“علينا أن نكون قلقين”: المخاطر التي تواجهها إسرائيل في لاهاي في قضية “الإبادة الجماعية” في غزة
الخبراء يحذرون من أن عتبة "المقبولية" في الإجراءات الأولية منخفض للغاية، في حين أن التصريحات التحريضية لوزراء في الحكومة مكنت جنوب أفريقيا من الادعاء بأن لدى إسرائيل نية ارتكاب جريمة إبادة جماعية
ستجد إسرائيل نفسها يوم الخميس لأول مرة في تاريخها في قفص الاتهام في محكمة العدل الدولية في لاهاي – بتهمة الابادة الجماعية.
على الرغم من أن فكرة قيام إسرائيل بارتكاب جريمة إبادة جماعية في الحرب بغزة، وهو ما يعني قتل المدنيين الفلسطينيين عمدا، قد تبدو غريبة للبعض، فإن المزاعم جدية للغاية وحتى صدور حكم مؤقت ضد إسرائيل قد يكون له تأثير شديد على مكانتها الدولية، مع ما قد يترتب من ذلك من عواقب دبلوماسية وسياسية وخيمة.
صدور حكم ضد إسرائيل قد يؤثر حتى على سير الحرب الجارية ضد نظام حركة حماس في غزة.
إحصل على تايمز أوف إسرائيل ألنشرة أليومية على بريدك الخاص ولا تفوت المقالات الحصرية آلتسجيل مجانا!
ويزعم الطلب المقدم من جنوب أفريقيا إلى محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل أن الدولة اليهودية انتهكت اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، التي وقّعت عليها. ويستشهد التقرير بالعدد الكبير من المدنيين الفلسطينيين الذين قُتلوا خلال الحرب، وصعوبة الحصول على الغذاء والماء والرعاية الطبية لسكان غزة، وهو ما تزعم جنوب أفريقيا أنه نتيجة لجهود إسرائيلية مخطط لها لارتكاب جريمة إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة.
التصريحات التحريضية التي أدلى بها بعض وزراء الحكومة الإسرائيلية بشأن الفلسطينيين في غزة قد أعطت منصة للادعاء بأن لدولة إسرائيل النية في ارتكاب جريمة حرب، وهو جانب حاسم في أي اتهامات بالإبادة الجماعية.
على الرغم من أن صدور الحكم النهائي قد يستغرق سنوات، فإن جنوب أفريقيا طلبت من المحكمة إصدار أوامر مؤقتة ضد إسرائيل يمكن أن تترواح بين مطالبتها بوقف شامل وفوري لإطلاق النار – وهو ما تعارضه إسرائيل والولايات المتحدة بشدة لأنه لم يتم تفكيك حماس بعد – وأوامر أكثر اعتدالا مثل التأكيد على السماح بدخول مساعدات انسانية بكميات أكبر.
ولكن سيكون الحكم المؤقت ذاته، وهو أن هناك حتى معقولية لادعاءات جنوب أفريقيا، هو الأكثر ضررا لمكانة إسرائيل.
بشكل حاسم بالنسبة لدولة إسرائيل فإن العتبة لإثبات معقولية ارتكاب جريمة إبادة جماعية أدنى بكثير من الفصل النهائي والحاسم، وهذا يضع الدولة اليهودية أمام مخاطر محتملة. بداية، من المؤكد أنه سيكون من الصعب على الولايات المتحدة، وأي دولة أخرى تميل إلى الوقوف إلى جانب إسرائيل، أن تفعل ذلك إذا خلصت محكمة العدل الدولية إلى أن الدولة اليهودية قد تكون ترتكب جريمة إبادة جماعية.
القضية أمام المحكمة
ما الذي أدى إلى هذه اللحظة غير المسبوقة والمثيرة للقلق في تاريخ إسرائيل؟
في 7 أكتوبر، اقتحم آلاف المسلحين بقيادة حركة حماس الحدود إلى داخل الأراضي الإسرائيلية من غزة وقتلوا حوالي 1200 شخص، الغالبية العظمى منهم من المدنيين، وارتكبوا في الوقت نفسه فظائع مروعة شملت جرائم اغتصاب جماعي وتعذيب وجرائم أخرى.
