رفض عودة العمال الفلسطينيين يفتح الباب للفساد والاستغلال
يُسمح للفلسطينيين بالعمل في المستوطنات وعلى خط التماس - وليس في إسرائيل؛ بدلاً من إعادتهم تدريجياً، ضاعفت الحكومة من مساعيها لجلب قوى عاملة أجنبية؛ القرار يفتح باباً واسعاً للفساد والاستغلال
لقد كلف النقص المستمر في العمال الفلسطينيين الاقتصاد الإسرائيلي خسارة في الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 21 مليار شيكل منذ بداية الحرب. أرباب العمل في مجالات الزراعة والبناء والصناعة في حاجة ماسة إلى العمال – وغياب 104 ألف عامل عبر الخط الأخضر كل يوم مع تصريح فقد يزيد من الضغط على الأسعار المتصاعدة، والتي لها أسباب أخرى، منها الهيكلية والخارجية وتلك التي تسببت بها الحكومة.
غياب العمال بعد سبعة أشهر من اندلاع الحرب هو فشل كامل للحكومة والنتيجة هي رمي محاصيل قيمتها مئات ملايين الشواقل في سلة المهملات، وتأخيرات في مشاريع البنية التحتية والبناء الأساسية وانخفاض في سعة الإنتاج.
ووفقا لسلطة السكان، دخل في شهر مارس 6000 عامل إلى إسرائيل من الضفة الغربية، معظمهم في المناطق الصناعية على طول خط التماس. من المستحيل أن نفهم لماذا يمكنهم الدخول، ولكن عشرات الآلاف الآخرين محظورين من ذلك.
وفي تقرير للجنة العمال الأجانب في الكنيست، أكدت السلطة الفلسطينية أيضا ما نشر هنا قبل بضعة أسابيع، بشأن سحب العمال الفلسطينيين لمدخراتهم. ودفع المأزق الوجودي نحو 74 ألف فلسطيني إلى تقديم طلب لسحب مبكر للأموال.
سحب أموال المدخرات يجبر هؤلاء الفلسطينيين على التخلي عن تصاريح عملهم (سيتعين عليهم دفع رسوم وساطة جديدة في حال أرادوا العودة إلى العمل هنا في المستقبل)، وقطع استمرارية التأمين، وفي معظم الحالات يكلفهم أيضا دفع ضرائب كبيرة.
وفي الوقت نفسه، وصل إلى إسرائيل حوالي 7000 عامل من الهند وسريلانكا وتايلاند ودول أخرى منذ بداية الحرب، بواسطة مقاولي القوة العاملة. ويتم جلبهم في الغالب خارج نطاق الاتفاقيات الثنائية مع بلدان المنشأ ويضطرون إلى دفع رسوم وساطة تبلغ عدة آلاف من الدولارات. والنتيجة هي أنهم يصلون البلاد مع ثقل على أعناقهم مما يتركهم دون حماية أو قدرة على الدفاع عن أنفسهم ضد احتجاز الأجور أو ظروف العمل السيئة.
وحتى لو حصلوا على الأجور والشروط التي يستحقونها، فإنهم في الواقع يعملون لفترة طويلة من الزمن مجانا لسداد رسوم الوساطة.
فهل تستطيع الحكومة تفسير التناقضات في السياسة القائمة لتجنب عودة العمال الفلسطينيين الرسمية؟ لماذا بعد أن حذرت وزارة الخزانة من الخسارة في الناتج المحلي الإجمالي بالفعل في شهر يناير، لم يتم اتخاذ القرار غير الشعبي بإعادة العمال من الضفة الغربية بعد؟
كيف يمكن أن يترك مقاولو البناء بدون عمال وأن يأتون للعمل مع أطفالهم لكسب لقمة العيش؟ كيف يمكن أن يحصل آلاف العمال من الضفة الغربية على تصريح عمل استثنائي أو تصريح دخول لأغراض الرعاية الاجتماعية و/أو الاحتياجات الشخصية ظاهريا، ويدخلون فعليًا للعمل في إسرائيل؟
إذا كان دخول الفلسطينيين إلى إسرائيل خطيرا، فلماذا تغض السلطات الطرف عن حظرهم من المرور عبر حاجز مكابي ولكنهم يتمكنون من الدخول عبر ثغرات في السياج على بعد 800 متر جنوب شرق الحاجز؟
كيف يمكن أن هؤلاء العمال الذين حصلوا على الموافقة الاستثنائية للعمل في إسرائيل، أصبحوا الآن هم أنفسهم مقاولين، معفيين من الضرائب والإشراف، ويفوزون في مسابقة الأسعار ضد أصحاب عملهم السابقين، من خلال عرض أسعار أرخص؟
يسمح لآلاف العمال الفلسطينيين بالعمل في المستوطنات. إذا كان هناك تصريح لهؤلاء الآلاف من العمال بالعمل في الضفة الغربية وخط التماس، فلماذا لا يسمح لهم بالدخول إلى مناطق الخط الأخضر؟
“الفوضى وغض البصر”
لم يتم طرح هذه الأسئلة من قبل مراقب خارجي أو عضو في المعارضة يمكن اعتباره يساريا أو خائنا أو شخصا يمارس السياسة أثناء الحرب. من طرح هذه الأسئلة، وما زال يطالب بإجابات، هو في الواقع عضو الكنيست إلياهو رافيفو من حزب الليكود، رئيس لجنة العمال الأجانب في الكنيست، في محاولة لفهم غياب المنطق الذي يوجه الحكومة فيما يتعلق بهذه القضية.
