إسرائيل في حالة حرب - اليوم 566

بحث
تحليل

ظهور احتجاجات كبيرة مناهضة لحماس في غزة قد لا تطيح بالحركة، لكنها تضعف قبضتها على القطاع

في الوقت الحالي، اختارت حماس عدم قمع المسيرات بوحشية، وقد يتغير ذلك، لكنها تعلم أيضًا أن العالم يراقب، ويعلم مسلحوها أن المسيّرات الإسرائيلية تحلق فوق رؤوسهم في سماء غزة

فلسطينيون يشاركون في مظاهرة مناهضة لحماس، تدعو إلى إنهاء الحرب مع إسرائيل، في بيت لاهيا شمال قطاع غزة في 26 مارس، 2025.  (AFP)
فلسطينيون يشاركون في مظاهرة مناهضة لحماس، تدعو إلى إنهاء الحرب مع إسرائيل، في بيت لاهيا شمال قطاع غزة في 26 مارس، 2025. (AFP)

شهدت الأيام الثلاثة الماضية اندلاع احتجاجات نادرة ضد حركة حماس في عدة مواقع في قطاع غزة، شارك فيها المئات، إن لم يكن الآلاف من الفلسطينيين.

وقد خرجت مظاهرات في بيت لاهيا ومخيم جباليا في الشمال، وفي حي صبرة في مدينة غزة، وفي خان يونس والنصيرات في جنوب ووسط القطاع. وعلى وجه التحديد، لم يتم بعد توثيق مظاهرات مناهضة لحماس في دير البلح وسط غزة، حيث لجأ مئات الآلاف من النازحين من الشمال والجنوب على حد سواء، ولكن هناك أيضًا خرجت مسيرات معارضة للحرب وتضامنت مع سكان غزة الذين يتظاهرون في أماكن أخرى. وهذه ليست ظاهرة معزولة.

وتخللت الاحتجاجات دعوات مباشرة للإطاحة بحركة حماس، إلى جانب هتافات معادية لإسرائيل ومطالبات بإنهاء الحرب والمعاناة التي تسببت بها للمدنيين في غزة. في بداية شهر مارس، أوقفت إسرائيل السماح بإدخال المساعدات إلى غزة للضغط على حماس للإفراج عن المزيد من الرهائن بموجب المرحلة الأولى الممتدة من اتفاق وقف إطلاق النار المنهار الآن. وأدت هذه الخطوة إلى ارتفاع الأسعار وانخفاض إمدادات الغذاء في غزة. وقد شمل استئناف الحرب منذ أسبوعين تقريبًا تجدد الغارات الجوية وأوامر بالإخلاء.

ورغم معاناة السكان المدنيين، إلا أن حماس لم تتراجع عن موقفها حتى الآن، وأصرت على التمسك بالاتفاق الأصلي الذي كان من المفترض أن ينتقل إلى مرحلة ثانية يتم فيها إطلاق سراح جميع الرهائن الأحياء المتبقين وإتمام انسحاب الجيش الإسرائيلي وسريان وقف إطلاق النار الدائم.

يعتقد الدكتور هرئيل حوريف، الباحث البارز في مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا في جامعة تل أبيب، أن جذور الاحتجاج تسبق الحرب التي أشعلها اجتياح حماس ومجزرة 7 أكتوبر 2023: ”على الأقل بعض هذه المقاومة لحكم حماس كانت تختمر منذ أكثر من عام ونصف – أي حتى قبل الحرب. لكن الحرب هي التي أشعلت فتيلها، بسبب الدمار الذي تسببت به. وكانت القشة الأخيرة هي استئناف القتال هذا الشهر. فقد ظن سكان غزة أنهم انتهوا أخيرا من الحرب ليعودوا ويتعرضوا للقصف والنزوح مرة أخرى. إنه أمر محبط للغاية“.

رأى حوريف علامات أولية للاضطرابات على الإنترنت: ”قبل أسبوعين، عندما بدأت هذه الجولة من القتال، نشر بعض سكان غزة انتقادات شديدة اللهجة لحماس على وسائل التواصل الاجتماعي: ’لقد سئمنا منكم، لقد دمرتم غزة، أنتم مجموعة من القتلة’. هذه هي نفس الرسائل التي ظهرت الآن [على اللافتات والهتافات] في الاحتجاجات. ما بدأ على الإنترنت امتد إلى الشوارع“.

ومع ذلك، بما أن هذه هي أول احتجاجات كبيرة في غزة ضد حماس منذ بدء الحرب، ومع تحول جزء كبير من غزة إلى خراب ودمار وسقوط عشرات الآلاف من القتلى، فإن ذلك يطرح السؤال عن سبب ظهور معارضة شعبية جوهرية الآن فقط.

