رئيس الحكومة اللبنانية الجديدة يتعهد الإصلاح وبناء “الثقة” مع المجتمع الدولي
الإعلان يأتي على وقع تغييرات في موازين القوى السياسية بعد إضعاف حزب الله؛ الولايات المتحدة ترحب بالإعلان بعد التأكيد أن مشاركة حزب الله "خطًا أحمر"

تعهد رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام السبت تنفيذ خطوات إصلاحية وبناء “الثقة” مع المجتمع الدولي، مع تأليفه حكومة جديدة تضع حدا لأكثر من عامين ونصف عام من تصريف الأعمال في السلطة التنفيذية، وذلك على وقع تغييرات في موازين القوى السياسية بعد إضعاف حزب الله إثر حرب مدمّرة مع إسرائيل.
وتواجه الحكومة التي تعهّد سلام أن تركز على “الإصلاح والانقاذ”، تحديات أبرزها إعادة الإعمار وتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، وتنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية تشترطها الدول المانحة لدعم لبنان الذي يعاني من تبعات أزمات عدة منها انهيار اقتصادي غير مسبوق.
وأتى تشكيل الحكومة غداة تأكيد مسؤولة أميركية من لبنان أن واشنطن تعارض مشاركة حزب الله المدعوم من إيران في الحكومة المقبلة، بعد “هزيمته” عسكريا من قبل حليفتها إسرائيل.
ومنذ منتصف 2022، تولت حكومة برئاسة نجيب ميقاتي تصريف الأعمال بعدما حالت تجاذبات بين حزب الله وخصومه دون انتخاب رئيس جديد للجمهورية عقب انتهاء ولاية ميشال عون الذي كان حليفا للحزب.
وبضغط دولي خصوصا من الولايات المتحدة والسعودية، انتخب قائد الجيش جوزاف عون رئيسا جديدا في يناير، وذلك بعد أسابيع من سريان وقف إطلاق النار في حرب تعرّض خلالها حزب الله لضربات مؤلمة.
وتمّ تكليف سلام الذي كان رئيسا لمحكمة العدل الدولية، تشكيل حكومة جديدة.

وقال سلام في كلمة من القصر الجمهوري في بعبدا إثر لقاء مع عون ورئيس البرلمان نبيه بري “إن الإصلاح هو الطريق الوحيد الى الإنقاذ الحقيقي”.
وأوضح أن ذلك يأتي عبر “تأمين الأمن والاستقرار في لبنان عبر استكمال تنفيذ القرار 1701 واتفاق وقف اطلاق النار ومتابعة انسحاب إسرائيل حتى آخر شبر من الأراضي اللبنانية، وذلك بالتلازم مع إعادة الإعمار”.
أضاف “ستسعى هذه الحكومة إلى إعادة الثقة بين المواطنين والدولة وبين لبنان ومحيطه العربي وبين لبنان والمجتمع الدولي”.
وسيكون سلام (71 عاما) على رأس حكومة من 24 وزيرا بينهم خمس وزيرات مثل الأمينة العامة للمجلس الوطني للبحوث العلمية تمارا الزين (وزيرة للبيئة)، والخبيرة السابقة في البنك الدولي حنين السيد (الشؤون الاجتماعية).
ومن أبرز الحقائب وزارة المالية التي سيشغلها ياسين جابر المقرب من برّي حليف حزب الله. ورفضت أطراف داخلية أن يتولى الثنائي حزب الله وحركة أمل تسمية من يتولى هذه الوزارة، أو أن تبقى ضمن حصة الطائفة الشيعية.
وضمت الحكومة أسماء معروفة أبرزها غسان سلامة المبعوث السابق للأمين العام للأمم المتحدة الى ليبيا، العائد الى وزارة الثقافة.
غير حزبيين
سبق لسلام أن أكد رفضه ضمّ حزبيين أو مرشحين الى الانتخابات النيابية المفترض إجراؤها العام المقبل، مشددا على معايير الكفاءة والسيرة المهنية.
وبينما غابت الأسماء الحزبية، سمّيَ العديد من الوزراء بالتشاور مع قادة الأحزاب في بلد يقوم على المحاصصة السياسية والطائفية، ولا سيما أن الحكومة تحتاج لنيل الثقة في برلمان تهيمن عليه القوى التقليدية.
وشدد عون على أن التأليف استند الى معايير “الكفاءة والخبرة والاختصاص”.
وتعقد الحكومة جلستها الأولى الثلاثاء 11 فبراير في القصر الجمهوري. وأمامها مهلة دستورية من 30 يوما من تاريخ إصدار مراسيمها، لإعداد بيان وزاري تتقدم على أساسه لنيل الثقة.
وأكد سلام أنه سيركّز على “قيام دولة القانون والمؤسسات”، وعزمه “على إرساء الأسس الضرورية للإصلاح والإنقاذ”.
ولقي تشكيل الحكومة ترحيبا دوليا، مع تأكيد أولوية الإصلاح.

