كيف تحولت الخليل إلى بؤرة تفشي فيروس كورونا في الضفة الغربية؟
مع تسجيل 82٪ من حالات الإصابة بكوفيد-19 في الضفة الغربية، ولدت الظروف الاجتماعية الفريدة للمدينة عدد إصابات مساو لعدد الإصابات في المدن الثلاث الأكثر تضررا في إسرائيل مجتمعة

مساء السبت، بعد أن سجلت السلطة الفلسطينية 581 حالة جديدة، قالت وزيرة الصحة الفلسطينية مي الكيلة ل”تلفزيون فلسطين” إن مستوى الإصابة بفيروس كورونا في مدينة الخليل بالضفة الغربية “خرج عن نطاق السيطرة”.
مع وجود 82٪ من حالات الإصابة بالفيروس التاجي المؤكدة في الضفة الغربية، برزت الخليل كبؤرة لتفشي الموجة الثانية من الفيروس في الضفة الغربية. بعد أن سجلت مئات الإصابات يوميا في الأسبوعين الماضيين، فإن عدد الحالات النشطة في المحافظة الواقعة في الضفة الغربية يساوي تقريبا عدد الحالات النشطة في القدس وتل أبيب وبني براك – المدن الثلاث الأكثر تضررا في إسرائيل – مجتمعة.
وقال مسؤول صحة فلسطيني لتايمز أوف إسرائيل إن الأمور تسوء بالفعل وأن “الوضع في الخليل دخل مرحلة خطيرة. لا يوجد سيطرة مطلقة على الفيروس”.
إحصل على تايمز أوف إسرائيل ألنشرة أليومية على بريدك الخاص ولا تفوت المقالات الحصرية آلتسجيل مجانا!
الخليل هي واحدة من المحاور التجارية الرئيسية للسلطة الفلسطينية، ويبلغ عدد سكانها أكثر من 750,000 نسمة، وهي إلى حد بعيد أكبر محافظة في الضفة الغربية. لكن الحجم وحده لا يكفي لتفسير العدد الهائل للإصابات في الخليل في الأيام الأخيرة. تفشي الفيروس لم يقتصر على مدينة واحدة كبيرة أو بلدة صغيرة، حيث انتشرت الإصابات في جميع أنحاء المحافظة.
وبلغ عدد الإصابات المؤكدة بفيروس كورونا 4,647 حالة في الضفة الغربية، والتي ظهرت معظمها في الأسابيع الثلاثة الماضية. حتى مساء الثلاثاء، كان هناك حوالي 3,420 حالة من أصل 4,138 حالة نشطة في الضفة الغربية في الخليل. وكانت هناك 17 حالة وفاة في الأسبوعين الماضيين وجميعها في الخليل.
ولا يوجد في الخليل سوى 35 جهاز تنفس اصطناعي، بحسب أرقام البلدية. ومع وصول المستشفيات المحلية إلى الحد الأقصى من سعتها، قالت الكيلة إن المرضى من سكان الخليل يتم نقلهم عبر الضفة الغربية إلى بيت لحم لتلقي العلاج.
الأعداد في نابلس وبيت لحم بعيدة تماما عن الأرقام التي تسجلها الخليل، حيث سجلت المحافظتين بضع مئات من حالات الإصابة لكل منهما، على الرغم من أن للمحافظتين مجتمعتين عدد سكان ينافس عدد سكان الخليل.
وردا على ارتفاع معدلات الإصابة، فرضت السلطة الفلسطينية يوم الجمعة إغلاقا لمدة خمسة أيام في جميع مناطق الضفة الغربية الخاضعة لسيطرتها للحد من انتشار الفيروس. تم حظر السفر باستثناء حالات الطوارئ، وتم إغلاق الأعمال التجارية باستثناء الصيدليات ومحلات البقالة، وتم إلزام المواطنين بالبقاء في منازلهم أو مواجهة غرامات محتملة.
لكن على الرغم من هذه الإجراءات، استمرت الحالات في الارتفاع، مما أجبر السلطة الفلسطينية على تمديد فترة الإغلاق لخمسة أيام إضافية مساء الثلاثاء، حسب المتحدث باسم حكومة السلطة الفلسطينية إبراهيم ملحم.

أحد التفسيرات التي قدمها مسؤولو الصحة الفلسطينيون للحالات المنتشرة في الخليل هو تكوينها الاجتماعي الفريد. تتكون العديد من مجتمعات الخليل من شبكات واسعة ولكن متماسكة من العشائر، والتي يمكن أن يصل عدد أعضائها إلى عشرات الآلاف.
وقال مسؤول صحة فلسطيني “العلاقات الاجتماعية في الخليل تختلف عن تلك الموجودة في المدن الفلسطينية الأخرى. في حفل زفاف واحد أو جنازة قد تجد 1,500 أو حتى 2,000 شخص. هذا بسبب الطبيعة العشائرية للمنطقة – المكان بأكمله هو عشائر”.
وتصبح هذه التجمعات الاجتماعية الضخمة أحداثا لناقلي العدوى الفائقين، مثل حفل زفاف في بلدة تفوح الصغيرة خارج الخليل، حيث أصيب 52 فلسطينيا بالفيروس.
يوم الإثنين، دعا رئيس وزراء السلطة الفلسطينية محمد اشتية زعماء العشائر الكبيرة في الخليل وأماكن أخرى إلى التدخل واعتماد “ميثاق شرف” لمنع الأعراس والتجمعات الاجتماعية من أجل منع انتشار فيروس كورونا المستجد.
وقال إن 82٪ من الفلسطينيين في الضفة الغربية أصيبوا بالفيروس خلال حفلات الزفاف والجنازات التي انتهك فيها المشاركون إرشادات التباعد الاجتماعي.
كما ألقى مسؤولو السلطة الفلسطينية باللوم باستمرار على حركة تنقل الفلسطينيين بين إسرائيل والضفة الغربية باعتبارها مصدرا رئيسيا للإصابات. وطالب اشتية إسرائيل بإغلاق جميع المعابر بين الضفة الغربية وإسرائيل لمنع المزيد من انتشار الفيروس. على كل حال، كانت إسرائيل قد أعلنت الشهر الماضي بالفعل أن المعابر ستغلق أمام العمال الفلسطينيين في نهاية الشهر.
ويصل من الخليل حوالي 100,000 عامل فلسطيني إلى إسرائيل للعمل، لكن علاقات العائلة الموسعة الخاصة بهم لا تنتهي عند الخط الأخضر، كما قال محافظ الخليل جبرين البكري.
في الشهر الماضي قال البكري ل”تلفزيون فلسطين”: لدينا 50,000 عامل فلسطيني يدخلون [إسرائيل] بانتظام، و 270,000 من سكان النقب يأتون إلى هنا كثيرا، والعديد من سكان القدس لديهم أفراد من العائلة هنا. هناك الكثير من التخالط مع الفلسطينيين الذين يعيشون داخل [إسرائيل]”.

