إسرائيل في حالة حرب - اليوم 478

بحث

عدد قياسي من رافضي الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي منذ الحرب على غزة

نشطاء اليسار الذين يساعدون الرافضين يبلغون عن زيادة مطردة في رفض الخدمة منذ اندلاع الحرب، ويقولون أن أي من الرافضين لم يدخل السجن؛ خلافا للماضي، يرفض الجنود التجنيد في الاحتياط حتى داخل منطقة الخط الأخضر

موقع غارة جوية إسرائيلية في محيط مخيم للنازحين في رفح، 27 مايو، 2024. (AP Photo/Jehad Alshrafi)
موقع غارة جوية إسرائيلية في محيط مخيم للنازحين في رفح، 27 مايو، 2024. (AP Photo/Jehad Alshrafi)

في بداية الأسبوع، اتنشر مقطع فيديو أثار ضجة كبيرة: ناشط يميني يرتدي الزي العسكري يدعو إلى رفض أي أمر مستقبلي لإنهاء الحرب في غزة، موجها انتقادات قاسية بشكل خاص ضد وزير الدفاع يوآف غالانت وكبار ضباط الجيش. ردا على ذلك، صرح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والعديد من الأشخاص الآخرين، بما في ذلك النشطاء اليمينيين، “نحن نعارض الرفض من جميع الأطراف”، وذكروا توقف النشطاء الذين كانوا يحتجون على الانقلاب عن الحضور إلى تدريبات الجيش الإسرائيلي في العام الماضي.

ردود الفعل هذه كانت ديماغوجية بامتياز. فيديو التمرد لم يدعو إلى الرفض، بل إلى رفض الأوامر وجتى التمرد العنيف؛ النشطاء المناهضون للانقلاب حضروا جميعهم لخدمة الاحتياط عندما اندلعت الحرب. لكن قد شهدت الأشهر الأخيرة فعلا زيادة في عدد اليساريين الذين يرفضون التجنيد احتجاجا على سياسة الحكومة تجاه الفلسطينيين.

تبلغ حركة “يش جفول” (هناك حدود) اليسارية، التي تساعد رافضي الخدمة العسكرية لأسباب ضميرية منذ حرب لبنان الأولى، عن قفزة غير مسبوقة على الإطلاق في أعداد رافضي الخدمة في الحرب الحالية.

وقال المتحدث باسم “يش جفول” يشاي مينوحين أنه ساعد في الحرب الحالية نحو 40 جنديا ومجندة رفضوا التجنيد في الاحتياط. وساعد نشطاء آخرون في الحركة عشرات آخرين، وفي المجمل تلقت المنظمة ما يقارب من 100 طلب مساعدة من رافضين. هذا بالمقارنة مع نحو 10-15 توجها سنويا في العقد الماضي، ونحو 40 سنويا خلال سنوات ذروة حرب لبنان والانتفاضة الأولى والثانية.

وبحسب مينوحين، بدأ الرافضون الاتصال به ابتداء من منتصف أكتوبر واستمروا حتى الأيام الماضية. وحتى في مجموعة “رافضات” – التي تساعد الفتيان والفتيات الذين يرفضون التجنيد في الجيش الإسرائيلي في المقام الأول – هناك تقارير عن ارتفاع في عدد الرافضين.

عدد المرشحين للخدمة العسكرية الذين يرفضون التجنيد – أقل من 10 سنويا – صغير جدا بحيث لا يشير إلى ظاهرة جماعية، لكن نشطاء “رافضات” يشيرون إلى زيادة حادة في عدد جنود الاحتياط الذين يرفضون التجنيد، والذين يحيلونهم إلى منظمات أخرى.

عمليات الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، مارس 2024 (IDF Spokesperson)

كما يبلغ الناشط اليساري دافيد زونشاين، مؤسس حركة “الشجاعة للرفض” التي ساعدت الرافضين في الماضي، بدره عن تلقيه في الحرب الحالية طلبات مساعدة من عشرات الرافضين، خاصة في الأشهر القليلة الماضية، وهو ما يفوق بكثير عدد الطلبات التي كان يتلقاها في السنوات الماضية.

بعض الرافضين ضميريا لا يتواصلون مع المنظمات المخصصة لمساعدتهم، وبالتالي فإن الأعداد الموجودة لديها جزئية فقط، لكن حقيقة ارتفاع عددهم بأضعاف هي إشارة واضحة إلى القفزة الحادة في أعداد الرافضين ضميريا.

