شروط حماس ستسمح لها بالاحتفاظ بمعظم الرهائن، والانتصار في الحرب، وإشعال الضفة الغربية
لقد استغرق الأمر أكثر من يوم للولايات المتحدة لكي تدرك أن حماس لم تقبل في واقع الأمر اقتراح إطلاق سراح الرهائن مقابل الهدنة. لكن نص "الاتفاق" أكثر خداعا من ذلك بكثير
ليل الثلاثاء، بعد أكثر من يوم من ادعاء حماس موافقتها على ما قالت إنه اقتراح الوسطاء المصريين والقطريين “فيما يتعلق باتفاق وقف إطلاق النار”، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر أخيرا أن “هذا ليس ما فعلوه”.
ما فعلته الحركة بدلا من ذلك، كما قال ميلر، هو أنها “ردت بتعديلات أو باقتراح مضاد”، وأضاف أن الولايات المتحدة “تدرس تفاصيل الاقتراح الآن”.
في الواقع، فإن التدقيق في وثيقة حماس، كما أصدرتها (باللغة العربية) الحركة نفسها، يظهر أنه بعيدة كل البعد عن احتوائها على “تعديلات” أو اقتراح مضاد قابل للتطبيق ولو بشكل صغير، وإنما تم بناؤها بشكل معقد وملهب لضمان نجاة حماس من الحرب وإعادة سيطرتها على قطاع غزة بأكمله.
إحصل على تايمز أوف إسرائيل ألنشرة أليومية على بريدك الخاص ولا تفوت المقالات الحصرية آلتسجيل مجانا!
ولكن هذا ليس كل شيء.
كما أن الاقتراح محسوب لضمان حصول حماس على المزيد من الأهداف الرئيسية بعيدة المدى دون الاضطرار إلى تلبية المطلب الإسرائيلي الأساسي للتوصل إلى صفقة: إطلاق سراح جميع الرهائن. في الواقع، تستطيع حماس إلغاء الصفقة، بعد تحقيق كافة أهدافها الرئيسية وتحقق أهداف أخرى بعد ذلك، بينما تستمر في احتجاز كل الرهائن تقريبا.
ومن بين هذه الأهداف أحد أهم أهداف حماس المركزية منذ اقتحامها لإسرائيل في 7 أكتوبر – أن تشهد توسع حرب التدمير المعلنة ضد الدولة لتشمل الضفة الغربية.
سيل من التغييرات التي تنذر بالسوء
لقد قيل الكثير عن حقيقة أنه في حين أصرت إسرائيل مرارا على أنها لن تنهي الحرب كشرط للإفراج عن الرهائن، فإن حماس، في الفقرات الافتتاحية لاقتراحها البديل والخبيث، تحدد أن أحد “أهداف” الصفقة هو “العودة إلى الهدوء المستدام وبما يحقق وقف إطلاق النار الدائم”. لكن نسبيا يتم هنا تناول أمور هامشية: فالاقتراح الذي نقله الوسطاء إلى حماس في أواخر الشهر الماضي، والذي وصفه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بأنه عرض إسرائيلي “سخي للغاية”، ينص على “ترتيب لاستعادة الهدوء المستدام” – وهو ما يبدو وكأنه تعبير ملطف عن وقف دائم لإطلاق النار.
ومع ذلك، فقد قيل الكثير وبحق عن حقيقة مفادها أنه في وثيقة حماس، يتعين على إسرائيل وقف العمليات العسكرية في مرحلة الأسابيع الستة الأولى من الصفقة المكونة من ثلاث مراحل، والتي سيتم بموجبها إطلاق سراح 33 رهينة، وأنه يجب على الجيش الإسرائيلي “الانسحاب بالكامل” من غزة وأن يسري “الوقف الدائم للعمليات العسكرية” قبل إطلاق سراح المزيد من الرهائن في المرحلة الثانية.
والأمر الذي حظي بتقدير أقل على نطاق واسع هو أن اقتراح حماس ينص على أنه، في المرحلة الأولى، هو أنه “ينبغي عودة النازحين إلى مناطق سكناهم” والسماح “بحرية حركة السكان في جميع مناطق القطاع ، مع “وقف الطيران (العسكري والاستطلاع) في قطاع لمدة 10 ساعات في اليوم”.