قال حمزة هويدي، وهو مواطن غزي شارك في مظاهرة سابقة أقل صدى ضد حماس ويعيش الآن في ألمانيا، إن الكرب واليأس بين المشاركين في الاحتجاج يبدو أنه قد فاق الخوف من انتقام حماس الوحشي.

وقال هويدي في مقابلة أجراها معه ”تايمز أوف إسرائيل“عبر تطبيق ”زووم“: ”السبب في عدم قيام الناس بذلك منذ عام ونصف هو أنهم كانوا خائفين“، مضيفا ”ظهر زياد أبو حية، أحد سكان غزة، في مقابلة تلفزيونية خلال الحرب وقال جملة واحدة: ’احمونا من حماس قبل أن تحمونا من اليهود’“.

وبعد أن تعرض للضرب بسبب إدانته لحماس في أغسطس، أفادت تقارير أن أبو حية قُتل على يد حماس في ديسمبر. واتهم هويدي حماس بأنها ”ضربته حتى الموت بسبب هذه الجملة الواحدة“.

وتابع هويدي: ”إذا رأيت شخصًا يتحدث ثم يُقتل، فلن أنتقد حماس“. ولكن الآن، كما قال، يبدو أن حاجز الخوف قد انكسر.

فلسطينيون في دير البلح، وسط قطاع غزة، يرفعون لافتات مناهضة للحرب بينما يردد رجل شعارات داعمة لأهالي بيت لاهيا في شمال قطاع غزة الذين يتظاهرون ضد حماس، 26 مارس، 2025. (AP/Abdel Kareem Hana)

وعلى مدار يومين تقريبًا، التزمت حماس الصمت العلني تجاه الاحتجاجات، ولم تتطرق إليها ولم تقمعها بعنف. وهذا على النقيض مما حدث في عام 2019، عندما سارعت شرطة حماس إلى سحق الاحتجاجات.

وعلق المسؤول البارز في حركة حماس باسم نعيم على الاحتجاجات لأول مرة مساء الأربعاء، قائلاً إنها كانت متوقعة من شعب يعاني من الدمار الشامل، وأنه من الطبيعي أن يطالبوا بوقف العدوان الإسرائيلي. كما انتقد بشكل غير مباشر الدعوات لإسقاط حكم حماس، مدعيًا أن ”جهات خارجية تستغل الاحتجاجات العفوية لخدمة المصالح الإسرائيلية“.

وأشارت تصريحات نعيم، التي أدلى بها ردا على سؤال خلال مقابلة مع قناة تلفزيونية قطرية، إلى أن حماس لم تعد قادرة على تجاهل هذه الظاهرة، وأن استراتيجية الرد التي تتبعها في الوقت الراهن هي محاولة تأطير الاحتجاجات على أنها مناهضة للحرب ولإسرائيل وليس مناهضة لحماس.

وقد تضمنت المظاهرات بالفعل أصواتًا منددة بالحرب بسبب المعاناة الطويلة في غزة، ولكنها تضمنت أيضًا دعوات مباشرة للإطاحة بحماس، وتحميلها مسؤولية الوضع الحالي في القطاع.

وقال هويدي: ”حماس أذكى من أن تخرج وتسحق المتظاهرين بالقوة. فهي تعلم أن العالم كله يراقب هذه الاحتجاجات الآن. وهي تهدف إلى تفكيك الاحتجاجات من خلال تأطيرها على أنها مظاهرات ضد الحرب وليس ضد حماس“.

ووصف غزي آخر يعيش الآن في الخارج عنصرًا آخر في محاولة حماس لمواجهة الاحتجاجات وقمعها. فقد نشر حمزة المصري، وهو غزي هاجر إلى تركيا وينشر مقاطع فيديو للاحتجاجات التي وصلت إليه بشكل خاص من أشخاص في غزة، مقطع فيديو مساء الأربعاء يدعي فيه أن حماس تهدده.

وقال: ”هذا أول فيديو أقوم بتصويره، وهو نوع من الوصية”، مضيفا ”لقد تلقيت تهديدات بالقتل من قيادة حماس. أنا سعيد جدًا لمساعدة غزة على التعبير عن آرائهم؛ هذا انتصار. على مدار 18 عاما [في ظل حكم حماس]، لم يكن بإمكان أحد في غزة التحدث. إذا لم تروني بعد الآن، فكونوا سعداء. إذا قتلوني أو اختطفوني – فالأمر بيد الله“.

