تناقض نتنياهو: حماية إسرائيل من أعدائها في الخارج من دون التسبب بأضرار في الداخل
التركيز يوم الثلاثاء تحول على الفور من قضايا الفساد التي تعصف برئيس الوزراء إلى أنفاق حزب الله. من الناحية الأمنية، يحظى نتنياهو بثقة الإسرائيليين وهو ما يجعل من هجماته على الشرطة أكثر مدعاة للقلق

تحول الإنتباه في إسرائيل يوم الثلاثاء بسرعة من مزاعم الفساد ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وهجومه على الشرطة التي أوصت بتقديمه للمحاكمة – أهم خبر تصدر عناوين النشرات الإخبارية في اليومين الأخيرين – إلى إطلاق الجيش الإسرائيلي لعملية كبير على الحدود الشمالية لتحييد حفر منظمة “حزب الله” للأنفاق التي تمتد إلى داخل الأراضي الإسرائيلية.
ولكن ليس كل الانتباه.
منتقدو نتنياهو – من بينهم البعض، الذين تحدثوا بشكل غير رسمي، من داخل الإئتلاف – ألمحوا إلى أن الحدثين الدراميين مرتبطان: أن نتنياهو حدد باتقان توقيت العملية العسكرية للفت الأنظار عن مشاكله القانونية. وغني عن القول أن المدافعين عنه يرفضون مثل هذه النظريات التهكمية، مشددين على أن عملية الجيش كانت ضرورية وضرورية الآن – وهي رواية ترتكز على حقيقة بسيطة مفادها أن الجيش الإسرائيلي لم يستعد لها في يومين؛ حيث أن هذه العملية هي عملية معقدة وتم التخطيط لها بعناية.
إحصل على تايمز أوف إسرائيل ألنشرة أليومية على بريدك الخاص ولا تفوت المقالات الحصرية آلتسجيل مجانا!
عومر برليف، وهو عضو كنيست عن حزب “المعسكر الصهيوني” ورئيس لجنة برلمانية تشرف على جاهزية إسرائيل للحرب، قال إنه لا يوجد لديه أدنى شك بأن عملية “الدرع الشمالي” الإسرائيلية كانت ملحة وضرورية، وعلى النقيض من المتحدثين بإسم الجيش الإسرائيلي، الذين أكدوا على أن أنفاق حزب الله كانت “غير جاهزة للاستخدام” في هذه المرحلة، قال برليف في مقابلة إذاعية إنه بما أن الأنفاق امتدت إلى داخل إسرائيل، فهي بكل تأكيد “جاهزة للإستخدام” وبالتالي فإن إغلاقها كان من الضرورات العاجلة.

ومع ذلك، فإن بارليف، وهو قائد سابق لوحدة القوات الخاصة “ساييرت ماتكال”، أسمع ملاحظة تشكيك فيما يتعلق بصياغة رئيس الوزراء للعملية. بارليف لم يربط بين توقيت العملية ومشاكل الفساد التي تحيط برئيس الوزراء، لكنه قال إنه الحاجة لمحاربة “أنفاق (حزب الله) الإرهابية” لا تشكل أي مبرر لرفض نتنياهو عدم إطلاق عملية هجومية كبيرة ضد حماس في غزة في الشهر الماضي.
كان هذا ردا على تأكيدات، بما في ذلك من زميل نتنياهو في حزب “الليكود”، يوآف كيش، أن رئيس الوزراء قرر الحفاظ على ضبط النفس في مواجهة إطلاق حركة “حماس” لأكثر من 500 صاروخ لأنه كان على الجيش التركيز بشكل عاجل على حزب الله، وأن قيادته الحكيمة وترتيبه للأوليات جاءا في تناقض صارخ من عدم المسؤولية التي أظهرها أفيغدور ليبرمان، الذي استقال من منصب وزير الدفاع في اشمئزاز من نهج نتنياهو المتساهل ظاهريا تجاه حماس.

وجادل بارليف أن الجيش الإسرائيلي قادر تماما على حماية جنوب إسرائيل وشمالها في آن واحد. جميع أشكال “المصادر السياسية” غذت نفس الخط لوسائل الإعلام العبرية يوم الثلاثاء: نعم، كان من الضروة بشكل قاطع معالجة أنفاق حزب الله، ولكن كان هذا ضروريا أيضا قبل شهر.
