سائق حافلة عربي أنقذ 30 إسرائيليا من الهجوم الذي نفذته حماس على حفل موسيقي في جنوب البلاد
يوسف الزيادنة يروي كيف قاد حافلته إلى خطة النار، ووضع فيهاعددا من رواد الحفل الجرحى والمذعورين ضعف عدد مقادعها الـ14؛ سائق الحافلة ينتقد أيضا اهمال الدولة لمجتمعه البدوي
جيه تي ايه – كل يوم عند الساعة الرابعة عصرا، يتلقى يوسف الزيادنة مكالمة هاتفية من طبيب نفسي. في كل مساء يجلس في شرفته لاحتساء القهوة وتدخين سيجارة ويعيد في ذهنه أسوأ ما رآه على الإطلاق.
ما بدأ كروتين يومي بالنسبة لزيادنة، وهو مواطن عربي (47 عاما) من سكان مدينة رهط البدوية، تحول إلى كابوس لا يمكن تصوره قبل أسبوعين. كسائق حافلة، يقضي الزيادنة أيامه بنقل ركاب في أنحاء جنوب إسرائيل.
ولكن في 7 أكتوبر، تم استدعاؤه لنقل أحد زبائنه الدائمين حيث اندفع مسرعا إلى داخل الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل. ويُنسب إليه الفضل في إنقاذ 30 شخصا، جميعهم من اليهود الإسرائيليين، من الهجمات التي وقعت في مهرجان “سوبر نوفا” الموسيقي بالقرب من الحدود الجنوبية لإسرائيل، حيث تفادى الرصاص وانحرف عن طرق لإيصال ركابه إلى بر الأمان.
إحصل على تايمز أوف إسرائيل ألنشرة أليومية على بريدك الخاص ولا تفوت المقالات الحصرية آلتسجيل مجانا!
وقال الزيادنة لوكالة “جويش تلغراف”: “لا أتمنى أبدا أن يرى أي شخص ما رأيته. هذه صدمة ستلازمني كل حياتي. عندما أجلس وحدي وأتذكر، لا أستطيع أن أوقف دموعي”.
شهدت الهجمات التي نفذتها حماس في 7 أكتوبر تسلل نحو 2500 مسلح عبر الحدود إلى إسرائيل من قطاع غزة عن طريق البر والجو والبحر، مما أسفر عن مقتل حوالي 1400 إسرائيلي واحتجاز حوالي 250 رهينة تحت غطاء سيل من آلاف الصواريخ التي تم إطلاقها على المناطق الإسرائيلية. وقُتل أكثر من 260 شخصا في مهرجان “سوبر نوفا”، في هجوم وصفه الرئيس الأمريكي جو بايدن بأنه “أسوأ مذبحة ضد الشعب اليهودي منذ المحرقة النازية”.
انضم الزيادنة إلى مجموعة من الأشخاص الذين تمكنوا من تنفيذ عمليات إنقاذ جريئة أثناء الهجوم. نشر أحد الأشخاص الذين أنقذهم سائق الحافلة قصة الزيادنة على وسائل التواصل الاجتماعي بعد فترة وجيزة.
وكتب عميت هدار باللغة العبرية في منشور تمت مشاركته على نطاق واسع بدءا من 7 أكتوبر أن الزيادنة هو “رجل أكبر من الحياة وسنكون مدينين له إلى الأبد… عندما نصل، بمشيئة الله، إلى أيام أفضل، احفظوا الرقم للمرة القادمة التي تحتاجون فيها إلى توصيلة – إذا كان هناك من يستحق ذلك، فهذا الشخص هو أحدهم”.
لكن في الوقت نفسه، يشعر الزيادنة بالحزن على ابن عمه الذي قُتل أثناء الهجوم، وبالقلق على أربعة أفراد آخرين من العائلة ما زالوا في عداد المفقودين. كما تلقى تهديدا من شخص ادعى أنه تابع لحركة حماس، توعده بالانتقام على جهوده لإنقاذ اليهود بعد أن تم سردها في إحدى الصحف المحلية. كما أنه يخشى من أن أبناء مجتمعه البدو، وهم أقلية لا تزال مهمشة بطرق عدة داخل المجتمع الإسرائيلي، معرضون للخطر نظرا لعدم وجود ملاجئ في رهط.
الضغط الناتج عن كل ذلك أوصله بالفعل إلى غرفة الطوارئ بسبب آلام في الصدر – لكنه مصمم على المضي قدما.