وإلى جانب الانسحاب الجزئي لقوات الجيش الإسرائيلي على النحو المحدد في هذه المرحلة الأولى، فإن تأثير هذه المطالب سيكون تمكين مسلحي حماس ومسؤوليها من استعادة السيطرة على قطاع غزة بالكامل. يستخدم اقتراح حماس كلمة “بدون حمل سلاح أثناء عودتهم” في إحدى فقراته لوصف النازحين الذين سيُسمح لهم بالعودة إلى مناطق إقامتهم، لكن المطالب والأحكام المصاحبة تعني أن إسرائيل لن يكون لها أي حق أو أي وسيلة بموجب الاقتراح لفرض أي قيود من هذا القبيل.
والأكثر أهمية من ذلك، والذي لم يتم إدراكه إلى حد كبير، هو إعادة التشكيل الجذري في وثيقة حماس لشروط وإجراءات إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين. يطالب العديد من ذوي الإسرائيليين الـ 128 الذين ما زالوا محتجزين في غزة منذ 7 أكتوبر، أحياء وأموات، بشكل يائس ومفهوم، بالتوصل إلى صفقة بأي ثمن أو تقريبا بأي ثمن، بما في ذلك إنهاء الحرب، مقابل إطلاق سراح جميع الرهائن أو معظمهم أو حتى جزء كبير منهم.
ومع ذلك، فإن اقتراح حماس ليس مصمم لتمكين الحركة من إطلاق سراح عدد قليل جدا من الرهائن مقابل إنهاء الحملة العسكرية للجيش الإسرائيلي في غزة وبقاء الحركة وعودتها إلى السلطة الكاملة هناك فحسب، وإنما أيضا مقابل زيادة مخطط لها في الدعم لحماس في الضفة الغربية، وتحييد السلطة الفلسطينية بشكل أكبر، والتصعيد الكبير المحتمل للعنف ضد إسرائيل في الضفة الغربية ومنها.
كيف ذلك؟
من الذين سيتم إطلاق سراحهم
يعيد اقتراح حماس صياغة الوثيقة السابقة التي كان على حماس بموجبها إطلاق سراح ما لا يقل عن 33 رهينة على قيد الحياة في المرحلة الأولى من الصفقة، بمعدل ثلاث رهائن كل ثلاثة أيام اعتبارا من اليوم الأول لدخول الصفقة حيز التنفيذ.
في اقتراح حماس، كما لوحظ على نطاق واسع، لم تعد الحركة تلتزم بإطلاق سراح 33 رهينة على قيد الحياة في المرحلة الأولى – وهو في حد ذاته تنازل من جانب إسرائيل، التي كانت تسعى للحصول على 40 رهينة حية في المرحلة الأولى – ولكنها تقول الآن إن الرهائن الـ 33 قد يكونون “أحياء أو جثامين”.
علاوة على ذلك، ستطلق حماس سراح الرهائن الثلاثة الأوائل في اليوم الثالث فقط من دخول الصفقة حيز التنفيذ، ثم “3 محتجزين آخرين كل سبعة أيام”. وهذا يعني أنه في حين ينص الاقتراح المدعوم من إسرائيل على إطلاق سراح جميع الرهائن الـ 33 خلال الشهر الأول من الصفقة، فإن جدول حماس يعني أنه سيتم إطلاق سراح أقل من نصف الرهائن الـ 33 في الشهر الأول.
علاوة على ذلك، ينص اقتراح حماس على أن الرهائن الأوائل الذين سيتم إطلاق سراحهم سيكونون من “النساء ما أمكن (من المدنيين والمجندات)”، ويرفع عدد الأسرى الأمنيين الفلسطينيين الذين سيتم إطلاق سراحهم مقابل كل من المجندات الإسرائيليات الأحياء المحتجزات كرهائن (يُعتقد أنهن خمس مجندات) من 40 إلى 50 – بما في ذلك 30 يقضون أحكاما بالسجن مدى الحياة، في حين يحدد العرض الإسرائيلي إطلاق سراح 20 أسيرا يقضون أحكاما بالسجن مدى الحياة. كما تزيل الحركة بندا رئيسيا في الاقتراح الذي تدعمه إسرائيل، والذي بموجبه يُسمح لحماس باختيار 20 فقط من الأسرى الأمنيين للإفراج عنهم في المرحلة الأولى، وسيكون لإسرائيل الحق في الاعتراض على هذه الاختيارات. وبدلا من ذلك، ينص على أنه سيتم إطلاق سراح الأسرى الأمنيين الفلسطينيين “وفق القوائم التي ستقدمها حماس”.