كما احتجز المسلحون نحو 240 شخصا، 132 منهم ما زالوا في الأسر، ولكن ليس جميعهم على قيد الحياة.
في أعقاب الهجوم، أعلنت إسرائيل الحرب على غزة بهدف القضاء على حماس وقدرتها على تهديد أمن إسرائيل وإطلاق سراح الرهائن. في هذه الحملة العسكرية، يواجه الجيش الإسرائيلي وضعا تضع فيه حماس مقاتليها وتبني منشآتها العسكرية داخل البنى التحتية المدنية لغزة، بما في ذلك في المستشفيات والمدارس والمساجد والمنازل.
وتقول وزارة الصحة التي تديرها حماس في غزة إن أكثر من 23 ألف شخص قُتلوا منذ بداية الحرب، إلا أنه لا يمكن التحقق من هذه الأرقام بشكل مستقل، ويُعتقد أنها تشمل مدنيين ومقاتلين، بعضهم نتيجة صواريخ طائشة تطلقها الفصائل المسلحة الفلسطينية. ويقول الجيش الإسرائيلي إنه قتل أكثر من 8500 من مقاتلي حماس في غزة، بالإضافة إلى حوالي 1000 مسلح داخل إسرائيل في 7 أكتوبر.
وتزعم جنوب أفريقيا في طلبها أمام محكمة العدل الدولية أن إسرائيل انتهكت عدة مواد من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها – التي وقّعت عليها الدولة اليهودية – خلال الحرب، بما في ذلك ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، والتحريض على الإبادة الجماعية، ومحاولة ارتكاب جرائم إبادة جماعية، والفشل في المعاقبة على التحريض على الإبادة الجماعية.
وتزعم أن 70٪ من الضحايا في غزة هم من النساء والأطفال، وتورد في طلبها تفاصيل القصف الجوي المكثف لغزة الذي يقوم به سلاح الجو الإسرائيلي واستخدامه لقنابل كبيرة وغير موجهة في بعض الأحيان.
ويشير التقرير أيضا إلى “تقارير عن أشخاص عزل… يُقتلون بالرصاص بمجرد رؤيتهم”، مع الإشارة إلى الحادث الذي وقع في ديسمبر والذي قُتل فيه ثلاث رهائن إسرائيليين تمكنوا من الفرار من خاطفيهم بنيران قوات الجيش الإسرائيلي على الرغم من أنهم كانوا يلوحون بالأعلام البيضاء.
وتفصل الوثيقة أيضا الصعوبة التي يواجهها سكان غزة في الحصول على الغذاء والمياه والعلاج الطبي نتيجة للحرب والسياسات الإسرائيلية فيما يتعلق بدخول هذه المواد والوقود إلى قطاع غزة.
وتعرض جنوب أفريقيا في طلبها ما تعتبره تصريحات مثيرة للجدل للغاية لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف غالانت، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، وجميعهم أعضاء في المجلس الوزاري الأمني المصغر الذي يتخذ القرارات السياسية بشأن الحرب. ويزعم الطلب أن هذه التصريحات إما تجرد الفلسطينيين من إنسانيتهم، أو تهدد بشن هجمات عشوائية على غزة، أو يمكن فهمها على أنها تهديد للمدنيين في غزة.
وجاء في الطلب أن “الأفعال والتجاوزات الصادرة عن إسرائيل والتي اشتكت بشأنها جنوب أفريقيا هي ذات طابع إبادة جماعية لأنها تهدف إلى تدمير جزء كبير من المجموعة الوطنية والعرقية والإثنية الفلسطينية”.
في مجمل صفحاته البالغ عددها 84 صفحة، لا يشير طلب جنوب أفريقيا إلى ممارسة حماس الموثقة المتمثلة في دمج منشآتها العسكرية ومقاتليها في جميع جوانب البنية التحتية المدنية في غزة، بما في ذلك المستشفيات والمساجد والمدارس والمنازل ومرافق الأمم المتحدة وغيرها من المواقع المماثلة، حتى عند ذكر الهجمات الإسرائيلية على هذه البنى التحتية.