في الأشهر الأولى من الحرب، كانت الزيادة في عدد الرافضين تعود إلى العدد الهائل من المجندين، الذي بلغ حوالي 300 ألف (منهم عشرات الآلاف لم يتم استدعاؤهم إلى الاحتياط وحضروا بمبادرة شخصية). لكن في الأشهر الأخيرة، انخفض نطاق التجنيد للاحتياط بشكل كبير، في حين استمر عدد الرافضين في النمو. ويرجع ذلك إلى تعقيد الحرب وجرائم الحرب المرتكبة فيها والاحتجاج المتزايد على سلوك الحكومة.

الناشط اليساري يشاي مينوحين (Courtesy)

وقال مينوحين أنه “بالإضافة إلى الرافضين الذين نساعدهم، أعرف كثيرين آخرين”. كما قال مينوحين وزونشاين أنه رغم أن كانت هناك حالات هدد فيها الجيش الإسرائيلي باتخاذ إجراءات ضد الرافضين للتجنيد، فلم يذهب أي من الجنود الذين ساعدوهم إلى السجن.

وأضاف مينوحين: “عندما رفضت الخدمة في لبنان في الثمانينات، وضعوا حوالي 10% منا في السجن، بما فيهم أنا. اليوم، لا يوجد أحد في السجن”. ويقدر زونشاين أن الجيش “ليس لديه الوقت أو الرغبة في التعامل مع [هذه القضية]، وهو لا يحتاج إليهم أيضًا، فلديه ما يكفي من المستعدين للتجنيد”. لكن مينوحين لا يوافق على ذلك بشكل تام، “الجيش يعاني من أزمة في القوى البشرية، فهو يحفر قاع البرميل، لكنه لا يريد التعامل مع الرفض”.

بالإضافة إلى الرفض الأيديولوجي، بدأ مؤخرا أيضا رفض من الجنود الذين أنهكهم طول الحرب. في نهاية أبريل، أعلن حوالي 30 جندي احتياط في كتيبة المظليين، الذين تم استدعاؤهم للخدمة في رفح، عن رفضهم الحضور للخدمة. وذلك لأن أشهر القتال الطويلة أضرت بدراستهم ومعيشتهم وعائلاتهم وسببت لهم ضائقة نفسية وجسدية.

وأخبرهم قائد سرية المظليين الرافضين ردا على قرارهم أنه يواجه ضائقة مماثلة، لكنه يواصل الخدمة “لأنه هناك حاجة لذلك”، لأن هذه هي “حرب الاستقلال الثانية” وبسبب النقص في القوى البشرية. وذكر الجيش الإسرائيلي ردا على المنشورات أن الجنود “لم يحضروا في ظل ظروف شخصية مبررة” وأنه “تم تنسيق الأمر مع قادتهم ولن يتم المساس بكفاءة الإطار […] الجيش الإسرائيلي يحترم ويقدر جنود الاحتياط وسيواصل مساعدتهم”.

عمليات الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، مارس 2024 (IDF Spokesperson)

وأبدى المعلقون على المنشورات حول القرار تعاطفهم مع الجنود الرافضين، وهذا على النقيض من ردود الفعل الغاضبة التي يتلقاها الرافضون الأيديولوجيون. وأثنت وكالات الأنباء الإيرانية على “الجنود الصهاينة الذين يرفضون المشاركة في عملية الاحتلال في رفح بحجة ’الإرهاق’”.

ويدعي مينوحين أنه يعرف حالات رفض أخرى بسبب الإرهاق الشخصي، وأن بعض هؤلاء الرافضين تمت محاكمتهم وسجنهم، على عكس الرافضين الأيديولوجيين.

وبحسب مينوحين “بدأ الرفض بسبب الإرهاق في الأسابيع الأخيرة، مع استمرار الحرب. التردد الأيديولوجي بدأ فور بداية الحرب. ابتداء من 9 و10 أكتوبر، كان هناك جنود يدركون اتجاه هذه الحرب وقرروا رفض المشاركة فيها”.

هل يرفضون الالتحاق بالخدمة في الضفة الغربية وغزة تحديدا أم بشكل عام؟</strong

“خلافا لما حدث في الماضي، عندما رفض الجنود الخدمة في الأراضي المحتلة ولكنهم حضروا للخدمة في أراضي دولة إسرائيل، فإن غالبية الذين أتواصل معهم اليوم يرفضون الحضور على الإطلاق – ولا يوافقون على الخدمة في أراضي إسرائيل، حتى في مهام قيادة الجبهة الداخلية”.

