على الرغم من آمال حماس ومخاوف بايدن، فإن شهر رمضان لم ينقل حرب غزة إلى القدس
مسؤولون يقولون إن الفلسطينيين غير معنيين بالاستجابة لدعوات حماس لـ"شد الرحال" إلى الأقصى، حيث تم منع بن غفير من ممارسة نفوذه وحيث لعب الأردن دورا في تحقيق الاستقرار
في الأيام التي سبقت شهر رمضان، وجه رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، دعوة للفلسطينيين دقت ناقوس الخطر في واشنطن.
وقال هنية في 28 فبراير: “نداء لأهلنا في القدس والضفة الغربية أن يشدوا الرحال إلى الأقصى منذ أول يوم في رمضان”، مصمما على ما يبدو إضفاء معنى أكبر لعملية “طوفان الأقصى”، وهو الاسم الذي أطلقته الحركة على هجمات السابع من أكتوبر على إسرائيل.
وبعد عدة أيام، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن للصحفيين: “يجب أن يكون هناك وقف لإطلاق النار، لأنه [إذا] وصلنا إلى وضع تستمر فيها هذه [الحرب] خلال رمضان… فإن القدس يمكن أن [تصبح] خطيرة للغاية”.
إحصل على تايمز أوف إسرائيل ألنشرة أليومية على بريدك الخاص ولا تفوت المقالات الحصرية آلتسجيل مجانا!
ومع ذلك، انتهى هذا الأسبوع أحد أكثر أشهر رمضان هدوءا في القدس منذ سنوات، رغم احتدام الحرب في غزة.
لقد تدفق الفلسطينيون إلى الأقصى بكل تأكيد، حيث حضر ما متوسطه 100 ألف شخص كل صلاة من صلوات الجمعة الرمضانية الأربع. لكن الأغلبية الساحقة فعلت ذلك من أجل المشاركة في الصلاة بشكل سلمي.
لم تكن هناك مشاهد لاقتحام الشرطة الإسرائيلية للحرم القدسي لكبح المحتجين المتحصنين داخلها، كما كان الحال في السنوات الأخيرة، بما في ذلك في الفترة التي سبقت حرب غزة الأخيرة في مايو 2021.
وأشار المسؤولون الحكوميون والمحللون الذين تحدثوا مع “تايمز أوف إسرائيل” إلى سلسلة من العوامل التي ساعدت في تفسير سبب تمكن المدينة المضطربة من تحدي آمال هنية ومخاوف بايدن، بما في ذلك درجة محدودة من الدعم النشط لحماس بين الفلسطينيين أقل مما كان متوقعا؛ وتهميش وزير الأمن القومي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير خلال الاستعدادات الأمنية الإسرائيلية للشهر الفضيل؛ والتعاون من الأردن، مما ساعد على تعزيز الهدوء في الحرم القدسي.
قدرة الفلسطينيين على التصرف بشكل مستقل
أشار داني سيدمان، الذي يرأس معهد أبحاث القدس الدنيوية، إلى أن القدس الشرقية لم تشهد الكثير من العنف في الأشهر التي سبقت شهر رمضان أيضا، على الرغم مما قال إنها جهود من جانب حماس وبعض أعضاء الحكومة الإسرائيلية المتشددة لإثارة التوترات.
وقال سيدمان: “خلال هذه الحرب، رأينا المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل يبتعدون طوعا عن جبل الهيكل [التسمية اليهودية للحرم القدسي] حتى شهر رمضان”، مقارنا ذلك بحرب غزة في مايو 2021، عندما تم نقل عشرات الآلاف من مواطني إسرائيل العرب بالحافلات إلى القدس الشرقية من أجل المشاركة في الصلاة في الأقصى والانضمام إلى المشاهد القومية الفلسطينية في الحرم القدسي.
“لقد كانت القدس هادئة لأن الفلسطينيين في القدس الشرقية قرروا أنهم يريدون الهدوء – وأن هذا ليس الوقت المناسب”.
وأكد قائلا: “من المهم أن نذكر قدرتهم على التصرف بشكل مستقل، لأن البعض يصورونهم كما لو أنهم أغراض. إذا قمنا بوخزهم في المكان الخطأ فسوف ينفجرون – لا”.
