على الحدود الإسرائيلية… حرب مسيرات وتشويش على نظام الملاحة “جي بي إس”
تقوم شركة محلية ناشئة بتزويد الجيش بوسائل للتعامل مع تشويش حماس على نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)؛ ويبدو أن إسرائيل تعمل أيضا على إرباك أنظمة الملاحة الخاصة بالخصوم
كان عومير شرار انتهى للتو من تطوير تقنية مضادة للتشويش على نظام تحديد المواقع العالمي (جي بي إس) عندما شنت حماس هجومها على إسرائيل. ومن ذاك، يعمل فريقه بلا كلل لمنع اعتراض المسيّرات الصغيرة التابعة للجيش الإسرائيلي في غزة.
تدور منذ سنوات على حدود إسرائيل حرب مسيّرات تخوضها الدولة العبرية التي تعد من المصدّرين الرئيسيين في العالم لهذه الأجهزة الطائرة التي تسمح بمراقبة الأعداء أو استهدافهم.
وإذا كان الجيش الإسرائيلي يملك أحدث التقنيات، فإن حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة منذ العام 2007، طوّرت في السنوات الأخيرة مسيّرات صغيرة منخفضة الكلفة تزودّها متفجرات.
في 7 أكتوبر، استخدمتها حماس لإسقاط متفجرات على نقاط مراقبة عسكرية منتشرة بمحاذاة السياج الأمني الخاضع لتعزيزات مشددة والمحيط بقطاع غزة.
الهجوم شهد قيام مسلحين بقيادة حماس باقتحام جنوب إسرائيل وقتل حوالي 1200 شخص، واحتجاز 253 آخرين من كافة الأجيال كرهائن.
متعهدة بالقضاء على حماس، شنت إسرائيل حملة عسكرية جوية وبرية واسعة على قطاع غزة، مما أدى إلى تدمير حوالي نصف مساكنه وتشريد أكثر من مليون شخص.
بحسب وزارة الصحة في غزة، فإن الهجوم أسفر عن مقتل حوالي 30 ألف فلسطيني. العدد الذي لا يمكن التحقق منه بشكل مستقل، لا يميز بين المدنيين والمقاتلين، الذين تزعم الحركة إن 6 آلاف منهم قُتلوا. وتقول إسرائيل إنها قتلت 12 ألف مقاتل على الأقل.
وتقوم المسيّرات الإسرائيلية المعززة بالذكاء الاصطناعي بدوريات متواصلة فوق غزة لتحديد العديد من الأهداف التي يمكن الجنود استهدافها.
كذلك، نشر الجنود في الكيبوتسات التي تعرضت للهجوم (للتحقق مما إذا كان مقاتلو حماس ما زالوا فيها) ثم في غزة، مسيّرات استطلاع صغيرة تحلق على ارتفاع منخفض وتملك القدرة على دخول مبان أو أنفاق لكشف “تهديدات” محتملة.
وتسمح أنظمة “جي بي إس” بتحديد موقع جسم ما من خلال إشارات مرسلة عبر أقمار اصطناعية. وعند اقترابها من الأرض، تكون الإشارة أضعف وبالتالي يسهل التشويش عليها.
وتستخدم حركة حماس أجهزة تشويش لمحاولة تعطيل مسيّرات الاستطلاع الصغيرة، ما دفع الجيش الإسرائيلي إلى استخدام تقنيات من شأنها حماية إشارات نظام “جي بي إس” من التشويش، مثل تلك التي طورها عومير شرار، المؤسس المشارك لشركة “انفينيدوم” الناشئة ومقرها في شمال تل أبيب.
وقال عومير: “عملنا على تقنية ’جي بي إس دوم 2’ الخاصة بنا لفترة طويلة. أنتجنا الدفعة الاولى منها في أيلول/سبتمبر. من حيث التوقيت (…) كان الأمر مثاليا”.
وأضاف: “في بداية الحرب، استدعي ثلث فريقنا إلى الاحتياط لأن لدينا مشغلّي مسيّرات وعناصر”.
“منذ السبت (7 تشرين الأول/أكتوبر)، أتينا إلى المكتب وبدأنا إجراء اختبارات نهائية (…) من أجل مساعدة جنودنا في الميدان”.
وأفاد موقع “جي بي إس جام” المتخصص الذي يجمع بيانات حول انقطاع إشارات تحديد المواقع الجغرافية، عن مستوى منخفض من التعطيل في 7 أكتوبر حول غزة.
لكن في اليوم التالي، ازدادت عمليات التشويش حول غزة لكن أيضا على طول الحدود الإسرائيلية-اللبنانية.
وأوضح الجيش في الأيام التالية أن إسرائيل عطلت نظام جي بي إس “بشكل استباقي لمتطلبات تشغيلية مختلفة” وأبلغ السكان بأن هذا الإجراء قد يخرّب التطبيقات التي تستخدم نظام تحديد المواقع الجغرافية.
وفي مثال على ذلك في الأسابيع الأخيرة، ظهر صحافي في وكالة فرانس برس في القدس على تطبيق خرائط غوغل كأنه موجود في مدينة نصر المصرية. وظهر آخر كان موجودا في جنين في الضفة الغربية، كأنه في مطار بيروت على تطبيق “ويز”.
رصد فريق البروفسور تود همفريز من جامعة تكساس في أوستن، الذي يتتبع إشارات نظام “جي بس إس” في الشرق الأوسط منذ سنوات، اتجاها غريبا بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر: اختفاء الطائرات التي تقترب من إسرائيل من على الشاشات لفترة قصيرة.
ويعود ذلك إلى “تقنية الانتحال” وهو حين يتم التلاعب ببيانات نظام “جي بي إس” لإرسال إشارات كاذبة.
وقال همفريز في اتصال مع وكالة فرانس برس إنه “حلل” بيانات من “أقمار اصطناعية في مدار منخفض” حتى 2 كانون الثاني/يناير، وخلص إلى أن “إسرائيل تستخدم على ما يبدو تلك التقنية” للدفاع عن نفسها. وعلى سبيل المثال، خدعت “إشاراتها الكاذبة” الطائرات في شمال إسرائيل “بجعلها تعتقد أنها كانت في مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت”.
وأعادت الحرب في غزة إشعال التوترات على طول الحدود بين شمال إسرائيل ولبنان والتي تشهد تبادلا يوميا لإطلاق النار بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله المدعوم من إيران.
ويملك حزب الله قدرات عسكرية متفوقة على تلك التي تملكها حماس بفضل طائراته المسيّرة الأكثر تطورا وصواريخه الدقيقة التي يمكن أن تصل إلى الطرف الجنوبي لإسرائيل بحسب أمينه العام حسن نصر الله.
في ضاحية تل أبيب، يتعلم عومير شرار وفريقه “كل يوم من العدو” في غزة لكن عيونهم تتّجه أكثر إلى لبنان الذي قد يكون ساحة عمليات “أكثر خطورة”.