وأعرب اشتية عن أسفه لما وصفه بعدم قدرة السلطة الفلسطينية على الحد من مثل هذه الحركة التي قال إنها المحرك الرئيسي للفيروس. وقال مسؤولو الصحة بالسلطة الفلسطينية إن الإصابات الأولى في الموجة الثانية بالضفة الغربية يمكن ان تعزى للفلسطينيين الذين انتقلوا بين إسرائيل والضفة الغربية.
وقال اشتية إن “العامل الأكثر أهمية في صعود الفيروس هو أننا لا نتحكم في نقاط دخولنا وحدودنا. لقد تمزقت أرضنا إلى أجزاء، كما هو الحال في الخليل… حيث نسيطر على جزء واحد ولا نسيطر على الجزء الآخر”.
تعمل مدينة الخليل نفسها في وضع سياسي فريد لا مثيل له في أي مدينة فلسطينية أخرى. وبموجب بروتوكول الخليل لعام 1997، الذي وقّعه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية الراحل ياسر عرفات، فإن المدينة مقسمة بين السيطرة الإسرائيلية والفلسطينية. المنطقة H1، حوالي 80٪ من المدينة ، تديرها السلطة الفلسطينية، بينما 20٪ من المدينة تقع في المنطقة H2 التي تسيطر عليها إسرائيل.
وبينما أعلنت السلطة الفلسطينية إغلاق جميع مناطق الضفة الغربية الخاضعة لسيطرتها، لم تأمر إسرائيل بعد بالعودة إلى الإغلاق. على هذا النحو، فإن القيود الجديدة التي وضعتها السلطة الفلسطينية تنطبق فقط على H1.
تجمعت الحشود للمشاركة في حفلات زفاف على جانبي المدينة في نهاية هذا الأسبوع على الرغم من الإغلاق، لكن الوضع كان أسوأ في H2، وفقا لوسائل الإعلام الفلسطينية.
وقال مسؤول الصحة الفلسطيني لتايمز أوف إسرائيل “في منطقة H2 هناك قدر أقل من التقيد [بالإغلاق] لأن قوات الأمن الفلسطينية ليست هناك لفرضه. في الواقع، لا يوجد التزام حقيقي بالتباعد الاجتماعي هناك”.

وقال المسؤول إنه لا تزال هناك حركة بين شطري المدينة على الرغم من الإغلاق، لكنه أضاف مع ذلك إن معظم الحالات حتى الآن لا تعود إلى تنقل المواطنين بين المنطقتين.
وأضاف “H1 و H2 مدينة واحدة ، وهناك حركة بينهما. لا يوجد انقسام حقيقي”.
وقال المتحدث باسم الشرطة الفلسطينية لؤي إرزيقات لتايمز أوف إسرائيل إن الشرطة “تعمل على تقييد الحركة” في الخليل والضفة الغربية ككل. وقال ارزيقات إن الفلسطينيين الذين يعيشون في منطقة H2 الخاضعة لسيطرة إسرائيل لن يُسمح لهم بدخول الشطر الثاني من المدينة إلا في حالات الطوارئ أو في مهام رسمية.
يقول بلال، وهو من سكان الخليل، لتايمز أوف إسرائيل إن الفلسطينيين في الخليل بدأوا بالالتزام بالتباعد الاجتماعي أكثر لأن الوضع أصبح أكثر خطورة، مضيفا إنه مع ارتفاع عدد الحالات – والوفيات – بشكل كبير، أصبح من المستحيل تجاهل خطر الفيروس.
وقال بلال: “منذ الموجة الثانية والارتفاع في الحالات، بدأ الناس في الخوف من الفيروس ، وبدأوا يأخذون إرشادات السلامة على محمل الجد”.
ويوافق رائد زعارير، الذي يعيش في قرية صغيرة خارج الخليل، على أن الناس أخذوا الفيروس على محمل الجد أخيرا، وقال إن قريته السموع قد أغلِقت، حيث لا يُسمح بدخول أو خروج شخص إلى القرية أو الخروج منها إلا عند الضرورة القصوى. الأشخاص الذين استهزؤوا في السابق بوضع الأقنعة الواقية يتبعون القواعد الآن.
قال زعارير “هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها التزاما بالإرشادات. اتخذ الناس موقفا يقول إن ’ما يريده الله سيحدث’… مع ارتفاع الأرقام، بدأ الناس يدركون أنه لا يوجد سبب يدعو إلى أن يقوم أي شخص بنقل العدوى إلى أفراد أسرته”.