خلافا لادعاءات أعضاء الكنيست ونشطاء اليمين: منظمة الصحة العالمية لا تحاول المساس بسيادة إسرائيل
عدلت منظمة الصحة العالمية لوائحها بهدف تحسين نشر المعلومات في العالم حول الأمراض والأوبئة - وتشجيع المساعدات للدول الفقيرة؛ في الكونغرس الأمريكي والكنيست وشبكات التواصل الاجتماعي تجري حملة شرسة ضد اللوائح الجديدة، بدعوى أن المنظمة معادية للسامية وتسعى إلى "فرض إغلاقات ووقف إطلاق النار على البلدان"
اختتمت الجمعية العامة السنوية لمنظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة في جنيف بسويسرا، حيث تمت الموافقة على تغييرات في لوائح المنظمة وتقرر مناقشة مقترح لصياغة معاهدة دولية لمكافحة الأوبئة في العام المقبل.
وكانت هناك خلافات في الاجتماع بين ممثلي الدول. وافقت المنظمة، بعد نقاشات صعبة، على دعوة طرفي الحرب في غزة إلى تجنب إيذاء المدنيين والسماح بوصول المساعدات الإنسانية، والسعي من أجل إنهاء الحرب والإفراج عن جميع المختطفين دون قيد أو شرط، إلى جانب بيان مماثل يتعلق بالحرب في أوكرانيا.
علاوة على ذلك، تم انتخاب أعضاء جدد في اللجنة التنفيذية لمنظمة الصحة العالمية، ومن بينهم طبيب إسرائيلي: الدكتور آشر سلمون، مدير أول لشعبة العلاقات الدولية في وزارة الصحة.
وكانت هناك أيضا خلافات خلال الاجتماع بشأن التغييرات في لوائح المنظمة ومسودة لمعاهدة مكافحة الأوبئة. جرت المناقشات في جو مهني ومريح، ولم يتصدر الحدث عناوين الأخبار في صحف العالم – وبالتأكيد ليس في وسائل الإعلام الإسرائيلية – المنشغلة بالانتخابات الأمريكية والمناخ والحروب.
ولكن في النظام السياسي وشبكات التواصل الاجتماعي في إسرائيل وفي جميع أنحاء العالم، يدور نقاش عاصف حول تغيير اللوائح ومعاهدة مكافحة الأوبئة. ويهدف التغيير في اللوائح والمعاهدة إلى تحسين الاستعداد لمواجهة الأوبئة، بناء على الاستنتاجات من جائحة كورونا. وتتناول معظم اللوائح الجديدة تحسين نقل المعلومات حول الأمراض بين البلدان.
وهناك لائحة جديدة أخرى تسمح للمنظمة بالإعلان رسميًا عن “جائحة” لرفع مستوى اليقظة والوعي في العالم والمساعدة في كبحها.
وتقترح اللوائح الجديدة الإضافية سبلا لتحسين قدرة البلدان الفقيرة على الحصول على الأدوية واللقاحات، وتشجع البلدان المتقدمة على مساعدتها في ذلك. لكن الصياغة التي تمت الموافقة عليها لا تلزم الدول المتقدمة بمساعدة الدول الفقيرة، أو التنازل عن براءات الاختراع الخاصة بها.
وهذه الصياغة تمثل تسوية تم التوصل إليها تحت ضغط من الولايات المتحدة، التي عارضت طلب البرازيل – وغيرها من الدول الفقيرة – بإلزام الدول بمساعدتها. وووافقت جميع الدول الأعضاء في المنظمة عليها، ولكن بعض الدول المتقدمة تفكر في تحديها والمطالبة بتوضيح حقيقة أن اللوائح لا تلزم المساعدة. ومن المقدر أن تكون إسرائيل من بين هذه الدول.
“ادعاءاتكم كاذبة ولا أساس لها من الصحة”
يشن السياسيون والناشطون السياسيون في أنحاء العالم وفي إسرائيل حملة ضد اللوائح الجديدة والمعاهدة بحجة أنها “قد تضر بسيادة الدول” ويتعاملون معها كتهديد وجودي حقيقي.
أرسل 28 عضوا في الكونجرس الأمريكي رسالة إلى الرئيس جو بايدن، حذروا فيها من أن تغيير اللوائح سيضر ببراءات الاختراع الأمريكية للأدوية، ووجد استطلاع أن 70% من الأمريكيين يعارضون تغيير اللوائح خوفا من الإضرار بالسيادة الأمريكية. كما دعا أعضاء الكونجرس الولايات المتحدة إلى الانسحاب من منظمة الصحة العالمية بحجة أن المنظمة “فاسدة”.