النتيجة المتراكمة لكل هذه التغييرات هي أنه، في الأيام الأولى من الصفقة، ستكون حماس قادرة على تأمين إطلاق سراح المئات من أخطر زعماء الإرهاب والقتلة، بما في ذلك ما لا يقل عن 150 يقضون عقوبات بالسجن مدى الحياة، مقابل الافراج عن عدد قليل جدا من الرهائن.
يتضمن اقتراح حماس أيضا بندا يقضي بالإفراج، في اليوم الثاني والعشرين من الصفقة، عن “جميع أسرى صفقة شاليط الذين تم إعادة اعتقالهم”.
بالنسبة ليحيى السنوار، زعيم حماس في غزة والذي كان هو نفسه من بين 1027 أسيرا أمنيا فلسطينيا أطلقت إسرائيل سراحهم لتأمين إطلاق سراح الجندي المختطف غلعاد شاليط في عام 2011، فإن هذا من شأنه أن يشكل بوضوح إغلاقا لحلقة معينة – تحرير العديد من زملاؤه الذين عادوا إلى الإرهاب بعد إطلاق سراحهم المثير للجدل قبل 13 عاما، ولكن تم القبض عليهم مرة أخرى، على عكسه.
أخيرا، في هذا الصدد، هناك طلب إسرائيلي تحدثت عنه تقارير عدة وهو الحق في الاعتراض على عودة بعض الأسرى الأمنيين الفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية إلى الضفة الغربية، وترحيلهم بدلا من ذلك إلى غزة أو إلى المنفى، وهو أمر غائب عن عرض حماس.
لماذا كل هذا مهم؟
الأولوية للضفة الغربية
أثار إطلاق سراح العشرات من الأسرى الأمنيين الفلسطينيين ليلا خلال صفقة الرهائن التي استمرت أسبوعا في نوفمبر، مشاهد ابتهاج في الضفة الغربية. وكما ذكر “تايمز أوف إسرائيل” في ذلك الوقت، “ليلة بعد ليلة، تم التلويح بالعشرات من رايات حماس الخضراء أمام الكاميرات، وارتداها الأسرى المفرج عنهم كعصابات للرأس – حتى في شوارع رام الله، معقل السلطة الفلسطينية التي تسيطر عليها فتح”.
الأسرى الأمنيون الذين تم إطلاق سراحهم كانوا من النساء والقاصرين.
على النقيض من ذلك، في ظل شروط حماس الآن، هناك العشرات والعشرات من الأسرى الذين يقضون فترات حكم طويلة وعقوبات بالسجن المؤبد، وقتلة وسفاحين وزعماء إرهاب – من ضمنهم مروان البرغوثي، الأكثر شعبية بين جميع الأسرى الأمنيين الفلسطينيين، الذي يقضي خمس فترات بالسجن مدى الحياة لقيامه بالتخطيط لهجمات دامية خلال الانتفاضة الثانية، وأحمد سعدات، الذي يقضي عقوبة بالسجن لمدة 30 عاما بتهمة التخطيط لاغتيال وزير السياحة رحبعام زئيفي في عام 2001 – سيخرجون من السجن، وسيعودون إلى الضفة الغربية.
من المتوقع أن ينظر فلسطينيو الضفة الغربية إلى إطلاق سراحهم، وفقا لحسابات السنوار، على أنه إذلال مذهل لإسرائيل، وإدانة للسلطة الفلسطينية، التي فشلت في إطلاق سراحهم، وانتصار مذهل لحماس.
