رحلة عبر الجليل على خطى صلاح الدين الايوبي
مراسل تايمز أوف إسرائيل ينضم إلى مجموعة لإعادة تمثيل التاريخ في (جزء) من رحلتها السنوية عبر الشمال لتمثيل معركة ’قرون حطين’
تحت غطاء الظلمة، تسللت من معسكر للصليبيين عند نبع صفورية وانطلقت في ليل الجليل. اختتم الملك غي دي لوزينيان ورجاله مؤتمرهم الذي خرجوا فيه بقرار السير نحو طبريا لمواجهة جيش صلاح الدين. عند سماعي لخطتهم في المشي الطويل عبر الحرارة الحارقة في دروع معدنية وملابس صوف ثقيلة، أعدت التفكير في مشاركتي في مهمة محتوم عليها بالفشل.
علاوة على ذلك، بطارية هاتفي المحمول وصلت إلى 28%، والسروال الذي صنع لمحاكاة سراويل القرن الثاني عشر كان يحك الجسم أكثر من ورق الزجاج. حيفا المعاصرة ليست بعيدة وبإمكاني الوصول في الوقت قبل نداء ‘آخر كاس’ في الحانات إذا أسرعت.
دعونا نرجع بضع ساعات إلى الوراء.
إحصل على تايمز أوف إسرائيل ألنشرة أليومية على بريدك الخاص ولا تفوت المقالات الحصرية آلتسجيل مجانا!
في وقت سابق من يوم الخميس وصلت إلى مقر مملكة القدس – منزل غناديي نيزنيك، مرشد سياحي وطالب علم الآثار يقوم سنويا بتنظيم إعادة تمثيل لمعركة “قرون حطين”. فُتح باب الشقة ليظهر من ورائه أوكراني عاري الصدر صاحب بطن كبير صاخب لحية شهباء وعينين زرقاوين رائعتين وندبة كبيرة على بطنه – من دون شلك جرح كبير أصيب به خلال معركة. نيزهنيك، الذي سيلعب دور الملك غي، وقف وقفة ملوكية على الرغم من ارتدائه بنطلون ضيق أزرق محزم بحزام جلدي فقط. أمرني بوضع جلابية ووشاح عربي على الرأس والتوجه بعد ذلك إلى الحافلة التي انتظرت في الخارج.
على مدى السنوات القليلة الماضية، نيزهنيك ومجموعة صغيرة من أتباعة وضعوا على أنفسهم زي من القرون الوسطى ودروع، وقضوا بضعة أيام في شهر يوليو يعيدون تمثيل خطوات الجيش الصليبي، ويشنون معركة وهمية في حقل غربي بحيرة طبريا. جزء من ذلك هو لعب أدوار (LARP) وجزء آخر للإثناء على من شارك في المعركة وجزء منه درس في التاريخ.
المعركة، التي دارت 589 عاما قبل اليوم الذي أعلنت فيه الولايات المتحدة عن إستقلالها، وضعت جيش مملكة القدس الصليبي في مواجهة جيش السلطان صلاح الدين، القائد المسلم من سلالة الأيوبيين.تعرضت القوات المسيحية المتعبة والعشطة لهجوم من قبل رجال صلاح الدين في طريقهم إلى طبريا الآمنة. جيش لوزينيان أقام معسكرا في حطين بدلا من مواصلة الطريق إلى البحرية. الجيش الإسلامي أحاط بهم، وأضرم النيران في الحقول، و”حلت الكارثة بالعالم المسيحي في مكان يُسمى قرون حطين”، كما كتب المؤرخ ويليام الصوري بعد سنوات من المعركة المصيرية.
بعد ثلاثة أشهر فقط من هذه الواقعة، سيطر صلاح الدين على القدس منهيا بذلك حوالي قرن كامل من الوجود الصليبي في الأراضي المقدسة.
طاقم مختلط من الإسرائيليين، من الإتخاد السوفييت سابقا بمعظمهم، تضمنت جنود الملك غي والجزء الأكبر من الفرقة التي تشارك في رحلة هذا العام التي تستمر لثلاثة أيام عبر الجليل. ست روسيين وألمانيين وصولوا خصبصا إلى البلاد للمشاركة في الحدث، وبذلك وصل عدد المشاركين إلى أكثر من 30 رجل وامرأة.
