في أعقاب جهود التعديلات القضائية، مؤشر عالمي يخفض مستوى الديمقراطية الإسرائيلية
تصنيف V-Dem يخفض تصنيف إسرائيل من "ديمقراطية ليبرالية" إلى "ديمقراطية انتخابية"، بسبب التراجع في الشفافية والقدرة على التنبؤ بالقانون وهجمات الحكومة على السلطة القضائية
قامت منظمة دولية رائدة لمراقبة الديمقراطية للمرة الأولى بتخفيض تصنيف إسرائيل من فئة الدرجة الأولى “ديمقراطية ليبرالية” وصنفتها على أنها “ديمقراطية انتخابية” في تقريرها السنوي لمؤشر الديمقراطية العالمي لعام 2024.
يمثل تغيير التصنيف المرة الأولى التي يجد فيها معهد V-Dem، الذي تأسس عام 2014، سببا لخفض تصنيف إسرائيل من فئته العليا. على الرغم من أن المؤشر موجود منذ عقد من الزمن فقط، إلا أنه طبق تصنيفاته بأثر رجعي على أكثر من 50 عاما من البيانات المتتبعة، وبالتالي يمكن اعتبار هذا التخفيض هو الأول من نوعه بالنسبة لإسرائيل منذ عام 1973.
وأرجع مؤشر V-Dem 2024 الانخفاض في تصنيف إسرائيل إلى جهود الحكومة لتمرير خطة إصلاح قضائي مثيرة للجدل في العام الماضي، وتشريع منع محكمة العدل العليا من إلغاء القوانين التي اعتبرتها “غير معقولة”. وعلى الرغم من أن المحكمة ألغت التشريع في وقت لاحق، إلا أن المؤشر أشار إلى إقراره في الكنيست باعتبار أنه أدى إلى تآكل الديمقراطية في إسرائيل.
بالإضافة إلى ذلك، أبدى أعضاء ائتلاف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المكون من أحزاب يمينية ودينية ويمينية متطرفة عداءا وانتقادات علنية للمحكمة العليا، واتهموها بالميل إلى اليسار وتجاوز صلاحياتها في أنشطتها. ولقد تمت الإشارة إلى هذه الهجمات على أعلى هيئة قضائية في التقرير.
وجاء في التقرير، “من الجدير بالذكر أن إسرائيل فقدت مكانتها التي تتمتع بها منذ فترة طويلة كديمقراطية ليبرالية في عام 2023، وهي تصنف الآن على أنها ديمقراطية انتخابية – لأول مرة منذ 50 عاما. ويرجع ذلك في المقام الأول إلى الانخفاض الكبير في مؤشرات التي تقيس الشفافية وإمكانية التنبؤ بالقانون، وهجمات الحكومة على القضاء”.
كما وجد التقرير أنه “من بين أمور أخرى، أقر الكنيست الإسرائيلي مشروع قانون في عام 2023 يجرد المحكمة العليا من صلاحية إبطال القوانين، وبالتالي تقويض الضوابط على السلطة التنفيذية. وتشمل المؤشرات التي تشهد تراجعا جوهريا أيضا عدم التعرض للتعذيب”.
بالإضافة إلى تجميع مجموعات البيانات السنوية، والتي يتم إصدارها في مارس من كل عام، قام معهد V-Dem بجمع بيانات حول حالة الديمقراطيات في جميع أنحاء العالم منذ عام 1973. وهناك مشروع منفصل للمعهد يدرس البيانات التاريخية من ما قبل الثورة الفرنسية وحتى أوائل القرن العشرين.
في نظام التصنيف الحديث، يتم تخصيص واحد من ستة تصنيفات لكل دولة بناء على مدى كونها ديمقراطية أو غير ديمقراطية.
من الأكثر حرية إلى الأقل حرية، التسميات هي كما يلي: ديمقراطية ليبرالية، ديمقراطية انتخابية، منطقة رمادية ديمقراطية، منطقة رمادية استبدادية، استبداد انتخابي، وأوتوقراطية مغلقة.
يتم تعريف الديمقراطية الليبرالية من قبل معهد V-Dem على أنها دولة “تجسد القيمة الجوهرية لحماية حقوق الأفراد والأقليات ضد ’طغيان الأغلبية’ المحتمل وقمع الدولة”.
ويضيف V-Dem أن الديمقراطية الليبرالية ستدعم هذه القيم من خلال “حريات مدنية محمية دستوريا، وسيادة قانون قوية، وضوابط وموازين فعالة تحد من استخدام السلطة التنفيذية”.
وتعد الديمقراطية الانتخابية مفهوما أساسيا لجميع أشكال الديمقراطية الأخرى، ولكن ما لم يتم التوسع فيها، فإنها تركز بشكل أقل على حقوق الفرد.
ووفقا لـ V-Dem، فإن الديمقراطية الانتخابية “تجسد القيمة الأساسية المتمثلة في جعل الحكام مستجيبين للمواطنين من خلال انتخابات دورية”.
وبحسب منظمة “المجتمع الدولي للديمقراطية” فإنه في الديمقراطية الانتخابية، “يكون الاقتراع واسع النطاق؛ وتتمكن المنظمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني من العمل بحرية؛ وتكون الانتخابات نظيفة ولا يشوبها أي تزوير أو مخالفات منهجية؛ وتؤثر الانتخابات على تكوين الرئيس التنفيذي للبلاد”.
“بين الانتخابات، هناك حرية تعبير ووسائل إعلام مستقلة قادرة على تقديم وجهات نظر بديلة حول المسائل ذات الأهمية السياسية”.