وتجري حملة مماثلة في إسرائيل، مع التركيز على الخوف من أن يؤدي تغيير اللوائح إلى الإضرار بالأمن. وكتب عضو الكنيست أرييل كيلنر من حزب الليكود عريضة ضد تغيير اللوائح والمعاهدة، والتي وقع عليها أكثر من 55 ألف إسرائيلي. كما أرسل كيلنر الأسبوع الماضي رسالة إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الصحة أورييل بوسو ووزير الخارجية يسرائيل كاتس وقعها تسعة أعضاء كنيست آخرين وحذر فيها:
“تغيير اللوائح الصحية العالمية قد يؤثر بشكل مباشر على سيادة دولة إسرائيل! من أجل الحفاظ على سيادتها، يجب على إسرائيل أن تعبر عن تحفظاتها على البنود الإشكالية قبل التصويت على اللوائح، والتي توضح أنها جزء من المجتمع الدولي، دون التنازل عن الاستقلالية في اتخاذ القرار”.
“رفض الالتزام بقواعد منظمة الصحة العالمية الجديدة، بعد أن وافقنا عليها بشكل أساسي من خلال صمتنا، أو الانسحاب من اللوائح الصحية، سيعرض إسرائيل لخطر العقوبات الدولية التي لا تخضع لأي إجراء إضافي – ولا حتى في مجلس الأمن”.
ورفض بوسو ادعاءات كيلنر وزملائه وعلق قائلا إنها “كاذبة وخالية من الأساس ولا تستند إلى حقائق”.
وهذه الادعاءات فعلا غير دقيقة أبدا. منظمة الصحة العالمية منظمة تطوعية لا تملك صلاحيات لمعاقبة الدول أو فرض إرادتها عليها. لوائح المنظمة، القديمة والجديدة، لا تتحدى سيادة الدول، بل وتنص بوضوح على أنها تنفذ “مع مراعاة القوانين المحلية للدول” (الفصل 4، القسم 1 من اللوائح الجديدة).
لكن تم تداول رسالة كيلنر على مواقع اليمين وشبكات التواصل الاجتماعي، لتنضم إلى الحملة الشرسة عبر الإنترنت ضد منظمة الصحة العالمية.
وقد نشر المؤرخ غادي تاوب والباحثة في السياسات العامة نوغا أربيل من منتدى “كوهيليت” مؤخرا محاضرة مشتركة حول الموضوع في بودكاست تاوب على موقع “ميدا”، الذي لديه 29 ألف متابع على اليوتيوب. وجاء في النص المرفق بالمحاضرة “تتناول معاهدة منظمة الصحة العالمية الجديدة (إلى جانب قواعد المنظمة)، ظاهريا، التنسيق الدولي لمكافحة الأوبئة. من الناحية العملية، تطالب المعاهدة الدول بالتخلي عن سيادتها”.
“إذا تم قبول المعاهدة، فإن سلطة إعلان حالة الطوارئ ستنتقل منا إلى الأمم المتحدة. تشريعاتنا ستكون خاضعة للهيئات الدولية، التي يمكنها، على سبيل المثال، فرض الإغلاق علينا، وإذا لم نلتزم، ستمنع الدخول والخروج من إسرائيل – وتلحق أضرارا جسيمة باقتصادنا”.
“ناهيك عن مد يدهم إلى جيوبنا، والأمر بإعطاء أدويتنا للدول المجاورة، ودخولهم بحرية إلى المنشآت الأمنية الإسرائيلية (بما في ذلك المنشآت السرية)، وقدرتهم على فرض وقف إطلاق النار علينا. تتضمن المعاهدة عقوبات صارمة على من لا ينضم”.
تم تداول هذا النص التهديدي في عدد لا يحصى من مجموعات الواتساب والفيسبوك، وبعضها من الليبراليين. يتعامل معه العديد على أنه كلام منزل، على الرغم من أنه مليء بالأخطاء: لا يستطيع ممثلو منظمة الصحة العالمية دخول المرافق السرية، ولا تملك المنظمة سلطة فرض العقوبات، أو الأمر بتقييد الحركة والإغلاق، وبالتأكيد ليس سلطة فرض وقف إطلاق النار.