“كان هناك 18 في عالم الماضي [من روسيا] وستة فقط هذا العام”، كما قال نيزهنيك مع انطلاق مركبتنا من القدس، وعزا سبب ذلك إلى التضخم المستفحل في روسيا. قد تكون الفرنسية هي اللغة التي كانت سائدة في المملكة الصليبية، لكن الروسية كانت اللغة المسيطرة بين الممثلين، حيث تخللت معظم الجمل الكلمة البذيئة المستخدمة عالميا “بليات”. ثلاثة إسرائيليين فقط لم يكونوا من الناطقين بالروسية.
هذا العام تضمنة مهمة “مملكة القدس” أيضا شن حرب ضد خطة حكومية لبناء بلدة درزية جدية فوق موقع المعركة التاريخي. الخطة تهدد بدفن ميدان المعركة، ومعهم جزء هام من التاريخ، كما يقول نيزهنيك. في شهر يناير، احتج هو وفرسانه على المشروع أمام بيت رئيس الوزراء. في درع كامل.
امتلأت مقصورة الأمتعة في الحافلة ببراميل خشبية ورماح وسيوف وأقواس وسهام وخيام من القامس، ومعدات طبخ حديدية ودورع. وسرعان ما انطلقنا في طريقنا. رأس مصنوع من الورق المعجن ملطخ بدماء وهمية جلس في مقعد في الصف المقابل لمقعدي.
قال لي نيزهنيك: “هذا رأس عربي”.
الساعات كانت لا تزال ساعات ظهيرة، ولكن كان بالإمكان سماع صوت زجاجات البيرة في الجزء الخلفي من الحافلة وهي تسير في طريقها إلى الساحل.
***
مرتديا رداء عربيا يصل إلى الكاحلين وصندل جلدي وكوفية حول رقبتي، اقتربت من الفحص الأمني في مركز تجاري على الطريق بالقرب من حيفا. حدق المتفرجون مع دخول مجموعة الممثلين الذين ارتدوا ملابس يعود تاريخها إلى ما قبل تسع قرون. حارس الأمن، الذي بدا في حيرة من زيي، سألني إذا كنت أحمل سلاحا. أجبته بالنفي.
“اه، حسنا، صديقك حمل سلاحا”، قال لي، موجها إبهامه باتجاه فارس يسير نحو منطقة الطعام. رفع الحارس الآخر رفع سكين منزلي الصنع مع مقبض خشبي مع قطعة جلدية لحماية طرفه.
سألته: “هذا كل شيء؟”. وقلت: “عليك أن ترى السيف الذي معه في الحافلة”.
بعض السيدات في الإنتظار توجهت إلى بار عصائر في حين وقفت مجموعة من “الساراسين” عند الحافلة وقامت بلف السجائر.
***
بالقرب من الناصرة، توقفت الحافلة وبدأت القوات بالإستعداد لهبوط الليل بينما كانت الشمس لا تزال مشرقة. مع سيجارة متدلية تحت شاربه الخشن وقبعة حمراء شبيه بدمية جنس على رأسه، وزع بافل خرومون الأوامر بالروسية وقام بترتيب الأمور في المعسكر. في الوقت الذي لا يشارك فيه في إعادة التمثيل، يعمل كمبرمج في أحد البنوك الكبيرة.
جميع الأجهزة والحقائب الحديثة ينبغي أن تحجب عن الأنظار، والجميع يجب أن يكونوا بملابسهم من العصور الوسطى – من بينهم جندي إسرائيلي يكتب للصحيفة العسكرية “بمحانيه”. بعض المشاركين وضعوا علب البيرة في قطع قماش وارتشفوا منها مدمني الخمر. على الرغم من أن التبغ هو نبتة “العالم الجديد” ولم يعرف طريقه إلى الشرق الأوسط إلا بعد عدة قرون من “معركة حطين”، لم يكن هناك اعتراض على تدخينه على نطاق واسع. الهواتف المحمولة ظهرت من الجيوب لتصوير صورة عرضية وإرسال رسائل نصية.
خروموف أعطاني قبعة صفراء مع رأس مدبب بدا وكأن بإمكانه إلتقاط إشارة هاتف محول، وقال أنه بما أنني لست من “السراسين” ولست من الصليبيين، بإمكاني أن ألعب دور اليهود في المعسكر.