شبكة أنفاق حماس الواسعة، التي يقع جزء كبير منها تحت مواقع مدنية وتُستخدم بشكل حصري لأغراض عسكرية، مذكورة مرة واحد فقط – وفقط بهدف إثارة المخاوف بشأن التأثير البيئي على إغراق مثل هذه الأنفاق، وهو ما فعتله إسرائيل.
الفريق القانوني الذي يمثل إسرائيل لا يتحدث إلى وسائل الإعلام، كما التزمت وزارة العدل والوكالات الإسرائيلية الأخرى ذات الصلة الصمت بشأن الخط الذي سيتخذه الدفاع.
ولكن يبدو من المرجح أن الممثل القانوني الرئيسي لإسرائيل في قاعة محكمة العدل الدولية في لاهاي، المحامي البريطاني مالكوم شو، سيجادل بأن الخسائر في صفوف المدنيين هي نتيجة غير مقصودة لهدف إسرائيل الحربي المتمثل في تدمير حماس ولحقيقة أن الحركة رسخت منشآتها العسكرية ومقاتليها بعمق بين السكان المدنيين والبنية التحتية في غزة.
وربما سيشير الدفاع أيضا إلى ملايين المنشورات التي أسقطها الجيش الإسرائيلي على مناطق غزة التي استهدفها، وعشرات الآلاف من المكالمات الهاتفية والرسائل النصية التي أجراها، والتي تطلب من المدنيين الإخلاء.
وقد تم اتخاذ هذه التدابير من أجل الامتثال للمتطلبات المنصوص عليها في قوانين النزاعات المسلحة لتحذير المدنيين بشكل مناسب في منطقة القتال من الخطر الوشيك على حياتهم.
ومن المرجح أن يقال إن التصريحات التي أدلى بها الوزراء في المجلس الوزراي الأمني الإسرائيلي إما تم إخراجها من سياقها، ولم تكن موجهة إلى السكان المدنيين الفلسطينيين وإنما إلى قادة حماس ومقاتليها، أو لم تنعكس في سلوك الجيش الإسرائيلي.
مخاطر قانونية
إذن ما هو احتمال أن تصدر محكمة العدل الدولية حكما ضد إسرائيل؟
إن الإجراءات الأولية التي ستعقد يومي الخميس والجمعة ستتعامل مع طلب جنوب أفريقيا من المحكمة أن تأمر باتخاذ إجراءات مؤقتة ضد إسرائيل على أساس تهم الإبادة الجماعية.
يقول البروفيسور إلياف ليبلي، من كلية الحقوق بجامعة تل أبيب، إن اتخاذ قرار من هذا النوع لا يتطلب حكما حاسما بأن إسرائيل مذنبة بارتكاب جريمة إبادة جماعية، بل أن تعتبر المحكمة أن الادعاءات “معقولة”.
وقال ليبليخ “إنها عتبة أدلة منخفضة؛ عليك فقط أن تظهر بصورة أولية أن ما تقوله معقول”.
وقال ليبليخ إن طلب جنوب أفريقيا باتخاذ تدابير مؤقتة يدور إلى حد كبير حول تصريحات السياسيين، بالإضافة إلى مقاطع الفيديو المختلفة التي صورها جنود الجيش الإسرائيلي في غزة والتي يدلون فيها بتعليقات تحريضية ضد الفلسطينيين.
ومن بين أكثر التصريحات التحريضية التي أدلى بها كبار السياسيين الإسرائيليين تصريحات نتنياهو في 28 أكتوبر التي أشار فيها إلى العدو التوراتي لبني إسرائيل القدماء، قائلا: “اذكر ما فعله بك عماليق، يقول كتابنا المقدس. ونحن نتذكر”، ولقد أشارت جنوب أفريقيا في طلبها إلى هذا التصريح، بالإضافة إلى آية من سفر صموئيل الأول تأمر بني إسرائيل بقتل جميع رجال ونساء وأطفال عماليق.
