خلاف بين بلينكن والقادة العرب حول وقف إطلاق النار، الذي ترى واشنطن أنه سيساعد حماس
وزير الخارجية المصري يصف الهجوم الإسرائيلي بأنه عقاب جماعي وليس دفاعا عن النفس؛ المبعوثون العرب يرفضون دعوات وزير الخارجية الأمريكي لمناقشة مستقبل غزة في ظل استمرار الحرب
دعا الزعماء العرب، الذين أدانوا مقتل آلاف المدنيين الفلسطينيين وفقا للتقارير في الحرب بين إسرائيل وحماس، إلى وقف فوري لإطلاق النار في الحرب بين إسرائيل وحركة حماس، حتى في الوقت الذي حذر فيه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن من أن مثل هذه الخطوة ستؤدي إلى نتائج عكسية ويمكن أن تشجع على المزيد من العنف من قبل الحركة الحاكمة للقطاع.
بعد المحادثات التي أجريت في ساعات الظهيرة في عمّان مع دبلوماسيين مصريين وأردنيين وسعوديين وقطريين وإماراتيين ومسؤول كبير من السلطة الفلسطينية، وقف بلينكن على المنصة إلى جانب نظيريه الأردني والمصري لمناقشة ما قال إنها رغبتهم المشتركة في حماية المدنيين في غزة وتحسين تدفق المساعدات إلى القطاع المحاصر.
التنافر في الرسائل كان واضحا. ومع ذلك فإن المؤتمر الصحفي المشترك بين الوزراء من العالم العربي ووزير خارجية أقرب حليف لإسرائيل والعديد من فرص التقاط الصور يتناقض مع الوقت الذي قضاه بلينكن في تل أبيب يوم الجمعة، عندما تحدث بمفرده للصحفيين بعد محادثات مغلقة مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
دعا الوزراء العرب مرارا وتكرارا إلى وقف القتال حالا وأدانوا تكتيكات الحرب الإسرائيلية.
وقال وزير الخارجية المصري سامح شكري، إن بلاده “لا يمكنها قبول” الحملة العسكرية الإسرائيلية العدوانية ضد حماس في غزة باعتبارها دفاعا عن النفس، واصفا إياها بأنها “عقاب جماعي” للفلسطينيين في غزة، وأضاف “لا يمكن أن يكون هذا دفاعا مشروعا عن النفس على الإطلاق”.
وتمسك بلينكن بشدة بالموقف الأمريكي القائل بأن وقف إطلاق النار سيضر بحق إسرائيل والتزامها بالدفاع عن مواطنيها بعد الهجوم الصادم الذي شنته حماس في 7 أكتوبر عبر جنوب إسرائيل. وقال إن التزام إدارة بايدن بحق إسرائيل في الدفاع عن النفس لا يزال ثابتا.
وقال بلينكن “من وجهة نظرنا الآن فإن وقف إطلاق النار سيترك حماس في مكانها، قادرة على إعادة تجميع صفوفها وتكرار ما فعلته”.
وأضاف أن الولايات المتحدة تدعم “هدن إنسانية” للعمليات الإسرائيلية للسماح بتحسين تدفق المساعدات وزيادة عبور الرعايا الأجانب من غزة إلى مصر. لكن نظيري بلينكن من الأردن ومصر اعتبرا ذلك غير كاف.
وبدا أن إسرائيل أيضا ترفض مسعى بلينكن لوقف إطلاق النار لأسباب إنسانية، حيث أكد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يوم الجمعة أن إسرائيل لن تقبل وقف إطلاق نار مؤقت دون عودة الرهائن لديها في غزة.
تشعر واشنطن أن فترات التوقف القصيرة في القتال ستمنح الإدارة متنفسا أكبر لمواصلة دعم العملية العسكرية الإسرائيلية وسط ردود فعل عنيفة متزايدة في الخارج وداخل الحزب الديمقراطي بسبب تزايد الخسائر في صفوف المدنيين في غزة، حسبما قال مسؤول أمريكي كبير لـ”تايمز أوف إسرائيل” يوم الجمعة.
بالإضافة إلى ذلك، تعتقد الولايات المتحدة أن الهدنة الإنسانية ستسمح لحماس بالحصول على معلومات أفضل عن مكان وجود جميع الرهائن البالغ عددهم 240 رهينة، خاصة وأن بعضهم محتجز لدى فصائل فلسطينية أخرى، بحسب المسؤول.