وقال الزيادنة في 17 أكتوبر، بعد 10 أيام من الهجوم: “عندما أفكر في الأمر، أتساءل كيف خرجنا من هناك. أعتقد أنه قُدر لنا أن نعيش لفترة أطول في هذا العالم”.
بدأ الزيادنة يومه في 7 أكتوبر في ساعات الفجر، حيث قام بايصال هدار وثمانية من أصدقائه من بلدة عومر إلى الحفل في كيبوتس رعيم في الساعة الواحدة فجرا، وغادر الموقع مع تعليمات له بالعودة لأخذهم من هناك في اليوم التالي في الساعة الثالثة بعد الظهر.
ولكن في الساعة السادسة صباحا تلقى مكالمة من هدار لطلب المساعدة. معتقدا أن طلب المساعدة كان بسبب انطلاق صفارات الإنذار التي تنذر بقدوم صواريخ من غزة، أسرع الزيادنة إلى حافلته.
وروى الزيادنة قائلا: “لم أغسل وجهي، ولم أرتد حتى ملابسي. هذا ما اعتدنا عليه هنا في الجنوب”.
ولكن بمجرد وصوله إلى تقاطع سعد، على بعد ميل واحد من كفار عزة، أحد التجمعات السكنية الحدودية لغزة التي شهدت ذروة الهجوم في 7 أكتوبر، بدأت صورة جديدة في الظهور. ركض نحوه رجل كان قد هرب من الحفل وأشار بانفعال شديد إلى الزيادنة بأن يستدير للخلف. الزيادنة، الذي لم يستوعب ما يدور من حوله، خرج من الحافلة ليتحدث مع الرجل. وبعد لحظات، علق هو والرجل والمرأة التي كانت برفقته، وسط إطلاق النار.
وروى الزيادنة: “كان الرصاص يتطاير في كل مكان”، مضيفا أن الثلاثة ركضوا للاختباء في حفرة على جانب الطريق، وقال “رفعت رأس وقال لي الرجل ’لماذا تفعل ذلك؟ ستصاب برصاصة في رأسك’”.
وقال الزيادنة للزوجين، اللذين لم يصدقا ما يسمعانه، إنه سيواصل طريقه إلى موقع الحفل. وروى قائلا: “لقد حدقت بالموت في وجهه. لكنني كنت أعلم أنني لا أستطيع التخلي عن مهامي. سأذهب وأنقذهم”.
شق الزيادنة طريقه تحت إطلاق النار ونجح بالوصول إلى الركاب في موقع الحفل في رعيم حيث ساد جحيم من الجثث والدماء والرصاص. وقال: “قلت لهم أن يحضروا أكبر عدد ممكن”. وتكدس أربعة وعشرون شخصا إضافيا في السيارة ذات الـ 14 مقعدا، وفي الطريق أنقذوا شخصين آخرين، أصيبت إحداهن برصاصة في ساقها. ويروى الزيادنة إنه رأى أيضا طائرة شراعية تابعة لحماس تحلق في السماء، وتطلق الرصاص من مدفع رشاش على المحتفلين.
تحت إطلاق النار المستمر، انطلقت الحافلة الصغيرة مسرعة. أثبتت معرفة الزيادنة العميقة بالتضاريس أهميتها في إنقاذ حياته وحياة من معه، حيث تمكن من قطع طريق عبر طرق ترابية، متجنبا الطريق الرئيسي حيث نصب المسلحون كمينا لمن حاول الهروب. وقال إن العديد من السيارات الأخرى حذت حذوه وتبعت الحافلة الصغيرة.
ملأت صرخات الرعب والألم حافلته الصغيرة بينما كان ركابها يعالجون جروحهم ويحاولون يائسين الاتصال بأقاربهم وسط تشويش الإشارات الخلوية. وصلت الحافلة إلى حاجز على طريق تحرسه الشرطة، وقال لهم أحد الشرطيين إنه لا توجد طريقة للوصول إلى المستشفى لعلاج المرأة لأن المسلحين منتشرون، وقام بتوجيههم إلى كيبوتس تسياليم القريب، حيث مكثوا هناك حتى وقت متأخر من بعد الظهر عندما أعلنت قيادة الجبهة الداخلية أخيرا أنه من الآمن مغادرة المكان.
وأكد هدار الرواية الزيادنة لكنه رفض التحدث أكثر إلى جيه تي ايه.