لكن في الخطاب نفسه، أصر نتنياهو على أن “الجيش الإسرائيلي يفعل كل شيء لتجنب إيذاء غير المقاتلين”، وقال إنه “يدعو السكان المدنيين إلى الإخلاء” إلى مناطق آمنة في غزة.
كما أشارت جنوب أفريقيا في طلبها إلى وصف نتنياهو للحرب في خطاب آخر بأنها بين “أبناء النور وأبناء الظلام”، وهو ما وصفته بأنه “تجريد من الانسانية”.
وأشارت جنوب أفريقيا أيضا إلى تصريح غالانت بأن إسرائيل “تحارب حيوانات بشرية” و”سوف تتصرف وفقا لذلك”، بالإضافة إلى تصريح سموتريش عندما قال “نحن بحاجة إلى توجيه ضربة لم نشهدها منذ 50 عاما والقضاء على غزة”.
وأشارت كذلك إلى تصريح بن غفير: “عندما نقول أنه يجب تدمير حماس، فهذا يعني أيضا أولئك الذين يحتفلون، وأولئك الذين يدعمون، وأولئك الذين يوزعون الحلوى – كلهم إرهابيون، ويجب تدميرهم أيضا”.
كما أشارت إلى الاقتراح الشهير لوزير التراث عميحاي إلياهو الذي قال إن إسرائيل تدرس استخدام قنبلة نووية في غزة، وتصريحه بأنه “لا يوجد هناك شيء اسمه مدنيين غير متورطين في القتال في غزة”.
ويصف ليبليخ هذه التعليقات المختلفة بأنها تصريحات “متهورة” و”غير مسؤولة” لم يكن ينبغي الإدلاء بها على الإطلاق، والتي أوقعت إسرائيل الآن في قدر كبير من المتاعب بسبب شرط إثبات النية في اتهامات الإبادة الجماعية.
وقال: “لو لم تكن هذه التعليقات قد قيلت، لما كان هناك أساس نية لهذه القضية”.
وقال البروفيسور إن الدفاع القانوني الإسرائيلي سوف يخوض “صراعا شاقا” حيث سيتعين عليه إقناع المحكمة بأن رئيس الوزراء والوزراء الآخرين في الحكومة لم يقصدوا ما قالوا وأن كلماتهم لا تعكس ما حدث بالفعل على الأرض في غزة.
وفي حالة وزراء مثل إلياهو، وكذلك بعض أفراد الجيش وأعضاء الكنيست الذين أدلوا أيضا بتصريحات تحريضية، فمن المرجح أن يشير فريق الدفاع إلى حقيقة أنهم ليسوا أعضاء في المجلس الوزاري الأمني المصغر، وبالتالي ليس لديهم سيطرة على سياسات الحرب الإسرائيلية، وأن تصريحاتهم بالتالي لا أهمية لها في اتهامات الإبادة الجماعية.
ومن المرجح أيضا أن يتم الاستشهاد في الدفاع بالخطوات التي اتخذها الجيش الإسرائيلي لتجنب وقوع إصابات بين المدنيين، بما في ذلك التدريب على يد خبراء في القانون الدولي والإشراف على عمليات الجيش الإسرائيلي من قبل مسؤولين قانونيين في الجيش الإسرائيلي، فضلا عن التحذيرات بالإخلاء.
محاكمة عادلة؟
أحد العناصر الحاسمة في إجراءات محكمة العدل الدولية هو ما إذا كان بإمكان إسرائيل الحصول على محاكمة عادلة.
يتم تعيين القضاة الدائمين الخمسة عشر الذين يعملون في المحكمة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهم ينتمون إلى بلدان ذات مستويات مختلفة بشكل كبير من الاستقلال القضائي.
رئيسة المحكمة هي القاضية جوان دونوهيو من الولايات المتحدة، ويأتي قضاة آخرون من دول ديمقراطية مثل فرنسا وألمانيا وأستراليا والهند وسلوفاكيا وجامايكا واليابان والبرازيل.