الحقل وراء نبع صفورية، التي تثعرف بالعبرية بـ”تسيبوري” وخلال العصور الروماني بـ”سيفوريس”، كانا مفضلا عن الجيوش على مدى قرون، كما فال نيزهنيك، بسبب المياه العذبة الوفيرة وسهولة الوصول إلى الطرق المؤدية الأراضي الداخلية عبر الجليل وجنوبا على طول الساحل.
وقال: “الرومان ونابليون وطبعا أصدقاؤنا الصليبيون، جميعهم توقفوا هنا”.
الخطة، كما قال، بينما تم رفع خيمة وإشعال نار صغيرة للطهي، هي تفكيك المعسكر في صباح اليوم التالي وقطع ما يقرب 20 كيلومتر تحت الشمس الصيفية، والمرور بنفس المسيرة الشاقة شرقا التي قاه بها الصليبيون قبل 800 عام. صباح السبت سيبدأ مع رحلة قصيرة على الأقدام باتجاه حطين، عندها ستبدأ المعركة الوهمية.
وقال: “رماه السهام يجب أن يطلقوا سهامهم عن بعد 25 متر على الأقل”، مهمة أحد الفرسان كانت إلصاق رؤوس مطاطية على أطراف الأسهم. وسرعان ما بدأ شرح حول كيفية إستخدام الرمح.
لاحظت أني من بين العدد القليل من الأشخاص الذين ارتدوا زيا إسلامية، بينما اختار معظم المشاركين لعب دور المقاتلين المسيحيين.
أحد “السراسين” ذات الضفائر أعطى توجيهات للمجموعة “هناك شيء من المهم جدا أن نصرخه [باتجاه الصليبيين]: كل كلب بيجي يومه”، مقدما عبارة أخرى في غير وقتها الصحيح.
يوري كارداشينكو (38 عاما) من أشدود، يشبه إلى حد كبير الممثل الذي يقوم بدور صامويل تارلي في مسلسل “صراع العروش”. قال أن مشاركته بدأت باهتمامه بتاريخ الصليبيين، وبعد القليل من البحث في محرك البحث “غوغل”، وصل إلى مجموعة نادي إعادة تمثيل “مملكة القدس” على موقع “فيسبوك”.
كان هذا العام الثاني الذي يشارك فيه في المعركة ومرة أخرى يلعب دور أحد الجنود في جيش صلاح الدين.
“الناس لا يريدون أن يكونوا مسلمين”، كمال قال. يتم تجديد المشاركين الجديد للعب دور “السارسين”، الذي يعانون دائما من نقص في عددهم. بعض الفرنجة يضرون إلى الإنتقال للطرف الآخر في خضم المعركة حتى يتمكن “الساراسين” من الإنتصار.
أنطون ماليكوف، من سانت بطرسبرغ، قام برحلته الأولى إلى إسرائيل خصيصا للمشاركة في الحدث. وضع قبعة من القش وارتدة سترة بلون البيج بدا فيها كفزاعة ما بعد انهيار الإتحاد السوفييتي. بينما قمنا بتعبئة برميل خشبي مليء بالنبيذ الرديء، قال بأن مشاركته في هذا الحدث كانت بمثابة فرصة له ليعيش حياة أخرى، للهروب إلى زمن ومكان آخر – وهو شعور يشاركه به الكثيرون.
***
مجموعة من الصبيان العرب وآبائهم توقفوا عند النبع لأخذ استراحة من الحر في الساعات الأخيرة قبل إفطار رمضان. صوت وقع حوافر خيول مرقطة بالرمادي امتطاها فتيان تسابقوا فيما بينهم ذهابا وإيابا على أطراف مخيم الصليبيين. ألقيت عليهم التحية بقول “السلام عليكم” مع اقترابي من النبع (فكنت لا أزال في النهاية أرتدي زيا عربيا).
“وعليكم السلام. هل يصورون فيلما هنا؟” سألتي رجل في منتصف العمر في حيرة من أمره، مشيرا إلى المجموعة بالملابس التنكرية التي كانت مشغولة في المعسكر. وصل طالب للسينما سيقوم بتوثيق الرحلة، وحلقت طائرة بدون طيار مع كاميرا في سماء المنطقة.
وضحت له: “لا، إنهم يعيدون تمثيل معركة الصليبيين ضد صلاح الدين”.
“اه”، قال بينما حك ذقنه من ثم تساءل: “مع سيوف؟ هكذا؟” مقلدا إعادة تمثيل المعركة المنتظر.
أومأت برأسي. وهو أيضا، وكان لا يزال في حيرة من أمره.