وأقر الخبير في شؤون القدس بأن “هناك قدرا كبيرا من التعاطف مع حماس بين الفلسطينيين في القدس الشرقية” ولكن هناك “دعم قليل جدا، وهناك فرق بين الإثنين”.
وقدم مسؤول أمني إسرائيلي تقييما مماثلا، مشيرا إلى أن التنبيهات الأمنية انخفضت على جانبي الخط الأخضر خلال شهر رمضان.
وقال المسؤول، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن اسمه، “قد يتعاطف الفلسطينيون مع نضال حماس – ويرجع ذلك جزئيا لأنه تم تحصينهم من رؤية ما فعتله الحركة بسبب شبكات مثل الجزيرة – ولكن حتى في الضفة الغربية، حيث الدعم لحماس أعلى، لم نر فلسطينيين ينضمون إلى الصراع لأن قليلين منهم يريدون دفع الثمن الذي يدفعه من يتواجد في غزة الآن”.
تهميش بن غفير
كما نسب المسؤولون الإسرائيليون الفضل في الهدوء الذي شهده شهر رمضان إلى عملية صنع القرار التي اتخذتها الحكومة في الفترة التي سبقته، حتى لو استغرق الأمر بعض الوقت للوصول إلى هذه القرارات.
أثار بن غفير قلقا كبيرا في الفترة التي سبقت الشهر الفضيل من خلال دعوته ليس فقط إلى منع الفلسطينيين من الضفة الغربية من زيارة الحرم القدسي، ولكن فرض قيود على دخول مواطني إسرائيل العرب أيضا.
في البداية تردد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بشأن ما إذا كان سيستجيب لتوصية الوزير اليميني المتطرف، حيث أشارت تسريبات من جلسات المجلس الوزاري الأمني المصغر (الكابينت) في البداية إلى أنه قد يفعل ذلك.
وقال المسؤول الأمني الإسرائيلي إن ما تلا ذلك كان ضغوطا كبيرة من إدارة بايدن، التي كانت تخشى أن يقوم بن غفير بزيارة الحرم القدسي بنفسه في خطوة توقعت واشنطن أنها قد تفجر التوترات الإقليمية المشتعلة بالفعل.
وبينما اعتمدت الولايات المتحدة على الوزير في كابينت الحرب بيني غانتس، أملا منها في أن ينجح في إقناع بقية أعضاء المنتدى بكبح جماح بن غفير، كان الضغط من رؤساء المؤسسة الأمنية الإسرائيلية في نهاية المطاف هو الذي نجح في الأساس في ضمان أن تكون سياسات إسرائيل المتعلقة بشهر رمضان في الحرم القدسي اكثر اتزانا، حسبما قال مسؤول أمريكي.
ونسب مسؤول إسرائيلي كبير الفضل إلى الاستعدادات الكبيرة التي قامت بها المؤسسة الأمنية، والتي سمحت لأعداد متزايدة من دخول الحرم القدسي مع مرور كل أسبوع من شهر رمضان دون وقوع حوادث كبيرة.
وقال المسؤول الأمني الإسرائيلي إنه تم تنفيذ عدد قليل من الاعتقالات على مدار الشهر، بما في ذلك العديد من الفلسطينيين الذين قالت الشرطة إنهم رفعوا أعلام حماس في يوم الجمعة الأخير من الشهر، ولكن تم التعامل مع هذه الحوادث بطريقة سريعة ومحددة الهدف.
ولم يتم فرض أي قيود شاملة على مواطني إسرائيل العرب، وتم منح آلاف الفلسطينيين من الضفة الغربية التصاريح لدخول إسرائيل والمشاركة في صلوات رمضان في الأقصى، وإن كان ذلك بموجب قيود عمرية معينة.
خلال الأيام العشرة الأخيرة من رمضان، مُنع الزوار غير المسلمين من دخول الحرم القدسي. وكانت هذه سياسة إسرائيلية متبعة منذ فترة طويلة تهدف إلى الحد من التوترات في الموقع خلال ذروة الشهر الفضيل.