وسترسل كل من جنوب أفريقيا وإسرائيل قاضيين تم ترشيحهما كعضوين مؤقتين في الهيئة التي تنظر في القضية. القاضي الذي سيمثل إسرائيل هو رئيس المحكمة العليا الأسبق أهارون باراك.
لكن القضاة الآخرين يأتون من روسيا والصين والمغرب والصومال ولبنان وأوغندا، وكلها إما أنظمة استبدادية أو ديمقراطيات معيبة للغاية، حيث يكون استقلال القضاء عن القيادة السياسية لتلك البلدان مشكوكا فيه، على أقل تقدير، على حد قول البروفيسور روبي سابيل من كلية الحقوق في الجامعة العبرية.
وقال سابيل: “إذا كانت [إجراءات محكمة العدل الدولية] قانونية تماما، فلن يكون من الممكن القول بأن هذه إبادة جماعية”.
وتابع: “لكن بما أن هناك كتلة من القضاة المناهضين لإسرائيل، فيجب أن نكون قلقين”، معتبرا أن اختيار القضاة في الجمعية العامة للأمم المتحدة هو أمر سياسي، مشيرا إلى أنه لم يتم انتخاب أي قاض إسرائيلي في المحكمة على الإطلاق.
وزعم سابيل أنه إذا أرادت إسرائيل ارتكاب جريمة إبادة جماعية ضد سكان غزة، لكان من الممكن أن تتسبب في خسائر أكبر بكثير في صفوف المدنيين نظر لقوة الجيش، وذلك بالإضافة إلى الجهود التي يبذلها الجيش الإسرائيلي لتجنب مثل هذه الخسائر والمساعدات الإنسانية التي سمحت إسرائيل بدخولها إلى المنطقة، وأضاف أن”محكمة محايدة” لا يمكنها تحديد ما إذا كان من المعقول أن إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية.
كما يرى البروفيسور عميحاي كوهين، الخبير في القانون الدولي للنزاعات المسلحة في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، فكرة أن ياتي بعض القضاة من دول يُعتبر فيها الاستقلال القضائي دون المستوى المطلوب مزعجة.
لكنه أشار إلى أن الصين وروسيا، على الرغم من أنهما لا تكنان مشاعر ود تجاه إسرائيل دبلوماسيا، إلا أنهما من المرجح أن تكونا حذرتين بشأن الإجراءات المتعلقة بالإبادة الجماعية في محكمة العدل الدولية نظرا لأنهما متهمتان بارتكاب أعمال إبادة جماعية في السنوات الأخيرة.
هناك حاليا قضية معلقة ضد روسيا في محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب جريمة إبادة جماعية بسبب أفعالها أثناء غزوها واحتلالها لأجزاء من أوكرانيا، في حين واجهت الصين ادعاءات، وإن لم تكن في محكمة العدل الدولية بعد، بأنها ارتكبت أعمال إبادة جماعية ضد أقلية الأويغور المسلمة.
وقال كوهين: “إن غالبية القضاة لا يمثلون بالضرورة مصالح دولهم، بل يمثلون القانون الدولي… ولهذا السبب تتعاون إسرائيل مع المحكمة”.
وفيما يتعلق بالاتهامات نفسها، قال كوهين إنه نظرا لأن أفعال إسرائيل وآثارها في غزة يمكن تفسيرها بطريقة أخرى غير النية لارتكاب إبادة جماعية – أي محاولة تحييد التهديد العسكري لحماس – فقد يكون من الممكن إقناع المحكمة بأن الادعاءات خاطئة.
وقال كوهين “لا يحتوي هذا الادعاء على كثير من المضمون؛ إسرائيل ليست حتى قريبة من ارتكاب جريمة إبادة جماعية”.
ومع ذلك، فقد يتفق سابيل مع ليبليخ في أن التصريحات التي أدلى بها كبار الوزراء الإسرائيليين جعلت من الأسهل بكثير على جنوب أفريقيا رفع قضيتها إلى محكمة العدل الدولية، كما وصف أولئك الذين أدلوا بمثل هذه التصريحات بأنهم “غير مسؤولين على الإطلاق” وقال إنهم تسببوا بضرر كبير لإسرائيل.
