دخلنا نفقا مظلما لا مخرج منه: العمال الفلسطينيون يسحبون مدخراتهم ويفقدون تصاريح عملهم
فقد حوالي 120 ألف عامل فلسطيني مصدر رزقهم منذ 7 أكتوبر، وبدون إعانات البطالة يضطرون إلى الاستقالة وسحب أموال تقاعدهم والتخلي عن تصاريح العمل التي دفعوا رسوم وساطة باهظة للحصول عليها
“قبل السابع من أكتوبر كان لدينا مستوى معيشة لا ينسى ومنذ ذلك الحين أصبحت حياتنا مرة. عملت في قطاع البناء والبلاط والترميم العام في منطقة المركز والجنوب لمدة 30 عاما وفي أكتوبر استيقظنا إلى كارثة لشعبين. حدث ما حدث وتسبب لنا في أضرار جسيمة، نحن نرى نجوم الظهر”.
هكذا يصف محمد عيسى أبو زهرة الواقع الذي عاشه خلال الأشهر الستة الماضية: لا دخل ولا إعانات بطالة ولا أي مساعدة من إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
أبو زهرة يبلغ من العمر 45 عاما ويعيش في جنوب الخليل، وهو واحد من حوالي 120 ألف عامل فلسطيني من الضفة الغربية حظروا من الدخول للعمل في إسرائيل منذ بداية الحرب. ويعتمد مئات الآلاف على هؤلاء العمال مباشرة – والضربة قاسية.
ويقول أبو زهرة: “نحن بلا دخل منذ سبعة أشهر، 95% من العمال الذين عملوا في إسرائيل يطلبون التبرعات والصدقات، وأنا بينهم. ليس لدي صندوق تقاعد لأنني سحبت مدخراتي في الماضي. كنا بدون كهرباء في المنزل عدة ليال لأنه لم يكن هناك مال (يتم دفع تكاليف الكهرباء مسبقا)، وليس هناك من يقرضنا نقود”.
“قبل السابع من أكتوبر، كانوا يقبلون الشيكات المستقبلية منا، واليوم نقدا فقط. أقضي 19 ساعة يوميا في مشاهدة التلفزيون على القنوات 11 و12 و13 وأحيانا 14، أنتظر فقط أن يقولوا: لقد وافقنا على دخول العمال”.
يبدو صعبا.
“صعبا؟ مظلم. دخلنا نفقا مظلما لا مخرج منه”.
كان أبو زهرة يدخل إسرائيل بانتظام قبل الحرب. عند وصوله إلى الحاجز، كان يوقف سيارته ويستقل مركبة إسرائيلية، عبر حاجز ميتار للوصول إلى بئر السبع أو إلى طريق 6 للوصول إلى كفار سابا ونتانيا، عبر حاجز ترقوميا للوصول إلى أشدود أو غديرا وعبر حاجز 300 للوصول إلى القدس.
ويقول أنه لا زال هناك عمال يعملون في المستوطنات في أنحاء الضفة الغربية، لكنهم أقلية محظوظة (“أولئك الذين تمكنوا من الحصول على تصريح عمل خارج المستوطنات فازوا باليانصيب”).
كشخص عمل لمدة 30 عاما في إسرائيل ويتحدث العبرية بطلاقة، فهو يتوق إلى اليوم الذي تعود فيه الأوضاع إلى ما كانت عليه، ويؤكد أنه من المستحيل الفصل بين الاقتصادين والشعبين، ويحذر من تفاقم الوضع الأمني بسبب الانهيار الاقتصادي.
ويقول أبو زهرة: “أنا اتعايش بشكل ممتاز مع الإسرائيليين وأبكي على ما حدث في الأشهر الماضية. أناشد الجمهور الإسرائيلي: توقفوا عن التحريض ضد العمال الفلسطينيين، فهم يشكلون جززءا كبيرا من الاقتصاد الإسرائيلي ولا يمكنهم العيش بدونه، تماما كما لا يمكن للاقتصاد الإسرائيلي أن يعمل بدوننا. الوضع يؤثر علينا جميعا”.
