قوات “سوريا الديمقراطية” تتصدى للهجوم التركي وسط موجة نزوح كبيرة
أحصى المرصد منذ الأربعاء مقتل تسعة مدنيين و23 عنصراً من قوات سوريا الديموقراطية جراء الهجوم
أ ف ب – تخوض قوات “سوريا الديمقراطية” يوم الخميس اشتباكات عنيفة لمنع القوات التركية من التقدم في مناطق سيطرتها في شمال شرق البلاد، غداة بدء أنقرة هجوما واسعا دفع بعشرات آلاف السكان إلى النزوح.
وأعلنت أنقرة ليل الأربعاء بدء هجومها ضد المقاتلين الأكراد، في خطوة جاءت بعد ما بدا أنه أشبه بضوء أخضر من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي سحب جنودا أميركيين من نقاط حدودية وواجه انتقادات بتخليه عن الأكراد، شركاء واشنطن في دحر تنظيم “داعش”.
وحذرت منظمات إغاثية دولية من أزمة إنسانية جديدة في وقت يعقد مجلس الأمن الدولي يوم الخميس بطلب من دول أوروبية عدّة اجتماعا مغلقا طارئا لبحث الهجوم التركي.
وتدور اشتباكات عنيفة يوم الخميس على محاور عدة في شمال شرق سوريا، تتركز في منطقتي رأس العين في ريف الحسكة الشمالي وتل أبيض في ريف الرقة الشمالي، وفق ما أفادت قوات سوريا الديموقراطية والمرصد السوري لحقوق الإنسان.
وسيطرت القوات التركية وفصائل سورية موالية لها، بحسب المرصد، على سبع قرى حدودية، معظمها قرب بلدة تل أبيض، وسط قصف مدفعي كثيف. كما شنت طائرات تركية غارات على المنطقة الممتدة بين تل أبيض ورأس العين.
والمنطقة الممتدة من تل أبيض غربا إلى رأس العين شرقا ذات غالبية عربية. وتوقّع محللون في وقت سابق أن يقتصر الهجوم التركي على هذه المنطقة في مرحلة أولى.
وشاهد مراسل فرانس برس صباحا على الطريق الدولي المؤدي إلى رأس العين حافلات محمّلة بمقاتلين من قوات سوريا الديمقراطية في طريقها إلى جبهات القتال.
وأحصى المرصد منذ الأربعاء مقتل تسعة مدنيين و23 عنصرا من قوات سوريا الديمقراطية جراء الهجوم.
في الجانب التركي، قتل ستة مدنيين، بينهم رضيع سوري وطفلة يوم الخميس في قذائف اتهمت السلطات مقاتلين أكراد بإطلاقها.
’يوم مرعب’
وتهدف أنقرة من الهجوم، الذي ندّدت به دمشق وحليفتاها طهران وموسكو، إلى إقامة “منطقة آمنة” بعمق ثلاثين كيلومترا، تبعد عنها المقاتلين الأكراد وتعيد إليها قسما كبيرا من السوريين الذين لجأوا إلى أراضيها.
ودعا الأكراد المتمرسون بالقتال واشنطن إلى فرض حظر جوي من شأنه أن يساعدهم في التصدي للهجوم التركي.
وهذا ثالث هجوم تشنّه تركيا مع فصائل سورية موالية لها في شمال سوريا، بعد هجوم أوّل عام 2016 سيطرت بموجبه على مدن حدودية عدّة، وثان عام 2018 سيطرت خلاله على منطقة عفرين الكردية.
وتُصنف أنقرة وحدات حماية الشعب الكردية “منظمة إرهابية”، وتعتبرها امتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمردا ضدها منذ عقود.
وبدأت العملية التركية يوم الأربعاء بعد يومين من سحب واشنطن بين 50-100 جندي من نقاط حدودية بقرار من ترامب، الذي تعرض لانتقادات واسعة اتهمته بالتخلّي عن المقاتلين الأكراد الذين فقدوا وفق تقديراتهم 11 ألف مقاتل في المعارك ضد تنظيم “داعش”.
