إسرائيل تنتقد تقرير الأمم المتحدة الذي يتهمها بارتكاب ”أعمال إبادة جماعية“ في غزة
مسؤولون إسرائيليون وجماعات نسائية إسرائيلية يتهمون لجنة الأمم المتحدة بالتحيز ومعاداة السامية لادعائها بأن القوات الإسرائيلية ”دمرت عمدًا“ مركزًا للخصوبة وارتكبت أعمال عنف جنسي

نددت إسرائيل يوم الخميس بتقرير الأمم المتحدة الجديد الذي اتهمها بارتكاب ”أعمال إبادة جماعية“ ضد الفلسطينيين في الحرب التي بدأتها حماس في السابع من أكتوبر 2023 وزعم أن القوات الإسرائيلية دمرت بشكل منهجي مرافق الرعاية الصحية للنساء واستخدمت العنف الجنسي كاستراتيجية حرب، ووصفته بأنه ”فرية دم“.
وقد رفض رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والمنظمات النسائية وبعثة إسرائيل لدى الأمم المتحدة التقرير باعتباره لا أساس له من الصحة ومعادٍ للسامية، قائلين إنه حاول المساواة بين سلوك إسرائيل أثناء القتال في قطاع غزة وهجوم حماس الذي أشعل شرارة الحرب. ووصفت وزارة الخارجية هذا التقرير بأنه ”أحد أسوأ حالات فرية الدم التي شهدها العالم على الإطلاق“.
تم نشر التقرير يوم الخميس من قبل لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية وإسرائيل. وتشكلت هذه الهيئة المكونة من ثلاثة أشخاص في مايو 2021، في أعقاب جولة سابقة من الصراع في غزة، للتحقيق في الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان.
ووفقا للتقرير الصادر يوم الخميس، فإن إسرائيل ”هاجمت ودمرت عمدا“ مركز الخصوبة الرئيسي في غزة في الوقت الذي فرضت فيه حصارا على القطاع ومنعت المساعدات التي شملت الأدوية التي كانت تهدف إلى ضمان الحمل الآمن والولادة ورعاية الأطفال حديثي الولادة.
وجاء في التقرير أن ”السلطات الإسرائيلية دمرت جزئيًا القدرة الإنجابية للفلسطينيين في غزة كمجموعة، بما في ذلك من خلال فرض تدابير تهدف إلى منع الولادات، وهي إحدى فئات أعمال الإبادة الجماعية في نظام روما الأساسي واتفاقية الإبادة الجماعية“.
هذه الإجراءات المزعومة، بالإضافة إلى ما ذكره التقرير من ارتفاع في وفيات الأمومة بسبب تقييد الوصول إلى الإمدادات الطبية، ترقى إلى مستوى جريمة ضد الإنسانية تتمثل في الإبادة، حسبما ذكرت اللجنة.

وزعم التقرير أيضا أن القوات الإسرائيلية استخدمت التعرية العلنية القسرية والاعتداء الجنسي كجزء من الإجراءات التشغيلية المعتادة لمعاقبة الفلسطينيين في أعقاب اقتحام أكثر من 5 آلاف مسلح بقيادة حماس جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، وقيامهم بقتل نحو 1200 شخص واحتجاز 251 آخرين كرهائن. وقد قال مسؤولون إسرائيليون إن تفتيش المشتبه بهم عراة ضروري للتأكد من أنهم لا يخفون أسلحة أو أحزمة ناسفة تحت ملابسهم.
وفي رده على التقرير، وصف نتنياهو مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بأنه ”هيئة معادية للسامية وفاسدة وداعمة للإرهاب وغير ذات صلة“.
وقال في بيان: ”بدلًا من التركيز على الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي ارتكبتها منظمة حماس الإرهابية… تختار الأمم المتحدة مرة أخرى مهاجمة دولة إسرائيل باتهامات كاذبة“.
وقالت وزارة الخارجية إن التقرير يتساوى مع أكثر نظريات المؤامرة المعادية للسامية ضررا على مر التاريخ.
وجاء في بيان نشرته الوزارة على منصة X: ”إنه [التقرير] واحد من أسوأ حالات فرية الدم التي شهدها العالم (وقد شهد العالم الكثير منها)”، مضيفة أن التقرير “يتهم الضحايا بالجرائم التي ارتُكبت ضدهم. حماس هي المنظمة التي ارتكبت جرائم جنسية مروعة ضد الإسرائيليين. إنها بالفعل وثيقة سقيمة لا يمكن أن تصدرها سوى منظمة معادية للسامية مثل الأمم المتحدة”.