“إنني أخاطب معالي وزير الداخلية موشيه أربيل ويسعدني أن أتحدث معه مباشرة أيضا: خذ هذه الدعوة على محمل الجد واطلب من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الموافقة على دخول العمال الفلسطينيين لأن الوضع يزداد سوءا. لدى الجميع أطفال ليس لديهم ما يأكلونه، وماذا يمكن للأب أن يفعل عندما يخرج ابنه إلى الشارع ليلقي الحجارة على الجنود الإسرائيليين؟
“اليأس يشعل النار في المنطقة. لا أفهم منطقهم، يجب الإدراك أننا جزء منهم وهم جزء منا، ولا يمكنهم الانفصال”.
3 مليار شيكل شهريا
على الجانب الإسرائيلي، تسبب غياب العمال الفلسطينيين في أضرار غير مسبوقة للاقتصاد، والوضع تفاقم لدرجة أن نصف مواقع البناء والبنية التحتية تم إغلاقها، وحتى تلك التي تعمل، انخفض إنتاجها بنسبة 30% على الأقل.
كما تضرر أصحاب المصانع من نقص العمال ونقص الطلب على مواد البناء. ووفقا لبيانات وزارة الخزانة، يشكل الفلسطينيون ما يقارب من ثلث العاملين في قطاع البناء وحده، ويقتص غيابهم أكثر من 3 مليارات شيكل من الناتج المحلي الإجمالي.
ويؤيد مجلس الأمن القومي العودة التدريجية للعمال الفلسطينيين، وبشكل هزلي، حصل عدة آلاف منهم على تصريح للعمل في المناطق الصناعية في ميشور أدوميم وغيرها من المستوطنات، ولكن ليس دخول إسرائيل. وقد طالب وزير الداخلية موشيه أربيل في شهر مارس نتنياهو الموافقة على دخول العمال من الضفة الغربية.
وإحدى الحجج ضد عودة العمال هي المخاوف الأمنية، وكذلك التجسس، وقبل بضعة أيام صدر أنه على الأقل فيما يتعلق بـ 15 ألاف العمال من غزة الذين كانوا في إسرائيل عشية هجوم حماس، لم يساعد أي منهم الحركة وتمت إعادتهم إلى غزة.
كما عارض بنك إسرائيل بشدة منع دخول الفلسطينيين من الضفة الغربية للعمل في البناء، وقرار الحكومة في ديسمبر 2023 لتوظيف العمال الأجانب يبقى حبرًا على ورق: جاء 2000 عامل فقط من الهند، من أصل 21 ألف عامل اجتازوا اختبارات الكفاءة التي تجريها نقابة المقاولين.
جاء بضع مئات من سريلانكا، ولم يأتِ أي عامل من أوزبكستان. خلاصة القول، نصف قطاع البناء مشلول. الضرر يؤثر على بداية تنفيذ مشاريع البناء، وتأخير إشغال الشقق الجديدة التي لا تتوفر فيها البنية التحتية وعلى المقاولين أنفسهم، الذين سيتحملون التزامات أكبر فيما يتعلق بأجور العمال أو تمويل المشاريع التي تتأخر.
يسحبون مدخراتهم ويفقدون تصاريح العمل
الفلسطينيون، كما ذكرنا، في وضع بائس ووقعوا في متاهة بيروقراطية تخلق تحديات أكبر في المستقبل. في الأشهر الأخيرة، اضطر العديد منهم إلى الاستقالة من أجل سحب أموال معاشاتهم التقاعدية في شركة التقاعد الخاصة “عميتيم” (بركة). ولكن مع الاستقالة فقدوا أيضًا تصاريح عملهم.