وفي الأسبوع الماضي، عقدت لجنة الدستور في الكنيست مناقشة لمدة أربع ساعات حول “التغييرات في لوائح منظمة الصحة العالمية وتداعياتها على التشريعات في إسرائيل”. وافتتحت المناقشة عضو الكنيست تالي غوتليب من حزب الليكود، الناشطة في الحملة ضد منظمة الصحة العالمية.
وقالت غوتليب في افتتاح الجلسة “منظمة الصحة العالمية معادية للسامية، وتدعم الإرهاب، ويرأسها إرهابي. تعديل اللوائح والمعاهدة الصحية تهدف إلى المساس بسيادة البلاد وقد تلحق ضررا جسيما بأمنها وأموالها وحقوق مواطنيها. على الدولة أن تعلن معارضتها الكاملة للمعاهدة واللوائح الجديدة”.
لم تكن جملة واحدة في خطاب غوتليب التحريضي صحيحة. الادعاء بأن منظمة الصحة العالمية “معادية للسامية” يتعارض مع انتخاب إسرائيلي لعضوية لجنتها التنفيذية، ودعوتها إلى إطلاق سراح المختطفين وإدانة حماس. وتعرضت المنظمة لانتقادات شديدة بسبب “تأخرها في الرد على جرائم الاغتصاب التي ارتكبها مسلحو حماس”، لكنها أدانتها في النهاية.
تقدم منظمة الصحة العالمية الكثير من المساعدة لضحايا الإرهاب. والادعاء بأن رئيس المنظمة الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس “إرهابي” يستند إلى اتهامات لا أساس لها من الصحة وجهتها له الحكومة في وطنه إثيوبيا، لكونه مسؤولا سابقا في حكومات سابقة في البلاد وأحد أفراد شعب تيغراي الذي تعرض للاضطهاد والذبح على يد القوات الحكومية.
وأصدر أعضاء كنيست آخرون في اللجنة، مثل ليمور سون هار-ميلخ من عوتسما يهوديت ونسيم فاتوري من الليكود، تصريحات تحريضية مماثلة. حتى أن هار-ميلخ وصفت المنظمة بأنها “أحد أشكال العدو”.
كما شارك في نقاش اللجنة نوغا أربيل وناشطون اجتماعيون آخرون، الذي هاجموا بدورهم اللوائح الجديدة والمعاهدة، في حين خلطوا بين اللوائح والمعاهدة وأشاروا إلى مقترحات للوائح طرحت ورفضت في الماضي.
كما شارك في النقاش مسؤولون ومهنيون من وزارات الصحة والخارجية والعدل، الذين شرحوا الحقائق بإسهاب ودقة، ودحضوا جميع ادعاءات أعضاء الكنيست والناشطين.
وشاركت في المناقشة شارون الرعي برايس، مديرة خدمات الصحة العامة بوزارة الصحة، والتي قالت “الأمراض المعدية لا تعرف حدودا، وعندما تتفشى، يجب تحسين نقل المعلومات في العالم. اللوائح الجديدة تعطي المجتمع الدولي الأدوات اللازمة للقيام بذلك على نحو أفضل”.
“لكن اللوائح ملتزمة تماما بمبدأ الذي يقول إن السيادة والقوانين المحلية والقرارات المستقلة لكل دولة تفوق كل قرار ولائحة للمنظمة. خلال وباء كورونا تصرفنا بما رأيناه مناسبا واتخذنا قرارات لم تتوافق دائما مع توصيات منظمة الصحة العالمية. وهذا لن يتغير”.
وكمثال على قرارات الحكومة الإسرائيلية التي اتخذت خلافا لتوصيات منظمة الصحة العالمية، ذكرت الرعي برايس قرار وقف معظم الرحلات الجوية من وإلى إسرائيل مع تفشي الوباء، وتوزيع لقاح ثالث لكورونا، في الوقت الذي فيه لم يتم توزيع اللقاح الأول بعد في معظم في العالم.
وأضاف الدكتور آشر شلمون، الذي شارك أيضًا في المناقشة “ستساهم اللوائح الجديدة في تعزيز الصحة العامة بشكل يومي ووجودي. إذا كان هناك قلق من تفشي فيروس في شمال سوريا، أو في جنوب الأردن، فستمكن اللوائح من معرفة ذلك في الوقت المناسب والاستعداد”.
وأضاف: “القرارات في منظمة الصحة العالمية يتم اتخاذها دائمًا بالتوافق بين الدول، وليس عن طريق التصويت. وتناقش الدول كل لائحة على حدة، وحتى إذا تم إقرار اللوائح، فسيكون لدينا 10 أشهر للاعتراض عليها”.(المناقشة في الكنيست جرت قبل المصادقة على اللوائح).
