صدمة في المجتمع البيئي بعد إطلاق النار على الدكتور حسين طربيه
يبدو أن اغتيال الدكتور حسين الطربيه، أحد أبرز الشخصيات البيئية في الجليل، هو خطوة أخرى في استيلاء المجرمين على قطاع النفايات؛ الشرطة غير موجودة، والسلطات المحلية في انهيار اقتصادي، وعائلات الجريمة احتلت الفراغ
“لقت تحطمت”، قالت الدكتور ليهي شاحار برمان، المديرة التنفيذي لرابطة مدن خليج حيفا لحماية البيئة، مساء الأربعاء. وكان ذلك بعد عودتها من زيارة زميلها الدكتور حسين الطربيه، مؤسس ومدير اتحاد المدن لجودة البيئة في البطوف، في المستشفى.
صباح الثلاثاء، نجل الطربية أخذه إلى عمله، وعند مدخل البناية الواقعة في أطراف بلدة سخنين، أطلق مجهول عدة رصاصات على الطربية. وأصيب برصاصة في المعدة، وثلاثة في الساقين.
وقالت شاحار برمان: “أنه بعد عملية جراحية. الرجل مصدوم، متفكك، خائف. كله ثقوب، ساقه كادت أن تبتر، إنها محاولة قتل، وليس تخويفا. لقد نجا حرفيا بمعجزة. إنه أمر صادم، نحن نتحدث عن موظف عمومي يستيقظ في الصباح ويأتي ليقوم بعمله”.
الطربية اسم معروف في المجتمع البيئي في إسرائيل، وشدة الصدمة من استهداف المنظمات الإجرامية له كانت بقدر الاحترام له.
وهو أسس وترأس لسنوات عديدة اتحاد المدن الذي يتعامل مع القضايا البيئية في عدة مجالس محلية في الجليل. يستضيف مبنى الاتحاد أنشطة ومشاريع مشتركة لليهود والعرب الذين يصرون على تحقيق رؤية لجليل مختلف، لإسرائيل مختلفة. ولكن هذه الرؤية الهشة معرضة لخطر وجودي الآن، تمامًا مثل دكتور الطربية نفسه.
وفي توقيت تقشعر له الأبدان، تم بث الحلقة الأولى من مسلسل يفعات غليك حول استيلاء المجرمين على قطاع النفايات يوم الاثنين على قناة “كان 11” الإخبارية. يُنصح بمشاهدة الحلقة، المحبط بشكل خاص. وبعد ساعات قليلة من البث، قدم الواقع مثالا مرعبا.
رسميا، تجري الشرطة الإسرائيلية تحقيقا في ظروف إطلاق النار، ولا يسعنا إلا أن نأمل أن يسفر التحقيق عن أكثر من متوسط إحصائيات نجاح الشرطة في حل الجرائم في المجتمع العربي. لكن في قطاع البيئة كان من الصعب أن تجد أمس من يعتقد أنه لا علاقة بين إطلاق النار والواقع في قطاع النفايات.
وقالت شاحار برمان: “هذه مناقصة لرفع النفايات من بلدية سخنين، وبناء على طلب السلطات المحلية، انضم الاتحاد للمناقصة لضبط النظام وإزالة العناصر الإجرامية من الصورة”.
“كزميل، أنا على اتصال دائم بحسين، لقد أمضينا ساعات طويلة معًا. لا يوجد مثيل له. منذ اللحظة التي دخلوا فيها المناقصة، تم تهديدهم للخروج من الصورة. إنه خائف وعائلته خائفين ولا يتكلمون”.
“لديه موظفة اتصلوا بها بعد ساعات قليلة من إطلاق النار عليه وأخبروها أنها التالية. أنا أخشى عليها. لا أحد يحميهم. إنهم موظفون حكوميون وتم هجرهم تماما. كل موظف حكومي يمس قطاع النفايات اليوم في خطر. لا أحد يعلمنا كيف نحمي أنفسنا”.
“وصلت إلى المستشفى ولا أحد يحرس حسين. قلت لموظفته أن تنفق أموال الاتحاد فقط على هذه المسألة الآن، أنه لا يوجد شيء أهم من حياتهم. يمكنهم إصلاح العالم في وقت لاحق”.
إذا أراد شخص التحقيق في تفكك إسرائيل السريع وتحولها إلى دولة عالم ثالث، فإن مجال النفايات سيكون مكانًا ممتازًا للبدء منه.
إذا لم تلاحظوا ذلك حتى الآن، فذلك لأن النفايات رمادية وغير مثيرة وغير جذابة للصحافة، ولأن معظم التفكك يحدث في المجتمع العربي. هناك لاحظت عائلات الجريمة الفرصة وسيطرت على المنطقة، وهناك، ببساطة، لا وجود للشرطة الإسرائيلية – التي أظهرت كفاءة عالية في العنف ضد المتظاهرين وفي اعتقال فتاة ترتدي ملابس السباحة ألقت الرمل على وزير.
