تقرير يكشف عن مسار ترامب المتعرج من التشكيك في ضربة إسرائيل لإيران إلى دعمها
المحادثات الخاصة والإنكار العلني والإحاطات رفيعة المستوى توضح كيف تحول الرئيس الأمريكي من مبادرات السلام إلى دعم هجوم إسرائيلي جريء

في أعقاب الهجوم الجوي الدراماتيكي الذي شنته إسرائيل على طهران، ظهرت تفاصيل جديدة توضح كيف تحول موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تدريجيا من الحذر الدبلوماسي إلى الدعم العسكري المدروس تحت ضغط إسرائيلي مستمر.
وفقا لتقرير مفصل نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”، بدأ الجيش الإسرائيلي التخطيط لضربته على إيران في ديسمبر، عقب تحولين جذريين في المشهد الإقليمي: التفكيك الفعلي للبنية التحتية العسكرية لحزب الله وانهيار نظام الأسد في سوريا.
أفسحت هذه التطورات المجال أمام إسرائيل للنظر في شن هجوم مباشر على برنامج إيران النووي، دون عائق من الدفاعات التقليدية لوكلائها الإقليميين.
إحصل على تايمز أوف إسرائيل ألنشرة أليومية على بريدك الخاص ولا تفوت المقالات الحصرية آلتسجيل مجانا!
لطالما دعا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى شن ضربة استباقية على المواقع النووية الإيرانية، محذرا من أن الانتظار طويلا قد يسمح لطهران بتجاوز عتبة لا رجعة فيها. لكن الإدارات الأمريكية السابقة، بما في ذلك إدارة ترامب نفسه خلال ولايته الأولى، امتنعت مرارا عن مثل هذا السيناريو، خشية إغراق المنطقة في حرب أوسع نطاقا.
ووفقا للتقرير، فإن ما تغير في عام 2025 كان مزيجا من العزم الإسرائيلي، والتغيرات في الديناميات السياسية الأمريكية، وإحباط ترامب المتزايد مما بدا أنها مماطلة دبلوماسية من جانب إيران.
محاولة نتنياهو في المكتب البيضاوي
عندما زار نتنياهو البيت الأبيض في فبراير، لم يأتِ خالي الوفاض. إلى جانب الهدايا الرمزية، قالت نيويورك تايمز إنه أحضر معه عرضا تقديميا تم إعداده بعناية يشرح بالتفصيل القدرات النووية لإيران. وادعى أن المخابرات الإسرائيلية أظهرت أن طهران قد قصّرت بشكل كبير الجدول الزمني لإنتاج سلاح نووي محتمل، رغم أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية لم تؤكد ذلك في تقييماتها.

كانت حجة رئيس الوزراء تكتيكية بقدر ما كانت وجودية. فقد أصر على أن الاستعداد لضربة عسكرية من شأنه أن يعزز الموقف الدبلوماسي. فإذا اعتقدت إيران أن الهجوم وشيك، فقد تكون أكثر استعدادا لتقديم تنازلات.
لكن نتنياهو وضح أيضا أن إسرائيل لن تنتظر إلى ما لا نهاية لنجاح المسارات الدبلوماسية.
لكن ترامب، الذي انتُخب لولاية ثانية على أساس برنامج انتخابي وعد فيه بتجنب التورط في صراعات عسكرية جديدة، رفض عرض نتنياهو.
وقد عيّن صديقه ستيف ويتكوف مبعوثا للشرق الأوسط بهدف صريح هو التوصل إلى حل تفاوضي مع إيران. بل أن ترامب، في بادرة حظيت بتغطية واسعة، أرسل رسالة مباشرة إلى المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي أعلن فيها رغبته في السلام وإبرام اتفاق محتمل.

ولكن بحلول شهر مايو، أصبح الأمر واضحا. فقد بدأ ترامب يشك في جدية إيران. ووفقا للتقرير، كشفت تصريحات وراء أبواب مغلقه أنه شعر أن الإيرانيين ”يتلاعبون به“ بطريقة تذكره بما عاشه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال محادثات وقف إطلاق النار المتعثرة في أوكرانيا.
نقطة محورية في كامب ديفيد
في 8 يونيو، مع تصاعد التوترات، عقد ترامب اجتماعا لفريق الأمن القومي في كامب ديفيد. وقدم مدير وكالة الاستخبارات المركزية جون راتكليف تقييما جديا: إسرائيل على وشك شن هجوم شامل، بدعم أمريكي أو بدونه، حسبما أفادت نيويورك تايمز.
وكشف راتكليف أن للجيش الإسرائيلي قوات على الأرض بالفعل داخل إيران.
أمام احتمال أن تفاجئه حرب إقليمية، درس ترامب خياراته. فمن جهة، كان بإمكانه أن ينأى بالولايات المتحدة تماما. ومن جهة أخرى، كان بإمكانه الانضمام إلى الهجوم، ربما إلى حد دعم تغيير النظام في طهران. في النهاية، اختار حلا وسطا – تزويد إسرائيل بدعم استخباراتي “لم يُكشف عنه بعد” مع الحفاظ على الموقف العلني الداعم للدبلوماسية.