ووسط ما يمكن اعتباره إثباتا لتصميم حماس العنيد على تدمير إسرائيل، وكدليل على نجاح تكتيكاتها واستراتيجيتها لتحقيق هذا الهدف، يتوقع السنوار بشكل موثوق أن النشوة المصاحبة لعودة الأسرى ستعزز حماس باعتبارها القوة التي لا مثيل لها وحامل راية القضية الفلسطينية، مما سيؤدي إلى زيادة الدعم لحماس في الضفة الغربية وتوحيد الفلسطينيين في الضفة الغربية خلف الحركة، وتهميش السلطة الفلسطينية الفاشلة بالفعل، وبزوغ فجر حقبة جديدة من تصاعد العنف والإرهاب ضد إسرائيل.
إلغاء الصفقة
وفي هذه المرحلة المبكرة من الصفقة المزعومة المكونة من ثلاث مراحل وستكون مدتها 18 أسبوعا، لن يكون لدى حماس حافز كبير للمضي قدما في هذه العملية. ولن يتبقى الكثير من الأشياء الثمينة التي سيكون بالإمكان أن تنتزعها من إسرائيل.
والأهم من ذلك أن إسرائيل لن يكون لديها سوى القليل من قدرة التأثير المتبقية على حماس، إن وُجدت.
سيكون من دواعي سرور حماس أن تحسب إلى أي مدى ستمضي قدما في الصفقة قبل إلغائها – حيث توفر المراحل “المترابطة” المعلنة لاقتراحها لها العديد من الفرص للقيام بذلك. ستكون حماس قادرة على حساب اللحظة المناسبة لوقف إطلاق سراح الرهائن، والقيام بذلك بطريقة مصممة لخداع أكبر عدد ممكن من الناس وجعلهم يظنون أن الإسرائيليين هم الطرف المذنب والرافض – كما فعلت بنجاح ليل الاثنين عندما زعمت كذبا أنها وافقت على اتفاق وقف إطلاق النار.
وسوف تفعل حماس ذلك وهي تعلم أن الولايات المتحدة تريد أن تتوقف الحرب وأن تظل متوقفة. أعربت إدارة بايدن عن غضبها علنا من إسرائيل منذ أشهر بسبب ارتفاع عدد القتلى في صفوف المدنيين في غزة، وهي في حاجة ماسة إلى تأمين وقف إطلاق النار والمحافظة عليه وسط حملة انتخابية ومع توترات هائلة داخل الجامعات الأمريكية وخارجها. وستكون الإدارة الأمريكية، التي علقت بالفعل إرسال أسلحة إلى إسرائيل بهدف منع الجيش الإسرائيلي من مهاجمة حماس في معقلها الأخيرة في رفح، ونظرا لعدم ثقتها العميق برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وائتلافه اليميني المتطرف، مترددة للغاية في تقديم الدعم الدبلوماسي والأسلحة للسماح باستئناف عملية عسكرية إسرائيلية.
خلاصة الكلام
على هذا، فبموجب الشروط التي وضعتها، تتوقع حماس الصمود، وإعادة تسليح نفسها وفرض سيطرتها الكاملة على غزة، وترسيخ تفوقها في الضفة الغربية. إسرائيل ستتعرض للهجوم على جبهات متعددة. الرؤية الأمريكية الطموحة والمستبعدة التي تكون بموجبها إسرائيل مندمجة في المنطقة، وفي سلام مع المملكة العربية السعودية، ومع سلطة فلسطينية تحكم الضفة الغربية وقطاع غزة بعد إصلاحها، سوف تتحطم، وسيظل معظم الرهائن محتجزين في غزة دون أي احتمال للإفراج عنهم، وستكون إسرائيل أكثر تشتتا وضعفا من أي وقت مضى.
ليلة الاثنين، بعد وقت قصير من إعلان مكتب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية موافقة الحركة الظاهرية على وقف إطلاق النار، قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إنه تحدث مع هنية، الذي أكد له أن “الكرة في الملعب المعاكس. نحن صادقون في نوايانا”.
وبالفعل فإن الوثيقة لا تترك مجالا للشك بشأن نوايا حماس، كل ما عليكم فعله هو قراءتها فحسب.