وإذا سُمح لهم بالعودة إلى العمل في إسرائيل، فعلى الأرجح أن يضطروا إلى دفع رسوم الوساطة الباهظة مرة أخرى للحصول على هذه التصاريح، والبحث عن أصحاب عمل يوافقون على طلب التصريح لهم.
وفي السنوات الأخيرة، ازدهرت تجارة التصاريح، واضطر العمال الفلسطينيين أن يدفعوا في بعض الحالات ما يصل إلى 2500 شيكل شهريًا مقابل حق العمل.
وطلبت منظمتي “عنوان العامل” و”معا” العماليتان من سلطة السكان السماح للعمال الفلسطينيين بسحب مبالغ مرة واحدة، من أجل تجنب قطع التأمين الذي من المفترض أن يخدمهم في سن التقاعد. كما طلبوا السماح لهم بالاحتفاظ بتصاريحهم لفترة محددة حتى يتمكنوا من الاستقالة وسحب الأموال دون فقدان التصريح وبالتالي تجنب الحاجة إلى دفع رسوم الوساطة مرة أخرى لاستعادة التصاريح.
ورفضت سلطة السكان الطلبات وكان ردها كالتالي:
“بموجب قوانين العمل السارية في إسرائيل لا يُسمح للموظف بسحب أموال التعويض المتراكمة في رصيده أثناء عمله مع صاحب العمل الحالي، قبل انتهاء العلاقة بين الموظف وصاحب العمل.
“فيما يتعلق بطلب السحب الجزئي للأموال مع الحفاظ على استمرارية التأمين بحسب الفترة التي لم تتم فيها الودائع، يجب الإشارة إلى أن هذا طلب لإنشاء آلية جديدة غير موجودة في صناديق التقاعد +الكلاسيكية+.
“إضافة إلى ذلك، نذكر أن السحب الجزئي أو الكامل يعني حذف كامل التسلسل التأميني الذي تراكم لدى الموظف حتى تاريخ سحب الأموال، في فترات عمله لدى جميع أصحاب العمل (باستثناء فترة عمله لدى صاحب العمل الحالي)، وتحويل الأموال المتبقية إلى صناديق ليست تقاعدية، أي أموال غير مساهمة لمعاش التقاعد”.
“هذا الوضع يقوض الحفاظ على استمرارية التأمين. ونشير أيضًا إلى أنه حتى لو كان من الممكن قبول الطلب (للسماح بسحب جزئي للأموال)، وكما ذكر أعلاه هذا غير ممكن، فهذا سيتطلب على أي حال تطوير نظام حوسبة واسع النطاق، من أجل إنشاء الآلية المطلوبة، والتي ستتجاوز الآلية الحالية للبرنامج بطريقتين.
“إنشاء مثل هذه الآلية النظرية، بصرف النظر عن التكاليف الباهظة المترتبة عليها، من المتوقع أن يستغرق عدة أشهر، وذلك في ظل عدم اليقين بشأن توظيف العمال الفلسطينيين في إسرائيل في المستقبل القريب أو البعيد”.
“العمال في ورطة”
“معظمهم يريدون سحب الأموال، لأن لا أحد يساعدهم، الوضع في السلطة الفلسطينية صعب وهؤلاء العمال في ورطة لأنه لا توجد إعانات بطالة”، يقول مركّز توجّهات العمّال الفلسطينيّين في “عنوان العامل” عبد الحليم داري.
وعاد داري للقاء العمال الفلسطينيين في نابلس وقلقيلية والخليل ومناطق أخرى في الضفة الغربية في الأشهر الأخيرة لمساعدتهم في ممارسة حقوقهم. ويحاول أن ينصحهم بعدم سحب الأموال إذا لم يكونوا مضطرين لذلك، لأنهم سيفقدون حقوقهم. لكنهم لا يستطيعون الانتظار.