ومن المتوقع أن تستمر عملية الجيش الإسرائيلي لأيام، وربما لأسابيع، بحسب ما قاله الناطق العسكري رونين مانيليس. ولا يمكن التنبؤ حتى كتابة هذه السطور كيف أو ما إذا كان حزب الله سيختار الرد.
تقويض الثقة
لكن عاجلا أم آجلا ستعود مشاكل نتنياهو القانونية إلى مركز الأحداث من جديد – مما يدل على التناقض الذي أضحت عليه رئاسته للحكومة.
لا يزال نتنياهو اختيار الإسرائيليين الأول لرئاسة الوزراء، وعملية الجيش الإسرائيلي على الحدود الشمالية ستبرز على الأرجح هذا التفضيل، لأنه يُنظر إليه على أنه قادر أكثر من خصومه على الحفاظ على الدول آمنة – في إبعاد أعدائنا من الخارج. ولكن في الوثت نفسه، في استراتيجيته لمحارية تهم الرشوة والادعاءات ذات الصلة ضده، هو يقوم متعمدا بزرع الانقسام من الداخل، من خلال تقويض ثقة الإسرائيليين بسلطات إنفاذ القانون ومن خلال تحديه لسلطة القانون.
في حين أن الجيش يخطط للتصدي للمخاطر على الجبهة الشمالية، على جبهة الفساد، فإن الأمور لا تبدو بأنها جيدة بالنسبة لنتنياهو.
وقد أوصت الشرطة، التي يرأسها مفوض عام اختاره هو، بتوجيه لوائح اتهام ضد في ثلاث قضايا فساد مختلفة – كانت آخرها هذا الأسبوع بتهمة تلقي رشوة وتهم أخرى تتعلق بعلاقاته مع المساهم المسيطر السابق في عملاق الاتصالات الإسرائيلي “بيزك”. آخر هذه التوصيات الثلاثة كانت هدية الوداع من المفوض العام روني الشيخ، وتم نشرها في اليوم الأخير للشيخ في المنصب – اليوم الأخير من ولاية استمرت لثلاث سنوات اختار نتنياهو فيها بشكل قاطع عدم تمديدها لعام رابع.
تشرف النيابة العامة، برئاسة النائب العام الذي قام هو بتعيينه، على التحقيقات المكثفة التي لم تبدأ إلا بموافقة مباشرة من النائب العام. تقارير غير مؤكدة أشارت إلى أن الكوادر في مكتب أفيحاي ماندلبيت لم تتفاجأ من التهم المحددة التي أوصت الشرطة بتوجيهها في قضية بيزك، وأن نواب ماندلبليت يشاركون الشرطة التقدير بأن هناك أدلة كافية لتقديم لائحتي اتهام في القضيتين الأخرتين أيضا.
ومع ذلك سيكون من الحماقة والعبث التحدث بأي قدر من اليقين حول كيفية سير الإجراءات القانونية. فماندلبليت، أكبر مسؤول قانوني في البلاد، وليس نوابه وبالتأكيد ليست الشرطة، هو من سيقرر ما إذا كان سيتم توجيه تهم.
في عام 2004، لم تبدو الأمور بأنها جيدة لرئيس الوزراء أريئيل شارون أيضا. المدعي العام كان قد بدأ بالفعل بصياغة لائحة الاتهام ضده بسبب الملف المسمى ب”قضية الجزيرة اليونانية”. لكن النائب العام حينذاك، مناحيم مزوز، أغلق الملف باستنتاج مفاجئ بأن “الأدلة لا تقترب حتى” من المستوى المطلوب للإدانة.