لكن هذه الخطوة لم تكن أمرا مفروغا منه هذا العام خلال الحرب، خاصة في ظل رد فعل بن غفير.
حتى قبل نهاية شهر رمضان، انخفض عدد اليهود إلى الحرم القدسي بشكل ملحوظ – مع أقل من 1500 مقارنة بـ 4200 يهودي في العام الماضي، وفقا لمجموعة “إدارة جبل الهيكل” – على الرغم من أن هذا كان له علاقة إلى حد كبير بأن شهر رمضان هذا العام لم يتزامن مع عيد الفصح اليهودي.
في حين تم تصوير الزوار اليهود بشكل متزايد في السنوات الأخيرة وهم يصلون في الموقع في انتهاك للوضع الراهن الهش هناك، “قامت الشرطة بتقييدهم هذا العام، ولم تسمح حتى بأصغر الاستفزازات”، كما قال سيدمان، الخبير في شؤون القدس، نقلا عن شهادات الفلسطينيين في الحرم القدسي.
وكانت هناك مزاعم عن استخدام الشرطة للقوة المفرطة ضد الفلسطينيين في محيط الحرم القدسي في الليلة الأولى من شهر رمضان، مع تقارير عن قيام الشرطة بمنع دخول مواطني إسرائيل العرب بشكل تعسفي، مما أثار مواجهات.
وأكد سيدمان: “لو استمر هذا لعدة أيام أخرى، لكان هناك اندلاع أعمال عنف”، مشيرا إلى أن بن غفير، الذي تشرف وزارته على الشرطة، كان وراء الاستعدادات الأمنية لتلك الليلة.
في وقت سابق من هذا الأسبوع، تم تكليف وزارة بن غفير بالمسؤولية عن وحدة معنية بتطبيق أنظمة البناء، والتي حذرت جماعات حقوقية من أن المشرع المتشدد سيستخدمها لاستهداف البلدات العربية في جميع أنحاء البلاد.
وردا على سؤال حول ما إذا كان توقيت هذه الخطوة مرتبطا بالمناقشات التي أجراها نتنياهو مع بن غفير بهدف إقناعه بالامتثال لاستعدادات إسرائيل لرمضان، لم ينكر المسؤول الأمني الإسرائيلي هذا الاحتمال.
ولم يستجب مكتبا نتنياهو وبن غفير لطلبات بالحصول على تعليق.
مساعدة من الأردن
قال سيدمان إن العامل الآخر الذي أدى إلى الهدوء النسبي في القدس خلال شهر رمضان هو خطب الزعماء المسلمين في الحرم القدسي “التي كانت ساخنة، ولكن ليست تحريضية”.
وأكد أنه “من الواضح أن السبب هو النفوذ الأردني على الوقف”، في إشارة إلى الهيئة الدينية المدعومة من عمان والتي تدير الحرم..
واتفق المسؤول الأمني الإسرائيلي مع هذا التقييم، قائلا إن الأردن لم يصدر أي بيانات إدانة ضد إسرائيل خلال شهر رمضان والتي شعرت القدس أنها مبالغ فيها.
وقال المسؤول الأمني: “الأردن لديه القدرة على لعب دور قوة استقرار، وقد اختار أن يفعل ذلك هذه المرة”.
وأشار المسؤول إلى مخاوف المملكة الهاشمية المتزايدة بشأن نفوذ حماس داخل البلاد، التي هزتها الاحتجاجات المؤيدة للحركة في الأسابيع الأخيرة.
وقال المسؤول: “إنهم يدركون أن السماح بالتحريض على العنف في جبل الهيكل لن يؤدي إلا إلى توفير المزيد من الوقود لمؤيدي حماس داخل الأردن”.
وقال مصدر إسرائيلي ثالث، وهو مسؤول دبلوماسي، إن مكتبه لاحظ أن التصريحات المتعلقة بالقدس الصادرة عن عمان خلال الشهر الماضي كانت أكثر اعتدالا، فيما اعتبره امتدادا لجهود الأردن لتجنب المزيد من تصعيد التوترات خلال الفترة الحساسة بالفعل.