في ظل عدم وجود دولة فعالة، نجد المواطنين
من مساعدة الأشخاص الذين تم إخلائهم وحتى العثور على معلومات بشأن المختطفين وجمع شهادات في إطار لجنة تحقيق: الإدراك المأساوي منذ 7 أكتوبر بأن الدولة لا تعمل أجبر المجتمع المدني على أن يحل محلها؛ تعبّر المبادرات المدنية عن حاجة الجمهور إلى التنصل من الحكومة
في بعض الأحيان يكون من الصعب تشخيص التغيرات الاجتماعية العميقة في الوقت الحقيقي. يدرك الناس العمليات التاريخية التي يمرون بها ولكنهم يجدون صعوبة في الإشارة إلى طبيعة التغيير. منذ السابع من أكتوبر، يعيش الإسرائيليون حالة من الاضطراب العاطفي، والعديد منهم يتلمسون طريقهم عبر مجموعة من المشاعر المختلفة.
إن تعدد الأحداث وكثافة الأخبار تكاد تجعل من المستحيل استيعاب الواقع الجديد الذي فُرض. ستبدو الأمور مختلفة بعد أن نتمكن من دراسة الكارثة الكبرى التي حلت بدولة إسرائيل في نهاية عام 2023 – وطوال عام 2024 بعمق.
ومع ذلك، هناك تغيير اجتماعي واحد يبرز بالفعل على خلفية الإدراك بأن الدولة لا تعمل وأن هناك حاجة إلى تحمل مسؤولية مدنية عن المهام التي تعود عادة إلى الحكومة المركزية.
إحصل على تايمز أوف إسرائيل ألنشرة أليومية على بريدك الخاص ولا تفوت المقالات الحصرية آلتسجيل مجانا!
ففي نهاية المطاف، كانت هناك بالفعل كوارث وسنوات معقدة في إسرائيل طوال تاريخها القصير كدولة، ولكن خلال حرب يوم الغفران – أو أثناء انهيار أسهم البنوك في عام 1983، وعند اغتيال يتسحاق رابين في عام 1995 وخلال فك الارتباط عن غزة – فإننا لم نسمع ادعاء الجمهور بأنه يقف في الخطوط الأمامية بدلا من الدولة. كانت هناك أزمة وكان من المتوقع من الدولة حلها.
لكن في عام 2024، من الأمثال الشائعة بين المجتمعات التي تعيش على الحدود – ولكن أيضا بين أولئك الذين لا يتعرضون لإطلاق النار يوميا – أنه لا توجد دولة، وفي غياب الدولة تظهر مبادرات مدنية كل صباح تحاول أن تحل محل الاحساس الوطني، والشعور بالتكاتف الإسرائيلي، والتضامن الاجتماعي.
وقد برزت هذه الظاهرة بشكل خاص في الشهرين التاليين للهجوم الصادم في 7 اكتوبر. واستخدمت مجموعات من المواطنين، وعلى رأسهم تنظيم “إخوة في السلاح”، شبكاتهم الاجتماعية لإجلاء الناس من منازلهم، وأنشأت رياض أطفال ومدارس في الفنادق التي أقام بها النازحون، وجمعت تبرعات ضخمة، وتكفلت بتوفير النقود والأمتعة والمساكن البديلة.
وفي الوقت نفسه تم إنشاء معهد لتحديد أماكن المفقودين بقيادة البروفيسور كارين ناهون، فيما كان مسؤولو أمن الدولة ما زالوا يحاولون السيطرة على الوضع. ساعدت العديد من المنظمات الإسرائيلية في جلب متطوعين إلى الزراعة، وتوفير خدمات سفر للجنود أيام السبت، عندما استمرت وزارة المواصلات في العمل وكأن شيئا لم يحدث، وأكثر من ذلك.
ولا يتوقف مفهوم النشاط المدني الذي يحل محل الدولة عند هذا الحد. فلقد تحول منتدى عائلات المختطفين، الذي تم إنشاؤه على عجل، إلى وزارة خارجية إسرائيلية. في إطار نشاط عائلات المختطفين (بمبادرة إفرات ماتسيكفا، ابنة أخت الرهينة غادي موزس) علمنا في يناير وفبراير 2024 إن العائلات تمكنت من إنشاء علاقات مع قطر ومصر وأطراف أجنبية أخرى و إيصال الدواء للمختطفين داخل غزة.
وعلى أساس تطوعي بحت، ومن دون ميزانية، ومن دون علاقات عامة ودون السعي إلى مديح وامتنان، يعمل في منتدى عائلات المختطفين نحو 20 سفيرا إسرائيليا متقاعدا المنتشرون في مناطق مختلفة في العالم: فرنسا، ألمانيا، الدنمارك، بريطانيا وغيرها. وفي غضون نحو عشرة أشهر من العمل الدبلوماسي السيزيفي والهادئ، حصل “الجناح الخارجي” للمنتدى على اجتماعات سرية، وأدلة على علامات حياة للمختطفين وحتى على جنسيات أجنبية بأثر رجعي.