قد يقتنع ماندلبليت بمزاعم نتنياهو بأن كل هذه السيغارات من قطب هوليوود، أرنون ميلشان، كانت مجرد هدايا من صديق (القضية 1000). وأن كل قارئ في إسرائيل بإمكانه أن يرى في كل يوم في نسخة “يديعوت أحرونوت” المنتقدة لنتنياهو أن رئيس الوزراء لم يبرم أي صفقة مع ناشر الحصيفة، أرنون موزيس، لضمان تغطية ودية أكثر له (القضية 2000). وأنه لم يقم بأي تدخلات عير قانونية لمساعدة المصالح التجارية لصاحب شركة بيزك، إلوفيتش، وأنه لا يوجد هناك أي عيب في سعي رئيس الوزراء، أو زوجته، إلى اقناع مشغل موقع إخباري (“واللا” التابع لإلوفيتش) بالتخفيف من حدة اللهجة ضدهما (القضية 4000).
ربما. الشرطة خلصت بصورة قاطعة إلى أن تصرفاته كانت غير قانونية. ولكن ربما.

لكن الأمر الذي لا نقاش فيه للأسف هو أنه في دفاعه الشرس والمرير ضد قائمة التهم المتراكمة ضده يقوم نتنياهو بتشويه سمعة مكتبه. رئيس وزراء أظهر حكما حذرا في إبقاء إسرائيل آمنة نسبيا خلال العقد الماضي في هذه المنطقة الغادرة وغير المتوقعة يتعامل يشكل تهكمي وغير مسؤول فيما يتعلق برفاهية إسرائيل الداخلية. في سعيه الحثيث للاحتفاظ بالحد الأقصى من الدعم، يقوم نتنياهو بتأطير عقده القانونية وكأنها مسألة نحن وهم – حيث ان “هم”لا تشير فقط إلى المعارضة اليسارية والإعلام البلشفي، وإنما أيضا الشرطة المنحرفة، بدوافعها غير الطاهرة ظاهريا وقائدها غير الملائم للمنصب. وبتمديد ضمني، “هم” تعود أيضا للنيابة العامة التي يرأسها ماندلبليت والتي تشرف على القضية.
في الليلة الأولى من عيد “الحانوكاه”، بعد ساعات من قيام الشيخ بإلقاء قنبلة التوصيات في القضية 4000، كان من المقرر أن يلقي نتنياهو خطابا في تجمع لحزب “الليكود” بمناسبة عيد الأنوار العبري. كان بإمكانه السير في الطريق المستنير واللائق، طريق رجل الدولة. كان سيئا بما فيه الكفاية قيام زملاءه في الليكود بمهاجمة الشرطة والمحامين؛ كان بإمكانه أن يؤكد للإسرائيليين على أن لديه ثقة بنزاهة سلطات إنفاذ القانون في بلدنا، وفعل ذلك مع التأكيد على براءته في الوقت نفسه.
بدلا من ذلك، استخدم خطابه – كما فعل في نقاط وضيعة خلال معركته ضد تهم الفساد – للإدعاء بأنه وزجته سارة ضحيتان ل”مطاردة سحرة”، وأن محققي الشرطة غير نزيهين، وأن القضية هي “قضية خاسرة من البداية”.
إن مسألة من سيخلف الشيخ غارقة في الوقت الحالي في سلسلة كاملة ومنفصلة من التعقيدات، ونتنياهو أخبر الحشد إنه لا يعمل من سيكون المفوض العام القادم. ولكن “أنا أعرف شيئا واحدا”، كما قال رئيس الوزراء متكئا على المبر بأسلوبه الخاص وتكرم على جمهوره المحب بمعلومة أنه “سيكون في انتظاره عملية إصلاح لأنه، كيف يمكنني قول هذا، ثقة الجمهور بالشرطة ليس في أعلى مستوياتها على الإطلاق”.
بالفعل، هي ليست كذلك، ويعود الفضل في ذلك لرئيس الوزراء.
كان من المؤسف رؤية ماندلبليت مضطرا يوم الإثنين للإعلان “انا أدعم الشرطة وأعطيهم كل دعمي… إن الشرطة لا تلاحق أحدا، والنيابة العامة لا تلاحق أحدا، والمسؤولين القضائيين لا يسعون إلى الحكم أو الملاحقة… إن الشيء الوحيد الذي نسعى إليه هو العدل وحكم القانون”. كم كان يائسا اضطراره إلى الدفاع عن مصداقية أجهزة انفاذ القانون في إسرائيل في وجه انتقادات شديدة من قبل رئيس وزراء إسرائيل.