خلال لقائه مع عباس، بلينكن يأسف لمقتل “المدنيين الفلسطينيين الأبرياء”
لمح الوزير إلى أن إسرائيل تهدد حل الدولتين، وسرد الإجراءات الإسرائيلية التي ستعارضها الولايات المتحدة، وأشاد بالمجتمع المدني "النابض بالحياة" وسط انتقادات مبطنة للإصلاح القضائي
أعرب وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكين عن أسفه يوم الثلاثاء على مقتل “المدنيين الفلسطينيين الأبرياء” خلال العام الماضي في الضفة الغربية، بعد لقائه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.
التقى كبير الدبلوماسيين الأمريكيين بعباس في مدينة رام الله بالضفة الغربية، في المحطة قبل الأخيرة من جولته في الشرق الأوسط، بهدف الحد من إراقة الدماء وتصاعد التوترات، بعد اجتماعات مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزراء إسرائيليين كبار، والرئيس إسحاق هرتسوغ وزعيم المعارضة يائير لبيد.
وتقول إسرائيل إن معظم الفلسطينيين الذين قُتلوا منذ بداية العام كانوا يشاركون في اشتباكات مع الجيش الإسرائيلي، لكن ليس جميعهم. وقُتلت امرأة تبلغ من العمر 60 عاما بالرصاص خلال مداهمة عسكرية في جنين يوم الخميس الماضي، قتل خلالها ثمانية آخرون، معظمهم من أعضاء جماعة مسلحة. وفي الأسبوع الماضي أيضًا، قُتل رجل برصاص القوات عند حاجز أمام ابنه في اشتباك قال الجيش لاحقا إنه ما كان ينبغي أن ينتهي بوفاته. وقتل أكثر من 170 فلسطينيا في عام 2022 – معظمهم أثناء تنفيذ هجمات ضد جنود ومدنيين، رغم أن بعضهم كانوا مدنيين غير متورطين – مما جعله العام الأكثر دموية منذ أن بدأت الأمم المتحدة في تعقب الوفيات في عام 2005.
وقال بلينكن: “يعاني الفلسطينيون والإسرائيليون على حد سواء من انعدام الأمن المتزايد والخوف المتزايد في منازلهم وبلداتهم وأماكن عبادتهم”.
وجاءت تصريحات الوزير الأمريكي إلى جانب الزعيم الفلسطيني بعد يوم من لقائه مع نتنياهو، حيث حث الجانبين على اتخاذ “خطوات عاجلة” لتهدئة التوترات.
وأعرب بلينكن عن “أسفه على المدنيين الفلسطينيين الأبرياء الذين فقدوا أرواحهم في تصعيد العنف خلال العام الماضي”. كما أدان الفلسطينيين “الذين يحتفلون… بأعمال الإرهاب التي تودي بحياة الأبرياء”، في أعقاب هجوم إطلاق نار مميت يوم الجمعة بالقرب من كنيس يهودي في القدس – وهو الهجوم الأكثر دموية منذ أكثر من عقد.
بعد لقائه السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية، قال كبير الدبلوماسيين الأمريكيين أنه شهد “تراجع أفق الأمل” للفلسطينيين.
وقال عباس لبلينكن إن إسرائيل مسؤولة عن تصاعد العنف الأخير – بما في ذلك إطلاق النار في القدس الذي أسفر عن مقتل سبعة أشخاص، ونفذه فلسطيني من القدس الشرقية – مسلطا الضوء على “السياسات الإسرائيلية التي تقوض حل الدولتين”.
ولم يدين عباس بعد هجوم الجمعة على وجه التحديد.
كما أعرب الزعيم الفلسطيني المسن عن أسفه لعدم وجود جهود في المجتمع الدولي لمحاسبة الحكومة الإسرائيلية، مدعيا أن ذلك مكّن استمرار التوسع الاستيطاني، ومصادرة الأراضي، وعنف المستوطنين، ومداهمات الجيش للبلدات الفلسطينية، وهدم المنازل والإخلاء.
من جانبه، قال بلينكن لعباس أمام الصحفيين إن الولايات المتحدة ستواصل معارضة مثل هذه الخطوات التي تتخذها إسرائيل في الضفة الغربية والقدس الشرقية.
كما تطرق عباس للجهود الفلسطينية للحصو على وضع عضو كامل في الأمم المتحدة – وهي مبادرة تعارضها الولايات المتحدة وأشارت لمسؤولي السلطة الفلسطينية أنها ستعرقلها، وفقًا لمسؤولين في واشنطن ورام الله. ولدى الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، الذي يلزم موافقته لتغيير وضع الفلسطينيون في الأمم المتحدة.
وقال عباس: “قمنا باتخاذ جملة من القرارات، بدأنا في تنفيذها حماية لمصالح شعبنا، بعد أن استنفدنا كل الوسائل مع إسرائيل”، مشيرا على ما يبدو إلى إعلان مكتبه الأسبوع الماضي عن قطع التنسيق الأمني مع إسرائيل.
ونددت الولايات المتحدة بالخطوة، لكن عباس أكد لمدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بيل بيرنز في وقت سابق من هذا الأسبوع أنه تم وقف أجزاء من التنسيق فقط، ويمكن استعادته بمجرد أن تهدأ التوترات، حسبما قال مسؤول مطلع على الأمر لتايمز أوف إسرائيل يوم الإثنين.
