دول عدة تباشر التواصل مع السلطات السورية بعد أسبوع على سقوط نظام الأسد
رحبت دول ومنظمات عدة بسقوط الأسد، لكنها تتريث في تعاطيها مع السلطات الجديدة بانتظار رؤية نهجها في إدارة البلاد وطريقة تعاملها مع الأقليات والنساء
أ ف ب – تُضاعف دول عدة آثرت الحذر في بادئ الأمر، جهود فتح قنوات تواصل مع الحكومة الإسلامية الجديدة في سوريا، بعد أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد.
في دمشق دعا المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسن الأحد إلى “مزيد من المساعدات الإنسانية الفورية للشعب السوري” وإلى تجنّب “أي انتقام”، وذلك بعيد وصوله إلى العاصمة في أول زيارة لمسؤول كبير في الأمم المتحدة، بعد أسبوع على سقوط الأسد.
وقال بيدرسن: “نحن بحاجة للتأكد من أن سوريا تتلقى مزيدا من المساعدات الإنسانية الفورية للشعب السوري، ولجميع اللاجئين الذين يرغبون في العودة”.
إلى ذلك، دعا المبعوث الأممي الخاص إلى “تحقيق العدالة والمساءلة عن الجرائم”، مضيفا: “علينا التأكد من أن ذلك يتم عبر نظام قضائي ذي صدقية، ولا نرى أي انتقام”.
ليلا، التقى بيدرسن قائد هيئة تحرير الشام أحمد الشرع الذي يقود فصيله السلطة الجديدة في سوريا، وفق ما أفاد بيان للإدارة السورية الجديدة على قناة تلغرام.
وجاء في البيان أنه جرى خلال اللقاء “بحث ومناقشة ضرورة إعادة النظر في القرار 2254 نظرا للتغيرات التي طرأت على المشهد السياسي، مما يجعل من الضروري تحديث القرار ليتلاءم مع الواقع الجديد”، في إشارة إلى قرار مجلس الأمن المتعلق بوقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية للوضع في سوريا.
ورحبت دول ومنظمات عدة بسقوط الأسد، لكنها تتريث في تعاطيها مع السلطات الجديدة بانتظار رؤية نهجها في إدارة البلاد وطريقة تعاملها مع الأقليات والنساء.
في الأثناء، أعلن بعض منها إجراء تواصل مع السلطات السورية الجديدة.
بعد واشنطن، أعلنت المملكة المتحدة يوم الأحد أنها تجري “اتصالات دبلوماسية” مع هيئة تحرير الشام.
وقال وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي الأحد لوسائل إعلام بريطانية إن هيئة تحرير الشام “تظل منظمة إرهابية محظورة (في المملكة المتحدة)، لكن يمكننا إجراء اتصالات دبلوماسية”.
من جهتها، ستوفد فرنسا بعثة دبلوماسية إلى دمشق الثلاثاء، للمرة الأولى منذ 12 عاما، حسبما أعلن وزير الخارجية جان نويل بارو في تصريحات لإذاعة “فرانس إنتر” الأحد.
وأعلنت الدوحة الأحد وصول وفد قطري إلى سوريا ولقاءه مسؤولين في الحكومة الانتقالية في البلاد، كما أعلنت “استئناف عمل سفارتها في سوريا اعتبارا من الثلاثاء”.
من جهتها، أعلنت الحكومة الإسرائيلية موافقتها الأحد على خطة لمضاعفة عدد سكان الجولان السوري، وفق ما أعلن مكتب رئيس الوزراء.
وقال مكتب بنيامين نتنياهو إن الحكومة “وافقت بالإجماع” على خطة بقيمة 40 مليون شيكل (11 مليون دولار) “للتنمية الديموغرافية للجولان… في ضوء الحرب والجبهة الجديدة في سوريا والرغبة في مضاعفة عدد السكان”.
واحتلت إسرائيل معظم مرتفعات الجولان عام 1967 وأعلنت ضمها عام 1981 في خطوة لم تعترف بها سوى الولايات المتحدة.
واستهدفت غارات إسرائيلية مكثفة مواقع عسكرية في منطقة طرطوس الساحلية السورية ليل الأحد الاثنين، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وأفاد المرصد بأن “الطيران الحربي الإسرائيلي شن غارات” على مواقع عدة بينها وحدات للدفاع الجوي و”مستودعات صواريخ أرض-أرض”، واصفا إياها بأنها “الضربات الأعنف في منطقة الساحل السوري منذ بدء الغارات في 2012”.
إحياء قداس في دمشق
بعد هجوم خاطف استمرّ 11 يوما، تمكّنت الفصائل من دخول دمشق في 8 ديسمبر، وإنهاء حكم عائلة الأسد الذي استمرّ أكثر من نصف قرن وعُرف بالقمع الوحشي.