وقال سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة في جنيف، دانييل ميرون، لـ”تايمز أوف إسرائيل“ إن تقرير الأمم المتحدة ”هو مثال آخر على فرية الدم الذي تقوم بها جهات داخل الأمم المتحدة ضد إسرائيل في محاولة عقيمة لاتهامها بأعمال لم تُرتكب أبدا، بينما تصرف الأنظار عن جرائم الحرب التي ترتكبها المنظمات الإرهابية والدول التي تدعمها“.
وأضاف: ”بدلا من تلفيق الاتهامات، آن الأوان للأمم المتحدة أن تدين حماس صراحةً على أفعالها وأن تكشف في مناقشاتها عن العنف الجنسي المروع الذي ارتُكب ضد الإسرائيليين في 7 أكتوبر وما بعده“.
وقالت البعثة الدائمة لإسرائيل لدى الأمم المتحدة في جنيف في بيان صحفي إن لجنة التحقيق ”اعتمدت عمدا مستوى أدنى من التثبت في تقريرها، مما سمح لها بإدراج معلومات من مصادر منفردة غير مدعومة بالأدلة، وهذا يتنافى مع معايير ومنهجيات التحقق المعمول بها في الأمم المتحدة”.
واتهمت البعثة اللجنة بـ”أجندة سياسية محددة سلفًا ومنحازة… في محاولة وقحة لتجريم جيش الدفاع“.
#PressRelease Israel categorically rejects the unfounded allegations made by the Commission of Inquiry pic.twitter.com/R5RvIrEpdU
— Israel in UN/Geneva???????????????? | #BringThemHome (@IsraelinGeneva) March 12, 2025
وأكدت على أن ”لدى جيش الدفاع توجيهات ملموسة… وسياسات تحظر بشكل لا لبس فيه سوء السلوك هذا”، مضيفة أن عمليات المراجعة التي يجريها تتماشى مع المعايير الدولية.
يشير مصطلح ”فرية الدم“ إلى الاتهامات التاريخية بأن اليهود في أوروبا استخدموا الدم المسيحي لأغراض طقوسية. وكثيرًا ما أثارت هذه الاتهامات هجمات مميتة على اليهود. في السنوات الأخيرة، تستخدم إسرائيل والجماعات المؤيدة لها هذا المصطلح لانتقاد الادعاءات القاسية ضدها.
ووصف زعيم المعارضة يائير لبيد تقرير الأمم المتحدة بأنه ”وثيقة سقيمة ومعادية للسامية ومنفصلة عن الواقع“.
ونشر على منصة X: ”إن مؤسسات الأمم المتحدة في غزة هي قواعد الإرهاب التي خرجت منها حماس لتذبح المدنيين الإسرائيليين في بيوتهم وتغتصب النساء وتحرق الأطفال الرضع أحياء”.
ووصف لبيد التقرير بأنه ”محاولة كبيرة للتبييض، مدفوعا بكراهية اليهود“.
كما انتقدت المنظمات النسائية التقرير.
وقالت كوخاف إلكيام-ليفي، التي ترأس اللجنة المدنية المعنية بجرائم حماس ضد النساء والأطفال في السابع من أكتوبر، وهي هيئة مستقلة تسرد روايات العنف الجنسي ضد الضحايا في إسرائيل خلال هجوم حماس، إن التقرير يتبع نمط ”الجهود الرامية إلى خلق مقارنة زائفة بين إسرائيل وحماس، خاصة في سياق العنف الجنسي“.
وقالت في بيان ”للأسف، تكرر هذا النمط في مختلف هيئات الأمم المتحدة منذ السابع من أكتوبر”، مضيفة ”هذه المقارنة الأخلاقية مؤلمة وخاطئة لأن الغرض منها هو ترسيخ روايات تاريخية كاذبة وتلحق ضررًا لا يمكن إصلاحه بالضحايا وبالعدالة على حد سواء“.

