دونالد ترامب الرئيس العائد
عاد الملياردير الجمهوري إلى البيت الأبيض بعد أن أعلنت نهايته السياسية أكثر من مرة، ووُجّهت اليه تهم جنائية، وصدرت في حقّه أحكام وغرامات ومحاولات عزل
(أ ف ب) – في عام 2016 فجّر دونالد ترامب أكبر مفاجأة سياسية في التاريخ الأميركي الحديث بفوزه برئاسة الولايات المتّحدة. بعدها بأربع سنوات، غادر البيت الأبيض وسط فوضى غير مسبوقة. واليوم، عاد الملياردير الجمهوري إلى البيت الأبيض بعد حملة انتخابية شابتها توترات ومحاولتا اغتيال وعدائية غير مسبوقة.
استبق ترامب النتائج الرسمية الأربعاء وتوجه الى أنصاره ما إن تأكد من فوزه، بالقول: “صنعنا التاريخ لسبب الليلة، والسبب أننا ببساطة تخطينا عقبات لم يظن أحد أنها ممكنة”، ووعد بـ”مساعدة البلاد على الشفاء”.
صوت له عشرات ملايين الأميركيين، ويبدو الرجل البالغ 78 عاما، والذي أعلنت نهايته السياسية أكثر من مرة، ووُجهت اليه تهم جنائية وأحكام وغرامات ومحاولات عزل، اليوم، وكأنه لا يُقهر.
يعتمد دونالد ترامب على “حدس” سياسي لطالما تباهى به، وبقدرة على تجاوز كل القواعد المعمول بها، ونجح في تخطي كل الصعوبات، الواحدة تلو الأخرى.
في عام 2016، قال جملته التي أصبحت شهيرة في ما بعد: “يمكنني أن اقف في وسط الجادة الخامسة وأطلق النار على أحدهم، من دون أن أخسر مقترعا واحدا”.
تخلى عنه العديد من قيادات وأعضاء الحزب الجمهوري بعد الهجوم الذي شنه أنصاره على مبنى الكابيتول حيث مقر الكونغرس بعد إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية في العام 2024، لكنه استعاد في أربع سنوات، السيطرة التامة على حزبه.
خلال مؤتمر الحزب الجمهوري في شهر يوليو، تفرج ترامب على مناهضيه السابقين يتناوبون على المسرح للثناء عليه.
كما شاهد بفخر المئات من أنصاره يضعون ضمادة بيضاء على آذانهم تضامنا معه بعد تعرّضه لإطلاق نار في بنسيلفانيا.
وستبقى صورة دونالد ترامب، وهو ينهض عن الأرض مدمّى الوجه وقد رفه قبضته متحديا، من أكثر اللحظات تحديا في حملته الانتخابية الثالثة.
“ناضلوا! ناضلوا! ناضلوا!”
تحولت صرخته، وهو يتوجه الى أنصاره، بينما يساعده عناصر أمن على الخروج من المكان “ناضلوا، ناضلوا، ناضلوا”، الى شعار يهتف به أنصاره في التجمعات الانتخابية، معبّرين عن قناعتهم بأن ترامب يفهم واقعهم اليومي أكثر من أي كان.
يملك ترامب موهبة خطابية، ونجح في تقديم نفسه منذ سبع سنوات، على أنه “الناطق” باسم أميركيين (والغالبية التي تعتقد ذلك من أصحاب البشرة البيضاء والرجال المتقدمون في السن) استمالهم بحديثه عن المهاجرين الذين “يسمّمون” الولايات المتحدة، وهزئه بالديمقراطيين الضعفاء.
لم يحل أحد أو شيء في طريق طموح دونالد ترامب، صاحب الشعر الأشقر الفاقع الذي له مبدأ بسيط: “إما أنّ تكون معي، وإما ضدّي”.
“أميركا أولا”
وُلد دونالد جاي ترامب في نيويورك في 14 يونيو 1946 وتلقى تعليمه في مدرسة عسكرية وانضم إلى شركة العائلة بعدما درس ادارة الأعمال.
وخلافا للصورة التي يحاول ترويجها عن نفسه، فهو ليس “رجلا عصاميا” بنى نفسه بنفسه، بل إنه ورث امبراطورية عقارية بناها والده.
بعد الحرب العالمية الثانية، تمكن والده فريد ترامب المتحدر من ألمانيا، من بناء امبراطورية عقارية في مدينة نيويورك من خلال تشييده مبان للطبقة الوسطى في أحياء الطبقة العاملة.
في سبعينات القرن الماضي، تسلّم دونالد ترامب مسؤولية هذه الامبراطورية، قبل أن يتعرف إليه الجمهور الأميركي من خلال برنامج تلفزيون الواقع “ذي أبرانتيس”.
وصل ترامب إلى السلطة في نوفمبر 2016 في سيناريو سياسي غير مسبوق قلما توقعه أحد. وتسلم مقاليد الرئاسة في مطلع عام 2017.
خلال السنوات الأربع التي قضاها في “1600 شارع بنسلفانيا”، شاهد الأميركيون، بتعجب أو صدمة أو خوف أو كل هذه المشاعر مجتمعة، رئيسا متفلتا من كل القيود والمعايير.
تحت شعار “أميركا أولا”، كان ترامب مرة تلو مرة أبعد ما يكون عن الدبلوماسية، لم يتوانى عن اعتماد المواقف المتشددة حتى مع حلفاء الولايات المتحدة، وخاض تصعيدا خطرا مع إيران، وأبدى إعجابا مقلقا بزعماء استبداديين من أمثال فلاديمير بوتين وكيم جونغ-أون، ووجّه ضربة قاسية إلى الجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي.
خلال فترة حكمه، أعاد تشكيل المحكمة العليا، ومنح بذلك، المحافظين رافضين الإجهاض انتصارا مدويا.
لم يتردد في مهاجمة الإعلام. وهو الرئيس الأميركي الوحيد الذي وجه إليه مجلس النواب مرتين لائحة اتهام وأحاله على مجلس الشيوخ لمحاكمته بقصد عزله.
في التجمعات الانتخابية لحملته، ارتدى أنصاره قبعات حمراء مطبوع عليها شعار “ماغا” (الأحرف الأولى لشعار “فلنجعل أميركا عظيمة مجدداً” بالانجليزية).
بعد خسارته أمام جو بايدن في العام 2020، لاحقته التحقيقات والدعاوى القضائية التي وصفها بأنها “حملة اضطهاد سياسي”.
ومن أبرز القضايا ضده اتهامات بممارسة ضغوط على المسؤولين عن العملية الانتخابية في ولاية جورجيا في 2020، وتحقيق بشأن طريقة تعامله مع أرشيف البيت الأبيض، وقضية ستورمي وليامز، الممثلة الإباحية التي اتهم بمحاولة شراء صمتها.
ولم يتردد ترامب الذي لا حدود لتفلته الكلامي، في وصفها بـ”وجه الحصان”.
وترامب أب لخمسة أبناء ولدوا من ثلاث زوجات، وجد لعشرة أحفاد. لا يفوت مناسبة إلا ويمدح فيها القيم العائلية، في مسعى نجح من خلاله في اجتذاب تأييد الأوساط الإنجيلية.