أسفر عن مقتل عدد من كبار الضباط في الحرس الثوري الإيراني، حسبما قال المسؤول الكبير في إدارة بايدن للصحفيين.
وقال المسؤول: “كنا نعلم أنه سيكون لذلك تداعيات”.
وروى أنه بعد أربعة أيام – بعد تلقي معلومات استخباراتية كافية لاستنتاج أن إيران كانت تخطط لهجوم انتقامي كبير – أصدر بايدن تعليماته لمساعديه “بالدفاع عن إسرائيل إلى أقصى حد ممكن ودحر الهجوم”.
قامت الولايات المتحدة بنقل أصول عسكرية إضافية إلى شرق البحر المتوسط وجندت بريطانيا وفرنسا وحلفاء آخرين للمساعدة في إحباط الضربة.
في 4 أبريل، أجرى بايدن مكالمة هاتفية مع نتنياهو، حددها البيت الأبيض لمناقشة الغارة الإسرائيلية القاتلة على قافلة مساعدات تابعة لمنظمة “المطبخ المركزي العالمي” في غزة. ومع ذلك، فإن القضية الأولى التي تمت مناقشتها كانت الهجوم الإيراني المحتمل، حسبما كشف المسؤول الكبير في الإدارة.
وأضاف: “لقد وضعنا في الاعتبار خلال الاستعدادات أنه… إذا نجح هذا الهجوم، فقد يتسبب في تصعيد لا يمكن السيطرة عليه لصراع إقليمي أوسع، وهو أمر عملنا ليلا نهارا لتجنبه منذ 7 أكتوبر”.
وفي الأيام التالية، أجرى كبار المسؤولين الأمريكيين مكالمات مطولة مع نظرائهم الإسرائيليين وتم ارسال قائد القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم) الجنرال مايكل كوريلا إلى تل أبيب لتنسيق الاستعدادات بأكبر قدر ممكن.
وقال المسؤول الكبير في مؤتمر صحفي إنه تم إطلاع بايدن بانتظام، وأنه وافق على نشر مدمرة صواريخ إضافية على هامش اجتماعه في 10 أبريل مع رئيس الوزراء الياباني الزائر كيشيدا فوميو.
وبعد تلقي معلومات استخباراتية تفيد بأن الضربة على بعد ساعات قليلة، قطع بايدن رحلته في عطلة نهاية الأسبوع إلى ديلاوير وهرع عائدا إلى البيت الأبيض بعد ظهر يوم السبت لمراقبة الهجوم من غرفة العمليات.
“حان الوقت للتروي والتفكير مليا”
تلقى الرئيس تحديثات في الوقت الفعلي عندما بدأت القيادة المركزية الأمريكية وقوات القيادة الأوروبية في الاشتباك بشكل فعلي مع عمليات إطلاق الصواريخ والمسيّرات الإيرانية. واعترضت مدمرتا الصواريخ “أرلي بيرك” و “كارني”، اللتان تعملان من شرق البحر الأبيض المتوسط حيث تم وضعهما مؤخرا، حوالي ستة صواريخ بالستية إيرانية، في حين قامت بطارية صواريخ “باتريوت” تابعة للجيش الأمريكي بإسقاط صاروخ آخر أخرى فوق العراق.
وقال المسؤول إن الهجوم انتهى في غضون عدة ساعات، وعندها تلقت الولايات المتحدة رسالة من إيران عبر سويسرا مفادها أنها انتهت من إطلاق الصواريخ والمسيّرات على إسرائيل.
تم استخدام القناة السويسرية لإرسال سلسلة من الرسائل بين الولايات المتحدة وإيران على مدى الأسبوعين الماضيين، لكن المسؤول الكبير في الإدارة أصر على أن طهران لم تبلغ واشنطن بشأن الضربة مسبقا، إلا دولا أخرى قالت إن الجمهورية الإسلامية أبلغت الأمريكيين بالهجوم.