وتابعت إلكيام-ليفي ”لطالما آمنا بالمؤسسات الدولية ومنظومة حقوق الإنسان، ولكن مثل هذه التصرفات التي تسعى إلى ترسيخ الروايات التاريخية الزائفة يجب أن تنتهي. نحن مدينون للضحايا بالحقيقة“.
وقالت حاغيت بئير، رئيسة مجموعة ”نعمات“ الإسرائيلية لحقوق المرأة، إن ”التقرير المشين يحاول تحويل الضحية إلى معتدٍ“ واتهمت المجموعات الدولية التي تناهض العنف الجنسي بتجاهل الضحايا الإسرائيليين واليهود.
وقالت ”تفوح من هذا التقرير رائحة معاداة سامية صارخة. هناك محاولة هنا لخلق واقع بديل ومقلوب فيما يتعلق بالمجزرة الجنسية التي ارتكبتها حماس ضد النساء والرجال الإسرائيليين، بينما تلتزم المؤسسات الدولية الصمت المطبق“.
تعرضت الأمم المتحدة، ومنظمتها النسائية على وجه الخصوص، لانتقادات شديدة من قبل إسرائيل لبطء استجابتها للأدلة على العنف الجنسي الذي مارسته حماس والذي ظهر بعد 7 أكتوبر. وقد استغرق الأمر ثمانية أسابيع حتى أدانت هيئة الأمم المتحدة للمرأة الهجمات قائلةً إنها تدين فظائع 7 أكتوبر و”تشعر بالجزع“ من التقارير بشأن العنف الجنسي.
وتقول وزارة الصحة التي تديرها حماس في غزة إن أكثر من 48 ألف فلسطيني في القطاع قُتلوا خلال الحرب، رغم أنه لا يمكن التحقق من هذه الحصيلة وهي لا تفرق بين المدنيين والمقاتلين. تقول إسرائيل إنها قتلت نحو 20 ألف مقاتل في المعركة حتى يناير و1600 مسلح آخر داخل إسرائيل خلال هجوم حماس.
كما تقول إسرائيل إنها سعت إلى تقليل الخسائر في صفوف المدنيين وتؤكد أن حماس تستخدم المدنيين في غزة كدروع بشرية، وتقاتل من مناطق مدنية بما في ذلك من المنازل والمستشفيات والمدارس والمساجد.

“تدابير تهدف إلى منع الولادات”
تعرّف اتفاقية الأمم المتحدة للإبادة الجماعية جريمة الإبادة الجماعية بأنها الأفعال المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو طائفية أو دينية.
ومن بين فئاتها الخمس، قالت لجنة التحقيق في اللجنة إن الفئتين اللتين تورطت فيهما إسرائيل هما ”تعمد إخضاع الجماعة لظروف معيشية تهدف إلى تدميرها المادي“ و”فرض تدابير تهدف إلى منع الإنجاب داخل الجماعة“.
وقالت نافي بيلاي، رئيسة اللجنة، في بيان لها: ”لم تتسبب هذه الانتهاكات بأضرار ومعاناة جسدية ونفسية فورية شديدة ومباشرة للنساء والفتيات فحسب، بل تسببت أيضًا بآثار لا يمكن تداركها على المدى الطويل على الصحة النفسية وآفاق الإنجاب والخصوبة للفلسطينيين كمجموعة“.
عملت بيلاي، وهي حقوقية من جنوب أفريقيا ومفوضة الأمم المتحدة السابقة لحقوق الإنسان، كقاضية في المحكمة الجنائية الدولية وترأست المحكمة الجنائية الدولية لرواندا.