وأكد عباس أنه لا يزال يعارض العنف والهجمات وملتزمًا بحل الدولتين.
“قلق عميق”
في مؤتمر صحفي في فندق “والدورف أستوريا” بالقدس بعد عودته من رام الله، قال بلينكن إن استعادة الهدوء بين الإسرائيليين والفلسطينيين هي “المهمة العاجلة”، لكن واشنطن ستواصل العمل نحو حل الدولتين.
وبدا أنه يلوم إسرائيل بشكل خاص بتهديد هذا الهدف.
وقال بلينكين في تصريحات معدة مسبقا أن الولايات المتحدة ستعارض “أي إجراء من جانب أي طرف لجعل هذا الهدف أصعب من ناحية التحقيق وأبعد من ناحية المنال… هذا يشمل إجراءات مثل توسيع المستوطنات وأيضا إضفاء الصيغة القانونية على البؤر الاستيطانية وأعمال هدم البيوت وإخلاء المنازل وتعطيل الوضع القائم في الأماكن المقدسة، ويشمل أيضا الدعوة إلى العنف والتغاضي عن اللجوء إليه”.
وأضاف: “يجب على جميع الأطراف اتخاذ خطوات لمنع تصعيد العنف واستعادة الهدوء”.
وقال الدبلوماسي الأمريكي الكبير عن اجتماعاته في مصر وإسرائيل والضفة الغربية: “سمعت قلقا عميقا بشأن المسار الحالي. وأكدت لإسرائيل وشعبها التزامنا الصارم بأمن إسرائيل”.
وقال بلينكن أنه طلب من العديد من زملائه البقاء على الأرض بعد مغادرته من أجل دعم المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين في تنفيذ بعض المقترحات التي تمت مناقشتها خلال جولته والتي تهدف إلى تهدئة التوترات.
وقال عن الإسرائيليين والفلسطينيين: “الأمر يعود لهم في الأساس. يتعين عليهم العمل معًا لإيجاد طريق للمضي قدمًا، يعمل على نزع فتيل دائرة العنف الحالية ويؤدي أيضًا إلى خطوات إيجابية يمكن أن يتخذها كل طرف لإعادة بناء بعض الثقة”، قال خلال المؤتمر الصحفي.
كما أعلن عن تقديم 50 مليون دولار إضافية من المساعدات الأمريكية لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). الولايات المتحدة هي الراعي الأكبر للوكالة وقد قدمت بالفعل مئات الملايين من الدولارات منذ أن تولى الرئيس الأمريكي جو بايدن منصبه وعكس سياسة سلفه، الذي قطع المساعدات عن الأونروا بالكامل.
وومنتقلا إلى الحديث عن إيران، شدد بلينكن على التزام الولايات المتحدة بالعمل مع إسرائيل لمواجهة التهديد الصادر من طهران.
ولكن كما فعل في اجتماعاته مع نتنياهو ووزير الخارجية إيلي كوهين، سرعان ما انتقل إلى مناقشة سياسة إسرائيل تجاه أوكرانيا، قائلاً إن تعزيز العلاقات بين إيران وموسكو والأسلحة التي توفرها الجمهورية الإسلامية تُظهر “أهمية توفير دعم لجميع احتياجات أوكرانيا – الإنسانية والاقتصادية والأمنية”.
وقد تجنبت إسرائيل إرسال أسلحة إلى كييف، رغم أنها قدمت مساعدات إنسانية كبيرة. ويتجه كوهين إلى أوكرانيا في المستقبل القريب، وسيكون أكبر مسؤول إسرائيلي يزور البلاد منذ بدء الحرب قبل عام تقريبًا.
وشدد بلينكن، الذي قدم انتقادات مبطنة لمقترحات الإصلاح القضائي المثيرة للجدل خلال زيارته، في المؤتمر الصحفي على أن “إسرائيل لديها مجتمع مدني قوي للغاية”.
وقال: “الحيوية التي تشترك بها إسرائيل في القيم [الديمقراطية] ما زالت تلهمني. من الواضح أن هناك نقاشًا حيويًا للغاية، نقاش يجري في إسرائيل. هذه النقاشات جزء صحي للغاية من الديمقراطية النابضة بالحياة”.
ويدفع تحالف نتنياهو لتنفيذ سلسلة من الإصلاحات الدراماتيكية التي من شأنها زيادة سيطرة الحكومة على القضاء.
وقوبلت الخطة بانتقادات وتحذيرات شديدة من كبار الخبراء الماليين والقانونيين، بالإضافة إلى احتجاجات جماهيرية أسبوعية وعرائض عامة من مختلف المسؤولين والمهنيين والشركات الخاصة.
وأضاف بلينكين فيما يتعلق بالإصلاح القضائي المقترح إن “بناء التوافق في الآراء بشأن المقترحات الجديدة هو الطريقة الأكثر فاعلية لضمان تبنيها واستمرارها”.
وكما فعل إلى جانب نتنياهو، سرد بلينكن مرة أخرى القيم الديمقراطية التي تدعم العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، بما في ذلك حقوق الإنسان والعدالة المتساوية أمام القانون ومجتمع مدني قوي.
ساهمت وكالة فرانس برس في إعداد هذا التقرير