وأضاف المسؤول أن هناك إدراك في واشنطن بأن وقف القتال، مهما كان مؤقتا، يمكن أن يسمح لحماس بإعادة تنظيم صفوفها، لكن الشعور هو أن فوائد هذه الخطوة تفوق المخاطر.
كان الهدف الرئيسي لزيارة بلينكن إلى عمان هو حشد الدعم الإقليمي لجهود واشنطن لتحويل الأزمة الحالية إلى فرصة للتحرك نحو إعادة توحيد غزة والضفة الغربية من أجل الدفع بحل الدولتين إلى الأمام – وهو الأمر الذي يدعمه حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.
ومع ذلك، قال مسؤولون عرب إن من السابق لأوانه مناقشة أحد البنود الرئيسية في جدول أعمال بلينكن، وهو مستقبل غزة بعد الحرب. وأضافوا أن وقف القتل واستعادة المساعدات الإنسانية المنتظمة هما من المخاوف المباشرة التي يجب معالجتها أولا.
“ما الذي سيحدث لاحقا؟ كيف حتى بإمكاننا أن نفكر بما سيحدث لاحقا”، على حد قول وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، الذي أضاف “ليس لدينا كل المتغيرات حتى للتفكير بهذا الأمر. ينبغي علينا ترتيب أولوياتنا”.
ولكن عندما ظهروا أمام الكاميرات والمراسلين، أبدى الرجال الثلاثة على الأقل مظهرا من مظاهر التضامن. وأقر بلينكن بالمخاوف العربية بشأن سقوط ضحايا من المدنيين في غزة وشدد على الخطر الذي تشكله الحرب على مكانة إسرائيل في الدول المجاورة التي تقيم معها علاقات دبلوماسية منذ عقود.
وقال شكري والصفدي إنهما اتفقا على مواصلة العمل مع بلينكن وآخرين لتحقيق الهدف النهائي المتمثل في إنهاء الحرب، واستعادة بعض الشعور بالحياة الطبيعية في غزة وإعطاء الشعب الفلسطيني سببا للأمل في إقامة دولة مستقلة خاصة به في نهاية المطاف.
من بيروت، قال أسامة حمدان، المسؤول الكبير في حماس، للصحافيين إنه ينبغي على بلينكن “وقف العدوان وألا يطرح أفكارا لا يمكن تنفيذها”. وأضاف حمدان أن مستقبل غزة سيقرره الفلسطينيون، وإن على وزراء الخارجية العرب أن يخبروا الدبلوماسي الأمريكي أنه “لا يستطيع بناء تحالف عربي ضد الشعب الفلسطيني”.
وكان أول اجتماع لبلينكن في الأردن مع رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبناني، نجيب ميقاتي، الذي تعتبر بلاده الممزقة اقتصاديا وسياسيا موطنا لجماعة حزب الله المدعومة من إيران. ولدى الولايات المتحدة مخاوف جدية من أن يقوم حزب الله، الذي كثف ضرباته الصاروخية وهجماته عبر الحدود على شمال إسرائيل، بدور أكثر نشاطا في الحرب بين إسرائيل وحماس.
يوم الجمعة، ألقى الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، أول خطاب له منذ المجزرة التي ارتكبتها حماس، لكنه لم يتوقع مشاركة أكبر لمنظمته حتى عندما أعلن أن حزب الله لن تزعزعه المحاولات الأمريكية لردعه.
وقالت وزارة الخارجية الأميركية إن بلينكن شكر ميقاتي على قيادته “في منع لبنان من الانجرار إلى حرب لا يريدها الشعب اللبناني”.
بعد ذلك التقى بلينكن بوزير الخارجية القطري، التي برزت بلاده باعتبارها المحاور الأكثر نفوذا مع حماس. ولعبت قطر دورا رئيسيا في التفاوض على إطلاق سراح محدود للرهائن الذين تحتجزهم حماس، فضلا عن إقناع حماس بالسماح للمواطنين الأجانب بمغادرة غزة والعبور إلى مصر.
كما أجرى بلينكن محادثات مع رئيس وكالة الأمم المتحدة المسؤولة عن مساعدة اللاجئين الفلسطينيين، وشكر فيليب لازاريني على “العمل الاستثنائي الذي تقوم به مجموعته كل يوم كشريان حياة للفلسطينيين في غزة بتكلفة كبيرة وباهظة”. وشهدت الوكالة مقتل حوالي 70 من موظفيها في الحرب حتى الآن، كما أنها تعاني من نقص شديد في الإمدادات الضرورية مثل الغذاء والدواء والوقود.