وبحسب شلمون: “إذا كانت هناك بنود نواصل معارضتها بعد 10 أشهر، فيمكننا إخطار منظمة الصحة العالمية، وستعتبر هذه البنود “تحفظًا دائمًا” لإسرائيل ولن تنطبق علينا”.
وأضاف: “المعاهدة لم تتم صياغتها بعد، ولا أعلم إن كان ستتم المصادقة عليها أصلا، لأن هناك خلافا في العالم حول محتواها. وإذا تمت المصادقة عليها، فسيتم عرضها لموافقة الحكومة والكنيست. لن يجبر أحد الدول على الانضمام إلى المعاهدات الدولية”.
“لن نوافق تحت أي ظرف من الظروف على التخلي عن سيادة قانوننا الوطني. لن نوافق على أي ضرر بشراء وتوريد وتسويق الأدوية واللقاحات في إسرائيل أو بالآليات التي من شأنها أن تجبرنا على توزيعها. نحن التبرع بالكثير من الأدوية عندما نريد ذلك”.
ولم يرد شلمون والرعي برايس والمسؤولون الآخرون على تحريض أعضاء الكنيست ضد منظمة الصحة العالمية، لكنهم ذكروا أنه إذا كانت إسرائيل تريد من المنظمة ألا تعمل ضدها، فيجب عليها أن تشارك في وضع اللوائح الجديدة وليس الانسحاب أو تجاهلها.
ويبدو من رد رئيس اللجنة سيمحا روتمان أن كلام المسؤولين قد طمأنه. وقال روتمان إن “المنظمات الدولية كثيرا ما تتصرف بشكل انتقائي ضد إسرائيل”، لكنه وافق على أن إسرائيل يجب أن تظل منخرطة في أعمالها. ووبخ روتمان غوتليب لوصفها منظمة الصحة العالمية مرارًا وتكرارًا بأنها “منظمة معادية للسامية” وطلب منها التوقف، قائلا أنه “ليس الجميع في المنظمة معادين للسامية”.
وغادرت غوتليب الجلسة بعد حوالي ساعة للمشاركة في مناقشة لجنة أخرى؛ أما بقية المشاركين في جلسة لجنة الدستور بقيوا وتحصنوا في مواقفهم. بينما قال شلمون: “يمكن أن نكون واثقين بأننا لن نضطر إلى توزيع الدواء على أحد”، سمعت صرخات في اللجنة “قبل 7 أكتوبر أيضا قالوا: يمكننا أن نكون واثقين”.
ونُشرت بعد المناقشة تقارير حول هذه المسألة على المواقع اليمينية وشبكات التواصل الاجتماعي كررت الادعاءات الكاذبة ضد منظمة الصحة العالمية وتجاهلت تماما ردود وتوضيحات المهنيين.
كما ظهرت في النقاش انتقادات شديدة للقيود التي فرضت لمكافحة وباء كورونا. وادعت غوتليب وهار-ميلخ وأربيل ومشاركون آخرون أن اللوائح الجديدة ستساعد في تعزيز خطوات مماثلة في المستقبل. ويقول مسؤول في وزارة الصحة “يمكن تأييد أو معارضة الإغلاق، لكن كلمة ’إغلاق’ لم تذكر في اللوائح على الإطلاق، إنها لا تتناوله”.
كما شارك في مناقشة اللجنة عدد من الأطباء الذين عارضوا اللوائح الجديدة. واشار أحدهم، الدكتور سورين شابيرا، الذي شارك في معارضة إغلاقات كورونا، بلائحة جديدة تشجع على مكافحة الأخبار الكاذبة في قطاع الصحة، وحذر “إنها ستشجع إسكات الأصوات، كما كان الحال في كورونا”. وأكدت الرعي برايس ذلك، قائلة إن “اللائحة تستهدف الأخبار الكاذبة كتلك التي انتشرت في كورونا. ممتاز”.
ولم يذكر أي من المشاركين في المناقشة حقيقة أن الحكومة الإسرائيلية قامت فعليا بإخفاء المعلومات المتعلقة بالوباء، مثل المعلومات حول الآثار الجانبية للقاحات، بينما عملت بعض حكومات العالم والمنظمات الدولية بشفافية.