שלושה שגרירים בכירים: ארה״ב, גרמניה ובריטניה כינסו מסע״ת במטה החטופים וקראו לאיראן לרדת מהאיומים ולא לפגוע בתהליך המו״מ וכן קראו לכל הצדדים לעשות הכל כדי לסגור הסכם ולשחרר את החטופים. ״זו ההזדמנות האחרונה״@simonwaltersuk @GerAmbTLV @USAmbIsrael pic.twitter.com/oU3TtGBe3l
— Tal Schneider טל שניידר تال شنايدر (@talschneider) August 14, 2024
ومن أبرز لحظات نشاط المنتدى ما حدث قبل نحو أسبوع عندما اختار أهم ثلاثة سفراء أجانب في إسرائيل – السفير الأمريكي والسفير الألماني والسفير البريطاني – عقد مؤتمرهم الصحفي في مقر منتدى عائلات المختطفين في تل أبيب. أي أنهم قاموا بعملهم الدبلوماسي هناك، في حين أن وزارة الخارجية الإسرائيلية الحقيقية ليست على الخريطة على الإطلاق.
لقد شهدنا في الأشهر الأخيرة مبادرات مدنية أخرى على الصعيد الوطني التي تبين لنا أن ما نشهده ليس مجرد ظاهرة عابرة. مبادرة الآباء الثكالى إيال إيشل، والد الجندية القتيلة روني إيشل؛ ورافي بن شطريت، والد الجندي القتيل إلروي بن شطريت (الجنديان من بين الجنود الذين قُتلوا في قاعدة ناحل عوز) لتشكيل لجنة تحقيق مدنية في الوقت الذي تتهرب فيه الحكومة من كل لجنة ممكنة وبينما يماطل الجيش الإسرائيلي في نشر تحقيقاته – تمثل مرحلة جديدة.
في ظل عدم وجود دولة، يوجد هناك مواطنين. اللجنة ليست مثالية، وغني عن القول إنها لا تملك صلاحيات بموجب القانون لاستدعاء شهود والمطالبة بقراءة المحاضر، ولكن بما أن الوطن كله جيش، فإن اللجنة تمتلك قدرة بالتأكيد وتحقق في المعلومات المعلنة الكثيرة. للجنة هدفان: الضغط على الحكومة لتشكيل لجنة تحقيق وتركيز المواد الهامة التي ستضيع من الذاكرة حتى تلين الحكومة وتقوم بإجراء تحقيق حقيقي.
لقد أصبحت الأجندة المدنية، المنفصلة عن الحكومة، راسخة إلى حد أنه حتى أول مراسم إحياء رسمية لأحداث السابع من أكتوبر ستكون مراسم للشعب. طلب الناجون من الهجوم وعائلات القتلى مثل شيرئل حوغيغ من أوفاكيم ويوناتان شمريز من كيبوتس كفر عزة، قبل عدة أيام فصل المراسم عن الحكومة – ولقد تواصل الجمهور مع الرسالة.
لقد جمعوا أكثر من مليوني شيكل في وقت قصير، وحظوا بدعم حانوخ داوم كعريف للحفل وعيدن عميدي، الذي قاتل وأصيب بجروح خطيرة في غزة. في نظر الحكومة، يتم تصنيف جزء من هؤلاء الناشطين الاجتماعيين بأنهم جزء من مظاهرة واستفزاز. إن الاحتجاج في “كابلان” في أيام السبت هو ليس الطريقة الوحيدة للتظاهر ضد الحكومة.
المبادرات المدنية التي تحل محل الدولة هي تعبير عن الرأي العام في إسرائيل، الذي لا يتفق و/أو غير راض عن نشاط مسؤوليه المنتخبين. لا يوجد هنا إغلاق شوارع، بل على العكس: فعاليات مدنية تعبر عن حاجة الجمهور إلى التنصل من حكومته.
ماذا يحمل المستقبل؟ قد يتوسع المفهوم المدني أكثر. لا يمكن معرفة إلى أين سيصل. هل سيقوم الجمهور بإنشاء شرطة بديلة تحمي المواطنين من فشل شرطة إسرائيل؟ حتى قبل الحرب، كانت خدمات الشرطة سيئة وعانت من نقص. منذ أن تولى إيتمار بن غفير منصب وزير الأمن القومي، خضعت الشرطة لعملية تسييس خطيرة للغاية لدرجة أن رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) رونين بار حذر من أنها لا تقوم بدورها.
تساءل ناشط اجتماعي هذا الأسبوع عما إذا كان من الممكن في إطار تمدين الدوائر الحكومية إجراء انتخابات منفصلة عنها. تبدو الفكرة وهمية ومبالغ فيها، ولكن هذا ما تبدو عليه مظاهرة ناشطة وواعية، مظاهرة من خلال العمل.