“إلى متى ستظل الفوضى وغض البصر ودفن الرأس مثل النعامة ترافقنا؟” سأل رافيفو في الجلسة الأخيرة التي عقدتها اللجنة وقبل جلسة الاستماع يوم الاثنين.
وبدلا من القيام بالأمر البسيط والمطلوب وإعادة العمال من الضفة الغربية وفق الشروط الأمنية المطلوبة، نشرت الحكومة قرارا في منتصف الشهر بعنوان “كفاءة وتحسين الرقابة والإنفاذ لتشغيل العمال الأجانب”.
في الواقع، يحمل هذا القرار بعض الأمور الإيجابية، مثل إلزام أصحاب العمل بإيداع وديعة للعمال الأجانب وتعزيز نظام حفظ حقوقهم. ومع ذلك، بين الكلمات الكثيرة، تستر الخلاصة التي تسمح لمقاولي القوة العاملة بإحضار ما يصل إلى 330 ألف عامل أجنبي إلى إسرائيل.
وحتى فيما يتعلق بالادعاء بزيادة إنفاذ القانون لمنع الاتجار والعبودية، ذكرت منظمة “عنوان العامل” أنه لا يعني الكثير، لأن سلطة السكان تكتفي حتى الآن بتوجيد تحذيرات إدارية لأصحاب العمل الذين ينتهكون القانون، ولم تفرض علهم غرامات مالية أو تلغي تصاريح عملهم.
80 مقاولا إضافيا يمكنهم إحضار عمال من الخارج
قرار الحكومة يكسر حاجز الاستيراد الجماعي للعمال الأجانب خارج نطاق الاتفاقيات الثنائية مع بلدان المنشأ، وسيؤدي إلى إدامة “ظاهرة المدفوعات الضخمة المرفوضة للوسطاء المشكوك فيهم وحتى لأصحاب العمل”، في حين يخلق سوق سوداء غير مُعلن عنها ويستعبد العمال للديون، مما سيقودهم، وفقاً لتجارب الماضي، حالة من العمل غير مدفوع الأجر – وسيجعلهم عرضة بشكل خاص للاستغلال والعمل القسري.
وقبل قرار الحكومة، كان هناك 40 مقاول قوى عاملة يسمح لهم بإحضار العمال إلى إسرائيل. وبعد القرار ارتفع عددهم إلى 120. وقالت منظمة “معا” العمالية ردا على ذلك إن هذا سوف يسحق إمكانية مراقبة هؤلاء المقاولين، “وبالتالي يفتح الباب أمام الفساد والاتجار بالبشر”.
وأضافت أن إلغاء الحصص القطاعية وحظر تشغيل الأجانب في دور رعاية المسنين والتنظيف والتعبئة سيؤدي إلى استبدال الإسرائيليين بالأجانب في هذه القطاعات وتشغيلهم في ظل ظروف استغلال قاسية. علاوة على ذلك، وفي غياب العمل من أجل دمج الرجال الحريديم والنساء العربيات، فإن هذا القرار يشكل “ضربة قاتلة لسوق العمل في إسرائيل”.
ويشير القرار إلى خلق منافسة بين مقاولي القوى العاملة في جلب العمال الضروريين دون التدخل في أسلوب جلبهم ودون إجراء فحوصات على تدريبهم في بلد المنشأ، ومع إعطاء الوزارات الحكومية الفرصة للتوصية للجنة الرؤساء التنفيذيين عدد العمال الضروريين. ولكن وزارة الزراعة تطالب منذ فترة طويلة بإحضار العمال، وهذا لم يحدث بعد.
ويستمر بتسلئيل سموتريش وبنيامين نتنياهو في تجاهل توصية الرتب المهنية في وزارات المالية والدفاع وبنك إسرائيل بشأن الحاجة الملحة إلى عودة بعض العمال الفلسطينيين على الأقل إلى إسرائيل.
مضاعفة عدد مقاولي القوى العاملة الذين سيتمكنون من جلب العمال من الخارج ستزيد بشكل كبير من صعوبة الإشراف على هذا القطاع الرمادي. ومن المستبعد أن يسد هذا القرار النقص في العمال في إسرائيل ويخفف بعض الضائقة الاقتصادية الهائلة في السلطة الفلسطينية. لكنه بدلا من ذلك يفتح ثغرة كبيرة للفساد والاستغلال.