وفي حوالي الساعة التاسعة مساء، اتصل بايدن هاتفيا بنتنياهو لمناقشة نتائج الهجوم. وقال المسؤول إن الرئيس أكد دعم الولايات المتحدة الثابت لإسرائيل، لكنه حث رئيس الوزراء الإسرائيلي أيضا على “التفكير بعناية وبشكل استراتيجي بشأن خطر التصعيد”.
كانت هناك تقارير تفيد بأن بايدن كان أكثر صراحة فيما يتعلق بمعارضته لضربة انتقامية إسرائيلية بعد أن كانت الولايات المتحدة قامت للتو بالمجازفة من اجل إسرائيل، على الرغم من أن المسؤول الذي أحاط الصحفيين يوم الأحد اكتفى بتأكيد أن الرئيس أبلغ رئيس الوزراء بأن الولايات المتحدة لن تنضم إلى الجيش الإسرائيلي في مهاجمة إيران إذا اختار ذلك.
وقال المسؤول: “لقد خرجت إسرائيل بالفعل متفوقة بفارق كبير من هذه المواجهة. لقد قضت على قيادة الحرس الثوري الإيراني في بلاد الشام، وحاولت إيران الرد، وأظهرت إسرائيل تفوقها العسكري بوضوح، ودحرت هذا الهجوم، لا سيما بالتنسيق مع شركائها، [لذا دعونا]… نتروى قليلا ونفكر مليا”.
“لا أحد يريد صعود سلم التصعيد هنا”، مضيفا أن “إسرائيل أوضحت لنا أنها لا تسعى إلى تصعيد كبير مع إيران. إنهم يتطلعون إلى حماية أنفسهم والدفاع عن أنفسهم”.
لم تتضح محدودية الضرر في قاعدة نيفاتيم الجوية – الهدف العسكري الوحيد الذي تم استهدافه – إلا مع شروق شمس يوم الأحد.
قام السفير الأمريكي لدى إسرائيل جاك لو بعد ذلك بزيارة أحد مواقع أنظمة الدفاع الجوي “السهم” التي كانت مسؤولة عن إسقاط غالبية الصواريخ البالستية الإيرانية.
In light of Iran’s unprecedented attack on Israel, I met today with Minister @yoavgallant at the Joint Coordination Center to reaffirm U.S. commitment to Israel’s defense. As @POTUS stated today, “Our commitment to Israel’s security against threats from Iran and its proxies is… pic.twitter.com/OFe39etbrZ
— Ambassador Jack Lew (@USAmbIsrael) April 14, 2024
وأشار المسؤول الكبير في الإدارة إلى أن “النجاح الذي تم تحقيقه كان في جزء منه نتاج سنوات من الاستثمار والتعاون في تطوير تقنيات الدفاع الصاروخي هذه”.
وفي وقت لاحق من يوم الأحد، عقد بايدن اجتماعا لقادة مجموعة السبع، حيث قام المنتدى بتنسيق الجهود الرامية إلى محاسبة إيران على الضربة. وكان هناك نقاش حول قيام الأعضاء بالحذو حذو الولايات المتحدة في تصنيف الحرس الثوري الإيراني كجماعة إرهابية، بالإضافة إلى التنسيق بشأن مجموعة جديدة من العقوبات ضد إيران.
بعد ذلك اتصل بايدن هاتفيا بالعاهل الأردني الملك عبد الله، الذي برز بلده من بين الدول التي ساعدت في إحباط الهجوم، بالنظر إلى مجازفته بانتقام إيراني.
كما اتصل الرئيس بقائدي سربي المقاتلات الأمريكية اللذين كان مسؤوليّن عن العشرات من عمليات أسقاط المقذوفات في الليلة السابقة، وشكرهما على خدمتهما.
وقال المسؤول الأمريكي “أما بالنسبة لإيران، ، فقد كان الرئيس واضحا في أن أفعالهم تنتهي هنا، وينطبق الشيء نفسه على وكلاء إيران. إذا اتخذوا إجراء ضدنا، فنحن على استعداد تام للدفاع عن شعبنا ومصالحنا ومحاسبة إيران، كما أظهرنا عدة مرات خلال الأشهر الستة الماضية من هذه الأزمة”.