وفكّت هيئة تحرير الشام بقيادة الجولاني الذي صار يستعمل اسمه الحقيقي أحمد الشرع، ارتباطها بتنظيم القاعدة عام 2016، لكن دولا غربية عدة أبرزها الولايات المتحدة لا تزال تصنفها “منظمة إرهابية”.
وبعدما حكمت عائلة الأسد سوريا 50 عاما بنهج قمعي لا هوادة فيه، تسعى السلطات الجديدة إلى طمأنة المجتمع الدولي.
وأكد رئيس الحكومة الانتقالية محمد البشير أن تحالف الفصائل المسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام سيضمن حقوق جميع الطوائف والمجموعات، داعيا ملايين السوريين الذين لجأوا إلى الخارج للعودة إلى وطنهم.
بعد أسبوع من الاحتفال بسقوط الأسد، بدأ السوريون يستعيدون حياتهم الطبيعية في دمشق.
والأحد عاد عشرات التلاميذ في العاصمة إلى المدارس للمرة الأولى منذ سقوط الأسد.
وقال موظف بالمدرسة الوطنية إن نسبة الحضور “لم تتجاوز ثلاثين بالمئة” مشددا على أن ذلك “أمر طبيعي، ويُتوقع أن تزداد الأعداد تدريجا”.
كذلك، فتحت الجامعات وحضر بعض الموظفين الإداريين والأستاذة إلى مكاتبهم.
وانتشرت شرطة المرور التابعة للسلطات الجديدة السبت في شوارع العاصمة، فيما انكب عمال البلدية على تنظيف الطرق. وأعيد فتح معظم المتاجر، بما في ذلك سوق الحميدية الشهير في دمشق القديمة، حسب مراسلي وكالة فرانس برس.
كذلك تم إحياء قداس الأحد في كاتدرائية سيدة النياح، بحضور عدد من المصلين.
أبحث عن ابني
أطلقت الفصائل المسلحة سراح آلاف المعتقلين، مع تقدّمها نحو دمشق، لكن يُقدر أنه ما زال هناك عشرات آلاف المفقودين الذين بدأت عائلاتهم البحث عنهم في السجون ومراكز الاحتجاز.
ويسعى الآلاف منذ سقوط الأسد للحصول على معلومات عن أقارب لهم.
في مشرحة مستشفى المجتهد بدمشق بدأ سكان بالتقاطر بعدما أحضر عناصر في هيئة تحرير الشام جثامين 35 شخصا، بينهم 21 تعرفت إليهم عائلاتهم.
يحمل أفراد العائلات صور أحبائهم وهم يتفقدون ما تبقى من جثث.
وقالت فاطمة مركباوي وهي في الأربعينيات “أبحث عن ابني”، مضيفة “أخذوه قبل 11 أو 12 عاما. قبل تسعة سنوات كان في صيدنايا، وهو لم يعد هناك وقلبي مفطور”.
وبعد أيّام على سقوط الأسد، عاد محمد درويش (34 عاما) إلى “فرع فلسطين” أحد فروع الاستخبارات العسكرية السورية بدمشق، حيث أوقف قيد التحقيق لأكثر من 120 يوما قبل سنوات، متحدثا عن “اليأس” الذي راوده خلف القضبان.
في الزنزانة رقم تسعة، تحدث درويش عن البقعة الضيقة التي حجر فيها مع خمسين آخرين لإصابتهم بالسلّ. وتذكّر الشاب التركي الذي كان موقوفا معهم وأصيب بـ”الجنون” على حدّ قوله من كثرة الضرب.
تعهّدات السلطات الجديدة
دبلوماسيا، رحبّت دول عدة بسقوط الأسد الذي نبذه جزء كبير من المجتمع الدولي بعد اندلاع الحرب عام 2011.
في تركيا، أعلن وزير الدفاع يشار غولر الأحد أنّ أنقرة مستعدّة لتقديم دعم عسكري للحكومة السورية الجديدة إذا طلبت ذلك، مؤكدا أنّه يجب منحها الفرصة للعمل.
وقال غولر إن الإدارة الجديدة تعهدت “احترام المؤسسات والأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى” ووعدت بالإبلاغ عن أي معلومات تتعلق بالأسلحة الكيميائية إلى المنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيميائية.
وفيما تستضيف تركيا نحو ثلاثة ملايين سوري غادروا بلدهم جراء النزاع، أعلن وزير الداخلية علي يرلي كايا عبر منصة إكس الأحد، أنّ 7621 سوريا “عادوا بشكل طوعي من تركيا” بين 9-13 ديسمبر.