منزل في كيبوتس بئيري، احتجز مسلحون فلسطينيون رهائن إسرائيليين فيه وتعرض لقصف من دبابة إسرائيلية (Chaim Goldberg/Flash90)

“كانت هناك بعض حالات القليلة لرفض الخدمة حتى على الحدود الشمالية، وعدد غير قليل ممن رفضوا الخدمة في سجون مثل ’سدي تيمن’ حيث ترتكب الفظائع”.

لقد أثبتت المجزرة التي ارتكبتها حماس أن إسرائيل بحاجة إلى جيش قوي يحمي حدودها ووجودها. ألا يدفع هذا الجنود إلى التجنيد، على الأقل للخدمة على أراضي البلاد؟

“البلاد تحتاج بالتأكيد إلى حدود وجيش دفاع، ولكن أين الحدود، وهل يوجد ’جيش دفاع’ أصلا؟ أنا لست من دعاة السلام، وقد خدمت في الجيش حتى سن 46 عاما، حتى بعد فترة طويلة بعد أن بدأت رفض الخدمة في الأراضي. اليوم، كنت سأرفض الخدمة تماما، حتى بعد المذبحة الرهيبة التي ارتكبت بحقنا”.

“هناك فرق شاسع بين جيش يقوم بمهمات مبررة وترتكب فيه مظالم هنا وهناك، وبين جيش نشاطه كله مظالم، الذي هدفه ليس الدفاع على الإطلاق، بل هو مكرس بالكامل للاحتلال والقمع. حتى في 7 أكتوبر، لم يقم الجيش الإسرائيلي بالمهمة التي أسس من أجلها ولم يحمي غلاف غزة، لأن الجنود تمركزوا في المستوطنات”.

لدى زونشاين، الذي كان ضابطًا سابقًا في وحدة ماجلان، أقارب وأصدقاء في غلاف غزة، بينهم أشخاص قتلوا أو اختطفوا في المجزرة. ووفقا له، “في 7 أكتوبر، حاولت الحصول على سلاح وسترة للذهاب إلى الغلاف، والانضمام إلى القتال ومحاولة إنقاذهم، كما فعل يائير جولان وآخرون الذين قاتلوا عندما ماطل جيش الدفاع الإسرائيلي المجيد. لا أعلم إذا كنت سأذهب لو حصلت على سلاح، لكني أعلم أنني أردت ذلك، وبالطبع إسرائيل بحاجة إلى جيش دفاع”.

جنود إسرائيليون في مخيم جنين للاجئين، 29 نوفمبر، 2023. (Zain JAAFAR / AFP)

“لكن كان للفظائع التي ارتكبتها حماس خلفية. ’ممنوع’ قول ذلك، لكنها الحقيقة. والحرب في غزة ليست دفاعية. اليوم، بعد حوالي سبعة أشهر من الجنون، بعد أربعة أشهر نحن فيها في غزة ولا نقاتل فعلاً، ومع ذلك المختطفين ليسوا هنا، بعد أن أصبح واضحاً للغاية أن الأهداف سياسية وشخصية وليس هناك هدف سياسي، بدأ البعض يفتحون أعينهم. لكن الأمر يستغرق وقتا”.

“في الأشهر الأولى، كانت هناك موجة قوية من التعبئة للحرب. وحتى بالنسبة لأولئك الذين عارضوا الحرب منذ البداية، كان من الصعب عاطفياً أن يقفوا بمفردهم في مواجهة التيار. أنت تصبح أقلية مكروهة، وحتى الناس المقربون منك في الخلفية الاجتماعية والمبادئ، والذين يحتقرون نتنياهو والحكومة، يعتبرونك ’خائناً’. أعتقد أننا بحاجة إلى تغيير، والرفض هو الخطوة الأكثر وطنية. ولكن من الصعب فهم ذلك، ومن الأصعب القيام بذلك”.

رد متحدث باسم الجيش الإسرائيلي: “الجيش الإسرائيلي يأخذ يعتبر رفض الخدمة في الاحتياط أمرا خطيرا، ويتم فحص كل حالة والتعامل معها بشكل فردي من قبل القادة. منذ اندلاع الحرب، حضر جنود الاحتياط ويستمرون في الحضور للخدمة من أجل الحفاظ على أمن دولة إسرائيل. حضور جنود الاحتياط مهم لتنفيذ مهام جيش الدفاع الإسرائيلي الضرورية”.

اقرأ المزيد عن