كما لم يتساءل أحد عما إذا كانت إسرائيل تفعل ما يكفي للسماح للأطباء والطواقم الطبية بالعمل في غزة وتلقي معلومات حول الوضع في قطاع غزة – وما إذا كان من الأفضل إعطاء المنظمات الدولية السلطة لمطالبة إسرائيل بتوفير مثل هذه المعلومات، وربما السلطة أيضا لمطالبتها بتخفيف الكارثة الإنسانية ومساعدة المدنيين، ولو لمنع انتشار الأوبئة التي تعرض أيضا جنود الجيش الإسرائيلي والمختطفين ومواطني إسرائيل للخطر؟
“لا يمكن لأي دولة أن تتعامل مع الأوبئة بمفردها”
قالت الدكتور موران فريدمان الطبيبة والمديرة المهنية لجمعية “ميدعت” لتحسين الصحة العامة “اللوائح الجديدة تطبق الدروس التي تعلمناها في وباء كورونا بشكل جيد – وستساعدنا على التصرف بشكل أفضل في الوباء القادم (وسيكون هناك وباء)”.
“الادعاء بأنه يتعين علينا رفض التغييرات في اللوائح والمعاهدة ’بسبب معاداة السامية’ هو ببساطة مدهش. من الواضح اليوم أن معاداة السامية لا تزال حية ونابضة بالحياة. وبالتالي، إذا لم تقم منظمة الصحة العالمية بإجراء هذه التعديلات بالذات، قد يقول قائل في الوباء القادم: لقد طورنا لقاحاً، لكننا لسنا مستعدين لإعطائه لإسرائيل”.
“لمنع إساءة استخدام القواعد الجديدة، لا ينبغي لنا أن نلقيها جانبا، بل على العكس من ذلك، علينا ان نطالب بمقعد على الطاولة. أن نشارك، ونرسل ممثلين إلى اللجان”.
هل لديك أمثلة ملموسة للدروس المستفادة من كورونا التي تعكسها المقترحات؟
“واجب تبادل المعلومات. بدأ فيروس كورونا في الصين، الدولة الشمولية، التي لا تهتم بالضرورة بالصحة العامة هناك وفي بقية العالم. أين كنا سنكون لو لم نكتشف أنه يوجد مرض غريب جديد هناك في المرحلة التي اكتشفناه فيها، ولكن بعد أشهر؟ كل ما كنا نعرفه هو أن هناك بعض الحالات الغريبة في العديد من البلدان، وبحلول الوقت الذي يقوم شخص ما بربطها – لكانت هناك بالفعل أعداد كبيرة من المصابين”.
وإذا تم تحسين اللوائح وإبرام معاهدة، فهل ستبدأ الصين والدول الدكتاتورية من أمثالها فجأة في التصرف بشفافية؟
“لا. لن تصبح الصين ديمقراطية شفافة حتى بعد التوقيع على المعاهدة، وإذا أراد الصينيون الإخفاء فسوف يخفون. السؤال هو ماذا عن بقية العالم. لأن الأوبئة تبدأ في الانتشار بشكل متقطر. والبلدان لا تدرك بالضرورة متى عليها أن تدق ناقوس الخطر”.
“في النهاية، أحد الأطباء يرى حالة في الميدان، ويتحدث إلى المستشفيات والعيادات، ويتحدث إلى وزارة الصحة، ويتحدث إلى منظمة الصحة العالمية، وهكذا يصبح تراكم الحالات الفردية صورة كاملة. هذا ما حدث مع فيروس نقص المناعة البشرية، وسارس، وكورونا، ومع رميديا. بمجرد إنشاء قناة مقبولة لنقل المعلومات، يقل خطر تجاهلها لأنها لا تبدو مهمة بما فيه الكفاية لشخص ما”.
ألا تضر اللوائح لنقل المعلومات في الوقت الحقيقي بسيادة الدول، التي تعتمد، من بين أمور أخرى، على الأسرار الأمنية؟
“الوثيقة بأكملها تتحدث عن ’الدول الأطراف’. لا أعلم ما يمكن أن يؤكد أكثر منذ ذلك على أن هذه خطوات لحرب كيانات ذات سيادة معًا ضد تهديد عالمي، من خلال تبادل البيانات الإحصائية مجهولة المصدر. ليس ’موشيه، 43 عامًا، أصيب بالعدوى في منشأة الشاباك’، بل ’خمسة أشخاص ظهرت عليهم الأعراض وتتراوح أعمارهم بين 35-50 عاما ومكثوا معا في مكان ما’”.