ووفقا للتقرير، كانت المكالمة التي جرت بين ترامب ونتنياهو في اليوم التالي حاسمة. فقد أوضح الزعيم الإسرائيلي أن المهمة قد بدأت بالفعل. وأعرب ترامب، الذي أعجب بالتخطيط الدقيق والجرأة في التنفيذ من جانب إسرائيل، لمساعديه في حديث خاص قائلا: ”أعتقد أننا قد نضطر إلى مساعدته“.
من التردد إلى تلميحات بالمشاركة
في البداية، ظلت الإدارة الأمريكية حذرة في تصريحاتها العلنية. ولم تصدر أول تعليقات رسمية بعد الضربات عن الرئيس، بل عن وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي بالنيابة ماركو روبيو، الذي لم يصل إلى حد تأييد الإجراءات الإسرائيلية أو تأكيد مشاركة الولايات المتحدة.
لكن مع تواصل الغارات الجوية الإسرائيلية وقيام إسرائيل بشن ضربات دقيقة على القيادة الإيرانية والبنية التحتية الاستراتيجية، بدأت نبرة ترامب تتغير. صباح يوم الجمعة، مع تغطية الشبكات التلفزيونية – وخاصة فوكس نيوز – بشكل شبه مستمر للبراعة العسكرية الواضحة لإسرائيل، انضم ترامب إلى الرواية. وبدأ يلمح للصحفيين بأن إدارته لعبت دورا أكبر وراء الكواليس مما تم الكشف عنه سابقا.
وقالت صحيفة نيويورك تايمز إنه في جلسات خاصة، طرح ترامب إمكانية تصعيد مشاركة الولايات المتحدة بشكل أكبر. وتناولت المناقشات خيار السماح للطائرات الأمريكية بتزويد الطائرات الإسرائيلية بالوقود أثناء المهمة، وحتى نشر قنابل قادرة على تدمير المخابئ المحصنة وعلى ضرب المنشآت النووية الإيرانية المحصنة تحت الأرض في فوردو.

نهاية الدبلوماسية؟
على الرغم من استمرار الإشارات التي تشير إلى أن الحل الدبلوماسي لا يزال ممكنا – فقد طرح ترامب فكرة إرسال ويتكوف أو نائب الرئيس جي دي فانس للتفاوض مع إيران – إلا أن الزخم كان يتجه بوضوح في اتجاه آخر. وأفاد التقرير أن انهيار المفاوضات السرية في عُمان ورفض خامنئي لمقترح أمريكي في 4 يونيو شكّل نقطة تحول.
في الوقت الذي كان فيه الجناح الأكثر انعزالية في دائرة ترامب، بما في ذلك فانس، يحذر من مخاطر الانزلاق إلى حرب لتغيير النظام، بدا الرئيس أكثر انفتاحا على فكرة زيادة التدخل العسكري. تقلصت الفجوة بين النوايا والواقع بسرعة، مع انجذاب ترامب نحو الأهداف الاستراتيجية لنتنياهو وتزايد خيبة أمله من مسار الدبلوماسية.
التطلع إلى المستقبل
مع استمرار الضربات الإسرائيلية على طهران دون توقف، وتزايد عجز الجهود الدبلوماسية، تشير جميع الدلائل الآن إلى مشاركة أعمق للولايات المتحدة.

على الرغم من أن ترامب لم يعط الضوء الأخضر بعد لشن ضربة عسكرية، إلا أن الانتشار الأخير للقوات العسكرية الأمريكية في المنطقة يشير إلى استعداد واضح للقيام بعملية عسكرية.
أكد مسؤولون في البيت الأبيض أن العمل العسكري نوقش على أعلى المستويات هذا الأسبوع، حتى مع استمرار ترامب في الإصرار على على أن التهديد بالقوة وحده هو الذي سيكون كافيا لإجبار إيران على التنازل.
على الرغم من توقيعه على بيان مجموعة السبع الذي يحث على تهدئة التوتر، اتخذ ترامب نبرة أكثر عدوانية في الأيام الأخيرة، داعيا علنا إلى إخلاء طهران ومكررا موقفه الواضح بأن إيران يجب ألا تحصل أبدا على سلاح نووي.