وتحتفظ حماس بالموارد في غزة لمواصلة حملتها العسكرية ضد إسرائيل، وفقا للأدلة التي قدمها الجيش الإسرائيلي، وأكدها مسؤولون غربيون وعرب لصحيفة “نيويورك تايمز”.
كما ظهرت تقارير تفيد بأن الحركة قامت بسرقة مساعدات إنسانية تم تسليمها للأونروا.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إن بلينكن، خلال اجتماعه مع العاهل الأردني الملك عبد الله وولي العهد الأمير الحسين في عمان، أبلغهما أن الولايات المتحدة ملتزمة بالعمل مع الشركاء الإقليميين من أجل إقامة دولة فلسطينية.
وجاء في بيان لوزارة الخارجية أن بلينكن “أكد أيضا التزامنا المشترك بحماية المدنيين وتسهيل التوصيل المتزايد والمستدام للمساعدات الإنسانية المنقذة للحياة، واستئناف الخدمات الأساسية، وضمان عدم تهجير الفلسطينيين قسرا خارج غزة”، كما أعرب بلينكن “عن قلقه بشأن تزايد العنف في الضفة الغربية”.
استدعى الأردن سفيره لدى إسرائيل وطلب من السفير الإسرائيلي عدم العودة إلى الأردن حتى تنتهي أزمة غزة.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إن بلينكن سيسافر يوم الأحد إلى تركيا لعقد اجتماعات مع الرئيس رجب طيب أردوغان وغيره من كبار المسؤولين. يوم السبت، حذت تركيا حذو الأردن وأعلنت استدعاء سفيرها لدى إسرائيل.
تقاوم الدول العربية الاقتراحات الأميركية بأن تلعب دورا أكبر في أزمة الشرق الأوسط، وتعرب عن غضبها إزاء الخسائر المدنية الناجمة عن العمليات العسكرية الإسرائيلية، وتعتقد أن غزة هي مشكلة من صنع إسرائيل إلى حد كبير.
لكن المسؤولين الأمريكيين يعتقدون أن الدعم العربي، مهما كان متواضعا، سيكون حاسما للجهود الرامية إلى تخفيف الظروف المتدهورة في غزة ووضع الأساس لما سيحل محل حماس كسلطة حاكمة للقطاع، إذا نجحت إسرائيل في القضاء على الحركة.
ومع ذلك، فإن الأفكار حول الحكم المستقبلي في غزة قليلة ومتباعدة. يعرض بلينكن ومسؤولون أمريكيون آخرون مخططا مبهما مفاده أن الخطة قد تشمل مزيجا من سلطة فلسطينية متجددة، والتي لم تكن عاملا في غزة منذ أطاحت بها حماس في انقلاب دموي عام 2007، مع منظمات دولية وربما قوة لحفظ السلام. ويعترف المسؤولون الأميركيون بأن هذه الأفكار قوبلت بقلة حماسة واضحة.
شنت إسرائيل حربها ضد حركة حماس في 7 أكتوبر، بعد أن نفذت الحركة هجوما صادما في جنوب إسرائيل، مما أسفر عن مقتل حوالي 1400 شخص واحتجاز أكثر من 240 رهينة.
الغالبية العظمى من القتلى كانوا من المدنيين، الذين قُتل الكثير منهم في منازلهم. ردا على عمليات القتل، تعهدت إسرائيل بالقضاء على الحركة المتطرفة وتدمير بناها التحتية وقامت منذ ذلك الحين بضرب آلاف الأهداف التابعة لحماس داخل القطاع بغارات جوية وعملية برية مستمرة.
وتقول إسرائيل إنها تستهدف جميع المناطق التي تنشط فيها حماس بينما تسعى إلى تقليل الخسائر في صفوف المدنيين.
واتهمت وزارة الصحة التي تديرها حماس في غزة إسرائيل بقتل أكثر من 9400 شخص، معظمهم من المدنيين. ولا يمكن التحقق من هذه الأرقام من مصادر خارجية، ويُعتقد أن حماس أدرجت أعضائها في الحصيلة، بالإضافة إلى أولئك الذين قُتلوا جراء فشل في إطلاق صواريخ من داخل القطاع.
انتقل مئات الآلاف من سكان قطاع غزة من شمال القطاع إلى الجنوب في الوقت الذي حذرت فيه إسرائيل من هجومها المكثف على منطقة مدينة غزة. وحذرت الأمم المتحدة والجهات الفاعلة الدولية من كارثة إنسانية محتملة ودعت إسرائيل إلى زيادة المساعدات التي يُسمح بدخولها إلى القطاع بشكل كبير عبر معبر رفح المصري.