وقال التقرير إن مستشفيات وأقسام الولادة دُمرت بشكل منهجي في غزة، إلى جانب مركز “البسمة” لأطفال الأنابيب، وهو عيادة الإخصاب الأنبوبي الرئيسية في القطاع.
تعرض “البسمة” للقصف في ديسمبر 2023، وفقا للتقرير الذي استند كما يبدو على مزاعم مدير المركز بشأن حجم الأضرار بعد أربعة أشهر من ذلك، مما أدى إلى تدمير حوالي 4 آلاف من الأجنة في العيادة التي كانت تخدم ما بين 2000 إلى 3000 مريض شهريا. وردا على هذه الادعاءات، أكد الجيش الإسرائيلي مجددًا أنه ”لا يستهدف عمدا البنية التحتية المدنية، بما في ذلك عيادات التلقيح الصناعي“.
وقالت اللجنة إنها وجدت أن قوات الأمن الإسرائيلية هاجمت العيادة ودمرتها عمدًا، بما في ذلك جميع المواد الإنجابية المخزنة من أجل الحمل المستقبلي للفلسطينيين.
وادعت اللجنة أنها لم تجد أي دليل موثوق على استخدام المبنى لأغراض عسكرية.
وخلصت إلى أن التدمير ”كان إجراءً يهدف إلى منع الولادات بين الفلسطينيين في غزة، وهو ما يعد عملًا من أعمال الإبادة الجماعية“.
وعلاوة على ذلك، قال التقرير إن الضرر الأوسع نطاقًا الذي لحق بالأمهات الحوامل والمرضعات والأمهات الجدد في غزة كان على ”نطاق غير مسبوق“، مع تأثير مزعوم لا يمكن إصلاحه على الآفاق الإنجابية لسكان غزة.
وأعلنت اللجنة أن مثل هذه الأفعال الأساسية ”ترقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية“ ومحاولة تدمير الفلسطينيين كمجموعة بشكل متعمد.

“إبادة”
وجاء هذا التقرير بعد أن عقدت اللجنة جلسات استماع علنية في جنيف يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، حيث استمعت إلى ضحايا وشهود على العنف الجنسي المزعوم.
وزعمت اللجنة أن إسرائيل استهدفت النساء والفتيات المدنيات بشكل مباشر، ”وهي أعمال تشكل جريمة ضد الإنسانية تتمثل في القتل وجريمة حرب تتمثل في القتل العمد“.
وأضافت أن النساء والفتيات توفين أيضًا بسبب المضاعفات المتعلقة بالحمل والولادة نتيجة للشروط التي تفرضها السلطات الإسرائيلية والتي تؤثر على إمكانية الوصول إلى الرعاية الصحية الإنجابية، ”وهي أفعال ترقى إلى مستوى جريمة ضد الإنسانية تتمثل في الإبادة“.
وزعمت اللجنة كذلك أن التعري والتعرية العلنية القسرية، والتحرش الجنسي بما في ذلك التهديد بالاغتصاب، وكذلك الاعتداء الجنسي، تشكل جزءًا من ”الإجراءات التشغيلية المعتادة“ للقوات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين.
في مارس 2024، قالت الممثلة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالعنف الجنسي في حالات النزاع إن هناك أسبابًا معقولة لاستنتاج أن الضحايا في إسرائيل تعرضن للاغتصاب وأشكال أخرى من العنف الجنسي من قبل الفلسطينيين خلال هجوم 7 أكتوبر. كما أبلغت رهينة واحدة على الأقل من الرهائن المحررات عن تعرضها للاغتصاب من قبل آسريها، وروت أخريات عن تعرضهن للتحرش والاعتداء الجنسي أثناء الأسر.

إسرائيل طرف في اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية، وقد أمرتها محكمة العدل الدولية في يناير 2024 باتخاذ إجراءات لمنع أعمال الإبادة الجماعية خلال الحرب ضد حماس.
ومع ذلك، فإن إسرائيل ليست طرفًا في نظام روما الأساسي، الذي يمنح المحكمة الجنائية الدولية صلاحية البت في القضايا الجنائية الفردية التي تنطوي على الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية.
وقد رفعت جنوب أفريقيا قضية إبادة جماعية ضد أفعال إسرائيل في غزة أمام محكمة العدل الدولية. وقد نفت إسرائيل هذه التهمة بغضب.