حماس تتحرك لإعادة تأكيد سلطتها في مناطق بمدينة غزة انسحبت منها القوات الإسرائيلية
الفلسطينيون يقولون إن الحركة الحاكمة لغزة بدأت بنشر عناصر شرطة وإنشاء مكاتب مؤقتة لتوزيع الرواتب، مما يدفع إسرائيل إلى اتخاذ إجراءات جديدة
بدأت حماس في الظهور من جديد في المناطق التي سحبت فيها إسرائيل الجزء الأكبر من قواتها قبل شهر، ونشرت عناصر شرطة ودفعت رواتب جزئية لبعض الموظفين الحكوميين في مدينة غزة في الأيام الأخيرة، حسبما قال أربعة من السكان ومسؤول كبير في الحركة يوم السبت.
تؤكد مؤشرات عودة حماس إلى الظهور في أكبر مدينة في غزة على مرونة الحركة على الرغم من الحملة الجوية والبرية المدمرة التي شنتها إسرائيل منذ 7 أكتوبر، عندما اقتحم مسلحون بقيادة حماس الحدود من غزة إلى جنوب إسرائيل وقتلوا حوالي 1200 شخص – معظمهم من المدنيين – واختطفوا 253 آخرين. وقد قالت إسرائيل إنها عازمة على سحق حماس ومنعها من العودة إلى السلطة في غزة، وهو الجيب الذي تحكمه الحركة منذ عام 2007.
وفي الأيام الأخيرة، جددت القوات الإسرائيلية ضرباتها في الأجزاء الغربية والشمالية الغربية من مدينة غزة، بما في ذلك المناطق التي ورد أنه تم فيها توزيع بعض الرواتب.
وقال أربعة من سكان غزة لوكالة “أسوشيتد برس” إنه في الأيام الأخيرة، انتشر شرطيون بزي رسمي ومدني بالقرب من مقار الشرطة ومكاتب حكومية أخرى، بما في ذلك مستشفى الشفاء، الأكبر في القطاع. وقال السكان إنهم رأوا عودة الموظفين الحكوميين والغارات الجوية الإسرائيلية التي تلت ذلك بالقرب من المكاتب المؤقتة.
وتمثل عودة الشرطة محاولة لاستعادة النظام في المدينة المدمرة بعد أن سحبت إسرائيل عددا كبيرا من قواتها من شمال غزة الشهر الماضي، حسبما قال مسؤول في حماس لوكالة أسوشييتد برس، والذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالتحدث إلى وسائل الإعلام.
وقال المسؤول إن قادة الحركة أعطوا توجيهات لإعادة فرض النظام في أجزاء من الشمال حيث انسحبت القوات الإسرائيلية، بما في ذلك من خلال المساعدة في منع نهب المتاجر والمنازل التي تركها السكان الذين استجابوا لأوامر الإخلاء الإسرائيلية المتكررة وتوجهوا إلى النصف الجنوبي من غزة.
خلال الهجوم البري الإسرائيلي، تُركت العديد من المنازل والمباني نصف قائمة أو تحولت إلى أكوام من الخردة والأنقاض والغبار.
وقال سعيد عبد البار، وهو من سكان مدينة غزة، إن قريبه تلقى أموالا من مكتب مؤقت لحماس بالقرب من المستشفى تم إنشاؤه لتوزيع 200 دولار على الموظفين الحكوميين، بما في ذلك عناصر الشرطة وعمال البلدية.
منذ سيطرتها على غزة قبل 17 عاما تقريبا، تدير حماس بيروقراطية حكومية تضم عشرات الآلاف من الموظفين، بما في ذلك المعلمين وشرطة المرور والشرطة المدنية، الذين يعملون بشكل منفصل عن الجناح العسكري السري للحركة.
تشير الرواتب الجزئية البالغة 200 دولار التي تم توزيعها على بعض الموظفين الحكوميين على الأقل إلى أن إسرائيل لم توجه ضربة قاضية لحماس، حتى عندما يقول الجيش إن القوات قتلت حوالي 10 آلاف من مقاتلي الحركة في غزة بالإضافة إلى حوالي 1000 مسلح قُتلوا في إسرائيل في 7 أكتوبر.
وقال أحمد أبو هدروس، وهو من سكان غزة، إن الطائرات الحربية الإسرائيلية قصفت المنطقة التي يقع بها المكتب المؤقت عدة مرات في الأسبوع الماضي، بما في ذلك صباح السبت.
وتأتي هذه الضربات بعد شهر تقريبا من إعلان القادة العسكريين الإسرائيليين أنهم فككوا هيكل قيادة كتائب حماس في الشمال، لكن مقاتلين أفراد يواصلون تنفيذ هجمات على طراز حرب العصابات.
بعد تقييم تم إجراؤه في شمال غزة يوم الخميس، قال قائد القيادة الجنوبية للجيش الإسرائيلي، اللواء يارون فينكلمان، للقوات إن الجيش سيواصل قتال حماس في المنطقة، على الرغم من تركيزه على مواقع أخرى في الآونة الأخيرة.