لجأ 400 شخص من الحفل إلى الكيبوتس، وبحسب الزيادنة، تم الاعتناء بهم بشكل جيد، وقال: “لقد قدموا لنا كل ما نحتاجه، الطعام وأجهزة الشحن وحتى السجائر”.
في النهاية، عاد الزيادنة إلى رهط حيث لا يوجد في منزله، مثل الأغلبية الساحقة من سكان المدينة، غرفة محصنة. في البلدة التي تضم 75 ألف نسمة، هناك عشرة ملاجئ عامة فقط – وهي حقيقة يشتكى منها رئيس البلدية، عطا أبو مديغم، لسنوات. يوم الثلاثاء، قدم أبو مديغم طلبا للحصول على 60 ملجأ متنقلا.
الضحايا البدو
بحسب أبو مديغم، الذي التقى مع الزيادنة لتقديم الشكر له بعد عدة أيام من الهجوم مع ممثلين عن الجيش والشرطة، إن ثلاثة من سكان رهط قُتلوا في هجوم 7 أكتوبر، اثنين منهم من أقارب رئيس البلدية، وأحدهم من عائلة الزيادنة: عبد الرحمن قُتل على أيدي مسلحي حماس بينما كان نائما في خيمة على شاطئ زيكيم، كما يقول الزيادنة.
وأصيب سبعة أشخاص من رهط، من ضمنهم طفل في الصف الثاني تعرض لرصاصة في الصدر. كما قال أبو مديغم إنه تم الإبلاغ عن فقدان خمسة آخرين، أربعة منهم من عائلة الزيادنة. (من بين مئات الرهائن الذين يُعرف عن تواجدهم في غزة هناك مواطنون بدو، كما أن حماس تحتجز شابا بدويا يدعى هشام السيد، منذ عام 2015، بعد أن دخل سيرا على الأقدام إلى غزة).
وقال رئيس البلدية إن الخطر الأكبر يهدد الذين يعيشون في قرى الخيام غير المعترف بها في المنطقة، والتي لا تتمتع بأي حماية من إطلاق الصواريخ.
وقال أبو مديغم لجيه تي ايه: “ينبغي على الدولة أن تقوم بتغيير طريقة تفكيرها وأن تبدأ باحترام المجتمع البدوي. من الغباء الاستمرار برفض الارتباط بالقوى البشرية الهائلة الموجودة لدينا هنا”.
ويأمل الزيادنة أن تؤدي أفعاله إلى مزيد من التقدير والدعم للمجتمع البدوي، وقال: “بعد ذلك، يتعين على الحكومة أن تقوم بعمل أفضل في الاعتناء بنا لأننا أيضا جزء من هذه الدولة. نحن شعب واحد – نحن إسرائيليون. نعيش هنا معا وعلينا أن نسير جنبا إلى جنب”.
يسعى الزيادنة في الوقت الحالي إلى تحسين صحته النفسية وتنحية المخاوف بشأن التهديد بالقتل الذي تلقاه جانبا، حيث قال له الشخص الذي هدده عبر الهاتف، بحسب الزيادنة، “لقد أنقذت حياة 30 يهوديا. أنا من غزة ولكن لا تقلق، سنصل إليك”.
وأكد أبو مديغم المكالمة لجيه تي ايه وقال الزيادنة إن الشرطة الإسرائيلية تحقق في مصدرها؛ ولم يستجب المتحدثون باسم الشرطة لطلبات التعليق. وواجه عرب إسرائيليون آخرون، ممن اكتسبوا اهتمام الرأي العام لمساعدتهم اليهود، الانتقام إلى جانب الاستحسان.
وقال الزيادنة إن الأمر الأكثر أهمية من التهديدات هو العدد الهائل من رسائل الدعم، التي قال إنها جاءت من جميع أنحاء العالم. وقد ظهر علنا إلى جانب يائير غولان، وهو جنرال متقاعد ونائب سابق في الكنيست شارك هو بنفسه أيضا في عمليات إنقاذ. كما تمت دعوته من قبل السفارة الإسرائيلية في دبي ليروي قصته للجمهور الإماراتي.
وهناك، سيشارك قصة كان من الممكن أن تنتهي بكل بساطة بمأساة.
وقال الزيادنة: “كان لدي خيار العودة. رجل أضعف ربما كان سيقوم بالدوران للخلف عند ذلك المفرق. لكنني قلت لنفسي مستحيل، سألقي بنفسي في الموت إذا كان ذلك يعني أنني أستطيع إنقاذ الأرواح”.