والنتيجة هي أن المسؤولين المنتخبين والموظفين العموميين معرضين للخطر ويتحملون كل النيران، جسدياً. “يبدو أنه بدلاً من المخدرات، انتقلت المنظمات الإجرامية إلى النفايات”، قالت الدكتورة شاحار برمان.
هذا فشل متعدد الأنظمة: فقد فشلت الحكومات الإسرائيلية منذ عشرين عاماً في تنفيذ استراتيجية وطنية لإدارة النفايات. والنتيجة أن إسرائيل تطمر 80% من نفاياتها، وهي نسبة بعيدة كل البعد عن بيانات الدول المتقدمة.
تتحول مكبات النفايات إلى جبال من القمامة وتغلق أبوابها بسبب ضيق المساحة، وتصطف طوابير مئات الشاحنات عند مدخل موقع “أفعي” الكبير في النقب، وتمتلئ المناطق الطبيعية والأودية بالنفايات التي يتم التخلص منها بطريقة غير قانونية. وتمتلئ البلاد بمواقع النفايات غير القانونية التي تشتعل محتوياتها أحيانًا وتسمم مئات الآلاف من الإسرائيليين.
وكل هذا قبل دخول المنظمات الإجرامية إلى الصورة.
ويرى البعض أن هذه الظاهرة اكتسبت زخما في ظل الحرب والفوضى الحكومية التي نتجت عنها، والبعض الآخر يربطها بالتدهور الاقتصادي للسلطات المحلية في المجتمع العربي بفضل حكومة سموتريش وبن غفير. وفي كلتا الحالتين فإن الوضع يزداد سوءاً يوماً بعد يوم، وهذه القنبلة الموقوتة قد انفجرت بالفعل.
على سبيل المثال، في جديدة المكر، وهي قرية كبيرة في الجليل الغربي، توقفت إزالة القمامة خلال فصل الصيف بسبب معارك بين منظمات إجرامية، وظلت القرية غارقة في أكوام القمامة النتنة لعدة أسابيع.
وشوهدت مثل هذه الظواهر – التي تجمع بين الفشل الحكومي وتورط المافيا – شوهدت في نابولي بإيطاليا قبل نحو عقد من الزمان. ظهرت حينها عبارة “انظر إلى نابولي ومت من الرائحة الكريهة”. النسخة الجليلية رائحتها ليست أفضل.
مصدر في قطاع النفايات في الشمال مقتنع بأن الحل يكمن في تحمل الحكومة مسؤوليتها. “أقول لوزارة حماية البيئة – اسحبوا هذه المناقصة من السلطات المحلية والاتحاد اليوم. فلتنشر الحكومة المناقصة”.
“لتقول الحكومة إنها لن تسمح بسقوط هذه المناقصة، لأنه إذا سقطت المناقصة، ستدرك المنظمات الإجرامية أن كل ما هو مطلوب للحصول على الملايين هو إطلاق بضع رصاصات. وسنرى ما إذا كان لدى المجرمين الشجاعة إطلاق النار على المدير التنفيذي لوزارة حماية البيئة في القدس”.
“أصدرت الوزارة بيانا قالت فيه إنها مصدومة من إطلاق النار، لكن لا تخبرونا أنهم مصدومون، أنتم لستم زوجة حسين. أخبرونا ماذا ستفعلون. وظيفتكم هي اتخاذ القرارات ومنع جريمة القتل التالية”.
يبدو هذا مطلبا منطقيا، لكنه ساذجا بعض الشيء: المتحدث يبدأ من فرضية أن هناك حكومة ذات سيادة في القدس تعرف كيف تحكم وتدير وتطبق.
وزارة حماية البيئة وزارة ضعيفة تعاني من نقص في الموظفين والميزانية، والإيمان في قدرتها على إدارة النفايات بدلاً من السلطات المحلية والتعامل مع المنظمات الإجرامية هو متفائل ولكنه ليس واقعياً جداً.
في الواقع، لقد حان الوقت لكي يدرك مواطنو إسرائيل: حيثما كانت هناك دولة ذات أنظمة فاعلة، فقد بقي فراغ في الغالب. على الأرجح أنكم سمعتم هذه العبارة في مرحلة ما خلال الأشهر الأحد عشر الماضية، ولكن من الجدير أن نكررها: أنتم مهجورون.
هذا الأسبوع كان الدكتور حسين طربيه هو المهجور المناوب. في الأسبوع المقبل، من يدري.