جنين أبرزت الحاجة لوضع استراتيجية بشأن الضفة الغربية، بينما الإئتلاف “منشغل” بخطة الإصلاح القضائي
بعد توغل محدود، بدلا من التركيز على خطة طويلة الأجل لمنع الفوضى وما هو أسوأ من ذلك في الضفة الغربية، قام الإئتلاف مرة أخرى بإعطاء الأولوية لهوسه المثير للانقسام بتحييد القضاء
لم يكن التوغل العسكري الإسرائيلي المدروس في جنين الذي استمر على ليومين، بمثابة تغيير استراتيجي لقواعد اللعبة، ولم يكن من المفترض أن يكون كذلك.
الجيش لم يكن راغبا حتى في تصنيفه رسميا على أنه “عملية” – حتى لا ينطوي ذلك على مقارنات مع عمليات هجومية واسعة في السنوات الماضية، وعلى الأخص عملية “الدرع الواقي” التي استمرت شهرا في عام 2002، وشهدت عودة الجيش الإسرائيلي إلى مدن الضفة الغربية الرئيسية، واستهدفت البنية التحتية التي كانت وراء التفجيرات الانتحارية خلال الانتفاضة الثانية.
على النقيض من ذلك، كان الهدف المحدود لعملية التوغل هذا الأسبوع هو البدء في إعادة تأكيد قوة الردع الإسرائيلية في شمال الضفة الغربية، مع التركيز على الخلايا المسلحة في منطقة جنين دون الانجرار إلى صراع عميق، ودون إثارة انتقادات دولية متصاعدة، ومع توقع حدوث المزيد من هذه العمليات العسكرية المحدودة في المستقبل.
إحصل على تايمز أوف إسرائيل ألنشرة أليومية على بريدك الخاص ولا تفوت المقالات الحصرية آلتسجيل مجانا!
لا يمكن لإسرائيل أن تسمح للضفة الغربية بأن تتحول إلى غزة ثانية، مع زيادة جرأة التنظيمات المسلحة.
وبشكل خاص، لا يمكنها قبول قدرة الضفة الغربية على تصنيع الصواريخ وإطلاقها على إسرائيل: فكل مكان تقريبا في البلاد يقع في مرمى إطلاق الصواريخ بدائية الصنع من الضفة الغربية، وستصاب إسرائيل، بما في ذلك مطار بن غوريون، بالشلل في حال تم صناعة الصواريخ التي اتضح في الأسابيع الأخيرة وصولها إلى هدفها المنشود.
حتى الآن، عمل الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام (الشاباك) بشكل وثيق مع قوات السلطة الفلسطينية أكثر مما أرادت القيادة السياسية الإسرائيلية الاقرار به. لكن السلطة الفلسطينية، برئيسها المسن والذي يشهد تدهورا في شعبيته، تثبت أنها غير راغبة و/أو غير قادرة على التعامل مع الخلايا المسلحة في شمال الضفة الغربية، وأنها فقدت السيطرة بالكامل في جنين.
ويرغب العديد من أعضاء الإئتلاف الحاكم الحالي، وعلى رأسهم زعيم حزب “الصهيونية المتدينة” بتسلئيل سموتريتش، في أن تقوم إسرائيل بضم الضفة الغربية واستعادة السيطرة الكاملة عليها.
بينما بذل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو جهوده عبثا في ظل إدارة ترامب من أجل ضم جميع المستوطنات وغور الأردن، لم يسع حتى الآن علنا إلى انهيار السلطة الفلسطينية والضم الإسرائيلي الكامل.
والسيادة الكاملة تعني إما خسارة الأغلبية اليهودية في إسرائيل الموسعة، أو إنكار الحقوق المتساوية للمواطنين غير اليهود في إسرائيل الموسعة، وبالتالي فقدان الديمقراطية.
على النقيض من ذلك، يقترح البديل في اليسار، على النحو الذي دعا إليه المرشح لمنصب وزير الدفاع عن حزب “العمل” ورئيس المخابرات العسكرية الأسبق عاموس يالدين، الانسحاب الإسرائيلي من معظم أجزاء الضفة الغربية، بالتنسيق مع الولايات المتحدة وحلفاء إسرائيل العرب، مع مجموعة من الترتيبات الأمنية التي تهدف إلى ضمان ألا تصبح الأراضي التي تم إخلاؤها “دولة إرهاب” على غرار غزة. لكن تجربة غزة، حيث سيطرت حركة “حماس” على المنطقة في عام 2007 بعد أقل من عامين على انسحاب إسرائيل، لا تشكل سابقة مشجعة.