وأشار البروفيسور أيضا إلى أنه حتى لو لم تجد المحكمة أن هناك معقولية لاتهام إسرائيل بارتكاب جريمة إبادة جماعية، فإنها يمكن أن تجدها مذنبة بالتحريض على الإبادة الجماعية والفشل في معاقبة هذا التحريض، وكلاهما انتهاك لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية.
وقال كوهين إنه يعتقد أنه “من غير المحتمل” أن تأمر المحكمة إسرائيل بوقف عملياتها القتالية، مضيفا إن مسألة التحريض قد تكون محور أي إجراءات مؤقتة قد تأمر بها المحكمة.
التداعيات القانونية والدبلوماسية والسياسية المحتملة
إذا وجدت محكمة العدل الدولية أن هناك معقولية في ادعاءات جنوب أفريقيا بشأن الإبادة الجماعية، فيمكنها نظريا أن تأمر بسلسلة من الإجراءات ضد إسرائيل، بما في ذلك وقف العمليات القتالية، وزيادة المساعدات الإنسانية وإمدادات الوقود إلى غزة، واتخاذ إجراءات ضد أولئك الذين تعتبر أنهم يحرضون على الإبادة الجماعية.
ولا توجد تدابير تنفيذية تحت تصرف المحكمة، ولكن إذا رفضت إسرائيل الامتثال لأوامر المحكمة، فمن الممكن إحالة القضية إلى مجلس الأمن الدولي، وهو المخول بفرض عقوبات بمختلف أنواعها.
ويمكن أن تشمل هذه العقوبات عقوبات تجارية أو حظر توريد الأسلحة أو غيرها من الإجراءات العقابية.
يرى سابيل، من الجامعة العبرية، أن الولايات المتحدة، العضو الدائم في مجلس الأمن، من المرجح أن تستخدم حق النقض (الفيتو) ضد مثل هذه العقوبات. يوم الثلاثاء، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في تل أبيب إن تهمة الإبادة الجماعية التي وجهتها جنوب أفريقيا لإسرائيل في محكمة العدل الدولية “لا أساس لها من الصحة”، ووصفها بأنها “مزعجة بشكل خاص” لأن “حماس وحزب الله والحوثيين وإيران الداعمة لهم يواصلون الدعوة علنا إلى إبادة إسرائيل والقتل الجماعي لليهود”.
وأشار إلى أنه لا توجد آثار جنائية لحكم محكمة العدل الدولية لأن محكمة العدل الدولية ليست محكمة جنائية. وقال إن التأثير الأساسي لأي قرار ضد إسرائيل سيكون على مكانتها الدولية.
وقال بامتعاض “سيكون ذلك بمثابة وصمة تلطخ سمعتنا، ولن تضيف إلى صحتنا الدبلوماسية”.
وأدلى ليبليخ بتعليقات مماثلة، قائلا إن الحكم بأنه “من المعقول” أن تكون إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية سيكون “نتيجة خطيرة للغاية” ذات آثار سياسية خطيرة.
وكان البروفيسور أقل تفاؤلا بشأن رد فعل الولايات المتحدة على مثل هذا الحكم، مشيرا إلى أن الرئيس الأمريكي جو بايدن سيوضع في موقف صعب بسبب الجناح التقدمي في حزبه الديمقراطي.
ومن الممكن أن تكون هناك اعتراضات شديدة داخل حزبه على مبيعات الأسلحة الأمريكية المستمرة لإسرائيل والدعم الدبلوماسي الذي تقدمه إدارة بايدن لإسرائيل، فضلا عن الغطاء السياسي الذي تقدمه لها في مجلس الأمن.
وقال ليبليخ “هذه قصة كبير. ينبغي أن يعطي بعض الأشخاص أجوبة حول سبب عدم توقع أحد لهذه [القضية]، وكيف أن [البعض في] الحكومة تصرفوا بهذه الطريقة غير المسؤولة والمتهورة”.