“إذا أحاول أن أتخيل موقفاً من شأنه أن يؤدي فيه تبادل المعلومات إلى الإضرار بالأمن، فإنني أفكر في سيناريو يتم فيه تطوير سلاح بيولوجي، ويتسرب من مختبرنا ويصبح وباءً. لكن هذا ليس حدثا أريد أن يتحقق”.
هل من الممكن أن تلحق اللوائح المثيرة للجدل، والتي لم تتم الموافقة عليها بالفعل، والتي تهدف إلى مطالبة الدول المتقدمة بتقديم المساعدات إلى الدول الفقيرة، بنا أي ضرر؟
“أنا شخصيا أوافق عليها. الأوبئة لا تراعي الحدود. شلل الأطفال كان على وشك الانقراض، لكن دولتين لم تحصنا بما فيه الكفاية وسمحتا له بالانتشار مرة أخرى. المصلحة العامة هي في أن تكون كل دول العالم قادرة على مكافحة الأوبئة لأن ما يوجد لديهم يصلنا بسهولة”.
“ثانيًا، هناك احتمال أكبر بأن نكون، في إسرائيل، في الجانب الذي يحتاج إلى الوصول إلى التدابير الطبية، وليس في الجانب الذي يؤخذ منه. وإذا أردنا الوصول – فمن المنطقي أن نتفق أيضًا على تقديم ما في وسعنا”.
إسرائيل أعلى من المتوسط في المؤشرات العالمية للثروة والتعليم والتطور العلمي. لماذا نكون في الجانب الذي يحتاج إلى المساعدة؟
“صحيح أننا دولة متقدمة، ولكنها صغيرة، ومواردها محدودة ومحاطة بالأعداء. لم نطور لقاح كورونا. لذا ربما يكون من الأفضل أن ندفع مبلغًا أكبر قليلاً مقابل اللقاح التالي، وفي المقابل يمكن للدول النامية الحصول عليه بسعر أرخص، لكننا سنضمن لأنفسنا إمكانية الوصول إليه. في عالم فيه ’كل بلد عبارة عن جزيرة’، لا أعلم إن كنا سنتمكن من الوصول إلى اللقاحات”.
“لا يمكن لأي دولة أن تتعامل مع الأوبئة بمفردها، حتى اقتصاديا. علينا أن نكون جزءا من العالم. وعلاوة على ذلك، المعاهدة لا تشمل الدعم بين البلدان فحسب، بل دعم الأسر، من أجل تجنب الأضرار الاقتصادية التي وقع خلال كورونا”.
هذا يعني رأيك في موضوع المساعدات يتعارض مع موقف وزارة الصحة والنظام السياسي في إسرائيل وغيرها من الدول المتقدمة؟
“صحيح. وهذا ليس موقف “ميدعت” أيضًا، بل موقفي. أنا اشتراكية إلى حد ما في قلبي. حصلت على تطعيم ضد الأنفلونزا حتى لا أصاب بمرض مزعج، ولكن أيضًا لأنني أعرف أن تطعيم الشباب يقلل من معدلات الإصابة بالمرض والوفيات بين كبار السن”.
خلال وباء كورونا، استخدمت الحكومات إجراءات قاسية، بعضها كان مفيداً وبعضها لا، والتي استخدمت الإكراه وكتم المعلومات. وكانت النتيجة انخفاض ثقة الجمهور في النظام الصحي وفي العلوم، وانخفاض التطعيمات الروتينية وانتشار نظريات المؤامرة. فهل الهجمات الحالية ضد منظمة الصحة العالمية جزء من هذا؟
“عزل المرضى وتقييد الحركة والتجمعات إجراءات أساسية في مكافحة بعض الأوبئة. لولاها لكان من المستحيل هزيمة سارس والحد من الوفيات الناجمة عن كورونا”.
“فيما يتعلق بالإدارة، وطريقة شرح الخطوات للجمهور، لدي أنا وميدعت الكثير من الانتقادات. تم القيام بالعديد من الأشياء الصحيحة بطريقة غير صحيحة تماما. ونعم، نحن ندفع ثمنًا باهظًا جدًا لهذه الأخطاء. وأنا ليس لدي أي شك في أن هذا جزء من أزمة الثقة، ولكنني لا أعتقد أن سبب لرفض اللوائح الجيدة، هذا سيكون خطأ. نحن بحاجة إلى الموافقة على اللوائح، ومناقشة المعاهدة، وفي الوقت نفسه، البحث عن سبل لاستعادة الثقة”.