ويرى حوريف من مركز دايان سببًا آخر لعدم استهداف حماس للمظاهرات بشكل مباشر وعلني في الوقت الراهن. ”حقيقة أن هذه الاحتجاجات تجري خلال فترة [استئناف] الحرب تجعل الأمر صعبًا على حماس. ببساطة، إذا خرج عناصر حماس وقمعوا [المسيرات] بالسلاح، فسيصبحون هدفًا سهلًا للمسيّرات الإسرائيلية“.

وقال إنه في الوقت الحالي، ”يفضلون بدلا من ذلك تهديد القادة المحليين في غزة، بما في ذلك زعماء العشائر البارزين“.

لا تزال فرص نجاح الاحتجاجات غير واضحة. هناك مليوني نسمة في غزة، مع وجود عشرات الآلاف في الجناح العسكري لحماس. وتتطلب الإطاحة بالنظام انهيارًا داخليًا لأقوى قوة مسلحة في غزة.

شاب فلسطيني يحمل لافتة مكتوب عليها باللغة العربية ”حماس لا تمثلنا“ خلال مظاهرة مناهضة لحماس، تدعو إلى إنهاء الحرب مع إسرائيل، في بيت لاهيا شمال قطاع غزة في 26 مارس، 2025. (AFP)

لا يستبعد حوريف هذا الأمر، ويعتقد أن استئناف الحملة العسكرية الإسرائيلية وتراجع تدفق المساعدات قد يساعد في ذلك، وقال: ”من المحتمل أن يتخلى في نهاية المطاف أولئك الذين يملأون حاليًا صفوف الجناح العسكري لحماس عن الجناح العسكري للحركة لأن الطعام والماء الذي حصلوا عليه مقابل التجنيد سينفد، بسبب الحظر المستمر على المساعدات الإنسانية إلى غزة“.

وأضاف أن حماس قامت بتجنيد أفراد، بعضهم من صغار السن، ”وهم ليسوا ملتزمين أيديولوجيًا مثل الذين سبقوهم وقُتلوا. قد يكون لهذا الأمر تأثير. يمكن للحصار المستمر أن يوقع حماس في وضع صعب للغاية“.

كما أكد حوريف على ”الضوء الأخضر الأمريكي“ لإسرائيل للإبقاء على حجب المساعدات: ”التقيت بضابط في الجيش الإسرائيلي كان يطلع الإدارة الأمريكية السابقة أسبوعيًا على المساعدات الإنسانية التي تدخل غزة. كان الأمريكيون يركزون بشدة على كمية المساعدات التي يتم إدخالها ونوعها. أما في إدارة ترامب، فالأمر لا يهمهم؛ لا يريدون إحاطات إعلامية. وهذا فرق حاسم، ويفتح إمكانيات لزيادة الضغط على حماس، بما في ذلك الضغط الكبير على السكان المدنيين”.

حتى لو انحسرت موجة الاحتجاجات الحالية أو تم قمعها في نهاية المطاف، يعتقد حوريف أنها لن تذهب سدى: ”حماس حركة اجتماعية ترسخ نفسها في قلوب الناس، وبمجرد أن تتضرر صورتها تفقد هذه الصورة. وهذا له تأثير طويل الأمد، وهو تأثير اجتماعي يمكن أن يشكل الحكم في غزة بعد الحرب ويؤثر على استعداد الجمهور [في غزة] لقبول حكومة مختلفة بدلا من حماس“.

ويعتقد هويدي أن الاحتجاجات وحدها لن تُسقط حماس، ولكنه يعتبرها مهمة للغاية، بما في ذلك من الناحية الرمزية: ”لا نريد أن تسقط حماس بينما الشعب صامت. يجب ألا يعتقد الناس أن إسقاط حماس هو مطلب إسرائيلي، بل هو مطلب الشعب في غزة. ولكن هل سيسقط وحده حكم حماس؟ بناءً على ما أعرفه ومعرفتي بحماس – لا“.

ومع ذلك، يعرب هويدي عن بعض التفاؤل بشأن ما يحدث، بما في ذلك في سياق قراره الخاص بمغادرة غزة في صيف 2023: ”لم أغادر غزة لأنني أكرهها. لقد غادرت لأنه لم يكن هناك أمل في التغيير. لقد تعامل الجميع مع حكم حماس في غزة على أنه الواقع الدائم، وهذا كل ما في الأمر”.

وأضاف: ”عندما غادرت، إذا قلت أن حماس منظمة إرهابية، فهذا يعني أنك ستُعدم. ولكنني الآن أرى شعبي يقول بنفسه ’حماس منظمة إرهابية’“.

اقرأ المزيد عن