وقالت السفارة الأميركية “يستحق الشعب اللبناني حكومة ستعيد بناء مؤسسات الدولة اللبنانية، تكافح الفساد، وتطبّق الإصلاحات الضرورية”، داعية الى “بيان وزاري يساعد لبنان على… رسم مسار نحو تحقيق هذه الأهداف”.
وأعلن قصر الاليزيه أن الرئيس إيمانويل ماكرون هنّأ المسؤولين اللبنانيين على تأليف الحكومة، مؤكدا “وقوف فرنسا الى جانب لبنان لمواجهة التحديات المتعددة” أمام الحكومة الجديدة.
وأكدت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس الاستعداد “لدعم الحكومة الجديدة في تنفيذ أجندة إصلاحية وتطلعية، وإعادة إطلاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي ولبنان من خلال تنظيم مجلس شراكة هذا العام”.
وأتى تشكيل الحكومة غداة تأكيد واشنطن أنها تعارض مشاركة الحزب في الحكومة بعد “هزيمته” عسكريا.
وقالت مورغان أورتاغوس، نائبة المبعوث الأميركي الى الشرق الأوسط، الجمعة “وضعنا في الولايات المتحدة خطوطا حمراء واضحة، تمنعهم (حزب الله) من ترهيب الشعب اللبناني، بما في ذلك عبر مشاركتهم في الحكومة” المقبلة.
“فصل جديد ومشرق”
بدورها، قالت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جينين هينيس-بلاسخارت “إن تشكيل الحكومة اليوم يمهد لفصل جديد ومشرق للبنان”.
أضافت “تتطلع الأمم المتحدة إلى العمل مع حكومة لبنان في جهودها الرامية إلى تعزيز الإصلاحات الأساسية وتوطيد الأمن والاستقرار من خلال التنفيذ الكامل للقرار 1701”.
ووضع القرار حدا للأعمال القتالية بعد حرب بين إسرائيل وحزب الله في صيف 2006. وتنص شروطه على ألا يكون لحزب الله أي وجود مسلح في المنطقة الواقعة بين الحدود اللبنانية الإسرائيلية ونهر الليطاني على بعد نحو 30 كيلومترا شمالي الحدود.
وبعد أعوام من الهدوء، اندلع نزاعا جديدا بين حزب الله وإسرائيل عندما بدأ الحزب مهاجمة البلاد بالصواريخ والطائرات المسيّرة في 8 أكتوبر 2023، بعد يوم من قيادة حركة حماس الفلسطينية لغزو جنوب إسرائيل، في هجوم أسفر عن مقتل 1200 شخص وأشعل فتيل الحرب في قطاع غزة.
وتوصل الجانبان لوقف إطلاق نار بوساطة أميركية دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 27 نوفمبر.

وبحلول الوقت الذي دخل فيه وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، كانت إسرائيل قد قضت على قيادة حزب الله واستنفدت قدراته القتالية.
وبموجب الاتفاق، يتعين على حزب الله الانسحاب شمال الليطاني ــ نحو 30 كيلومترا من حدود إسرائيل ــ في حين يحق لإسرائيل ضرب التهديدات التي تعتبرها وشيكة، وإحالة التهديدات الأقل وشيكة إلى لجنة مراقبة تضم ممثلين عن لبنان وإسرائيل وفرنسا والولايات المتحدة وقوات اليونيفيل.
وبموجب اتفاق الهدنة، كان من المقرر أن ينتشر الجيش اللبناني في الجنوب إلى جانب قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، بينما ينسحب الجيش الإسرائيلي بعد أكثر من 60 يوما.
وقد تأجل موعد انسحاب القوات الإسرائيلية إلى الثامن عشر من فبراير بعد أن طلبت القدس تمديد الموعد النهائي الأصلي الذي كان محدداً في السادس والعشرين من يناير. وقالت إسرائيل إنها بحاجة إلى البقاء لفترة أطول لأن الجيش اللبناني لم ينتشر في كل مناطق جنوب لبنان كما اتفق عليه.
بالإضافة إلى سحب قواته شمال نهر الليطاني، فإن حزب الله ملتزم أيضاً بتفكيك أي بنية تحتية عسكرية متبقية في الجنوب.
وتقول إسرائيل إن قواتها واصلت الكشف عن أسلحة حزب الله ومصادرتها في مناطق محظورة، وإن الجيش اللبناني لا يلتزم بالتزاماته بموجب الاتفاق.