إلى جانب إسرائيل، كانت الدول التي تم خفض تصنيفها من ديمقراطيات ليبرالية إلى ديمقراطيات انتخابية هي البرتغال وقبرص وسلوفينيا. الدول التي حافظت على تصنيفها كديمقراطيات انتخابية في عام 2024 هي النمسا، اليونان، جامايكا، ليتوانيا، مالطا، مولدوفا، الجبل الأسود، ناميبيا، ترينيداد وتوباغو، وفانواتو.
ومن بين الدول التي حافظت على ترتيبها كديمقراطيات ليبرالية الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا وكوريا الجنوبية ونيوزيلندا. وفي الوقت نفسه، ارتقت كندا من تصنيف ديمقراطية انتخابية إلى ديمقراطية ليبرالية، كذلك فعلت سورينام في أمريكا الجنوبية.
وعلى الرغم من تراجع تصنيفها، ظلت إسرائيل في صدارة المنطقة، حيث احتلت المرتبة الأولى باعتبارها الديمقراطية الانتخابية الوحيدة في مجموعة دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتم إدراج جارتيها الأردن وسوريا على أنهما من الأنظمة الاستبدادية المغلقة، في حين كانت مصر ولبنان من الأنظمة الاستبدادية الانتخابية. وتم تقسيم الأراضي الفلسطينية إلى قسمين: غزة، التي تسيطر عليها حركة حماس، تم إدراجها على أنها دولة استبدادية مغلقة، في حين تم تصنيف الضفة الغربية، الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية، على أنها دولة استبدادية انتخابية.
في الأسبوع الماضي، نشر المعهد الإسرائيلي للديمقراطية الإسرائيلي مؤشر الديمقراطية لعام 2023، والذي وجد أن ثقة الجمهور في المؤسسات السياسية في البلاد قد انهارت إلى حد كبير. بحسب الاستطلاع السنوي للرأي العام فإن 30٪ فقط من اليهود الذين شملهم الاستطلاع في ديسمبر الماضي أعربوا عن ثقتهم في وسائل الإعلام؛ و23٪ في الحكومة (انخفاضا من 28٪ في يونيو)؛ و19٪ في الكنيست (مقارنة بـ 24٪).
في الأول من يناير، ألغت محكمة العدل العليا قانون الحد من المعقولية الذي مررته الحكومة، وأبطلت للمرة الأولى في تاريخ البلاد أحد قوانينها الأساسية شبه الدستورية.
كان هذا الحكم بمثابة تتويج لمعركة استمرت لمدة عام بين الحكومة والسلطة القضائية حول طبيعة إسرائيل الديمقراطية، ومسألة أي فرع من فروع الحكومة له كلمة الفصل في طابعها الدستوري.
وقبيل صدور الحكم، حذر وزير المالية بتسلئيل سموتريش، الذي يرأس حزب “الصهيونية المتدينة” اليميني المتطرف، المحكمة من أنها لا ينبغي لها أن “تجرؤ” على إلغاء الحكم، في حين اتهمت وزيرة المستوطنات أوريت ستروك، وهي عضو في حزبه، المحكمة بأنها تسعى لتشكيل “ديكتاتورية”. وكان رئيس الكنيست أمير أوحانا قد أشار إلى أن الائتلاف قد لا يقبل حكما ضد القانون، وبدا أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي لم يذكر علنا كيف سيتصرف، يدعم تصريحات أوحانا.
تم طرح قانون الحد من المعقولية بعد تراجع الحكومة عن تشريعات الإصلاح القضائي بعيدة المدى والمتطرفة التي قال العديد من علماء القانون إنها ستضر بشدة بالديمقراطية في إسرائيل، بما في ذلك قوانين كانت ستمنح الائتلاف الحاكم سيطرة شبه كاملة على جميع التعيينات القضائية تقريبا، وكان من شأنها أن تلغي بشكل شبه كامل المراجعة القضائية لتشريعات الكنيست.
وقام نتنياهو بتجميد هذه التشريعات في نهاية مارس 2023 في مواجهة اضطرابات مدنية شديدة واحتجاجات جماهيرية ورفض جنود احتياط الالتحاق بالخدمة العسكرية وتهديدات بتنظيم إضرابات على مستوى البلاد.
لكن قانون الحد من المعقولية، الذي تم إقراره في يوليو كتعديل لقانون أساس: القضاء، منع جميع المحاكم، بما في ذلك المحكمة العليا، من التداول والحكم ضد القرارات الحكومية والوزارية على أساس معيار المعقولية القضائي.
هذا المعيار يسمح للمحكمة العليا بإلغاء القرارات الحكومية والوزارية إذا رأت أن هناك مشاكل جوهرية في الاعتبارات المستخدمة في مثل هذه القرارات، أو الوزن الممنوح لتلك الاعتبارات.
وعلقت الحكومة إلى حد كبير جهودها لتمرير التعديلات القضائية في أعقاب الحرب التي اندلعت في 7 أكتوبر، عندما قادت حركة حماس هجوما عبر الحدود على إسرائيل، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، واختطاف 253 آخرين تم احتجازهم كرهائن في غزة.
وردت إسرائيل بحملة عسكرية لتدمير حماس وتحرير الرهائن. الآن، مع دخول المجهود الحرب شهره السادس، فلقد أوقفت الحرب إلى حد كبير تشريعات غير ذات صلة في الكنيست بينما يسعى القادة السياسيون إلى الوحدة وسط القتال.