وقال فينكلمان: “إن قدرتنا على العمل هنا، في قلب مدينة غزة مرة أخرى، بعد أن تركنا [المنطقة] للهجوم في مناطق أخرى، وقدرتنا على العودة إلى هنا والعمل بقوة ضد الأهداف المهمة، بينما ضربنا العشرات من الإرهابيين في الأيام الأخيرة، هي قدرة هامة وسوف نواصل القيام بذلك”.
وجاءت تصريحاته بعد أن ذكرت إذاعة الجيش أن الجيش الإسرائيلي يخطط لتعزيز نشاط القوات في شمال غزة في الأسابيع المقبلة وسط مؤشرات على أن حماس تحاول إعادة ترسيخ وجودها العسكري هناك، وأشارت الإذاعة إلى إطلاق صواريخ من المنطقة يوم الأحد ومعركة بالأسلحة النارية وقعت مؤخرا بالقرب من الساحل حيث قُتل خمسة من عناصر حماس.
وأشار التقرير إلى أن الجيش الإسرائيلي يخطط لتنفيذ عمليات على مستوى الألوية على المناطق التي تحاول فيها حماس استعادة معاقلها الشمالية، والتي قد تشمل عمليات واسعة عند الحاجة، وهو تحول عن الأسابيع الأخيرة التي كان فيها الجيش مهتما بشكل رئيسي بتعقب الأسلحة والأنفاق وجيوب صغيرة من المقاومة المتبقية.
ومن المرجح أن يؤدي تجدد القتال في الشمال إلى تعقيد الخطط لبدء السماح لسكان غزة بالعودة إلى شمال القطاع، المنطقة التي نصحت إسرائيل جميع المدنيين فيها بمغادرتها خلال المراحل الأولى من الحرب.
ونقل التقرير عن مصدر دفاعي قيامه بإلقاء اللوم على عدم وجود خطط لإنشاء هيئة مدنية لإدارة الشؤون في شمال غزة كعامل رئيسي في قدرة حماس على التحرك لملء الفراغ في السلطة. وقال المصدر الذي لم يذكر اسمه: “إذا كان هناك طرف قادر على تسليم البضائع للشمال، فإن حماس ستصبح غير ذات صلة”.
في الشهر الماضي، ذكر تقرير لأخبار القناة 13 أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هليفي كان لديه تقييم مماثل، حيث حذر هليفي قادة إسرائيل من أن المكاسب التي تحققت خلال أشهر القتال قد تتآكل بسبب عدم وجود خطة للإدارة في فترة ما بعد الحرب.
عكست الأقوال المزعومة التي أدلى بها هليفي في الأسابيع الأخيرة القلق بين المحللين العسكريين وغيرهم بشأن عدم الاستعداد لما يسمى “اليوم التالي” في غزة، في الوقت الذي تنهي فيه إسرائيل المرحلة المكثفة من حملتها العسكرية ضد حماس، والتي على الرغم من أنه تم إضعافها إلا أنها لا تزال في السلطة.
ونقلت القناة 13 عن هليفي قوله في محادثات خاصة مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالات: “إننا نواجه تآكل المكاسب التي تحققت حتى الآن في الحرب لأنه لم يتم وضع استراتيجية لليوم التالي”.
وقد تعرقلت محاولات الحكومة لعقد اجتماع وزاري لإجراء محادثات حول إدارة قطاع غزة وإبقاء حماس خارج السلطة مع انسحاب الجيش بسبب الخلافات الداخلية داخل المجلس الوزاري الأمني المصغر.
يقدّر الجيش أن القتال في غزة سيستمر على الأرجح طوال عام 2024، بينما تعمل إسرائيل على تجريد حماس من قدراتها العسكرية وقدرات الحكم الخاصة بها. كما تعهدت الدولة اليهودية بمواصلة القتال حتى يتم إطلاق سراح جميع الرهائن من الأسر.
في غضون ذلك، استمر القتال في جنوب غزة يوم السبت، حيث أعلنت وزارة الصحة التي تديرها حماس مقتل 107 أشخاص في الساعات الـ 24 الأخيرة، ليرتفع بذلك عدد قتلى الحرب إلى 27,238. ولا تفرق الحصيلة التي لم يتم التحقق منها بين المقاتلين وغير المقاتلين، ويُعتقد أنها تشمل أيضا مدنيين قُتلوا بنيران طائشة أطلقتها فصائل مسلحة فلسطينية في القطاع.
ويواصل الوسطاء الدوليون العمل على إغلاق الفجوات بين إسرائيل وحماس بشأن صفقة مقترحة تم طرحها في الأسبوع الماضي لإطلاق سراح الرهائن، بعد حوالي أربعة أشهر من تنفيذ حماس ومسلحين آخرين هجومهم القاتل في جنوب إسرائيل. ووفقا للتقارير حول الاتفاق المقترح، فإن عودة الرهائن الإسرائيليين سوف تكون مصحوبة بتوقف طويل في القتال وقيام إسرائيل بالافراج عن أسرى أمنيين فلسطينيين.
يوم الجمعة، قال مسؤولون في حماس إنهم يدرسون الاقتراح، ولكن يبدو أنهم يرفضون بعض مكوناته الرئيسية.