وأسفر الهجوم منذ الأربعاء عن حركة نزوح واسعة، وأحصى المرصد فرار أكثر من 60 ألف مدني من مناطق حدودية باتجاه مدينة الحسكة جنوبا ومحيطها.
وفي بلدة تل تمر، شاهد مراسل فرانس برس مدنيين من رجال ونساء واطفال يحملون أمتعتهم من ثياب وأدوات منزلية وحتى خزانات المياه.
وقال ريزان محمد (33 عاماً) لفرانس برس أثناء فراره وعائلته من مدينة القامشلي التي يطالها القصف المدفعي: “البارحة كان يوما مرعبا… سنتوجه إلى الريف، لم نعد نشعر بالأمان”.
وحذرت 14 منظمة إنسانية وإغاثية في بيان مشترك يوم الخميس من حدوث أزمة انسانية جديدة في شمال شرق سوريا، حيث يعيش 1,7 مليون شخص وفق الأمم المتحدة.
وأبدت دول أوروبية عدة قلقها البالغ من تداعيات الهجوم على مواصلة المعركة ضد خلايا تنظيم الدولة الإسلامية، ومن احتمال أن يُسهم في انتعاشه مجدداً مع انصراف المقاتلين الأكراد إلى مواجهة تركيا. ووجهت انتقادات لاذعة لإردوغان.
ودعا الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون تركيا يوم الخميس الى “أن تنهي في أسرع وقت”، منبها إياها من “خطر مساعدة داعش في إعادة بناء خلافته”.
لكن إردوغان خاطب يوم الخميس منتقديه قائلا: “أيها الاتحاد الأوروبي، تذكر: أقولها مرة أخرى، إذا حاولتم تقديم عمليتنا على أنها اجتياح، فسنفتح الأبواب ونرسل لكم 3,6 مليون مهاجر سوري”.
وقال: “سنفعل ما هو ضروري مع المساجين من تنظيم داعش (..) من يجب أن يبقوا في السجن سنبقيهم فيه، وسنرسل الآخرين الى بلدانهم الاصلية، إذا قبلت هذه الأخيرة”.
وتظاهر الآلاف من الأكراد العراقيين يوم الخميس منديين بإردوغان. وأقدم المتظاهرون في أربيل على إحراق العلم التركي، رافعين أعلام كردستان ووحدات حماية الشعب الكردية، وصوراً لزعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان.
12 ألف سجين
وأعلنت الإدارة الكردية يوم الخميس أن القصف التركي الأربعاء طال سجنا يقبع فيه مقاتلون أجانب من التنظيم في مدينة القامشلي، فيما ذكر المرصد أن القصف استهدف محيطه.
وتعتقل قوات سوريا الديمقراطية 12 ألف عنصر من التنظيم، وفق ما قال مسؤول هيئة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية عبد الكريم عمر لفرانس برس. وبين هؤلاء ما بين 2500 وثلاثة آلاف أجنبي من 54 دولة.
ويتوزع هؤلاء على سبعة سجون مكتظة موزعة على مدن وبلدات عدّة، بعضها عبارة عن أبنية غير مجهزة وتخضع لحراسة مشددة.
ورغم إصرارها على القتال، يرى محللون أن قوات سوريا الديمقراطية لن تتمكن من صد هجوم يمتد على مناطق حدودية واسعة خصوصا في ظل قصف جوي يستهدفها.
ويقول الباحث في مركز الأمن الأميركي الجديد نيكولاس هيراس لفرانس برس: “تركيا والفصائل السورية معها ستخرق دفاعات قوات سوريا الديمقراطية وتشكل ثغرة فيها”، لكن السؤال الأساسي بالنسبه إلية “يكمن في معرفة إلى أي مدى ستتقدم تركيا قبل أن توقفها الأطراف الدولية والإقليمية”.
واعتبرت طهران أن الحل يكمن في انتشار قوات النظام في هذه المنطقة، كما دعت روسيا إلى مفاوضات بين الأكراد ودمشق، الأمر الذي رحبت به الإدارة الكردية.