وفي قطاع البناء، يمكن سحب الأموال من أماكن العمل السابقة دون التخلي عن التصريح، بينما يُطلب من العمال في القطاعات الأخرى التخلي عن تصريحهم من أجل سحب الأموال. وفي هذه الأثناء، تقوم وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق بتمديد هذه التصاريح كل بضعة أشهر، لكن عمليا يمنع العمال من الدخول.
وعن التجارة بالتصاريح، يقول أن “الظاهرة علنية هناك ومخفية هنا”، عندما يكون الجميع على استعداد لدفع الثمن، سواء كان العمال الجدد الذين سيتقاضون بضعة آلاف أو المهنيين الذين يتقاضون رواتب تصل إلى 15 ألف شيكل شهريا. في شبكات التواصل الاجتماعي العربية هناك إعلانات لبيع التصاريح، لكن لا تقوم السلطة الفلسطينية ولا إسرائيل بوقف هذه الظاهرة، رغم توصية بنك إسرائيل بإجراء إصلاحات في هذا المجال.
المؤسسة الأمنية تؤيد عودة العمال الفلسطينيين، لكن هذا لا يهم الوزراء في الحكومة. في الواقع، يدخل بعضهم إلى إسرائيل عبر ثغرات في الجدار، وبالتالي يعرضون أنفسهم للخطر.
“الوضع الذي وصلوا إليه ليس ذنبهم، إنهم يقولون لي: نحن لسنا جزءا من هذه الدائرة، وما زال لديهم أمل في العودة. الاقتصادان مرتبطان ولا يمكن فصلهما، الاقتصاد الإسرائيلي يسيطر على الفلسطينيين في كل المجالات. ليس لديهم استقلال مالي ويجب أن يعودوا إلى العمل هنا”.
في المستوطنات نعم، ولكن ليس في إسرائيل؟
أساف أديب، المدير التنفيذي لمنظمة “معاً” العمالية “يوجد تناقض هنا، التصاريح تتجدد بشكل تلقائي، ولكن ماذا يعني ذلك بالنسبة للعامل نفسه؟ أن لا يفعل أي شيء لأنه يمكن إعادته غدًا، ولكن إذا سحب المال فسيتعين عليه التنازل عن التصريح ولن يتمكن من الدخول. يمكن تحمل هذا الوضع لشهر أو شهرين، ولكن ليس سبعة أشهر. هل تريدوهم أم لا؟” أضاف.
ويقول أن الآلاف دخلوا للعمل على أي حال في الأشهر الماضية، وإذا كان لديهم تصريح تسمح لهم الشرطة بمواصلة العمل، بينما السلطة لا تهتم بهم، وحتى يفقدون التأمين الطبي بدون العمل.
“لا نعرف من بقي للنوم هنا، ما هو المنطق؟ السلطات الأمنية تقول للحكومة أنه يمكنهم الدخول، وزارة العمل اقترحت خطة لإعادة 80 ألف عامل، لكن سموتريتش وبركات اعترضا لأنهما يريدان جلب العمال من الهند وهذا لم ينجح ولن ينجح. تمت إعادتهم بالفعل إلى المستوطنات في نوفمبر ولم نسمع عن حالة مواجهة أو توتر أو اشتباك.
“في ميشور أدوميم، الجميع يعمل، بشروط جديدة للعبور وقيود على الحركة، وهذه ليست صناعات أساسية. تم تطبيق آلية للتوقيع عند الدخول أو الخروج والسيطرة على حركة الأشخاص في المعبر، ومن ينسى التوقيع عند الخروج تصلهم رسالة. هذا يعني أنهم مستعدون للسماح بدخول العمال وإيجاد حل اقتصادي للأشخاص الذين يعانون من الأزمة المجنونة التي تواجه كلا من السلطة وقطاع البناء.
وأضاف أن “هناك مصلحة واضحة لإسرائيل في التحرك بشأن هذه القضية ووقف الوضع السخيف الذي يدخلون فيه إلى المستوطنات ولكن ليس لإسرائيل”.