بالنظر إلى المسألة في سياق المصالح الإسرائيلية الأساسية طويل الأمد – ضرورة إحباط سعي إيران لامتلاك أسلحة نووية؛ الرغبة في توسيع تحالفاتنا الإقليمية، لا سيما تطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية؛ حتمية الحفاظ على الاستقرار والأمن واقتصاد مزدهر في الداخل – من الأهمية بمكان أن تطور إسرائيل وتنفذ استراتيجية وطنية قابلة للتطبيق فيما يتعلق بالفلسطينيين. أمر حيوي، ولكنه بعيد عن أن يكون بسيطا، وبالتالي يستلزم قدرا كبيرا من الاهتمام والوقت والموارد على أعلى مستويات الحكومة.
بدلا من ذلك، حتى في الوقت الذي كان فيه التوغل في جنين بكامل قوته، كان الإئتلاف منشغلا بإحياء القضية التي كرس لها اهتماما أكبر من أي شيء آخر في أول نصف عام له في السلطة – الإصلاح القضائي المدمر.
سيمحا روتمان مرر بسرعة وبحزم يوم الثلاثاء في لجنة الدستور والقانون والعدل التي يرأسها في الكنيست نسخة متطرفة من تشريع “المعقولية”، لدرجة أنه تلقى الآن معارضة علنية من بعض المؤيدين المحافظين الذين استند على دعمهم سابقا، قبل أن يُطرح مشروع القانون المزمع على الكنيست في قراءة أولى في أوائل الأسبوع الماضي.
من جانبه، جدد وزير العدل ياريف ليفين يوم الأربعاء هجومه على العملية التوافقية المعقولة التي تختار إسرائيل من خلالها قضاتها، والتي بموجبها يجب أن يتفق جهاز القضاء والائتلاف على القضاة المعينين في المحكمة العليا، واصفا إياها بأنها مشوهة وعبثية وغير معقولة وغير مقبولة. وتتمثل إحدى أحدث الأفكار للائتلاف بحسب تقارير في إعادة تشكيل لجنة اختيار القضاة بعضوية تتألف فقط من سياسيين من الائتلاف ومن المعارضة، بأعداد متساوية، بحيث يكون كل تعيين بحكم تعريفه سياسيا، ويتم اعتبار جميع القضاة معينين في هذا المعسكر أو ذاك.
ونتنياهو نفسه يتأرجح الآن في مهب رياح الإصلاح الشامل – حيث قال لصحيفة “وول ستريت جورنال” يوم الخميس الماضي إن ما يسمى بتشريع “التجاوز”، الذي سيمنع المحكمة العليا على نطاق واسع من إلغاء التشريعات والقرارات الحكومية، “لم يعد مطروحا” بشكل قاطع، ليؤكد لزملائه الغاضبين في الإئتلاف بعد ثلاثة أيام من ذلك أن التشريع لم يُوضع على الرف.
ومع استنئاف حملة التشريعات القضائية، ازدادت حدة المظاهرات ضدها بطبيعة الحال.
وبالفعل، اندلعت مساء الأربعاء مظاهرات غاضبة، مع إغلاق طريق أيالون السريع لساعات، بعد أن أعلن قائد شرطة تل أبيب عميحاي ايشد استقالته، لاستباق نقله من منصبه إلى دور أكثر هامشية بأوامر من وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير.
وقال ايشد: “كان بإمكاني استخدام قوة غير متناسبة بسهولة وملء غرفة الطوارئ في [المركز الطبي] إيخيلوف في نهاية كل مظاهرة في تل أبيب. كان بإمكاننا إخلاء [الطريق السريع] أيالون في غضون دقائق بتكلفة باهظة من خلال تحطيم الرؤوس وكسر العظام وعلى حساب خرق الميثاق بين الشرطة والمواطنين”.
قد تكون المظاهرة التي شارك فيها نحو 15 ألف شخص في مطار بن غوريون يوم الإثنين – حيث تم إغلاق الطرق الداخلية للمطار لساعات، مما تسبب بفوضى عارمة، وحيث استقبل مئات المتظاهرين المسافرين داخل صالة الوصول نفسها بترحيب صاخب – أدت على الأرجح إلى نفور بعد المؤيدين المحتملين. لكن منظمي الاحتجاج متحمسون لتصعيد الأنشطة مرة أخرى بالاستناد على سابقة أواخر شهر مارس – عندما شعر نتنياهو بأنه مضطر إلى تعليق التشريعات وسط تدفق واسع من الغضب الشعبي بسبب إقالته لوزير الدفاع يوآف غالانت، الذي حذر من تأثير التشريعات المثيرة للانقسام داخل المؤسسة العسكرية وعواقبها الخطيرة على الأمن القومي.
يبدو أن رئيس الوزراء مستعد الآن مرة أخرى للمخاطرة بتكرار تلك الانقسامات الإسرائيلية الداخلية المتزايدة من أجل ما يعرف هو بشكل واضح أنه تحييد غير ديمقراطي للنظام القضائي.
ما ينبغي عليه أن يفعله، وهو ما لا يحتاج إلى تنويه، هو التقليل من الانقسامات الداخلية، والتركيز على أولويات إسرائيل الحقيقية – بما في ذلك استراتيجية لمنع الفوضى وما هو أسوأ في الضفة الغربية.